|
مفهوم التناقض والتضاد
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4583 - 2014 / 9 / 23 - 22:12
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
التناقض والتضاد من حالات المقابلة بين الأشياء حالتين يمكن الخلط بسهولة بينهما إستنادا إلى المعطيات التعريفية العامة المتداولة بين من يستعمل هذه المصطلحات دون أن يكون من اليسر التفريق بينهما دلالة وهما حالتي التناقض والتضاد,فالناس تقول أن لكل حال هناك نقيض له ويعدون النقيض كالضد تماما وهم يستعملون احد المصطلحين بدل الأخر على وجه التسامح والبساطة. والحقيقة أن لكل منهما حدود دلالية ومقاصد معنوية تكشفها حالات التناقض والتضاد بالواقع العملي والمعرفي العلمي أيضا وهو مجال علم الكلام والمنطق.فالأبيض هو ضد الأسود عقلا كما الليل هو ضد النهار بلا شك,ولكن هل يمكننا أن نقول أن الأسود هو نقيض الأبيض؟.أو أن الليل هو نقيض النهار؟.إذا قلنا نعم فما يمكن لنا أن نصف اللون الرمادي بالنسبة للأبيض والأسود .وماذا يمكننا أن نقول للمغرب الذي هو لا ليل كامل ولا نهار كامل؟. ففي تاج العروس مثلا نجد كلمة ضد تعني ((الضد ،بالكسر:كل شيء ضاد شيئا ليغلبه.والسواد ضد البياض،والموت ضد الحياة،قاله الليث. والضد،عن ثعلب وحده،والضديد:المثل وجمعه:أضداد.ويقال:لا ضد له ولا ضديد له،أي لا نظير له ولا كفء له.ويقال:لقي القوم أضدادهم وأندادهم،أي أقرانهم.وقال الأخفش:الند:الضد والشبه((وتجعلون له أندادا))أي أضدادا وأشباها.والضد والضديد والضديدة الأخيرة عن ثعلب:المخالف،ضد قال ابن السكيت:حكاه لنا أبو عمرو: الضد:مثل الشيء والضد: خلافه.ومثله في المحكم والمصباح.وضاده: خالفه،فأراد أحدهما طولا والثاني قصرا،فهو ضده وضديده،وهما متضادان،وقد يقال إذا خالفه فأراد وجها يذهب فيه،ونازعه في ضده:هو مضاده،وضديده،ونده ونديده،للذي يريد خلاف الوجه الذي تريده،وهو مستقل من ذلك بمثل ما تستقل به)) . من التعريف السابق يتبين أن الضد له أشراط حتى يكون ضد بالمعنى الحقيقي ,وهذه الأشراط هي كما أسقصيناه من فهمنا للمادة من التعريف وهي:. • النقض والتناقض لا بد أن يكون في محل الصفة الاسمية من الشيء أي في أعراضه الخارجية وما ترسمه من ماهية خاصة به ولا تتعلق بالجوهر التكويني,فاللون كموجود هي ما ترسمه تفاعلات المادة مع الضوء إستنادا إلى نوعية المادة التي تعكس النور,والمادة في أصل جوهرها واحدة ولكن الحركة الجوهرية وما يتبع من حركة في الأعراض الخارجية هي التي تعطي ماهية الأبيض والأسود,فصفة اللون هي التي يقع فيها التضاد وليس في أصل المادة. • الضد والمضاد لابد أن يكونا على طرفين من نقطة الصفر التي تجمع الصفتين فيتلاشى أثر الصفتين عندها وهي ما تسمى منطقة الصفر المطلق,وكلا الطرفين لا بد أن يكونا متساويين بالمقدار من نقطة الصفر ومختلفين بالإتجاه على خط واحد. • لا يمكن الجمع بين الضدين في أطار واحد أو في محل واحد لأن جمعهما ليس مستحيلا مطلقا ولكن الجمع بينهما يساوي (صفراً مطلقا)والصفر بين الحالين لا يثبت لأحدهما دون الأخر فيفقد الضدان الماهيات