أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عديد نصار - أبعد من داعش















المزيد.....


أبعد من داعش


عديد نصار

الحوار المتمدن-العدد: 4572 - 2014 / 9 / 12 - 22:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


(1)

العصَبيةُ تَسْتفزُّ العصبيّات، والعُنصريّةُ تسْتثيرُ العُنصريّات، فيَلجأ دُعاتُها إلى كلّ المبررِات والأسانيدِ، من التّاريخِ القريبِ والبَعيد، وممّا هو خارجَ التاريخ، لِتَدْعيمِ حُجَجِهم الأشدَّ تصلُّباً والأبعدَ تطرفاً. وتتالى المُزايَدات ضِمْنَ الطّرفِ الواحدِ الذي يَنقسِمُ على نفسِه تبعاً لِتلك المُزايَدات في التشدّدِ والتطرّفِ في الرأيِ وفي المُمارسات.
وحين يقفُ وراءَ ذلك، وهذا دائماً ما يحدث، قوىً توظّفُ هذه الكوارثَ في إنتاجِ وإعادةِ إنتاجِ التّخلفِ مِن أجلِ إنتاجِ وإعادةِ إنتاجِ نظامِ سَيْطرتِها، قوىً تستحوِذُ على وسائلِ الضخِّ التّحريضيّ وعلى القوّةِ المادّيةِ التي تُعزّزُ قابليةَ الاقناعِ لدى جمهورٍ عريضٍ تعرّضَ لمُختلفِ أشكال الاستبدادِ والقمع والكبْتِ والتّهميش، تتفاقمُ المشكلةُ لِتَأخذَ طابعَ الانقسامِ الأهليّ الحادّ الذي يؤسِسُ للاحترابِ ولِتفاقمِ هذا الاحتراب ما يفسِحُ في المَجالِ أكثرَ لإعادة إنتاجِ المزيدِ مِنَ التّخلّفِ والمزيدِ منْ هيمنةِ القوى التي يتطلّبُ نظامُ سيطرتِها إعادةَ إنتاجٍ وترسيخ.
لكنّ الجماهيرَ العريضةَ المُفقرةَ والمُهمّشة، وعلى المستوى القاعديّ، وبمختلفِ تنوّعاتِها وانْتماءاتِها، بِما في ذلك الدّينيّةُ والمذهبيّة والإثنيّة والعشائريّة، والتي لا تطلُبُ في الأساس، سوى الأمن والأمان والعيش الهادئ وقليلا من حريّة القول والعمل، والتي اعْتادتْ على التنوّع هذا كلِّه في مناطقَ تُعدّ تاريخياً حاضنةً لهذا التنوّع، والذي محَضها الكثيرَ من غنىً تاريخيٍّ وحضاريٍّ وإنسانيّ، لم تعتدْ أنْ تُشكلَ، رغمَ كلّ المحاولات التي بدأت منذ مطلع عصورِ الاستعمار، بُؤراً للاقتتال الأهليّ إلا حينما كان هذا الاقتتالُ مدفوعاً بقوىً خارجيةٍ ويخدمُ أجنداتٍ لقوىً محليّةٍ مُرتبطةٍ بها سياسياً واقتصادياً وأيديولوجيا، في الهيمنةِ وفي اقتسامِ الحُصصِ الناشئة عن استغلال النفوذ والانتفاع من السيطرة على مفاصل الحُكم. وهكذا كان كلّ انقسامٍ أهليٍّ لا يصبُّ إلا في مَصلحة فسادِ السلطةِ وإعادة إنتاج وتعميق هذا الفساد.
