|
العرب وإسرائيل بين الاستراتيجية والتكتيك
محمد أحمد الزعبي
الحوار المتمدن-العدد: 4573 - 2014 / 9 / 13 - 13:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مع إطلالة هذا الصباح سألني أحد الأصدقاء ( عبر الهاتف ) : هل تعرف " فلان الفلاني " ؟ ، قلت نعم أعرفه، وهل تعرف أنه الآن يحضر مؤتمراً في إسرائيل؟ قلت لا ، قال مارأيك ؟ . ولم أكد أضع سماعة الهاتف في موضعها المألوف ، حتى اتصل صديق آخر ، ليسالني : هل تعرف " زيداً " قلت له لا ، قال لقد كتب هذا اليوم في الفيسبوك تعليقاً مربكاً ومرتبكاً يتعلق بحضور فلان الفلاني مؤتمراً في إسرائيل حول سورية ، يقو ل فيه : ترى لو أن ثورتنا ( يقصد ثورة آذار 2011 ) انتصرت على بشار الأسد منذ يومها الأول ، أي يوم كان لدينا الحول والقوة والجيش الكامل العتاد والعدة ، ترى هل كنا قادرين على تحرير شبر واحد من الجولان ؟، قكيف بنا الآن وقد بتنا بلا حول ولاقوة ولا جيش ؟ إذن فلابد من تقدير شجاعة هذا الفلان الفلاني، الذي يزورإسرائيل اليوم ، فما رأيك ؟. لقد وضعني هذان السؤالان أمام مسؤولية وطنية وقومية وأخلاقية ، وكان علي أن أقنع نفسي قبل أن أقنع الآخرين فيما إذا كان حضور فلان الفلاني مؤتمراً في إسرائيل صحيحاً أم مشبوهاً ؟ وفيما إذاكان تعليق الشخص الآخرعلى مشاركة هذا الفلان في المؤتمر، هي بدورها صحيحة أم خاطئة ؟ عدت بذاكرتي إلى الوراء، بل إلى وراء الوراء ( بالإذن من صاحب التعبير ) ، بحثاً عن الإجابة المقنعة والموضوعية لهذين السؤالين، وكانت التصورات التالية هي ما وصلت إليه : 1. تعتبر هزيمة التيار القومي العربي ، ممثلاً بجناحيه الرئيسيين ، جمال عبد الناصر وحزب البعث السوري (حركة 23 شباط 66 ) أمام إسرائيل عام 1967 ، والذي احتلت فيه إسرائيل شبه جزيرة سيناء المصرية ، وهضبة الجولان السورية ، والضفة والقطاع الفلسطينيين ، والشبهة التي تدور حول احتلال إسرائيل لهضبة الجولان دونما حرب ( على البارد ) ، وحول البلاغ رقم 66 الذي أعلن فيه عن سقوط مدينة القنيطرة ، قبل أن يكون قد وصلها أي جندي إسرائيلي ، نقطة التحول الكبرى في الموقف العربي من القضية الفلسطينية عامة ، ومن احتلال إسرائيل لفلسطين خاصة . 2. تمثل هذا التحول الكبيروالخطير ، من جهة ، بالتعارض الواضح والمكشوف بين موقف معظم " الأنظمة الحاكمة " وموقف الجماهير الشعبية ، من حيث تماهي موقف هذه الأنظمة بعد هذه الهزيمة ، مع موقف أمريكا والغرب فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وقيام دولة " إسرائيل " ، ومن جهة أخرى ، بانقسام الموقف الشعبي نفسه في الوطن العربي ( ومنه سورية ) ، بين يائس من إمكانية الانتصار على إسرائيل ، وبالتالي تحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني ، وبين معتمد على مثل ( بفتح الميم والثاء ) " الحروب الصليبية / حروب الفرنجة " التي استمرت قرابة القرنين من الزمن (1096م ـ 1291 م )،ثم انتهت بداية بانتصارصلاح الدين الأيوبي في معركة حطين وتحريرالمقدس(1187 م ) ولاحقاً بانتصارات الظاهر بيبرس وحفيده سلطان مصر الأشرف خليل وطرد الصليبيين / الفرنجة من آخر معاقلهم في عكا عام ( 1291 م). 