|
الفلسفة بين سؤال التغيير وسؤال الموت !
عبد السلام جليط
الحوار المتمدن-العدد: 4572 - 2014 / 9 / 12 - 22:58
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ظلت علاقة الانسان بذاته على الدوام، علاقة يطبعها الكثير من الغموض، والكثير من المساحات البيضاء "الغير مفهومة". لذلك يحتاج الانسان بين فترة وأخرى أن يعود الى ذاته، يقلبها بين يديه ، يحثها على البوح والافصاح ، يسائلها ويستفسرها عما يلّم بدواخلها، عن سبب اضطراباتها الفجائية ونشوتها السرية، عن هدا التناقض الدي يشكل عنصرا اساسيا في ماهيتها. يحتاج الواحد منا في فترة من حياته ، كما يحثنا على دلك ديكارت، إلى عملية" تحيين داتي "actualisez(التأمل)، لكل ما ترسب في قعر ذاكرته، حيث تعشش كل مضامين التنشئة الاجتماعية التي تشربها الفرد من طرف مختلف المؤسسات التنشئوية..من قيم، قناعات، معتقدات وأفكار( تاريخية ، دينية ،تقليدية/عامية، معرفية..). فالثورة الحقيقية التي يمكن ان يقوم بها الانسان يجب أن تنطلق – وهدا شرط كل ثورة ممكنة – من خلخلة مفاهيمنا وتصوراتنا عن الكون، عن الدين، الاخر...إعادة التفكير في سلم قيمنا والمرجعيات التي تؤسس لأفعالنا وسلوكاتنا..إنها عملية "مسح الطاولة!"، فما الدي يمنعنا في هدا المجتمع، من إبداء السؤال والتعامل-والتعود ايضا- مع/على، علامات الاستفهام وإشارات التعجب ؟! فمشكلتنا الحقيقية هي اننا لم نعد نندهش امام الوقائع والأحداث، والعادة تقتل السؤال، أما الدهشة فهي أصل له، لم نعد نتعجب و لا نندهش أمام العالم الذي يصبح كل مرة شيء جديد، فعودته هي عودة المختلف وليس عودة الثابت. لم نعد نساءل هدا العالم، ولا نساءل أنفسنا حول قضايا الذات الانطولوجية، التي تثير مفارقات لا اول لها ولا اخر، تقبلنا امر الواقع الدي بنيناه بأنفسنا، أو بالاحرى فرض علينا بحد السيف من طرف الحاكم/السياسي، أو"بعصي" مؤسسات التدجين الاجتماعي"(من الاسرة الى المسيد الى المدرسة والاحزاب فالاعلام وغيرها..)، مؤسسات هدفها التدجين الاجتماعي للفرد لجعله كائنا منمطا داخل مجتمع من النسخ المتشابهة، بحيث يصبح الواقع القائم هو الحقيقة الوحيدة الممكنة، والتي ينبغي الايمان بإطلاقيتها ونهائيتها.. من هدا المنطلق الاساسي، كانت وستظل الفلسفة على مر تاريخها "عدوة" بالنسبة لدعاة الحفاظ على الوضع القائم، المستفيدين منه وبالتالي المدافعين عن استمراريته، مند سقراط ، الى ابن رشد ، جاليليو، وغيرهم..الذين حرضوا على طرح السؤال، ونشر الوعي النقدي بين الجمهور، كي تتحطم كل الأغلال –الحقيقية والوهمية- المقيدة لعقولهم. فإدا تحرر الناس وتجرؤوا على استخدام عقولهم بإنفسهم انتقلوا من "القصور" الى "الانوار"، وبالتالي إلى ممارسة التفكير النقدي، ومنه إلى تقويض الواقع الزائف المكرس للعبودية والجهل والتحكم بمصائر الناس تحت مسميات ميتولوجية... الى هد المعنى/الدور كان "يشير" كارل ماركس حين قال بأن" وظيفة الفلسفة لا تكمن في تفسير العالم بل في تغييره"،ولدلك يمكننا فهم لماذا تم ويتم الحجر على التفكير الفلسفي داخل مجتمعاتنا لمدة طويلة وما يزال، وبصفة عامة داخل المجتمعات "الماقبل انوارية"، وحتى إدا سمحت بدلك في إطار التزاماتها مع الدول المانحة من دول المركز، في إطار استراتيجية إعادة انتاج نفس أوضاع/أسباب التحكم، فإنها لا تجعل من فعل التفلسف سوى فعلا بئيسا مبتدلا، يكرس الدغمائية والتعصب الفكري، ويعيد انتاج عقلية "القطيع" وثقافة "الشيخ والمريد"، من خلال مناهج هجينة ومبتورة تسعى إلى إنتاج جيلا من "الضباع" كما قال الراحل "عنّا" محمد جسوس. وهكذا فإن قيمة وجدارة الفلسفة ونمط التفكير الفلسفي نابعة من كشفها عن مفارقات أي خطاب، وبالتالي" تأزيمه"، إنها عملية "فضح"، فإذا كان السوسيولوجي كما عرفه بورديو "هو ذاك الذي تاتي الفضيحة على يديه"، فإن الفيلسوف، أو المشتغل بالفلسفة، هو الذي كشف "النقاب" عن كل الماسي والفضائح التي ارتكبها الانسان عبر تاريخه الطويل، وجعلها "عارية" امامه! ولكن ما هي درجة الاهمية التي يكتسيها سؤال "التغيير" في الفلسفة ؟ اهي وظيفة محورية ام انها تدور في فلك أسئلة أخرى أكثر أهمية ؟ وما هو السؤال الاكثر اهمية في "الفلسفة" ؟ لا شك ان كل إنسان قد صادف في حياته مجموعة من الاسئلة "المقلقة" و "المستفزة" ايضا، أسئلة من صميم الوجود الانساني المحض وتتسم بذلك الحضور الدائم في تجربة كل واحد منا..ولعل السؤال الأكثر "استفزازا" هو سؤال الموت ؟؟ الى هذا الطرح يذهب بنا المحاضرالعالمي في تاريح الفلسفة "لوك فيري"،الدي يؤكد بان حصر الفلسفة في اعتبارها "الاعداد للتفكير النقدي"أو"الفكر الجاد"..هو في الحقيقة لا علاقة له بجوهر الفلسفة، فكل ما يمكن ان يؤدي إليه"التفكير النقدي"و"فن التساؤل" لا يعدو ان يكون مجرد وسائل لغايات غير ماتهدف اليه الفلسفة، فهي –أي الفلسفة- "ليست أداة سياسية ولا هي عكازا للأخلاق" يقول فيري، ويذهب إلى مقاربة يعتبرها مركزية في "كل فلسفة" وهي "ان الانسان فان خلافا للالاه"، أي "كائن دو نهاية"، غير انه- كما يؤكد الفلاسفة- الكائن الوحيد الذي يدرك حدوده ونهايته، ويعرف انه سيموت وكذلك من يحبهم سيموتون !! "انك ميت وانهم ميتون" الاية، يسبب هدا "الوضع المقلق" صدمة، وبالتالي بدأ الانسان بالسؤال حول هدا الوضع، يا لها من صدمة حقيقية"سياتي يوم وساصبح لا شيء، سأنتهي..!" من سينقدني من الموت ؟ هكدا تساءل الانسان بداية ، ومن هدا الوضع المقلق انطلقت كل الاسئلة الانطولوجية الاخرى !! مباشرة وجد الاديان أمامه تمتلك الجواب، إنها تمتلك "الخلاص"، الخلاص و"التخلص" من الموت، فهي تعده بالحياة الابدية بعد " الحياة الدنيا" حيث لا موت بعد دلك..فيا أيتها الحياة نخبك ! إدن هده "وعود" الاديان ، غير أنها تبقى وعودا تثير شكوك البعض..ما هي الضمانات على تحققها ؟ إنه سؤال الشكاك الكبار !! في الجهة المقابلة تقف الفلسفة مقدمة بدائلها، يلجأ اليها الانسان للتخلص من قلق الموت ، وهكدا فإن الفلسفة تعتبر الموت حقيقة على درجة من التعقيد، أو "معضلة غير مفيدة" كما قال احد الحكماء "فإما انا حي وهدا يعني غياب الموت، وإما انا ميت وهدا يعني انتفاء وجودي كي أقلق ! " انتهى الامر إدن. فالتبشير ب"الخلاص" هو ما تعد به الفلسفة ايضا هدا المضطرب من "سؤال الموت" ، فإدا كانت الاديان-كل الاديان- تبشر بالخلاص وتعد به "عن طريق الايمان " فإن خلاص الفلسفة يتم عن طريق التفكير الحر، أي عبر القوى الداتية للفرد وبنعمة العقل وحده ،فهو "خلاص" لا واسطة فيه خلافا للاديان...فالفلسفة ان لم تعد بالـ"ـــــتخلص" من الموت فمن المخاوف التي يثيرها ، كما أوصى بدلك سقراط " استهينوا بالموت فإن مرارته في الخوف منه ". ان اكتشاف الانسان لوجوده التراجيدي في هده الحياة كان السبب في كل الاسئلة الانطولوجية المتعلقة بابعاد وجوده الاخرى،وإحساس الانسان بنهائيته وموته دفعه الى البحث عن التخلص من هدا الشعور والاحساس المخيف! فالموت من بين اصعب الحقائق التي توصل اليها الانسان، وهي في نفس الوقت اكثر الحقائق غموضا...وسيظل الموت على الدوام الحقيقة الاصعب التي يجب على الانسان مواجهتها ! لا شك إدن، وانت تتابع هدا المسار في العرض والتحليل ادركت وستدرك بان هناك الكثير من مساحات الصمت والبياض..إن أدركت دلك فأنت تعلم حتما بان الفلسفة في هده البلاد لا تقول كل ما تعرف وكل ما هو كائن،إنها تلمز لمزا ولا تقول الا لماما..فسيف رعاة الاخلاق والوضع القائم أسرع من اقلام كل المتفلسفين
#عبد_السلام_جليط (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحياة؛ لغز للعقلاء...
-
المرأة القروية؛ بين خطاب التنمية الطوباوي والواقع المعطوب.!
المزيد.....
-
صور سريالية لأغرب -فنادق الحب- في اليابان
-
-حزب الله-: اشتبك مقاتلونا صباحا مع قوة إسرائيلية من مسافة ق
...
-
-كتائب القسام- تعلن استهداف قوة مشاة إسرائيلية وناقلة جند جن
...
-
الجزائر والجماعات المتشددة.. هاجس أمني في الداخل وتهديد إقلي
...
-
كييف تكشف عن تعرضها لهجمات بصواريخ باليستية روسية ثلثها أسلح
...
-
جمال كريمي بنشقرون : ظاهرة غياب البرلمانيين مسيئة لصورة المؤ
...
-
-تدمير ميركافا واشتباك وإيقاع قتلى وجرحى-..-حزب الله- ينفذ 1
...
-
مصدر: مقتل 3 مقاتلين في القوات الرديفة للجيش السوري بضربات أ
...
-
مصر تكشف تطورات أعمال الربط الكهربائي مع السعودية
-
أطعمة ومشروبات خطيرة على تلاميذ المدارس
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|