التمييزية بينهما ويصبحا شيء أخر لا صلة له بهما. • لا يثبت الضد إلا بوجود مضاده ولو أنتفى أحدهما أنتفى وجود الأخر تحصيلا,فلو لم يكن الأبيض موجود لما استدللنا على وجود الأسود,وبغياب الليل لا يعرف للنهار معنى فهم متلازمان عقليان ومنطقيان تلازم وجود. • إن التضاد بين الصفات إنما يكون في المحل الواحد لا في المحلين،أي أن الصفة التي هي محل التضاد يجب أن تكون ثابتة لماهية واحدة ولا يمكن أن تكون لأكثر من محل ما هوي,فمن كان موصوفاً بالموت تكون ضادته الحياة،ومن كان موصوفاً بالحياة ضاده الموت،والله سبحانه يمتنع أن يكون ظلمة أو موصوفاً بالظلمة،كما يمتنع أن يكون ميتاً أو موصوفاً بالموت.فهذا المعترض أخذ لفظ الضد بالاشتراك بين ماهيتين،ولم يميز بين الضد الذي يضاد ثبوته ثبوت الحق وصفاته وأفعاله،بين أن يكون في مخلوقاته ما هو موصوف بضد صفاته.وبين ما يضاده في أمره ونهيه،فالضد الأول هو الممتنع،وأما الآخران فوجودهما كثير،لكن لا يقال:إنها ضد لله، فإن المتصف بضد صفاته لم يضاده. فالمتضادان وما هو بديهي أنهما لا يجتمعان في الشيء الواحد، ولكننا مع ذلك نرى الأصوليين يبحثون هذه المسألة ويختلفون فيها على مذاهب،ومثار اختلافهم ليس إمكان اجتماع الضدين في الواحد أو عدمه لو أخذناه بالمعنى الواحد العيني،فانه مسلم بامتناعه من الجميع،ولكن مثار اختلافهم هو معنى الواحد من كونه جنس وفصل أي من الماهية ،فإن كان الواحد واحداً بالنوع أو الجنس والفصل فيمكن تصور الضدية أما لو كان ليس له نوع ولا جنس ولا صنف مثله فلا يمكن تصور الضدية فيه كما في حال وصف الله فليس له نوع وجنس وصنف مشاكل فيكون قطعا ممتنع عن الضدية،وقد يكون واحداً بالعدد،ثم إن كلا منهما قد تتعدد صفاته أو إضافاته أو لا تتعدد ومن هنا قلنا أن التضاد المقصود هو الذي في الجنس والفصل والذي تتعلق الماهية به. • وأخيرا جاء في المعاني التي وردت في المعاجم إن المضادة تعني المغالبة وهذا غير صحيح لأن ضد الشيء ليس الغالب أو المتغلب ولكنه المنازع الوجودي له,فهما يتنازعان المحل ويستحوذ كل منهم على المجال الأخر ليطغي عليه إن أمكنه ذلك فهما متنازعان وليس فيهم غلبة بل تنازع على الغلبة {إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }الأعراف54. أما النقيض فليس له تلك الخصائص التي يتمتع بها الضد وضده ولكن ومن خلال البحث في أسرار اللسان العربي نجد أن مفهوم النقض مفهوم قائم على التنازع السلبي,وليس التنازع الدوري بين صفتين متقابلتين لا ينفكان أن يتواجدا على سطح واحد بوجهتين مختلفتين {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً}النحل92,فالنقيض هو الذي يسعى للتغلب على المبنى المعنوي لمنازعه ليحل محله ويبسط فعله محل فعل المنقوض.وهكذا يمكننا أن نتصور وجود النقيضين في محل واحد في آن واحد ولكن ينقص من أحد النقيضين بمقدار ما يزيد عند الأخر,فالمرض ينقض الصحة ولكن لا يلغي وجودها حتى يستنفذ هو وجود الصحة تماما فيكون فعل المرض هو الذي تغلب على مفعول الصحة وإن تواجدا في محل واحد وفي آن واحد,ويمكن أن يحدث العكس تماما. ومن تتبع كلام الله المجيد فيما يخص مفهوم النقض نجد أن الكثير من الآيات ونحصرها هنا للدلالة على مفهوم التنازع الفعلي للنقض لا تخرج أبدا عن هذا المعنى:. 