3. وكانت ثالثة الأثافي في هذا التحول الكبير ، استلام حافظ الأسد زمام السلطة في سوريا عام 1970 ، ومذابحه المتعددة والمتكررة ضد الشعبين السوري واللبناني وأيضاً الشعب الفلسطيني ، ولاسيما ضد الأغلبية السنية في هذه المجتمعات ، والتي تتوجت بمذبحتي سجن تدمر 1980 ، ومدينة حماه 1982 في حياة الأب ، وبمذبحة سوريا بشراً وشجراً وحجراً على يد ابنه بشار وأعوانه من شبيحة إيران والعراق ولبنان ، والمستمرة منذ منتصف آذار2011 وحتى هذه اللحظة . هذا وتسجل مذابح عائلة الأسد في سورية بداية ظهور ظاهرة المقارنة الخاطئة والمعيبة ، بين أفعال إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني ، وأفعال عائلة الأسد ضد الشعب السوري . لقد نسي فرسان هذه المقارنة أن إسرائيل هي دولة غريبة ومحتلّة لفلسطين ، بينما تعتبر الطائفة العلوية و" أسودها ! " جزءاً لايتجزأ من الشعب العربي السوري ، وبالتالي فإن مقارنة مايفعله المحتل بسكان البلد الذي يحتله ، لاتصح مقارنته بما يفعله نظام عائلة الأسد ( السورية الأصل والفصل ) بالشعب السوري . إنه لمن المفروض أن تكون أفعال نظام عائلة الأسد في سورية مدانة ألف مرة أكثر من إدانتنا لأفعال إسرائيل في فلسطين المحتلة. هذا وقد برهنت حرب غزة الأخيرة ، والتي لم تنته بعد ، أن إسرائيل في تدمريها لقطاع غزة الذي هو ليس أرضها ولا بلدها كانت منافس حقيقي لبشار الأسد في تدميره لبلده سورية . لقد كان شهاب الدين وأخيه في هذه الحال ( ومع الأسف الشديد ) صنوان ، ولكن مع الفارق الذي أشرنا إليه . 4. إن ظهور ظاهرة المقارنة الخاطئة ، بين مايفعله الأسد في سورية وما تفعله إسرائيل في فلسطين والمدفوعة أصلاً باليأس والتشاؤم ، المرتبطان بدورهما بهزائم العرب المتكررة أمام إسرائيل ، دفع ببعض ابناء الثورة السورية ، إلى موقف أكثر خطورة وخطأً ، ألا وهو ضرورة أن نعترف يإسرائيل ، وننهي هذه اللعبة التي لاأمل في الانتصارعليها فيها ، ولاسيما أنها " كيان " أوجدته الدول العظمى ، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ، وهو محمي بقدراتها ( الدول العظمى ) العسكرية الفائقة التي لاقدرة لنا ــ كعرب محدودي القدرة ــ على احتمالها . إن فرسان هذا الرأي ، الذي ظاهره الرحمة وباطنه العذاب ، ينسون ( أو يتناسون ) ، أن قدرتنا المحدودة ( ضعفنا ) إنما هو بسببهم ، وأنهم إنما أوجدوا " دوللة أسرائيل " بالضبط ، من أجل أن يحافظوا بها على تخلفنا وعلى ضعفنا وعلى خضوعنا " لأولي الأمر " الذين هم أزلامهم وعملاؤهم ، وأنهم هم ( الدول العظمى ) من تآمرعلى بعض القادة الذين أدركوا بحسهم الوطني ، أهداف هذه الدول الإمبريالية الكبرى ، القريبة منها والبعيدة ، وذلك عبر إيجادهم وبالتالي دعمهم للكيان الصهيوني ، فقاموا بالتخلص منهم بهذه الطريقة أو تلك ( جمال عبد الناصر وصدام حسين على سبيل المثال لاالحصر ) . 