هاتف بشبوش
الحوار المتمدن-العدد: 4572 - 2014 / 9 / 12 - 00:37
المحور:
الادب والفن
قاسم والي ,عصيُّ على التفكيك, كقصيدةٍ في آخرِ الضوء (2).........
نسيتُ تماما رمادّ جسدِ محمد البوعزيزي الذي
تدفأتْ عليهِ حركةُ( النهضة)
لدينا مايكفي من الجماِل لننشغلَ بهِ
الحواسم والكواتم
التوافق والتراشق
ريال مدريد وبرشلونة
لاأكتمكمْ
منهمكُّ أنا بمتابعةِ العفريت
العفريتُ الذي نحنُ على كفهِ المرتجفةِ
موبوءُّ بالشلل الرعاشي
ممتلئ بالصراخ المخنوق
الكثيرُ من الهوامش على متنه الضيق
العمالُ اليوميون
حاملوا الشهادات النائمون على ( السبتايتل)
الفلاحون الحالمون بالمناجل
الطلابُ والمدرسون المصارعون لأكمال المنهج
لاتخلو قصائد قاسم والي من نكهة الخطاب الشعري السياسي , والتي تنتمي الى الكونية لا العرقية والشوفينية , قصائد ذات طابع فني خاص , بحيث أنها تستطيع التنقل من الرمزية الحادة , الى المباشرة المقصودة وبأطارها الجميل الذي ينوي نقل المعنى الى ذهن السامع بشكل سريع وطبقاً للمرحلة التي يعيشها النص وملائمته لحدث قد وقع فعلا في أرض الوطن وأربك حالة المجتمع وأضرّ بها . ولذلك جاءت المباشرة الأحتجاجية الناقمة في بعض النصوص, كي توصل رسالتها الصحيحة , التي يخاف عليها الشاعر أنْ تختفي بين طيات الرمزية القاتلة أحيانا لما في قلب الشاعر من قصدية هادفة , تريح ضمير الشاعر الذي لم يعد يطيقُ صبراً مما يراه من واقعٍ مرير , فتأتي كلماته المباشرة , مثل وقع رذاذ البصاق على وجه الجلواز السافل , البصاق الذي لايحتمل التأويل , فيرتاح الشاعر أيما راحةٍ ويشعر أنّ ماكتبه أصاب الهدف في العمق .
يعرّج الشاعر في الثيمة أعلاه الى موضوعة إزدواجية المعايير لدى الشعوب والأنظمة العربية التي ترى مايحصل في العراق من دمارٍ للحرث والنسل على أيدي المجرمين بأنهم ثوار وفي بقية البلدان إرهاب, ولذلك الشاعر راح ينسى كل ذلك, أنه اليوم في عراق الدم المراق , ومسلسل القتل الذي لاينتهي , والرجال الأفاقون على غرار( الرجل الرعاش) المعروف لدى العالِمُ والجاهل ,ففي رقبته الكثيرين ممن ماتوا (عمال , حملة شهادات , موظفون , فلاحون, طلاّب , كسبة ) . ثم يستوحي الأمل من الشحنات التراكمية المؤلمة التي بداخله ليعطي العزيمة الثورية لنفسه كي يكون على أسعدِ حال وعلى ثقةٍ تامة من أننا سوف لن ننهزم أمام المأجورين فيقول......
لن نسقطَ في فخ اليأس
سنحتفل اليومَ
سنتكاتفُ غداً
القبضةُ بالقبضة
الماضي لن يعود , والبعثُ أملُ الأوغاد لن يعود , ولابد لنا أنْ نستمع الى ترنيمة القادم , ولابد للتكاتف والتواصل أنْ يصنعا الحياة , وعلينا أنْ نسقي وجداننا من قوة تضامننا كي ننال الحرية ( الحرية وجدان .....الفيلسوف الشهير هيكل), ولذلك قال الشاعر في نصه التعاضدي ( فيسبوك).......