1. {الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ }البقرة27. 2. {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً }النساء155. 3. {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }المائدة13. 4. {الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ }الأنفال56. 5. {الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ }الرعد20. 6. {وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ }الرعد25. 7. {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ }النحل91. 8. {فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً }الكهف77. في جميع النصوص نرى أن النقيض ليس بمعنى الضد ولكنها هو الفعل الذي به يجعل الوصف مضاد للوصف السابق فهو يرد على الحال الفعلي وليس على الحال الوصفي والذي جاء مثلا بالنص المقدس التالي {كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً}مريم82,فالكفران بالعبادة ليس إلا حال للنقض بالفعل وهذا الفعل عند إتمامه يجعل من صفة الفاعل أو المفعول متغيرة إلى الضدية التي كان عليها الوصف السابق قبل النقض. فالنقيض هو ليس الضد بالصفة ولكن هو المنازع للفعل الموصوف بعد تمامه أو استوائه على الحال,وفي هذا نجد عند العرب النقض ومشتقاته تكون بهذا المعنى((النقض في البناء،والحبل،والعهد،وغيره, ضد الإبرام، كالانتقاض والتناقض ، وفي المحكم:النقض:إفساد ما أبرمت من عقد أو بناء،وذكر الجوهري الحبل والعهد.ونقض البناء هدمه.وجعل الزمخشري نقض العهد من المجاز،وهو ظاهر.والمراد من قوله: وغيره ،كالنقض في الأمر،وفي الثغور،وما أشبههما.ونقضه ينقضه نقضا، وانتقض،وتناقض.وانتقض الأمر بعد التئامه، وانتقض أمر الثغر بعد سده .والنقاضة،بالضم:ما نقض من حبل الشعر،كما في العباب.وفي اللسان :ما نقض من الأكسية والأخبية التي نكثت ثم غزلت ثانية.وفي التنزيل العزيز {الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ}الشرح3قال ابن عرفة:أي أثقله حتى جعله نقضا،أي مهزولا،وهو الذي أتعبه السفر والعمل فنقض لحمه،أو أثقله حتى سمع نقيضه،أي صوته،وهذا قول الأزهري.وقال الجوهري:وهو من أنقض الحمل ظهره،أي أثقله،وأصله الصوت.قلت:هو قول مجاهد وقتادة ،والأصل فيه أن الظهر إذا أثقله الحمل سمع له نقيض،أي صوت خفي، كما ينقض الرجل لحماره إذا ساقه.والنقيضة:الطريق في الجبل،نقله الصاغاني.ومن المجاز:نقيضة الشعر،وهو أن يقول شاعر شعرا فينقض عليه شاعر آخر حتى يجيء بغير ما قال،قاله الليث،والاسم النقيضة، وفعلهما المناقضة،وجمع النقيضة:النقائض،ولذلك قالوا: نقائض جرير والفرزدق.ومن المجاز:المناقضة في القول:أن يتكلم بما يتناقض معناه،أي يتخالف.والتناقض:خلاف التوافق،كما في العباب،وهو مفاعلة من نقض البناء،وهو هدمه،ويراد به المراجعة والمراودة، ومنه حديث صوم التطوع,فناقضني وناقضته".