ومنذ التحوّلِ الكبير على مستوى الطبقات المسيطرة مطلعَ تسعينات القرْنِ الماضي، وتحديداً بعد انْهيار الكتلة الشرقيّة كنموذجٍ غيرِ رأسماليٍّ في الاقتصاد وفي السياسة، أطلقت قواها السُّلطويةُ كلَّ طاقاتِها في استغلال السّلطة بالطرق المافيوية البَحْتةِ التي أمْلَتْ تخلّيَ الدولة عن كلّ دَوْرٍ رعائيّ سَواءٌ في المجالات الاجتماعية أو على مستوى الاقتصاد، فسيطرَ الاقتصادُ الريعيّ ودُمِّر القطاعُ العام بالفسادِ والنّهب وحوصِرتْ أشكالُ الاقتصادِ المُنتج والمُشغّل من زراعة وصناعة وحتى سياحةٍ حتى تآكلت وانهارت جميعُها ما دفع غالبيةَ الأيدي العاملة فيها الى البطالة أو الهجرة أو التهميش، التهميش الذي استُغِلَّ أبعدَ حدودِ الاستغلال في ابْتزاز الشّباب المقبلِ على سوق العمل، في مستقبلِهم، ليتمّ تشغيلُ القليلِ منهم في أجهزة القمع، الرّسميةِ منها والخصوصية. وليتمَّ تطويعُهم في ميليشاتٍ أو أشباهِ ميليشيات مُؤدلجةٍ مخصّصةٍ للتحريضِ والاصطراع الأهليّ طائفياً أو مذهبياً او إثنياً أو عشائريا...
وفي ظل هذا الواقع المُغلق والذي يُعيدُ إنتاجَ نفسِه كدائرةٍ عصيّةٍ على الكَسْرِ، تخدمُ استمرارَ سيطرةِ الائتلافات المافيوية المحلية، وبالأخصِّ، سيطرةَ مراكزِ الهيمنة التي تُدير اللعبةَ عن بُعد، فتقوم الزعامات الطائفية والمذهبية والعشائرية كقياداتٍ سياسيةٍ غيرَ قابلةٍ للعزْل، تحكم ضمنَ ائتلافاتٍ سياسية متناتشةٍ على المغانمِ مُتآلفةٍ في السلطة، يَحكمُ فيها الآباءُ ويورثون الزعامةَ للأبناء بحيثُ يُعتبر كلُّ خارج على الزعيمِ خائناً للملّة وللدين! يفقد اعتبارَه داخلَ البيئة التي وُلد فيها ولا يلقى احتضاناً من لَدُنِ البيئاتِ الأُخرى. فتنشأ جماعاتٌ من المَنفيين اعْتباراً، يُشكلون بحسبِ اعتبارِهم لأنفسهم، نُخَباً، لكنّها تبقى مقطوعةَ الصِّلاتِ بالواقع، تُعاني العُزلةَ وتناضلُ لِتَجدَ لنفسها موقعاً على ضِفافِ النظام الذي تَجْهرُ بإدانتِه دائماً وتَلهجُ بضرورة تغييره من جهة، وتتَّهمُ الجماهيرَ المنقسمةَ تحت وطأتِه بالجهل وبالتخلف وبالخنوع.
وكلما ابتعدت تلك النُّخبُ عن القواعد الشعبية ازدادتْ حاجتُها إلى التعلّق بأطراف القوى المهيمنةِ، فيتحولُ خطابُها الى مواعظَ تَطرح الاصلاحَ الذي تراه ضرورياً ليكون لها مكانٌ أو دَور.
وهكذا يبقى القاعُ الاجتماعيّ المُنسحِقُ تحتَ وطأةِ اقتصادٍ مافيويّ ناهبٍ ومدمّرٍ مُستباحاً من قِبل قوى السلطة ومن أدواتِها الإعلامية، ومتروكاً لمزيدٍ من التهميشِ ولمزيدٍ من الجهلِ وتزييفِ الوعيّ والتخلف.
هنا يصبح تزييفُ الوعي ضرورياً لتزييف التمثيل السياسي لدى القوى الطبقية المسيطرة. بحيثُ يصبح قاعدةً لشرْعنةِ تزييفِ التمثيلِ السّياسي من خلال قوانينَ إنتخابيةٍ يَعرف، ويَجهَرُ الجميعُ بأنّها فاسدةٌ أساساً ومضموناً ونتائجَ. لكنّ مزيداً من تزييفِ الوعيِ والحقنِ الدعائيّ يصبح كافياً لتؤديَ الطبقةُ المسيطرةُ بأطرافِها كافّةً دورَ القواعدِ الشعبيةِ في إعادة إنتاج السلطةِ حتى بدون العودةِ الى تلك القواعدِ التي تُسمّى باللهجة "الديمقراطية": الهيئات الناخبة! فتُمدّدُ لمندوبيها مُمثليتَهم في البرلمان بكل أريحيةٍ ودونَ أي تردّد، "حرصاً على السّلم الأهلي" (!!) كما يحصل في لبنان.
