أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - موسى وجولييت الفصل الرابع والعِشرون














المزيد.....

موسى وجولييت الفصل الرابع والعِشرون


أفنان القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 4577 - 2014 / 9 / 17 - 11:35
المحور: الادب والفن
    



جولييت، موسى يأتيك، فصحراء النقب مثل كل صحراء. رمل وشمس وعرق. والدروب فيها مترامية. ولكنه يأتيك. سيفه بيده. وهو قادم. الحب جنته. وهو لهذا يقطع إلى حبه الجحيم. كيف باستطاعة غير العاشق أن يقطع الجحيم؟ تشتد الحرارة حتى تغدو لا تطاق، فيزفر موسى، إلا أن أسماء تدفعه إلى جولييت. في بطنها فلذة تكبر، هذه هي حياتها، وهو، جولييت حياته. النهارُ في الصحراءِ ضوءُهُ. ولم يتمن هبوط الليل. في الليل تضيع الدروب. وفي الليل تضيع جولييت. يتراءى في مرآة النهار، وتتوازى آثارُ خطواتٍ وآثارُ خطواتِهِ على الرمل، تتقاطع، ثم تنفصل، ولا تلبث أن تتحد. ولما تقدم من صاحبة الخطوات ظانًا أنها جولييت، إلا أنها مثل أسماء حبلى، قالت له:
- أنا روبيكا، وأنا أبحث عن يوسُفَ رجلي.
أجاب:
- أنا موسى، وأنا أبحث عن جولييتَ امرأتي.
رمقت روبيكا سيف موسى بخوف وغضب، ورمت:
- دروبنا لا تلتقي.
نظر موسى إلى بطن روبيكا بخوف وأمل، وقال لنفسه: ها هي ذي حبلى منهم ستضع وليدًا على الرمل ولا تُضيع وليدها! أعطته روبيكا ظهرها، فصاح بها:
- دروبنا لا تلتقي وهدفنا بلى.
لم تأبه روبيكا بكلامه، وفي منتصف الطريق، بين موسى والتلال، التفتت إليه، وهي مليئة دومًا بالخوف والغضب، ثم راحت تجري حتى غيبها الرمل. لم يكن الرمل سرابا. كان الرمل زمنًا وعناء. أَوَ تنسى أمها والسعال؟ أَوَ تنسى أوشفتز الذي نجت أمها من خطره لما أتوها محررين؟ وهذا موسى ماذا يفعل هنا مكبلا؟ كانت أمها قد حكت لها كيف أودعتها صغيرة، راهبات أحد الأديرة ليحفظنها من موتٍ أكيد. تركتها تنجو من عصابِ ذوي النفوس المتجبرين، فأشعلت شمعة، وذهبت ترتل مع أطفالٍ آخرينَ في مثل عمرها. أما أمها، فقد دفعت الثمن غاليا، ولم تعرف إلى اليوم كيف بالإمكان أن يتحول العذاب إلى نعالٍ تدعس النمل بعد أن تجعل من الناس نملا. ولن تعرف، لأن الميت فيها جعلوه أقوى من أي شيء آخر حي. أتقول لموسى إني أعرف فيك جسدًا كان لأمي أجذما؟ هذا ما قالته روبيكا لروبيكا، ثم ندمت، فأمها قد جنت أقصى عذاب، وهم الذين قالوا لها تعالي إلى صوتٍ كَلَّمَ جان دارك، الذين لم تتعذب لهم إصبعٌ واحدةٌ مرةً واحدةً في حياتهم، وجعلوا من عذاباتها جوهرًا لكل خيالاتهم. خيالات أطول من كل المسلسلات. وتتساقط خيالاتهم في سعيك، يا روبيكا، في الجحيم بحثًا عن يوسُفَ. ولكنك لم تزالي من هذه الخيالات خيالا، فتمسكين بطفلكِ في بطنكِ، وتذهبين للبحث عن أبيه. تريدين أن تجديه لأجل أمك التي قالت في عذاباتها كتبٌ أبكتني. فهل حقًا دموع الآخرين منك عليها بسخونة دموعي، وهذا مصابي في جولييت أعظم مصاب؟ وهذه لعنتي في أسماء أشد لعنة؟ وقالت روبيكا إن ضابطًا في أوشفتز لما درس تقاسيم جمجمة أمها، أخطأ في جنسها، وظنها من عِرق الأسياد، فعرض عليها الشوكولاطة والشوربة باللحم والخبز الأبيض، ورفع عنها الأشغال المتعبة المذلة، إلا أنها رفضتها، وأصرت على القيام مثل غيرها من الأخوات المعتقلات بأقذر الأعمال. وبينما كان الجنود يقذفون فيهن قذاراتهم كل مساء، كن يرمين النظر إلى الأسلاك الشائكة التي تمزق جسد القمر، وإلى المَراقب التي يسلطون الأضواء منها عليهن أثناء العناق الجهنميّ خشيةَ أن تنهضَ أفخاذهن المهددة، وتطيحَ بصرحٍ يقوم في ضباب الجثث المحترقة ماردا. وأتت روبيكا المِرَدَة لا أحد يدري من أين، وطوحتها، فبكت بكاء الضباع المحاصرة، ونادت على أمها.


يتبع الفصل الخامس والعِشرون



#أفنان_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موسى وجولييت الفصل الخامس والعِشرون
- موسى وجولييت الفصل الثاني والعِشرين
- موسى وجولييت الفصل الثالث والعِشرون
- موسى وجولييت الفصل الحادي والعِشرون
- موسى وجولييت الفصل العِشرون
- موسى وجولييت الفصل الثامن عشر
- موسى وجولييت الفصل التاسع عشر
- موسى وجولييت الفصل السابع عشر
- موسى وجولييت الفصل السادس عشر
- موسى وجولييت الفصل الرابع عشر
- موسى وجولييت الفصل الخامس عشر
- موسى وجولييت الفصل الثاني عشر
- موسى وجولييت الفصل الثالث عشر
- موسى وجولييت الفصل الحادي عشر
- موسى وجولييت الفصل العاشر
- موسى وجولييت الفصل الثامن
- موسى وجولييت الفصل التاسع
- موسى وجولييت الفصل السابع
- موسى وجولييت الفصل السادس
- موسى وجولييت الفصل الرابع


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - موسى وجولييت الفصل الرابع والعِشرون