المواطنون قسمان
الشرطةُ والشعبُ
ولأنّ الشرطة أكثرُ من الشعبِ
فعلى الجميع إحترام الأغلبية
اقترحُ أنْ ينامَ الشرطيونَ الخفر ..خصوصاً بواجبِ( تالي الليلِ)
لأننا سنقومُ بالحراسةِ
هذا النص ينكأ أحابيل كل من صار حاميها حراميها , نص يتوائم مع القراءة السريعة للثيمة كلها وبنفسٍ واحد , أي انّ القطعةِ كلها عبارة عن قذفةٍ واحدة لحزمةٍ من الكلمات المتراصة الشاعرية المؤثرة جدا في النفوس , أي أنها تصلح أنْ تكون تهكما في مهرجانٍ مفتوحٍ على الهواء كي تأخذ مدارها الصحيح , مثلما كان يفعل أحمد فؤاد نجم في الكثير من قصائده المغناة بصوت الشيخ أمام , أو مثلما نقرأ تلك الكلمات التي تليق بموسيقى وغناء الهيب هوب الخاطف والمؤثر في نفس الوقت , لأنّ الشعر هو تلك الكلمات التي تحتك وبشكل دائمي مع الغناء والموسيقى . ثم يستمر في نصه الساخر لما تمليه أوضاعنا المتردية فيقول أدناه ......
في جمعةٍ ما
بعد مائة نومٍ أوبعد مائةِ يومٍ
لم يتفقْ على تسميتها بعدُ
ستكونُ الشوارعُ معبدةُّ
والكهرباءُ مستمرةُ
والوجبةُ التموينيةُ فائضةُّ عن الحاجةِ
وسنخرجُ حينها في مسيرات تأييد للأخ العقيد
ضدّ ( العدوان الصليبي)
وسيكون ( دوّار اللؤلؤة) أهمّ بكثير من نهر الفرات
الذي ضاع من الخرائط
نص يحمل روح الأسى على مستقبل هذه الأمة التي لايمكن أنْ تتغير نحو الآفاق المرجيّة , أنها أُمة الموت والخراب على مدى العصور الغابرة والآتية , أنها أمة الجهل والتخلف التي تجعلنا نراوح في أزقتنا بعد مائة عام وبنفس السقوف والدروب التي لاتعرفُ رحمة أديسون في إنارته للكون المعتم , ولا شفقة ماركس في توزيعه للخبز على سائر البشر , ولاتعرفُ الصرف الصحي في قصيدة مايكوفسكي , أو الصرف الذي كان يعيش فيه بطل الحسناء ( فينسنت) الوحش الذي رأيناه على شاشات التلفاز في مسلسلٍ تلفزيوني مثير , ولاتعرفُ فطنة علماء الري التي تسقينا من ماء الفرات العذب الذي إبتدأ فيه الطوفان , الفرات اليوم بين فكي اللحى وتفكيرهم الدنيئ لتحقيق مآرب لم نسمع بها من قبل , كي تزيل ملامحه الجغرافية من على الخريطة , لغرض تعطيش طائفة ألمّ بها القدر أنْ تكون على تلك الصيرورة التي هي فيها الآن منذ أعوامٍ سحيقة , أنه التواطؤ الشيطاني البغيض الذي أدى بالشاعر أنْ يكتب نصه أدناه ( تواطؤ)...
منذُ تواطأتِ السماءُ مع الأرض
قطيعُ جدّي أكلَ بعضهُ بعضاً
جدي يسرحُ الآن بقطيعٍ من الذئابِ الجائعة
تترقبُ غفلتهُ
يترقبُ شجاعتها
ليمارسا لعبة الأفتراس
******
آباؤنا الطيبون
أمهاتنا الطيبات
ماحسبوا أنهم سيلدون
مهندسين يتواطؤون مع المشعوذين
وضباطاً يتواطؤون مع القتلة
وشعراءَ يتواطؤون مع الشيطان
وسياسيين يتواطؤون مع دول الجوار
لعبة الافتراس (إنْ لم تكن ذئبا أكلتكَ الذئاب) , تلك المقولة التي لاتزال محفورة في قواميس البشرية المتوحشة, واليوم تنتشر مثل إنتشار داعش في هشيم الأقليّات . في هذا النص رسم الشاعر للسياسة العراقية وماجاورها , أنه يعري رجالات الساسة المتواطئين وعلى إختلاف مشاربهم وإختصاصاتهم الذين باتوا يعملون على تكريس الكراهية والأبادة ( إبادة الآخر هو هدف كل أصولي , ديني أو غير ديني , يناضل من أجل السلطة........ أدونيس). كل مايجري عبارة عن أحقاد مسترخية على سمت الماضي المغبر , الماضي الذي يحمل الكثير كي يستطيع الأكليروس أنْ يسوّغ لنفسه في أنْ يقول مايشاء من الأحاديث والأقاويل التي بأمكانها أنْ تفتك بالبشروخصوصا الرعاع منهم , ولذلك الشاعر قال في قصيدته أدناه ( سرير الماضي).......