وناقضه مناقضة: خالفه.أي ناقضته في قوله وهجوه إياي.ومن المجاز:الدهر ذو نقض وإمرار،أي ما يمره يعود عليه فينقضه،ومنه قول الشاعر :إني أرى الدهر ذا نقض وإمرار ,ومن المجاز:وفي كلامه تناقض،إذا ناقض قوله الثاني الأول.وذا نقيض ذا،إذا كان مناقضه. وتناقض الشاعران.وانتقض عليه الثغر.وانتقضت الأمور والعهود.ونقض فلان وتره،إذا أخذ ثأره.وكل ذلك مجاز )) . ومن ذلك نستنتج الخصائص التالية للمتناقضان أثناء الحدوث الفعلي وليس الحال الوصفي لهما من قبل أن يكون فعل النقض موجود ,لأن في الفعل الناقض تتغير الصفات وتتحول المتناقضات إلى أضداد لها نفس الخصائص التي تقدمت,وهذا ما جعل البعض يقول لا يجتمع المتناقضان على حال واحد في محل واحد وفي زمان واحد,فهم يقصدون الحال الوصفي{الضدانية}الذي هو نتيجة(نتيجة الفعل الناقض) وليس أصل معنى النقيض:. • إن المعنى المقابل للنقض هو الإبرام وهو فهل تحصيلي محسوس ملموس وبالتالي هو جوهر حركي,وما يقابل المنقوض هو المبرم كصفة,وما يتولد من الصفتان هما الضدان وهذان المتقابلان ليس جوهر حركي لكنهما ماهية ذهنية حقيقية. • لابد من تلازم حضوري بين الناقض والمنقوض عينا وواقعا فلا يأتي المرض لينقض الصحة ما لم تكن الصحة موجودة أصلا ولو عدم المنقوض لا قيمة للناقض أصلا أو الفعل الذي يصدر منه وينتج النقيض,عكس المراد بإستحالة ترافق الضدان معا,ولكون ترافقهما معا ينتج الصفر المطلق الذي لا يشير لا إلى إيجابية فعلية ولا سلبية منه. • يمكن لنا أن نتصور وهذا حقيقي وممكن أن يعود المنقوض إلى حاله أما بسبب زوال الفعل الناقض أو غلبته عليه وبالتالي إختفاء أحد الطرفين من المعادلة دون أن تكون هناك إشكالية,عكس الضدان الذي إن فقد أحدهما فقد الأخر قطعا ولا يمكن تصور حلول أحدهما حلولا كاملا محل الأخر بحيث ينتفي وجودا((إن الأضداد توجد في صلة فيما بينها.وهذه الصلة وثيقة لا تنفصم عراها لدرجة إن الأضداد لا تستطيع البقاء خارجها.ونحن نسمي هذه الصلة وحدة الأضداد.إن الميتافيزيائيين ينكرون هذه الوحدة.فهم يعتبرون إن كل ضد من الأضداد يقوم بحد ذاته.غير أن الأمر في الواقع ليس كذلك )).أما في المتناقضان في حال الفعل الناقض لا أشكال بكون البقاء النقيض خارج الصلة وهو البديهي لأن المتناقضين لا تجمعهما وحدة أصرة جوهرية بل تقابل موضوعي (حالي) متعلق بالفعل ونتائجه فقط. هذه الخصائص التكوينية للنقيض تختلف عما وجدناه في الخصائص الضد التكوينية وهذا ينبع من كونية الأختلاف بينهما يعود لوجود فرق حقيقي بين المتناقضان كحال فعلي أنتج وصفا ماهويا وبين الضدان كحال وجودي عرضي حقيقي وقد يكون جوهري أصلي,فالأول نتاج تحول بفعل والثاني أصيل بالضرورة,وما بينهما فرق لا يمكن أن يجمع بينهما على أنهما مفهوم واحد. لقد أختلط على الكثير ممن تعامل بالمعرفة والفلسفة والفكر المعرفي ما توصلنا إليه من وجود فوارق حقيقية بين المدلولين,وإنا إذ نستعرض بعض هذه التصورات إنما نريد أن نؤكد مذهبنا في ضرورة التفريق بين المباني على أساس من القصديات والدلالات الحقيقية وليس على الفهم المبسط والشعبي المستسهل لكل ما هو ميسر((إن قانون نفي النفي يتناقض في جوهره مع مفهوم وحدة المتناقضات من قانون وحدة وصراع الأضداد.