لكنّ هذا قد لا يشكلُ قاعدةً تنطبق على جميعِ بلدانِنا، ولا في جميع الأوقات وتحت ظروف متباينة. فتهميشُ مناطقَ بأسرِها أو انتماءٍ مذهبيٍّ بعينِه وبشكلٍ كامل يدفعُ "القياداتِ" التي تعتبرُ نفسَها راعيةً لهذه المناطقِ أو لذلك الانتماءِ إلى توسّلِ مختلفِ الطرقِ لإعادةِ إنتاجِ السّلطة بالشّكل الذي يُعيدُ إليها حصّتَها فيها. وحين تنطلق "الثورةُ" من فوقُ يكون مآلُها زعزعةً للنظام، دونَ إسقاطِه، بل إعادةٌ للتوازن السلطوي بما يتوافقُ والوقائعِ المستجدّة. وخصوصاً حينَ تجدُ هذه القيادات رعاةً خارجيين يدعمونها لأجنداتٍ يرسمونها، أو تستجدي القوى الأكثرَ تطرفاً لنُصرَتِها في وجهِ القوى المهيمنةِ التي عمِلتْ على تهميشِها كقوى سلطويّة. كما يحدث في العراق.
(2)
كان لِتنامي التغوّل المافيوي ضِمنَ الطبقة المُسيطرة على مَدى عُقود أثرُه البالغُ على الاقتصاد وبالتالي على الواقع المعيشي للغالبيّة السّاحقة من السّكان. وتَساوَتْ بلدان الوطن العربي في هذه الحال ما جعل احتمالاتِ الانتفاضة في أيٍّ منها تَصِلُ الى أقصاها.
وفي حين ارْتكزَت أنظمةُ المشرق عموماً على الانقسامات الأهليّة التي رَعتْها من جهة، وعلى اصْطفافاتٍ شكليّة بين مستبدٍ "مُمانع" يمتنع عملياً عن مواجَهة الاحتلال الصهيوني، "علمانيّ" يُسِهمُ في تقويضِ مُقاومةٍ وطنية ويدعم مقاومةً "إسلامية" في لبنان، وبين مُستبِدٍ "مُعتدل" مع قوى الهيمنة، مُتطرّفٍ في قمع المُعتَرضين، كانت الحرب على أشدِّها في مواجهة الفكر المدني الديمقراطي تُشَنُّ من الجميع وكانت المُعتقلات شاهدةً على سَحقِ الوَعيِ، والمجتمعاتُ شهيدةً للتدجِينِ الثقافي، وكان الفكر الدينيّ المؤدلَجُ المُدَجّجُ بأساطيلَ إعلاميةٍ واسعةِ الانتشارِسلاحًا ملائما لِبَثِّ التفرِقة ولزرعِ الضّغائنِ بين التنْويعاتِ التي كانت تُثري الثقافاتِ وتصنعُ الحضارات.
لمْ يَنْجح الاخوانُ المسلمون طيلةَ أكثرَ من نِصفِ قَرنٍ في ترسيخ وجودِهم الثقافيّ والسّياسيّ، كما فَشِلتْ الوهّابيّةُ والسّلفيّةُ في اسْتِقطاب الشّبابِ العربيّ، حتى هُيِّئَ لها الرئيسُ المصريّ الأسبق أنور السادات الذي حاول الاستِعانةَ بها لإقصاءِ الْيسار ولتقويضِ احْتمالاتِ تَكرارِ انتفاضةِ الخُبز (يناير 1978)، فاسْتشرَت إلى أن قَتلتْه. وحتى يُمهّد الرئيس مبارك للتوريثِ لابنه جمال، أفْسَح قليلا للاخوان المسلمين الذين سَيطروا على نحوٍ من خُمس مقاعدِ مَجلس الشّعب. وكي يَتهربَ نظامُ مبارك من انتفاضةٍ تُتابِعُ الانتفاضةَ التّونسيةَ وتَتْبعُها، سارعَ إلى اسْتخدام التكفيريين والمُجرمين الجنائيين بمُساعدة استخبارية مُتشعبةٍ لاستغلالِ التنوّع الديني وتحويلِه الى حربٍ أهليّة باردة من خلال تفجيرِ كنيسة القدِّيسَين في الاسكندرية على أيْدي إسلاميين.
