|
طفلتي التي لن أنجبها ...
حملاوي فاطمة الزهراء
الحوار المتمدن-العدد: 4579 - 2014 / 9 / 19 - 08:41
المحور:
الادب والفن
طفلتي التي لن أنجبها ... لن أحملك وزر تفاهتي لن أسمح لغريزتي الحيوانية أن تخترق حاجز خلوتك ، لن أسمح لترهات وجودية أن تبعثك من مرقدك ... نكاية في ، و في اللذين ينتظرون لحظة انتشائي ليتمخطوا بمعبدي ، نكاية في اللذين ينتظرون استدارة بطني ليقرعوا الطبول و يتجاذلون حول تسميتك ، طفلتي التي لن أراها لا أريدك أن تكوني شيئا في هذا العالم الساقط ، هذا العالم الباهت ، المزيف ، تحت رحمة كائنات تتبول و تتغوط و تتبجح بسخافتها ، لا أريدهم أن يدسوا سمومهم بداخلك ، سيعلمونك أن حب الأوطان من الإيمان ، و أن المعلم كاد أن يكون رسولا ، و أن من جد وجد و من زرع حصد ، و أن الحلم يلزمه قليل من الإرادة و العزيمة ، سيتفنون في رسم لوحة مستقبلك سيسألونك عن حلمك و سيضحكون ملئ حناجرهم خلفك ، سيعلمونك أن الاحترام واجب و أن العالم جميل و الناس أبرياء رائعون . سيملؤون دفاترك بقيم مصكوكة ، و سيخبرونك أن الخروج عن القوانين رذيلة و الانتفاضة و التمرد من شيم المجانين ، ستنجحين و تتفوقين و سيسلمونك أوسمة خسارة...ستدركين أن الوطن لم يأبه يوما بوجودك ، و أن الناس لم يسألوك يوما ماذا تريدين ، و أن الإرادة وحدها لم تكن يوما كافية و أن البقاء للأقوى دائما...ستعشقين فتى في عمرك ، سيتلذذ هو بتعذيبك و ستتمردين على وضعك و تصغي لأنين فؤادك ، ستخفي حبك لأن الحب في بلد الحمقى جريمة يعاقب عليها القانون ، ستضطرين ممارسة حبك خلف الأبواب ، بالليل بعيدا عن الأنظار وسط المقابر وراء الأشجار ، ستستأثرك المغامرة و ستعشقين خروجك من شرنقة الفريضة ، آنذاك فقط سيغتصبون طفولتك و يقتحمون كنهك و يلوثون براءتك ...عشيقك المسكين سيخبرك لاحقا أن الحب حرام و أن الله أمرنا بجلد الزاني و الزانية مئة جلدة ، سيتحول بمباركة الله إلى إمام ورع ، سيخبرك أن أعرافه و تقاليد عائلته تحتم عليه الخضوع ، سيخبرك أنك كنت استثناء و أنه عشقك بصدق لكن الواقع أقوى منكما ... و في أعماقه حقيقة واحدة وحده الدكر الشرقي يعي فحواها و يتفنن في إخفائها و يختار السبل الشتى لتزييفها : أنك يا ابنتي واحدة من عاهراته ، و قد حان الأوان ليربط جأشه بواحدة من وصيفات والدته ، زنديقة قدسها ببلاهته فاسقة برأها بجهالته وحدها هي إلهة مبجلة في نظره مادام ماضيها لم يكن معه... ستصيرين يا ابنتي قزمة أمام نفسك ، معطوبة الفكر مكلومة الفؤاد ، ستبكين حضك العاثر ستنتفضين و تصرخين و لن يأبه بك أحد ، ستحتارين بين الخطأ و الصواب بين الحق و الباطل بين الخير و الشر بين من أحبوك و من استغلوك ؟؟؟ ستعانين سقام الوحدة و الخديعة ستلعنين غباءك و سذاجتك ...