ذلك إن جوهر قانون نفي النفي يتمثل بان الدرجة العليا من التطور تؤدي إلى إزالة الجانب السلبي من الدرجة الدنيا من التطور مع الاحتفاظ بالجانب الايجابي منها وهذا يعني نقض المبدأ الأساسي في مفهوم وحدة الأضداد القائل بعدم إمكانية إزالة احد المتضادين(أي احد جانبي التناقض) من دون إزالة الجانب الآخر للتناقض (أي الضد المقابل) . فبموجب مفهوم وحدة الأضداد زوال الجانب السلبي من الدرجة الدنيا من التطور لا يمكن أن يتحقق إلا بزوال الجانب الايجابي لهذه الدرجة أي أن زوال الجانب السلبي للدرجة الدنيا من التطور يؤدي بالضرورة إلى فناء الجانب الايجابي منها واستحالة الاحتفاظ به وهذا ما يهدم المفهوم الأساسي الذي يقوم عليه قانون نفي النفي.إن المسألة ليست مسألة نظرية فحسب بل شيء عملي)) . في هذا المقال والذي ينسب إلى الماديين الديالكتكيين يتضح جليا الجهل التام بمؤديات التفريق بين ما هو متناقض كونه حال مولد من الفعل التناقضي الذي هو محكوم بعوامل خارجية وداخلية تؤثر في بناء هذا التناقض وبين حقيقة الضد والضد الأخر كونهما مفهومان جوهريان مرتبطان بقانون وحدة الضدين والذي شرحنا خصائصه سلفا,فليس النقيضان هما الضدان حتى نقول(واستحالة الاحتفاظ به وهذا ما يهدم المفهوم الأساسي الذي يقوم عليه قانون نفي النفي ),فزوال الجوانب السلبية أو حتى الإيجابية في بعض الأحيان مرتبط بقانون التناقض القائم على مفهوم الأحتكاك بين الموضوع الذي ينشأ فيه التناقض وبين علة النقض تولد حال جديد أساسه الفعل الناقض ومنه يكتسب صفة المضادة وليس انتقال من حال طبيعي لحال طبيعي. فمثلا قانون نفي النفي ما هو إلا صورة من صور قانون وحدة الأضداد وهو قانون طبيعي بمعنى أن الضدانية التكرارية والتي هي خصيصة من خصائص الضد تتعاقب طبيعيا لتولد هذا القانون دون أن يكون للفعل الخارجي دور في تحقق ماهية التحول{يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}الحديد6. في كُراس ""في التَّناقض"" وفقاً للنَّصِّ الصِّينيِّ من ""المُؤلَّفاتِ المُختارة لماو تسي تونغ""، المجلَّد الأوَّل (دار الشَّعب للنَّشر ببكين في يوليو/ تموز 1952). نجد مثالا للفهم السيئ واللا متوافق مع كونية الأختلاف بين أسس التطور القائمة على حتميات الصراع بين الأضداد أو ما يسمى بالصراع الكوني بين عوامل التغيير وبين علات التناقض كون الحتمية في الأخير لا بد لها من نتائج تتعلق بتبدل المتغيرات على النحو الذي يفرز حال متغير ومتبدل ينشي نتائج فارقة في مستويات التطور الكمي والنوعي والحالي أيضا للموضوعات التي ينشأ فيها أو تكون محلا للصراع التناقضي إستنادا إلى قانون البقاء للأصلح وليس بناء على قانون البقاء للأقوى. يقول ماو تسي تونغ((ومن وجهة النَّظر الدِّيالكتيكيّة المادِّيّة،فإن التَّبدُّلات تنشأ في الطَّبيعة بصورة رئيسيّة عن تطوُّر التَّناقضات الكامنة فيها.