واضِحٌ تماماً أنّ الانظمةَ الاستبدادِيّة-المافيوية كانتْ راعيةً لنشوء الفكر الاقصائيّ السّلفيّ بعد نَبْشِ الاخوان ووضْعِهم على الخارطة السّياسية. وواضِحةٌ أيضا طبيعةُ المُزايدة في "تطبيق الشريعة" التي أطلقها السّلفيون، وكذلك المزايدةُ القصْوى التي أطلقها الجهاديون. وواضحة أيضا العلاقةُ المَصيريّة لِنُموّ ولانْتشارِ هؤلاء جميعاً بالأنظمةِ وأجهزتِها الاستخبارية محلياً وإقليمياً ودَولِيّا.
وإذا كانَ الظرْفُ التُّونسيّ الأكثرَ مُلاءَمَةً من حَيْثُ البُعْدُ عن ساحاتِ المُواجهاتِ الْمُباشِرة بين القوى المُهَيمِنة إقليميّاً ودَوْليّا، ومن حيثُ غيابِ الانقساماتِ العاموديّةِ طائفياً ومَذْهبيّاً، وحيثُ أنّ القوى العالميةَ كانتْ مُنْشَغِلةً تماماً بالأزمةِ الماليّة والاقتصاديّةِ العميقة وبالتّنازُعِ على الهَيمَنة والسّيطرة في أماكنَ أخرى، في العراق وحول فلسطين المحتلّة وفي الخليج، فجاءتْ الانتفاضة التّونسيّة شامِلةً حاشِدةً مُوحِّدةً الشّعبَ كلَّه في وَجْهِ نظامِ سَيطرةِ المافيا الحاكمة، وكان لِسقوط بِنْعلي وقعُ الصّدْمةِ على مُختلف قوى السّيطرة في العالم، لتنطلِقَ انتفاضةُ مصرَ ولِيصبحَ عَزْلُ الرئيس القوي حسني مبارك مسألةً لا بدّ منها خَشيَةَ تطوراتٍ تجعلُ كاملَ النّظام في مَهبّ الرّيح.
هذا الواقِعُ المُسْتَجِدُّ والمُتَطوِّرُ تَفوَّقَ على كل البرامج والمشاريع التي شغَلَتْ القوى والأنظمةَ وأجهزةَ الاستخبارات وأدواتِ الدّعايةِ الاعلاميّة جميعَها وجَعَلَ مواجهتَهُ أولويةَ الأولويّات التي ينبغي تسخيرُ كلَّ الامكانيات لِخدمتِها.
هكذا تمَّ تعويضُ مبارك بالمجلس العسكري وتمّ إشغالُ الشّعبَ المِصري تَكراراً بـ"ديمقراطية الصناديق" كي يظنّ أنَه بَلغَ أهدافَ الثّورة إذْ أصبح القرارُ السّياسيُّ بين يَديه، فهُو مَنْ يختارُ الدّستورَ وهُو مَنْ يختارُ المُشرّعين وهُو مَنْ يختارُ الحكّام.
لكنّ سرعةَ انْكِشافِ الزّيْفِ نتيجةَ استمراريّةِ الدّفْعِ الثّوريّ في الميادين جعلتْ الاقبالَ على الصناديق يتراجع بقوةٍ وُصولا الى شِبْهِ مُقاطعَةٍ في انتخابات الرئاسة الأخيرة التي حَملتْ عبد الفتاح السيسي إلى الحُكم.
راهنَتْ قوى النظام والقوى المُهيمِنةُ عالميّاً على الاخوان المسلمين للالتفافِ على الثّورة. لكنّ سُقوطَهم جاء سريعاً، واستمرّ تدحرجُ الثوراتِ من بلدٍ إلى بَلد. لم تهدأ الأجهزةُ الاستخباريةُ عن البحث في الأساليب والطّرُق التي تُعيدُ الماردَ الشّعبيّ الى القُمْقم. فإرادة التّغييرِ ما عادَ بالامكان فَصْلُها عن الشّعبِ نفسِه الذي أحسّ بوجودِه للمرّةِ الأولى كقوّةٍ قادِرةٍ على فَرْضِ إرادتِها وتحقيقِ سيادتِها. فإذا لم يكنْ مُمكناً فَصْلُ الشّعبِ عن إرادتِه في التّحرّرِ، فلْيكُن القضاءُ على الشّعب نفسِه كَشعْب مِن أجلِ سَحْقِ تلكَ الإرادة.
