|
حادثة الشقة
بن جبار محمد
الحوار المتمدن-العدد: 4573 - 2014 / 9 / 13 - 23:01
المحور:
الادب والفن
طلبت من مديري رخصـة غياب لمدة ثلاثة أيـام لأجل أمر شخصي عــاجل ، وافق عليها المدير دون تردد ، لأنـه أول مرة منذ مدة طويـلـة أطلب إذن بهذا الشكل ، تقدمت مني السكرتيرة و ناولتني مقرر ممضي من طرف المدير ، كانت تبتسم في وجهـي ، و قالت لي : عــواد ، نحلـم أن نختطف ثلاثـة أيام و نضيف لها ثلاثة أخـرى لننسى هــذا المكان التعيس ، كـأن نقـوم بكــراء غـرفـة في فندق على شاطيء البحـر ، أو نحجز مكانا ما في مطعم رومانسي ، نتعـشى على شموع معطـرة و موسيقى هــادئـة ، العمـر قصير يا عــواد ! ثم أنفرجت شفتيها بخبث ، أنـا أحلـم بذلـك و لكن زوجي مثلك ، ملء حياتي نـكد و غيرة الزائدة عن اللزوم و محاسبـتي عن صغــائر الأمور و كثير من التفاهــات ، زوجي مثل جرار مزرعـة من الحقل إلى البيت . كنت أتفرس في الورقـة البيضاء التي ناولتني إياهـا ، و أقـرأ الأيام الثلاثـة التي جاءت بيسر دونما تقديم مبرر مقنـع ، أول مرة يحدث هــذا ، لم يسألني المدير عن وثيقـة أدعّم بها طلبي ، أكتفيت بسبب غامض و غير مفهـوم على الأقل بالنسبـة للعـرف الإداري و الذي تعـارف عليـه الموظفين ، قالت لي السكريتيرة بصحتـك ! وكأنهـا تنتظر إجابـة ما، تدعـم بها شكوكهـا ، قلت لها عندي أمور شخصيـة ، يجب أن أسـويها هـذه الأيام ، لا عـلاقـة لي بالمنتجعـات و لا الشواطيء و الفنادق، أعـرف ذلك يا عـواد ،أنتَ لـك عـلاقـة بالشقق فقط ، ثم أردفت بضحكـة مشاكسـة لتصحيح مسار حديثها :أنت مثل زوجي، تظهـرون لطفــاء وناس ملاح أمام العيان و لكن ما تعملونـه في الخفاء ، يعلمـه إلا الله ،أحسست أن العــرق البارد بدأ يتصبب على جبيني ،تريد خديجـة السكريتيرة إستفزازي ، تريد تسـويـة أمـر قديم بيننا ، تقحم بزوجهـا في كل حديث ، تريد أن تشعرنـي أن لهـا زوج مثل كل نساء العالـم ،و هــذا الزوج يشبهني تماما ، لا أعـرف تماما هـل تعـرض للطرد من الشقـة مثلي و لبس ملابسه في الشـارع ، لا أشـك أنهـا تعـرف كثيرا عن قصـة الشقـة هـذه ، يا إلهـي أرحمني ، ستفضحني هـذه المرأة اللعينــة التي لا تترك شــاردة و لا واردة إلا و حشرت أنفهـا فيـه ، همست لنفسي، من أين لهـا بخبر الشقـة ؟ كنت أنظر من حولي لعل أحدما كان يسمع كلام خديجـة ، الموظف الذي معي بالمكتب كان منهمك في عملـه و لا أظن انه سمع شيئا ما تفـوهت بـه خديجة . إستفهــام آخـر ، يضـاف إلى مجموعـة إستفهـامات أخرى ، حتما سيصيبنـي الأرق من هـذه المخـلوقات المشاكسـة المستفزة ، تريد خديجـة أن تنتقـم لنفسهـا بطريقـة ما . حاولت خلال مساري المهنـي و منـذ أن ألتحقت بالعمل قبل خمسـة و عشرون سنـة ، أن أظهـر بمظهـر الرجل المستقيم ، الذي لا يأتي الباطل بين يديـه ، عفيف ، طاهـر ، أبيض نـاصع ، ناس ملاح ، كنت أجــاهد أن أكون حسن السيرة و الصـورة و الصوت ، كانت خديجـة التي ألتحقت بالعمـل ، وفي بدايـة مشوارها الوظيفي ، متعلقـة بي ، تريد ان تنفـرد بي ، لكن لـم أترك لهــا فرصـة أن تفعـل بي ما تشاء ، كنت كثير الحجج و أختلق الأسباب الوهميـة ، حتى فكرت جديا في تغيير مكان العمل ، تعلمت من تجارب الأصدقــاء ، أن العـلاقـات العاطفيـة في العمل من أكبر الأخطــاء التي يقترفها الموظف في حياتـه الوظيفيـة ، رغـم ذلـك وضعتُ بيني و بينها حائطا خرسانيا لا قبـل لها بإختـراقـه و بمرور الزمـن ، هـذا الحائط بدأ يزول و تريد أن تقترب منـي مثل أول مرة ،