وتغيرات المجتمع ترجع في الأساس إلى تطوُّر التَّناقضات الباطنية فيه،وهي التَّناقض بين القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج، والتَّناقض بين الطبقات،والتَّناقض بين القديم والجديد،وتطوُّر هذه التَّناقضات هو الذي يدفع المجتمع إلى الأمام،يدفع المجتمع الجديد لكي يقضي على المجتمع القديم.فهل يستبعد الدِّيالكتيك المادِّيّ الأسباب الخارجيّة؟ كلا. فالدِّيالكتيك المادِّيّ يعتبر أن الأسباب الخارجيّة هي عامل التَّبدُّل،والأسباب الباطنية هي أساس التَّبدُّل،وأن الأسباب الخارجيّة تفعل فعلها عن طريق الأسباب الباطنية.فالبيضة تتبدل في درجة حرارة ملائمة فتصير كتكوتاً،ولكن الحرارة لا تستطيع أن تحول حجراً إلى كتكوت،لأن كل منهما أساساً يختلف عما للآخر)) . لم تفرق المقالة بين حال التناقض وإن أشار حقيقة إلى علة التغييرات التأريخية تكمن في وجود التناقضات الذاتية في ذات المجتمعات المتحولة ولكن ليس كل التطور يعزى لهذا السبب,فحتمية الصراع بين الأضداد وتوالي نتائجها على الحياة اليومية وما ينتج من تعاقب الغلبة بين أطراف الصراع هو الذي يحرك عوامل التناقض ويصنع فرص التغلب لأحدهما على الأخر دون أن تكون العملية منفصلة بين الأساس الذاتي كما أشار وسماها التناقض الأساسي وبين العوامل الخارجية والتي أراد أن يجعل منها عوامل فوقية تحدد مسار العوامل الذاتية,فالصراع هو وحدة متكاملة من المفاهيم والأسس والعوامل التي تتكامل فيما بينها لتنشي قانون الصراع الأزلي الذي يكمن في قدرة الموضوع على أن يكون محلا مناسبا للتبدل والتغيير وعلى أساس من طبيعة هذا المحل تكوينا وتكيفا. هذه التَّناقضات الكامنة ترجع في صيرورتها محلا للتطور والتبدل إلى أصلية الكينونة الشيئية,والتي منشأها خارجيا عن الموضوع كما أنها محكومة أصلا بوجود الضد الطبيعي لها فهي متصلة به تكوينا ومنفصلة عنه وتكيفيا لكنهما محكومان معا بالعامل المكون الخارجي والذي يتحكم بالمتبدلات على أساس قانون الصراع الأزلي بين ما هو واجب ومستحق وجدير بالأخذ به وبين ما هو زائف وطارئ ومؤقت,وهنا تكمن حقيقة الإنتساب للضد أو للتناقض. وفي نفس المقالة مثلا نجد حدة الخلط بين الضد والنقيض بالنظر إليهما على أنهما واحد ويستعمل الكلمة بدل الأخرى ليشير إلى وحدة التناقض بينما هو يعني وحدة الضدان((ولماذا ينبغي للفكر الإنساني ألا ينظر إلى هذين الضدَّين كشيئين ميتين جامدين،بل كشيئين حيين مشروطين قابلين للتبدل ولتحول أحدهما إلى نقيضه«؟ لأن تلك هي بالضبط حقيقة الأشياء الموضوعيّة.إن وحدة أو اتحاد طرفي كل تناقض في الأشياء الموضوعيّة هي بطبيعتها ليست بالشَّيء الميت،الجامد،بل هي شيء حي،مشروط،قابل للتبدل،مؤقت،نسبي،فكل طرف من طرفي أي تناقض يتحول بفعل عوامل معينة إلى نقيضه.وبانعكاس هذه الحقيقة في الفكر الإنساني تتكون النَّظرة الدِّيالكتيكيّة المادِّيّة الماركسيَّة إلى العالم)) . هذا هو القانون الأساسي الذي يزعم الديالكتيك صالحاً لتفسير الطبيعة والعالم،وتبرير الحركة الصاعدة وما تزخر به من تطوّرات وقفزات.