المقاتلون من أجلِ الحرية والشعراءُ والفنانون
هؤلاء أكثر الخليط البشري غرابة ً
عصيون على التفكيك
كقصيدةٍ ملفقة من عدة دواوين أو من عدّةِ ترجمات!!
لنْ أتحدث عن السياسيين في هذه العجالة
سوى أنهم قد أدو واجبهم على أكمل وجه
كشجعان متاحين لقبائلَ وطوائفَ خائفة
الكثيرُ والقليلُ من اللصوصيةِ مبررةُّ تماماً
(لابد وأنْ ينتهي المرء الى مايظنهُ الآخرون ... نحنُ الأصلاء ... وهم من يصدؤون .... هذا ماقاله يوليوس قيصر).........
الشاعر في الثيمة أعلاه مفتخرُّ ومسرورُّ بأنسانية الشاعرُ الفنان , والمبدع الذي ينتمي الى عالم لايحتوي على أسوار , عالم شاسع , له أوكسيجينه وسمته وترابه وكل ماله علاقة بالحياة ونبضها , عالم خاص بعيدُ عن المقدّس , بعيدُ عن المغريات وماينفخ فيها , غير قابل للأنكسار , له صلصاله الذي تحلّى به الحلاّج , له إصراره الذي سار عليه لوركا , وعناده الذي بات مدوّيا في سلوكيات الجواهري , وشمسه التي طلعت على وجه عيشة عند صباحات سعدي يوسف , له خمره الذي تجلّى في مساءات جان دمو , له صعلكته التي كان يجود بها عروة بن الورد , له كبريائه الذي كان يتحلى به إمرؤ القيس , وله كل ما إرتقى إليه شاعرنا قاسم والي في غائيته النقدية التي أبرعَ في تصويبها الى قلب تصرفات السياسي العراقي الحالي وطائفيته وعنصريته , تلك الغائية التي حوّلت التبرير الى جريمة يحاسب عليها السياسي المعني وفق القوانين الوضعية والسماوية . ويبقى قلب شاعرنا الجميل قاسم كأخضرار فصول الحب الأربع التي كتبها لنا ضمن قراطيسه الخضراء ومنها أربعة نصوص خالصة لوجدانيات الحب وأولها نص( المرأة تلك)........
نبتكر لغاتٍ لايعرفها غيري
المرأة ُ تلك
تتعاطى الحبّ
تتعاطاهُ بِأفراطٍ جداً
عند الكأس الأولى
تغمرني بالعشق القروي
لكم تشدني الرغبة في أنْ أعرفَ ماوراء المرأة ( سؤال جلجامشي محير)...........
