قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا
الحوار المتمدن-العدد: 4572 - 2014 / 9 / 12 - 09:35
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
بستوريوس وهرم الأعراق ..
تجلس على منصة القضاء ، قاضية سوداء ، تتلو قرار الحُكم في القضية المعروضة أمام المحكمة ، في القاعة يجلس بهدوء جمهور كبير غالبيته من البيض ، بما فيهم المتهم الأبيض وطاقم الدفاع ، وطاقم الإدعاء .. كما ولا ننسى بأن قسما من الجمهور ، هم من ذوي البشرة السوداء . كلهم بإنتظار مُترقب للكلمات التي تنطق بها القاضية ..
وكما فهمتُ فالقاضية السوداء كانت في الماضي القريب سجينة ، طبعا بتهمة "الإرهاب " التي ألصقها نظام الأبرتهايد بكل مُقاوم للإحتلال والتمييز العنصري .
بينما خارج المحكمة يتظاهر أعضاء حزب المؤتمر الأفريقي من السود طبعا ، ضد القرار الجزئي للقاضية السوداء بحق إبن العرق السامي والطاهر "سابقا " ، الذي يُحاكم بتهمة قتل صديقته والتي هي إبنة العرق السامي والطاهر .
هذا المشهد لم يكن بالإمكان تخيله قبل سنوات قليلة ، فالسود كانوا مجرد عبيد وخدم عند السيد الأبيض ، وكان مجرد التفكير بقاض اسود يحاكم أبيضا ، نوع من الكفر البواح ..
ورغم أن المحاكمة تحظى بتغطية إعلامية كبيرة ، لأن المتهم هو شخصية رياضية مشهورة ، وحقق إنجازات هائلة ، خاصة وأنه مقطوع الرجلين ، ومع "إعاقته " أستطاع أن يُشارك في الألعاب الاولمبية وبجدارة . ففي رأيي تكتسب هذه المحاكمة أهميتها من "لون " الجالسين في قاعة المحكمة وعلى منصة القضاء .
إن "إختلاط " الألوان في قاعة المحكمة هو الحدث ..
لم يكن ليحصل هذا الحدث لولا الحنكة ، بُعد النظر والإنسانية التي تحلى بها بل وبأكثر منها ، الزعيم نلسون مانديلا .
لقد توقع غالبية المحللين السياسيين ، بأن حربا عرقية ستنفجر في جنوب أفريقيا بعد وصول الأغلبية السوداء الى السلطة ، لأسباب كثيرة ، لكن أهمها هو الظلم ، التمييز العنصري ،القمع الحديدي لطموحات السود في جنوب افريقيا من اعتقال وإغتيال ، وتهميش ،إفقار وتجهيل الأغلبية لتتحول إلى خدم للسادة من العرق السامي والطاهر .
وهنا تجلت عبقرية مانديلا الذي دعا إلى عملية مُصالحة تاريخية ، بل وأجرؤ على القول بأن التطمينات للبيض فاقت كل خيال ، فقد حافظ الحكم الجديد على أملاكهم وحقوقهم السياسية والمدنية دون مساس ، الأمر الذي أثار حفيظة بعض شركائه وأنصاره .
هذه العملية تم تذويتها وهضمها في نفوس الأغلبية السوداء والأقلية البيضاء ، الكل يحترم القانون والقضاء، والحياة السياسية تعتمد التعددية والتداول السلمي للسلطة ..
إن مُجتمع جنوب افريقيا هو مجتمع مُتعدد الأعراق ، الألوان والديانات ، ومع أنه مجتمع ورثَ صراعات قبلية تاريخية ، وحروب عرقية عنصرية ،إلا أن الإرادة السياسية للقائد الإنسان ، قد مكّنت هذا المجتمع المتنوع من تجاوز خلافاته والإنطلاق نحو بناء دولة عصرية ..
هذا هو القائد الذي يضع مصلحة الإنسان ، لكونه إنسانا فقط ، فوق مصلحة الطائفة ،ألعرق أو القبيلة ..
والدول العربية التي تمزقها الحروب الطائفية والصراعات السياسية ، لن تجد لها راحة إلا بتبني نهج مانديلا ، بمصالحته التاريخية وسلوكه الإنساني ..
#قاسم_حسن_محاجنة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