فهو حين أقصى من فلسفته مفهوم المبدأ الأوّل(أصالة الكينونة)،واستبعد بصورة نهائية افتراض السبب الخارجي الأعمق (الفيما حولية)، وجد نفسه مضطرّاً إلى إعطاء تبرير وتفسير للجريان المستمرّ والتغيّر الدائم في عالم المادّة ليشرح كيف تتطوّر المادّة وتختلف عليها الألوان،أي ليحدّد رصيد الحركة والسبب الأعمق لظواهر الوجود، فافترض أنّ هذا الرصيد يوجد في المحتوى الداخلي للمادّة(ذاتية طبيعية محضة) لا تتعلق بنطاق خارجي عنها، فالمادّة عنده تنطوي على التموين المستمرّ للحركة ذاتيا وأصيلا مستندا على فكرة أن المادة الطبيعة هي المكون الأول لنفسها وهي القادرة بذات الكيفية على التطور من خلال القانون الطبيعي الديالكتيكي للمادة. خلاصة القول مما تقدم يمكننا أن نقول وبكل ثقة أن مفهوم النقيض لو نظرنا إليه من ناحية التكوين وليس كنتيجة وحال تختلف تماما عن الضد الذي هو من الثوابت الطبيعية التي لا تتبدل لا بفعل عوامل داخلية ولا خارجية فالليل لا ينقض النهار ولا الأسود ينقض الأبيض ويبقى الليل ليلا والنهار نهار على اعتبار أنهما مفهومان طبيعيان أصيلان أما تبدل الوصف فيستند إلى تغيير الموضوع المحمول على أحدهما ولكن لا يعني نقض الليل ليحل محله النهار,ولا تبدل الأبيض إلى الأسود نتيجة وجود أسس كامنة وداخلية ذاتية تنتج هذا التناقض مترافقة مع عوامل خارجية تكشف هذا التناقض أبدا.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحاجة والضرورة اختلاف مفاهيم ودلالات
-
النظام الأثري وقيمه
-
التنظير و النقد الفكري
-
مصطلح الأثرية
-
الحوار ومبدأ التواصل ح1
-
الحوار ومبدأ التواصل ح2
-
عن حوار الجدران ح1
-
عن حوار الجدران ح2
-
المادية الفكرية والنتيجة المستخلصة ح1
-
المادية الفكرية والنتيجة المستخلصة ح2
-
العقلانية التأريخية وتصادمها مع المادية التأريخية
-
البرغمانية الكهنوتيه
-
الفكر التوراتي وتأثيراته على الفلسفة المادية الحسية
-
متى تكبر أحلامي الصغيرة
-
نبيل نعمة الجابري مصورا صوفيا في عالم الحرف
-
تأثيرات المادية على الفكر الإنساني ونتائجه
-
علاقة نشوء الحداثة كفكر فلسفي بالعلمانية السياسية
-
قصائدي ............... لحن الفضة والذهب
-
تطور قواعد السلوك الدولي ومبادي القانون الأممي الكوني
-
المسئولية الأفتراضية عن الأرهاب ونسبتها للعرب والمسلمين
المزيد.....
-
-حالة تدمير شامل-.. مشتبه به -يحوّل مركبته إلى سلاح- في محاو
...
-
الداخلية الإماراتية: القبض على الجناة في حادثة مقتل المواطن
...
-
مسؤول إسرائيلي لـCNN: نتنياهو يعقد مشاورات بشأن وقف إطلاق ال
...
-
مشاهد توثق قصف -حزب الله- الضخم لإسرائيل.. هجوم صاروخي غير م
...
-
مصر.. الإعلان عن حصيلة كبرى للمخالفات المرورية في يوم واحد
-
هنغاريا.. مسيرة ضد تصعيد النزاع بأوكرانيا
-
مصر والكويت يطالبان بالوقف الفوري للنار في غزة ولبنان
-
بوشكوف يستنكر تصريحات وزير خارجية فرنسا بشأن دعم باريس المطل
...
-
-التايمز-: الفساد المستشري في أوكرانيا يحول دون بناء تحصينات
...
-
القوات الروسية تلقي القبض على مرتزق بريطاني في كورسك (فيديو)
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|