5. نعرف ـ من جهتنا ـ أن بعضاً من أبناء ثورة آذار 2011 ، قد تسرب إلى أفكاره ، بل وإلى مواقفه أحياناً ، ماأشرنا إليه من ظاهرة اليأس والتشاؤم ، وبدأ يمزج بين مبدأ الاسترتيجية وعنصرالتكتيك ، ويهرب من هذه إلى تلك ، بين مقالة وأخرى ، أو بين موقف وآخر ، وهكذا اختلط الحابل بالنابل ، ولم نعد نعرف " رأسنا من رجلينا " ، والأمثلة دائماً جاهزة على الأرض ( الممارسة ) وهي غالباً ماتكون في خدمة النقيضين معاً . إن مانرغب أن نلفت نظر الأخوين " فلان الفلاني " و " زيد " (الذين أشرنا إليهما في مطلع هذه المقالة) إليه ، هو ضرورة أن نضع الاستراتيجية في خدمة التكتيك ، وليس العكس ، وفي هذه الحال ، يصبح ميدان الممارسة فسيحاً ، ولكنه مسيج بأسلاك شائكة وقوية هي سياج الاستراتيجية / المبادئ . إن تجاوز حدود القضايا المبدئية ( الاستراتيجية ) ، إنما يمثل برأينا خروجاً على المبادئ نفسها ، وهو أمر لاينطبق على الموقف التكتيكي ، الذي يمكن أن يخدم هذه المبادئ ، لكن دون أن يخرج عليها .
#محمد_أحمد_الزعبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثورة السورية بين الأمس واليوم ، رؤية سوسيو تاريخية
-
من الذي يقتل أطفالنا في سورية وغزة ؟
-
ثورات الربيع العربي وحلف الخائفين من الديموقراطية
-
إذا لم تستح فافعل وقل ما شئت
-
عناق الربيعين
-
من محمد الزعبي إلى حسن نصر الله
-
انتخابات الأسد والضحك على الذقون
-
التغميس بالصحن وإشكالاته
-
إشكالية العلاقة بين حزب البعث وحافظ الأسد ،
-
الساكت عن الحق شيطان أخرس
-
الثورة السورية والخيار الثالث
-
ماذا جرى ويجري في حمص؟
-
الثورة السورية وإشكالية الأقلية والأكثرية
-
بشار الأسد بين فقه الأزمة وفقه الفتنة
-
مرة أخرى عود على بدء
-
على سبيل النقد الذاتي ، الصبيانية اليسارية في حزب البعث
-
الثورة السورية بعد ثلاث سنوات الإشكالية والحل
-
خواطر حول ثورة 18آذار 2011
-
رسالة أخوية إلى الائتلاف
-
الأسد المالكي السيسي .. تعددت الأشكال والمضمون واحد
المزيد.....
-
قبّل السيسي رأسه في حفل المولد النبوي.. من هو الدكتور أحمد ع
...
-
مجندات إسرائيليات على حدود مصر بقيادة جنرال أمريكي
-
الكابينيت يضع -إعادة سكان الشمال- ضمن الأهداف الرسمية وهوكشت
...
-
-النظام البدائي للرسائل المشفرة يُبقي السنوار على قيد الحياة
...
-
الحكومة البرازيلية تطلب المساعدة الدولية لمكافحة الحرائق في
...
-
أسباب نزف اللثة
-
دب روسي يعانق مؤثرة سعودية شهيرة في إحدى غابات موسكو (فيديو)
...
-
-سقطت بالتقادم والجاني اعترف-.. جريمة قتل الوسيط الدولي برنا
...
-
جهاز الخدمة السرية الأمريكي يقول إن المشتبه به في محاولة اغت
...
-
أميركا تعتقل روسيًا بتهمة تهريب تقنيات مسيّرات
المزيد.....
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
-
تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1
...
/ نصار يحيى
المزيد.....
|