طالب عباس الظاهر
الحوار المتمدن-العدد: 4574 - 2014 / 9 / 14 - 13:24
المحور:
الادب والفن
لا أتذكر بالضبط ... كم مضى من زمنٍ. وطوي من تاريخ على رحيلي، قرن ... حقبة، أكثر.. أقل، لم أر فيها نفسي ... ولم أنتبه لوجودي؟
نعم رأيتني كثيراً، لكن خطفاً... ولم أعرني أية أهمية كشيءٍ تافه لا يستحق الانتباه، وشعرت بكياني، لكنه كان هش كقبضة ضباب تبدده مجرد حركتي نحوه... ومن قربه، كنت مشغول بها عني أو بها عنها. فأغفلت نفسي تماماً... وبصورة مؤسفة، واشتغلت بها ... صممت أذني، وحجبت بصري، وأوقفت رؤيا واعيتي، وخلدت الى دعة الأوهام، فقد كنت أراني فيها فقط، واعتقدت بأن حسبي هذا، ونسيتني بي... أهملتني حقاً.
حتى وجدتني أخيراً مصادفة، بصدفة هائلة وجدتني ... بلحظة صحو خاطف، لم يكن في الحسبان، وأنا أمرّ من أمام مرآتي عجلاً، بحثاً عن شيء أضعته، لعله أيضاً متعلق بها. فجأة تسمرت في مكاني، جذبتي اليّ أذرع المرايا كما الأخطبوط ... ففوجئت بتغيري الجذري، دهشت ... وكدت أستغربني، ويشتعل لظى غضبي وأطردني مني... لدخول حرم صمتي دون استئذان، فقد رأيتني غريباً عني ينظرني بريبة، ويداهم بلحظة غفلة أقدس لحظات عُري روحي... كيان لا أصدقه، وبدأت أنفض عني تراكم أغبرة الأزمان والدهور.
رباه ... لم أجدني، أو أي بقية مما كان مني لأتعرف عليّ..! الكل بي صار الى ركام من غبار، وأكوام رميم، وحفنات رماد .. تذروه صوب هُوة المجهول أدنى هبّة أو ولولة للريح، وكأن جدران أطلالي من وجودي الغابر في القرون الماضية... راحت ترجع لي صدى صوتي، وضحكاتي الهستيرية ... مجرد صراخ أخرس، وأنين ثاكل، وعويل مجروح..!
عجباً، أنا كنت دائماً أسخر من وجعي، بل ما زلت كما أظن كذلك ... فمن ذا الذي أسمعه الآن يضجّ بكل هذا البكاء المفجوع إذن...!!
وبدأت أتذكر... وأحاول أن أتعرّف عليّ من جديد، وهالني كم شاخ بي عمر الأحزان، وبهتت سحنة ألوان اللوحة... حتى صار الأحمر كالأبيض!، وبدت عارية بي تماماً سيقان شجرة الأحلام كسهام ورماح وأقواس رماية متكسرة، حتى لم يبق لي في الرأس قط .. ولو حلم أخضر واحد، أو أصفر على الأقل لم تطاله وتسقطه الى الأرض أيادي الموت أو الخريف!
#طالب_عباس_الظاهر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