لمْ يَترك النّظامُ الدّمَوي في سوريا وَسيلةً إلا واستخدمَها لِسحْقِ الإرادةِ الشّعبيّة ولِجعلِ الشّعب السّوري يَتخلّى عن ثوْرتِه. فَمِن القتلِ المُباشر للمتظاهرين الى المجازر المتنقّلة ذات اللون الطائفي التي تهدِف إلى وَسْمِ الثورة بأنّها حربٌ طائفية، الى استخدام الشّبيحة لِمُلاحقة المتظاهرين وقتلِ المُشيّعين في الجنائزِ والمَقابر، الى استخدام كلّ المُعدّات العسكريّة التي في حُوزَتِه من دبّابات وصواريخَ بالستيّةٍ وطائرات حربيّة في محاولة سَحْقِ الشّعب السّوري وُصولا إلى تَهجير قَرابةِ نِصْف تَعدادِه داخلياً وخارجياً واستخدام السّلاح الكيماوي للفتْكِ بمناطقَ كامِلة، وليس انتهاءً باستجلاب المليشيات الطائفية من العراق ولبنان (حزب الله بكل ما لَدَيْهِ من طاقات) وأماكنَ أخرى.
أمّا النّاشِطون المدنيّون فقد تمّ سَحْقُهم بكلّ الوسائل رُغمَ أنّهم لمْ يعرفوا استخدامَ السّلاح. القتلُ والتشريدُ والاعتقالُ والقتلُ تحتَ التّعذيب في المُعتقلات كان نصيبَ عشرات الآلاف من النّاشطين المَدنيين.
ومع ذلك استمرّت الثورة! كان لا بد أن تصبح سوريا مَقبرةً للثّورات. وأن تُصبحَ الثورة السّوريّة دَرْساً للشّعوبِ في الطّاعة والخُضوع. فكان اختراقُ الثّورة بكلّ أشكال الفصائلِ "الجهادية" التي تُدارُ من شبكات الاستخبارات العالمية وذلك لِنَسفِها من خندقِها بالذّات. وكانت "داعش" آخر ابتكارات تلك الشّبكة المُخابراتيّة العالميّة.


(3)

بادرَ النّظامُ السوريّ المُتظاهرين منذ اليوم الأول بالقتلِ المُباشر في ساحات التّظاهر، وعندما فشِلَ في وَقْفِ الانتفاضة زجّ بعناصر الشبيحة الذين كانوا يلاحقون المتظاهرين الى البيوت فيُمعنون في قَمعهم وُصولا الى سَحقِ العظام، وكانوا يلاحقون حتى جنائزَ الشهداء الى المقابر ويَرشقونها بالنار حتى صار المُشيعون أنفسهم مشاريعَ شُهداء! وعندما فشِل كلّ ذلك، زَجّ النظام القوات المسلحة في قمع الأحياء والمدن المنتفضة، ولما كان هناك من الضباطِ والعسكريين من امتنع عن استهداف الأهالي كانت الاعداماتُ الميدانية بانتظارهم. فكانت الانشقاقاتُ التي نتجَ عنها تشكيل الجيش الحرّ الذي كان الهدف منه حماية المتظاهرين والمدنيين.
لم يتلقَّ الجيشُ الحرّ أيَّ دعم خارجي مُعتبَرٍ يمكّنه من متابعة الثورة المدنية بثورةٍ مسلحة تستكمل تحرير الشعب السوري من نظام أمْعنَ في القتل بعد أن أمعن في احتقار الشعب السوري والتنكيل به. وكانت غالبية أسلحته وذخائرِه ممّا كان يقعُ بين أيدي رجاله من سلاح الجيش السوري ذاتِه.
تراجع النظام عن مناطق شاسعة تشمل نواحٍ ومحافظاتٍ ومدنا. وفي نفس الوقت الذي كان ينكّل بالمعتقلين من الناشطات والناشطين ويقتلهم في الشوارع والسّاحات وتحت التعذيب في المعتقلات تم إطلاق العناصر التي كان بمقدورها تأكيد نظريته في أن ما يدورُ ليس سوى مؤامرة يقودها أصوليون إرهابيون يريدون إسقاط النظام العَلماني الوحيد في المنطقة!