ستفقدين والدك و والدتك و ستشعرين أن الكون فارغ المحتوى زئبقي الكنه ، أن اللذين أحبوك أنانيون انتهازيون ، ستتمنين العودة لخصية والدك سيخذلك الزمن ، ستتمزقين و تتفتتين و تسقطي أرضا و سيبدوا لك العالم ضيقا و أنك غريبة وسط أعراس هذا الفضاء الشفاف ، ستخسرين و سيربح الزمن ، ستجدين أن اللذين أخبروك عن الفضيلة جبناء منافقون ، ستعيشين حالة مخاض و انكسار... ستلعنين نفسك و الأقدار و الله و الكون و العالم ، ستبحثين عن الخلاص و الهروب من هذا المستنقع الآسن من هؤلاء الشخوص اللذين تاهوا وسط ترهاتهم البيروقراطية ، ستتحسرين على هذا العالم الملوث بلا استثناء ، و ستسألين الله الفناء و لن يسمعك أحد ...ستعيدي تفكيك الزمن ستبحثين عن أخطائك و ستتحدين ذاتك و الأقدار ستحاولين نسيان الزمن العاري و الغوص في ملكوت الوحدة و العزلة ، ستبكين ببلاهة و سيقتلك اتساع زاوية رؤياك للأشياء ، ستنهكك الأسئلة . ستسقطين في مضان العدم ، ستفهمين أنك صفر أجوف ، أخرق ، فاشلة ، ضعيفة و أن العالم مختل منخور من الجذر ، و أننا مشوهون ناقصون مزيفون و منافقون ، نداري نقصاننا و نبحث عن أماننا في رشق بعضنا البعض ... آنذاك فقط ، ستلعن صغيرتي القدر الذي جاء بها و ستقف أمامي و ترمقني باحتقار ، ستثورين ضد نفسك ضد الإنسان ضد الله ضد القدر ضد القيم ضد القوانين ... ستتحولين بدورك إلى انتهازية راقية و حقيرة شريفة و ستكتبين أنت أيضا إلى " طفلتي التي لن أنجبها ... صغيرتي ، بعظمة الكره الذي أكنه للعالم و الأنانية و القسوة التي أحملها لن أنجبك لا أرغب أطفالا من رجال جبناء ، وسط مجتمع معاق كليا ، عاهر فكريا ، منخور قيميا ، بين أناس يعيشون حالة انفصام كلي بين ما يؤمنون به و ما يمارسونه ، لا أرغب أطفالا يعاتبونني ...عليك يا طفلتي أن تقتلي نفسك أن تختفي و تنمحي ، عليك أن تصلي لأجل والدتك و تنترين الورود على نعشي لأني منحتك السكينة الأبدية ... صغيرتي أنا أكرهك ، و أكره نفسي ، و أكره والدي الذي زفني و اختفى فجأة عني أكره والدتي التي قبلت يوما ما أن تكرس وقتها لإنجاب أمثالي ، أكره العالم و أكره وعيي السحيق ، طفلتي التي لن أنجبها : غيبي ، فعلى هذه الأرض لا شيء يستحق الحياة ...
#حملاوي_فاطمة_الزهراء (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأرق الألوهي...!!
-
تأوهات عاتية ...
-
مبتور الساق
-
تراتيل ارض
المزيد.....
-
أم كلثوم.. هل كانت من أقوى الأصوات في تاريخ الغناء؟
-
بعد نصف قرن على رحيلها.. سحر أم كلثوم لايزال حيا!
-
-دوغ مان- يهيمن على شباك التذاكر وفيلم ميل غيبسون يتراجع
-
وسط مزاعم بالعنصرية وانتقادها للثقافة الإسلامية.. كارلا صوفي
...
-
الملك تشارلز يخرج عن التقاليد بفيلم وثائقي جديد ينقل رسالته
...
-
شائعات عن طرد كاني ويست وبيانكا سينسوري من حفل غرامي!
-
آداب المجالس.. كيف استقبل الخلفاء العباسيون ضيوفهم؟
-
هل أجبرها على التعري كما ولدتها أمها أمام الكاميرات؟.. أوامر
...
-
شباب كوبا يحتشدون في هافانا للاحتفال بثقافة الغرب المتوحش
-
لندن تحتفي برأس السنة القمرية بعروض راقصة وموسيقية حاشدة
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|