في الفلم العالمي ( القاموس النائم)The ing Dictionary , من تمثيل الممثلة الحسناء ( جسيكا ألبا) والممثل الشاب( هوك دانسي) , نرى كيف يتخذون النساء كمفتاحٍ لتعليم اللغة , أفضل تعليم أكاديمي لتعلّم لغات الآخرين هو عن طريق التعاشر مع المرأة وإتخاذها حبيبة أو زوجة , الفلم يصف لنا ذلك الفتى الأنكليزي القادم من بريطانيا , الى مستعمرةٍ نائيةٍ في ماليزيا عام 1936 , فكانت هناك قبائل متخلفة لاتزال تعيش حياة القرون الوسطى , فهذه القبائل من ضمن تقاليدها الموروثة , تقوم بأهداء إمرأة شابة الى من يأتي اليها ضيفاً .يحضى الفتى الأنكليزي القادم بواحدةٍ من الفتيات الجميلات , تقوم بالسهر عليه وحمايته وإرضاءه جنسياً , ثم تعليمه اللغة الدارجة لديهم , والنوم معه على فراشٍ واحدٍ يوميا , ولذلك سميت الفتاة( بالقاموس النائم) وهو إسم الفلم أيضا , وبالفعل بعد مدة قصيرة , نراه قد تعلّم الكثير من اللغة , وتعلّم أيضا الحب الخالص دون أنْ يخطط أو يرسم للحب , وجد نفسه واقعا في غرام هذه الفتاة , بل متيما لايستطيع فراقها , حتى تزوجا أخيرا وكّلل حبهم هذا بطفلٍ جميل أدى بالفتى أنْ يبقى مع هذه القبائل المتخلفة وأكواخها الخوص البسيطة , وغاباتها الكثيفة بالأدغال وأشجارها المعمرة التي هي رمز دفق الحياة , يبقى في الطبيعة الخضراء ووديانها , ويترك بريطانيا العظمى وعماراتها الشاهقات , ويتحدى تقاليد بلاده وأوامر السلطات. هذه النزوات وماتفعله بين المرأة والرجل وكيف لها دور كبير في تفسير بعض الأمور البمهمة والعصية على الفهم , أو تفسير الحب الذي ينشأ دون سابق تخطيط , ويدخل فيه الطرفان مرغمان , مغموران بسكرة الأنتشاء , كل هذه المفردات , أدّتْ بشاعرنا قاسم أنْ يخط لنا نصه الجميل ( سيرةُ الننزوات) .....
أبحتُ لها هشيمَ عظاميَ الملقاةِ تحتَ عباءة السدّ
أنا سندانها الخزفيّ
وهي مطارقُ الوردِ
في هذا النص أرى الشاعر قاسم يكتب بما يمليه عليه نسيجه الفكري وليس بما تملي عليه الرؤيا (أني لا أنقل من الطبيعة , وإنما أرسم بجفونها , أنا لاأعرف العالم كما أراه , ولكن كما أفكر فيه ............ بيكاسو) , أنه يبوح على سجيته وأثناء مايكون قد إمتلأ من الأرهاصات والأختلاجات التي لاتتحمل الأبقاء عليها تحت طيات الضلوع , والتي يتوجب عليه تفريغها على الورق كي تستريح السريرة الشاعرية لديه , وهكذا هو حال الدوّامة التي تصيب الشاعر الحقيقي كمرض مزمن لايمكن الخلاص منه بالطرق التقليدية , كما وأنه يظل في حمى متناوبة يمكن لها أن تبرد بين الفينة والأخرى تبعا لنتاجه الشعري , وهذا يتوقف على مدى مداده الشعري , وأنا أعتقد بأن مداد قاسم والي سوف يستمر ولاينضب في يوم ما .
العالم النفسي سيجموند فرويد , إجتهد كثيرا في أنْ يجعل العلاقة بين المرأة والرجل في أحسن حالها , يدعو الى المعاشرة وممارسة السعادة التي من شأنها أنْ تجعل الأثنين في علاقة حميمية متبادلة قادرة عاى أنْ تسيرّ الحياة نحو الأفضل , قادرة على أنْ تطفئ جمر الأمراض النفسية الناجمة عن الأنغلاق في هذا المضمار , تستطيع أنْ تقتل لهيب الروح الماسوشية والسادية لدى الطرفين , قادرة على أنْ تجعل الذكر سنداناً, وهنّ مطارقاً وأصصاً وردية . وهذه لنْ تغفل عن قريحة الشاعر قاسم , الذي يصمم على أنْ يجعل من الحياة حركيّة دائمة لايمكن لها الوقوف عند باب رجعية الفكر وتخلفه , ولذلك وجدناه في نصه ألآخر( لها ذات عشق ) ناضحاً بالهوى والحب ......
يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع في الجـــــــــــــــــــــــــــــــــــزء الثالث
رابط الجزء الأول
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=430850
هاتف بشبوش/عراق/دنمارك
#هاتف_بشبوش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