وسرعانَ ما تشكلت جبهة النصرة التي استقبلت مئات ثم آلاف المتطوعين من مختلف أنحاء العالم. ولم يمضِ طويلُ وقت حتى تمّ تهريب مئات العناصر الجهادية من سجن ابو غريب في العراق ليتوجهوا مباشرة الى سوريا ويلتحقوا بجبهة النُّصرة ثمّ الانشقاق عنها مع آلاف العناصر الأجنبية والمحلية ليتشكل بذلك تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام "داعش".
ولما كان الجيش الحر يفتقِرُ الى أبسط اشكال الدّعم، ولما كانت النّصرة وداعش يحتكران كل دعم خارجي بالمال والعتاد والرجال، صار من السّهل عليهما، وبالأخص داعش، اجتذاب عناصر وكتائب الجيش الحر الى صفوفهما. وبعد أن قرر داعش السيطرة على المناطق المُحررة، لم يستثنِ جبهة النصرة ذاتها من التصفية في المناطق التي استطاع بسطَ سيطرتِه عليها.
كانت كل الوقائع تُشير أن هناك سلاسة في انتقال الأموال والسلاح والرجال الى تنظيم داعش من مختلف بلدان العالم بدون اية عقبات. معروف أن انتقال مبالغ بسيطة من الأموال من بلد الى آخر يخضع لمراقبة العديد من الأجهزة المحلية والعالمية وبتشدد كبير. فكيف قيض لملايين الدولارات أن تصل الى داعش بهذه السهولة؟ ولماذا؟
وهكذا استطاع داعش أن يفرض سيطرته على مناطق واسعة في سوريا متخذا مدينة الرّقة التي انسحب منها النظام بدون مواجهات تذكر، مركزا له. فأحْكمَ سيطرته عليها وطبّق شريعته على سكانها ومارس ما يمارسه النظام الأسدي من تنكيل بالناشطين سواء العاملين في الاعلام أو في الإغاثة أو في سواهما من المجالات، ما جعل مناطق سيطرته شِبْه خالية منهم.
وفي الوقت الذي كانت أحياء سَكنية كثيرة تَتعرض للقصف من قبل طيران النظام الأسدي بالبراميل المتفجرة، كانت مقراتُ داعش وقواعده في الرقة والمعروفة تماما من النظام آمنة من أيّ هجوم! وكذلك قوافله التي تنطلق لمهاجمة القرى والمدن.
استطاعت مناطق عديدة التخلص من سيطرة داعش الذي يعتمد أكثر على العناصر الأجنبية، من خلال عَزْل تلك العناصر ومحاصرتها وطردها على يدِ كتائب الجيش السوري الحر. فأخرِج من غالبية المناطق الواقعة في ريفَي إدلب واللاذقية وغربي حلب ومحيط دمشق ودرعا. أمّا عن بعض التواجد في القلمون أو سواها فمردّه الى التحاق بعض الكتائب بداعش بغية الحصول على التمويل والسلاح اللذين حُرِم منهما الجيش الحر. هذه المعلومة نقلها إعلاميون موثوقون عن أحد قادة الجيش الحر في القلمون والذي كان قد بايعَ البغدادي مؤخرا تحت ضغط الحاجة.
الشعب والثوار السوريون لم يتناسوا أن ثورتهم قامت لإسقاط الاستبداد. وهم يرفضون قطعياً استبدال استبداد أسدي باستبداد ظلامي، داعشي أو غير داعشي. ولكنهم يعرفون أيضا أنّ استمرار النظام هو الذي يساعد على تغوّل الظواهر الداعشية. وليس أصدق تعبيراً عن ذلك من عِبارة أحد الأصدقاء حين قال:
"السرطان هو الاستبداد ( الاسدي على وجه الخصوص ..و غيره ) ....
... داعش و النصرة و الاخوان و عبود و علوش و ماهر حمود و فتحي يكن و كل من التحى إيمانا... عوارض."
(4)

وكما في سوريا كذلك في العراق، فبعد انتفاضة سِلميّة لمدّة قاربتْ السّنة لعشائر الأنبار ونينوى وصلاح الدين وسواها ووجهت من قبل نظام المالكي التّبعي بدموية فاشية وبحقد طائفي مقيت، ثارت العشائر العربية رفضاً للتّهميش وللتنكيل الذي مارسَه نظام "العملية السياسية" بحقّ أبنائها.