------------- تراءت لي تلك المشاهد مرة أخرى من زوايا مختلفـة ، ولكن أقـل حدّة من تلك المشاهـد التي حدثت لي مع طبيبـة بيطريـة عملت معـي في نفس القسـم الفلاحي ، حيثُ توّجت عـلاقتنـا السريعـة على موعـد غـرامي في شقتهـا القريبـة من مقـر عمـلي ، في أمسيـة ذلـك اليوم حملت معي بعض الهدايا و بعض الفاكهـة ، حلقت ذقني و أرتديت ربطـة عنق و بدلـة الحفلات أنيقـة ، وصلتُ في الموعـد خرجنا إلى مطعـم في مكان بعيدا عن عيون المعـارف ، عدنــا بعد العاشرة في ليلـة ربيعيـة مقمرة ، ونمت معها في فراشهـا في ليلـة مثيرة لم أشهـدهـا في حياتي ، كانت سعيدة معـي ، إلى أن حدث شيئا لم أكن اتوقعـه ، فقد نهضت من إغفـاءة طـويلـة و طردتني بقسوة شديدة ، رمت حوائجي خارج شقتها وهي تصرخ بقـوة ، لبست ثلاثـة أربـاع ملابسي في مدخل الشقـة بعد نزول إضطراري من الدرج الطويل الملتوي ، لـم أضـع أي شيء في حسبـاني سـوى الخروج بأقـل الخسائر من هـذه المحنـة ، خشيتُ أن يظهـر أحد الجيران و يتعـقـد الأمـر ، خــاصـة أنني تعـلمت من الوظيفـة ، أن تحافظ على قدر الإمكان على سمعتـك الشخصيـة و تلك الصـورة الكاذبـة لشخص سـوي و نظيف و متخلق و راجح العقـل ، أظن أن الطبيبـة هـي الوحيدة التي تعـرفنـي أنني غير متخلق و غير سـوي و مختـل العقل و السلـوك ، على الأقـل بالنظـر على أنني متزوج و لي أبنـاء و بنــات و مركز إجتماعـي و أؤدي الشعـائر الدينيـة و لا أفـرط في صـلاة الجمعـة و في ذلـك اليـوم ألبس العباءة البيضـاء أظهـر فيهـا كمـلاك يترجاه الناس للثواب ، صديقتي البيطـريـة وضعتنـي خارج بيتها ، لحسن الحظ ان لا أحد انتبـه لذلك و الصفـة الملائكيـة مازالت تلازمني حتى يحدث العكس .مشيت عدة أمتار وصـولا إلى نقطـة إنتظـار الحافـلـة ، هـذه النقطـة لم أرهـا قط ليلا رغـم أربعـة و عشرين سنـة من الخدمـة ، كانت نقطـة هــادئـة جدا ، ضـوؤها خافت صادر عن مصباح عمود كهربي ، يوحي بالطمأنينة رغـم إنتشار الظـلام و الظلال في المناطق القريبـة منـه ، ربما لأن هـذه النقطـة على حافـة الطريق الرئيسي و قريبـة من مجمـع السكنـي حيث كنت أنـام مع صديقتـي ، لـم افكّر في الطبيبـة البيطريـة التي طردتي شر طرد و قد تعـرضتْ إلى نوبـة غضب عــارمـة أختلج لها قلبـي ، انـا أفكّر الآن كيف أصـل إلى البيت في هـذا الجو البارد رغـم إحتدام مشاعـر متناقضـة ، الخوف بالشفقـة ، الغضب بالرضا ، السخط بالتعـقل ، بقيت أكثر من سـاعـة و قد قاربت السـاعـة الثالثـة صباحا إلى أن توقفت شاحنـة و طلب مني أن يقلنـي إلى مدخـل المدينـة التي أسكنهـا . لـم أفكّر في سـلـوك و دوافـع الطبيبـة في طردي بهـذه الكيفيـة ،رغـم أنـه لـم يصدر مني ما يغضبها ، أقمت معـهـا عـلاقـة جنسيـة متميزة ، طلبتني أن أربط كلتا يديها على لـوحـة السرير و متّعتهـا لأكثر من سـاعـة كانت مبتهجـة ، تصرخ من المتعـة ، من الأورغـازم ، حتى انـا لـم أصدق أنني ذلـك الموظف الممل الجاف المتخلق الرزين المتواري وراء أقنعـة سميكة من الإعتبارات الإجتماعية و الأخلاقيـة و الدينيـة و المهنيـة و الوظيفيـة ، كانت ليـلـة العمـر و لكن نهـايتها غير سعيدة ، لـو قدر الأمـر أن أبقى إلى صباح اليـوم التـالي لأعتبرت ذلـك فرصـة العمـر لا تضاهيها أي ليـلـة أخـرى في مساري العمـري و أنـا قد شارفت على خمسين سنـة بالتمام . بعد ظهيرة ذلـك اليوم تمددتُ على الأريكـة لتصطف تــلك المشاهد الرائعـة من العري و الجنس و الفـرح ، فعـلا كنت أتحدث إليها بنبرة أقـرب إلى الفـرح الطفـولي ، تحرّرت من خجلي ، تحفظي ، حشمتي ، شعـرتُ أن هنـاك جدران من الطوب تتساقط واحدة تـلـو الأخرى في داخلي ، أنـا اخف ، سعيد ، نزق ، مارد الذي خرج من قمقمـه الذي كان حبيسـه لمدة ألف سنـة ، أشبـه بشخص تحرّر من قيـوده ، حتى ذلـك الألم الذي كان ينتابني على الدوام من تشدد عضلي لـم أعد أشعـر بـه . تمددتُ في الأريكـة بوضـع إستلقـاء أكثر تحررا و زفرت زفـرة حـرة ، تنم عن تجربـة فريدة لم يسبق لي و أن عشتها ، لكن تبقى نقطـة إستفهام تؤرقنـي لماذا أقدمت ورديـة على ذلك السـلوك و على ذلـك السـلـوك الذي لا مبرر لـه ، بعد أن تمتعنا و حلقنا بعيدا في السماوات و شربنا نخب سعـادتنا و تألقنا و لمسنـا بأيدينا ملكوت البهجـة و الفـرح . نهضت من الأريكـة بعد إغـفاءة لعدة ساعـات لـم أتوصـل إلى شيء ذي معنـى في تلك الخرجـة المفاجأة لورديـة و هـي تطردني من البيت .. آه تذكـرت سألتني و أنـا منتشي بحبها ، بكرمهـا و طيبتها و أنـا أدندن بإسمها ..عــواد هـل أنت سعيد بزوجتـك ؟ دون تردد اجبتها نعـم أنا سعيد ، ممكن سـؤال آخــر ؟ نعم تفضلي و هـي تبدو كأنهـا مستغـرقـة في نـوم عميق و بصـوت خافت متعب : مادمت سعيدا لمـاذا اتيت عندي يا إبن القحبـة ن ونهـضت كالمارد من فراشهـا و طردتني شـر طرد ، أعتبرت ذلـك مجرد مزاج فجائي ينتابها و لكن الطبيبـة لا تهــادن أحد ! لا تتسامح معي في هـذه النقطة بالذات ، لقد أرتكبت خطا فادحا ، نعم غلطة لا تعبر إلا عن حماقتي
#بن_جبار_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثقافة الموت و أشياء أخرى
-
الشرطة الرومانسية
-
كلمة في حق )الحوار المتمدن(
-
كلمة في حق الحوار المتمدن
-
الذكرى الثالثة لخراب ليبيا
-
من وحي داعش
-
إرحموا عقولنا يا دعاة الدين
-
الله في ضيافتي
-
أزقة الكتابة
-
كيس الخيبات (1)
-
كلام آخر عن حرية التعبير
-
النظرة الإستعلائية
-
حرية التعبير بين جواد بوزيان و حمار بوزيد
-
أنا و مول النخالة (2)
-
هكذا تكلم مول النخالة
-
رسالة لا تنطق عن الهوى
-
أتركوا الجزائر لشبابها
-
بإسم الدين ، لا خير في أمة أخرجت للناس
-
وزارة الثقافة الجزائرية و الغزو الوهابي
-
ماذا تنتظرون من الجماعات المتأسلمة ؟
المزيد.....
-
عيون عربية تشاهد -الحسناء النائمة- في عرض مباشر من مسرح -الب
...
-
موقف غير لائق في ملهى ليلي يحرج شاكيرا ويدفعها لمغادرة المسر
...
-
بأغاني وبرامج كرتون.. تردد قناة طيور الجنة 2023 Toyor Al Jan
...
-
الرياض.. دعم المسرح والفنون الأدائية
-
فيلم -رحلة 404- يمثل مصر في أوسكار 2024
-
-رحلة 404- يمثّل مصر في -أوسكار- أفضل فيلم دولي
-
فيلم -رحلة 404- ممثلاً لمصر في المنافسة على جوائز الأوسكار
-
فنانون من روسيا والصين يفوزون في مهرجان -خارج الحدود- لفن ال
...
-
اضبط الآنــ أحدث تردد قناة MBC 3 الجديد بجودة عالية لمتابعة
...
-
كيف تمكنت -آبل- من تحويل -آيفون 16 برو- إلى آلة سينمائية متك
...
المزيد.....
-
توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ
/ وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
-
مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي
...
/ د. ياسر جابر الجمال
-
الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال
...
/ إيـــمـــان جــبــــــارى
-
ظروف استثنائية
/ عبد الباقي يوسف
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل
...
/ رانيا سحنون - بسمة زريق
-
البنية الدراميــة في مســرح الطفل مسرحية الأميرة حب الرمان
...
/ زوليخة بساعد - هاجر عبدي
-
التحليل السردي في رواية " شط الإسكندرية يا شط الهوى
/ نسرين بوشناقة - آمنة خناش
-
تعال معي نطور فن الكره رواية كاملة
/ كاظم حسن سعيد
-
خصوصية الكتابة الروائية لدى السيد حافظ مسافرون بلا هوي
...
/ أمينة بوسيف - سعاد بن حميدة
المزيد.....
|