فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن-العدد: 4588 - 2014 / 9 / 29 - 00:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ما زلنا فى استلهامات العام الدراسىّ الجديد. ولإيمانى بأن بناءَ مصرَ الجديدةِ يبدأ من التعليم، كما فعلتِ الدولُ المتقدمة، لا أكفُّ عن الحُلم بانصلاح منظومة التعليم فى بلادى.
بعد مقالى الأسبوع الماضى: «مدرس الرياضيات»، انهالت علىّ الرسائلُ، سواء من أولياء أمور يشكرون الَله أن أبناءهم هذا العام تلامذةُ هذا الُمعلّم المحترم، أو من تلامذةٍ قُدامى، كبروا وصاروا رموزًا رفيعة فى المجتمع، يفخرون، مثلى، بأنهم تتلمذوا على يديه.
من تلك الرسائل اخترتُ واحدةً كتبها محام دولىّ، يُعلن ولاءَه لأستاذه، معلّم الفضيلة، والرياضيات.
«إلى الأستاذة/ فاطمة ناعوت. أقول (أستاذة) لأؤكد أن مَن ترعرع تحت قبّة الأخلاق التى شيّدها المعلّم الفاضل مسيو (موريس إسكندر)، بحروف من ذهب، لا بد أن ندين له بالأستاذية. أثناء نشأة جيلى، حيث بدأتِ الأخلاقُ تخبو كشبح خيالىٍّ من الفولكلور المندثر، كان القليلُ من المعلمين يستحقون لقب (مُعلِّم فاضل). يعلّم الأخلاق قبل أن يعلّم اللغة العربية أو الرياضيات أو الفلسفة. وهنا، ترك الأستاذ موريس علامته وبصمته. لم يكن معلمَ الرياضيات فى فصلى، ولكن شاء القدرُ الطيبُ أن يتولى مسؤولية فصلى لأتعلم الأخلاق.
ماذا يفعلُ المرءُ حين يرى معلمًا مسيحياً (وأعتذر عن العنصرية) يقتبس آياتٍ من القرآن الكريم، ليعلّمنا مكارمَ الأخلاق وصفاء القلب مع الأعداء قبل الأصدقاء، فى الخير والشر، فى الغضب والرضاء. أدركتُ حينها أن المدرسة مكانٌ أتعلمُ فيه الأخلاق، والثقافة، والرضاء، والمحبةَ، والتحضّر معًا.
أذكر يومًا، وكنتُ صبيًّا صغيرًا، أنِ اشتكى مسيو موريس من تحطم زجاج سيارته إثر ركلة كرة قدم من أحد التلاميذ. وقال: (ده هيكلفنى كام ده؟ فأجبتُ مازحاً: ١٠٠ جنيه بالكتير)! فأشرق وجه الأستاذ وضحك قائلا: (١٠٠ جنيه إيه يا بنى هو إزاز نضارة)؟! وعند صعودنا للفصل أكمل ضاحكًا: اطلع امسح السبورة بـ١٠٠ جنيه يا بنى! هنا تعلمتُ كيف أحوّل المشكلةَ إلى ابتسامة، ثم تعلّمت قيمة الرضا، حين قال: (يا الله! الحمد لله على كل حال، وأكمل الدرسَ ببشرٍ كأن شيئًا لم يكن).
لقد حظيتِ يا أستاذة، كما حظيتُ أنا، بفرصة التربية قبل التعليم. نموذجٌ أرجو أن يحتذيه مَن يرغب فى لقب (معلِّم فاضل) حتى يجد فى مقبل الأيام رموزًا عالية فى المجتمع تذهب إليه وتستوقفه قائلة: (أنا كنت تلميذك...ونفسى أشكرك).
أرجو أن توصلى، بكل احترام ومحبة، كلماتى للأستاذ موريس إسكندر، مع تحياتى واحترامى».
محمد الشربينى
محام دولى
أبناء مدرس الرياضيات
#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