انخرطَتْ عدة قوى في هذه الثورة، من بينها رجال الطريقة النقشبندية وعسكريون وضباط من الجيش العراقي المُنحل. ولما كان تنظيم داعش قد استقطب عددا من هؤلاء الضباط، استطاع أن يزجَّ نفسَه في هذه الثورة التي دَحَرت قوات المالكي من سِتّ مُحافظات شمالية وغربية وصولا الى حزام بغداد في الوقت التي كانت المناطق الجنوبية وبغداد نفسها تتحضّر لإسقاط المالكي.
غير أنّ داعشَ تمكّنَ من السيطرة على الموصل ونفذّ جملة من الاغتيالات في صفوف ضباط الجيش السّابق وبعض قادة العشائر الثائرة ليستفرِدَ بالسّيطرة على غالبية المناطق التي خرجت من تحت سيطرة النظام. وبدلا من استكمال الزّحف باتجاه بغداد، وبدلا من طمأنة المناطق الجنوبية وتشجيعها على ملاقاة الثورة، قام داعش بتطبيق أحكامه في المناطق التي فرض سطوتَه فيها وبدأ استهداف كل من يرى أنّه يُخالف شريعته من المدنيين بالقتل أو التهجير ما دفع بمئات الآلاف الى النزوح تاركين وراءَهم كلّ شيء. ثم ارتدت قوات داعش الى الشمال في محاولة للتوسّع على حساب إقليم كردستان.
يبدو أنّ سيطرةَ داعش على الموصل وتغلغلها ضمن ثورة العشائر العراقية، وتمكنها من ضمّ مناطق واسعة بما فيها، وخصوصاً، حقول انتاج النفط وخطوط تصديره، فتح لها آفاق الخروج عن الطَّوق. أو بعبارة أخرى أنضجَ الظروف اللازمة لتدخل أمريكي سياسي وعسكري في ظلّ شبه غياب للاعب الروسي الغارق في مستنقع أوكرانيا.
مارس الاعلام دورا خبيثا في أَسْطرةِ داعش ورسم لتوسعه صُوَراً تتراوح بين أشكال الفَتح الإسلامي الأول وبين الثورة البلشفية! فهي الغول الذي استطاع أن يتوسع في غُضون وقت قصير ليسيطر على عشرات آلاف الكيلومترات وعلى حساب دولتين إقليميتين! مُتعمّداً، هذا الاعلام، التعامي عن الظروف المادّية التي أتاحت لـ"جحافل" داعشَ أن تتنقل بكل حُريّة وأنْ تقطعَ مئات الكيلومترات بدون أن تواجهها لا طائراتُ الأنظمة ولا قوى عسكرية مُجهزة لمثل تلك المواجهة، بل كانت حُرّةً في شنّ غزواتها على قرى وعشائر ومناطق مفتوحة تُنكّل وتقتل وتنهب وتمارس همجيتَها بكل وحشية وبدون مقاومة حقيقية تُذكر.
إنّها اللحظةُ المُناسبة لأوسع عملية ابتزاز للقوى المُسيطِرة وللمعارضات التي تَعِدُ نفسَها بالسّلطة أو بالمُشاركة في أطباقِها! إنّها الفرصةُ المثاليّة لاستغلال الظروف من قبل الأمريكيين. فداعشُ الوَهْمُ بلغَ أوْجَه ولا بدّ من التّحرّك. أوباما يُعلن ضرورة تشكيل تحالفٍ دوليّ (!!) لِمُواجهة طويلةِ الأمَدِ معَ داعش!
داعش الذي لا يمتلك لا أساطيل ولا موانئ، ولا طائراتٍ ولا صواريخ بالستية ولا أسلحة دمار شامل ولا حتى تمْويلا مُستقلا أو شبكة اتصالات مستقلة.. الذي لا يمتلك لا اقمارا اصطناعية ولا حتى جيوشا مُنظمة.. داعش الذي ليس لديه إمكانية إطعام عناصِره في حالِ أُحكم الحصارُ عليه لمُدّةٍ تزيد عن أسبوع!
هذه الأمور يعرفها الجميع وهي بِرسم الجميع.
في هذا الموضوع كتب خليل عيسى:
"الحقيقة أنه، وفي قلب عملية تضخيم "داعش" الإعلامية، هناك مصالح استعمارية مختلفة ومتقاطعة، وأوهام لمثقفين وسياسيين، وهناك مصالح "داعش" نفسها بالطبع في إرعاب أعدائها، وهناك ناس عاديّون لا يعرفون ماذا يصنعون في ظل ذلك كله. لكن، يجب الإشارة إلى أنّه، وفي قلب تلك العملية، توتّر دائم قائم بين أمرين: "داعش ـ الحقيقة" و"داعش ـ الوهم".
أما صَباح علي الشّاهر فقد قال تحت عنوان "داعش وما أدراك ما داعش!":
"كلما تأملتُ بقضية داعش، إزددْت يقيناً أنّنا نتعرض لأكبر خديعة في تأريخنا.. داعش تظهر فجأة، ثم تصبح قوّة عظمى، تتداعى للتصدي لها أممُ الأرض قاطبة، ثم يعلن رئيس أقوى دولة في العالم، إنّ الصّراع مع داعش التي تشكل أكبر خطر على أمريكا، ولا ينسى أن يضيف كلمة (والعالم) سيطول!!"
لقد اصبحت داعش، التي بإمكان الجيش السوري الحُر وحدَه، لو تمّتْ مساعدتُه بأبسط القُدرات، أن يمحوَها تماماً عن الخارطة العسكرية والسّياسية خلال أسبوع، الحلقة المركزية في الاهتمامات العالمية، ولمواجهتها تُرسم الاستراتيجيات السياسية والعسكرية وتُبنى التّحالفات الإقليميّة والدولية وتتحرك الأساطيل ويُستدرج الجميع الى كنف الهيمنة عن طيبِ خاطر!
داعش التي صنعتها أجهزة الاستخبارات العالمية والشّبكات الإعلامية ورعتْها كأحدِ الأسلحة الأكثر فتكاً لتحطيم الماردِ الشعبيّ الذي لم يعدْ مُمكناً إعادتُه الى القمقم، صارت اليومَ مِحْوَرَ الاهتمام الأول في حين أنّ الشعوبَ التي تعرّضتْ لأكبرِ عملية سَحْقٍ قد تَهشّمتْ وتشرذمت وتحوّلت إمّا إلى نازحين أو مُشردين أو طوائفَ ومذاهبَ وعشائرَ متناحرةٍ تَسْتجدي التدخلات الخارجية والمساعدات الانسانية من منظمات طالما أشاحت بوجهها عنها في عزِّ الحاجة الى تدخلها.
اليومَ يُرادُ من هذا الحلفِ الدّولي الذي دعَتْ اليه واشنطن والذي تَتداعى جميعُ القوى الإقليمية والدولية، بما فيها إيران ونظام الأسد والمُعارضة السّورية الى الانخراط فيه، لمحاربة داعش، يُرادُ منه أنْ يطويَ صفحةَ الانتفاضات والثورات الشعبية نهائياً بعد إنجازِ ملفِّ تدمير الشعوب ذاتِها كما يتوقعون!
فهل يتحققُ لهم ذلك؟



#عديد_نصار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- باستيل دموي بمقاس غزة!
- حين يصبح النضال المطلبي بلا جدوى!
- ماء الوجه ولا الكرسي!
- الجهاديون فك الكماشة الثاني
- اغتصاب وإعادة اغتصاب السلطة في لبنان!
- فيكتوريوس بيان شمس والجديد في قراءة مهدي عامل للطائفية
- ردا على فيكتوريوس بيان شمس
- الاسلام -المقاوم-، حزب الله نموذجا
- في عيد العمال العالمي
- لبنان والانتخابات الرئاسية: -بوتفليقة- لبناني أم الفراغ؟
- هيئة التنسيق النقابية: الدخول في المأزق
- -الخطة الأمنية- تستمهل المتورطين!
- لبنان: الشيعة والمقاومة ومافيا حزب الله
- الأحزاب الشيوعية العربية والواقع الملموس
- ثورة لكل الشعوب
- حصاد عام: رؤية ائتلاف اليسار وأخطاؤه
- محاصرة الثورة السورية بالقوى -الجهادية-
- مؤتمر إنقاذ أم مؤتمر أنقاض؟
- في ضرورة تمييز قوى الثورة المضادة
- مدرسة -جمول-: التضحية إيثار، لا اتّجار


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عديد نصار - أبعد من داعش