عزيز الخزرجي
الحوار المتمدن-العدد: 4572 - 2014 / 9 / 12 - 00:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قصّتنا مع الله(4)!
هذا المقال للدّعاة فقط .. أتمنى أنْ لا يقرأهُ مَنْ لَمْ ينتمي للحركة الأسلامية العراقية!
قال تعالى: [ألذين قال لهم النّاس إنّ النّاس قد جمعوا لكم فإخشوهم فزادهم إيماناً و قالوا حسبنا الله و نعم الوكيل* فأنقلبوا بنعمة من الله و فضلٌ لم يمسسهم سوءٌ و إتّبعوا رضوان الله و الله ذو فضلٍ عظيم](1).
بهذه الآية كُنا نطيّب جراحاتنا النازفة و نحن نواجه المخالفين للحقّ في عراق المآسي و الدّم و آلدّموع, و قد قاله الشهيد الشيخ عارف البصري صرخةً مدوّيةً بوجه الطغاة في زنزانات البعث الجبان يوم واجه رئيس الأمن ألذيّ تحدّى الشيخ عارف بقوله: (كم عددكم يا (حزب الدّعوة و أنتم تريدون أسقاط ثورة البعث و جماهيره المليونية التي تهتف كل يوم بحياة الحزب و قيادة الثورة), فكان الشيخ الشهيد العارف يجيبهم بتلك الآية العظيمة!؟
و قد كان الناس بآلفعل كذلك حتّى المقرّبين يدعمون النظام خوفاً أو طماً, و لذلك بدل أن يدعمونا لنصرة الحقّ؛ كانوا يُخيفوننا من بطش النظام و يثبطوا عزائمنا لبعدهم عن دين الله الذي وصلهم أساساً بآلخطأ من المرجعية التقليدية, و كنا وحدنا نرى ألطاف الله جهرة و بلا حجاب و رتوش و كأنه كان معنا في كل خطوة و عملية و موقف لأنه تعالى علمَ بإخلاصنا و نوايانا بإتجاه تحكيم مبادئ القرآن في سنوات الجّمر العراقي و المواجهات العظمى على أرض ألواقع مع (بعث) المآسي و الفساد و الفتن؛ فقد كنا نرى الله تعالى ليس فقط عبر آلأستدلالات الفلسفية و نظريات الفلاسفة الغربين و الشّرقيين .. بل كُنّا نرى الله معنا و أمامنا و خلفنا و في كلّ خطوة نخطوها في طريق العشق الألهيّ رغم الأشواك و المحن و الصّعاب الكثيرة التي لم يواجهها حتّى الأنبياء و المرسلين!
فقد كان الله تعالى معنا لأننا معهُ بصدقٍ يوم تركنا النّأس و لم يبق معنا أحد بعد ما سيطر موجات الجّهل و الجُبن و الخنوع و الشّهوة و النّفاق وحب الدّنيا على النّاس .. كلّ النّاس حتى المراجع القابعين على شهواتهم و أموالهم!
و صدق جبران خليل جبران في مقولته التي قالها و كأنّه عنانا بآلذّات:
[لو رأيت الجّميع ضدّك و آلألوان غير لونك, و الكلّ يمشي عكسكَ؛ لا تتردّد .. إمشي وراء قلبك و تمسّك بمبادئكَ و لا تأبه لهم .. حتى و إنْ أصبحتَ وحيداً .. لا تتردّد ..
فآلوحدة أفضل من أنْ تعيش عكسَ نفسكَ لإرضاء غيرك]!
نصّ الحلقة الرّابعة:
العراق و كما قال برنارد لويس؛ دولة مصطنعة و يجب أن تتقسم, و هذا ما أكّده (بريمر) و (بادين) قبل سنوات بعد كل الذي جرى ثمّ سقوط البعث شكلياً و توليّ حكومات مختلفة و مختلطة للحكم بعد ذلك و إلى يومنا هذا!
كما إنّ الشعب العراقي هو آلآخر ليس شعباً مؤمناً بآلأساس و ليس طيباً كما يتصور البعض, و لذلك ترك الأسلام بسهولة و تمسك بآلقوانيين العشائرية الجاهلية من جديد سواءاً العرب أو الأتراك أو الأكراد حيث يحتكمون اليوم لعقائدهم القومية و مخلفات التربية العجيبة التي تربى عليها بسبب المدارس العراقية أو التربية العائلية و العشائرية!
و حين زرته – أيّ العراق - عام 2003م ما رأيتُ إلا شرطياً غضباناً و تاجراً ملهوفاً و عالماً متهتكاً و سياسياً متهالكاً على الحكم و إعلاميون ببغائيون و شيوخاُ جهلة و قسوة غريبة ضد حقوق المرأة الأطفال بشكل خاص!
لهذا إتّخذ طريقاً خاطئاً في الحياة و الدين و نيل المطالب على كل صعيد؛ تربوياً و سياسياً و إقتصادياً و حزبيّاً و عشائريّاً و عسكريّاً و حتى دينياً!
ليصل إلى نقطة نسى عندها تماماً بأن طريق الألتزام الدّيني الحقيقي هو الضّامن الوحيد لنيل المطالب و السّعادة في الدارين, لأنه أساساً لم يكن يعرف الدِّين الحقّ و إنما عرف ديناُ تقليدياً من خلال منابر المساجد والجمعة, و لا يزال يجهل الحقيقة .. حيث يتصور بأن الأسلام ما هي إلاّ مجموعة من الطقوس العبادية و المراسم السنوية و إللطم على الحسين(ع) و تطبيق آلأحكام العبادية المجرد و كفى!
و لعل الذنب الأعظم من هذا الأنحراف الكبير و الخطير و التبعيض؛ لا يتحمل أسبابه (العوام) فقط و كما يسميهم "العلماء" الخواص بتلك التسمية العنصرية اللاإنسانيّة, بل القسم الأكبر من ذلك الأنحراف و الذنب يقع في عاتق (المرجعية التقليدية) التي زقّتهم بتلك الأحكام و المفاهيم سنيناُ و قرون من دون اثر في الواقع العملي, حتى جاء زمن إنتصار الثورة الأسلامية عام 1979م و إعلان (المرجعيّة الحقيقية) للأسلام المحمدي - الأصيل و تطبيقه على أرض الواقع و على كل صعيد خصوصاً فيما يتعلق بحقوق المرأة و الناس!
و آلمأساة لا تنتهي عند هذا الحدّ .. بل آلمؤسف أكثر و الذي لاحظناه و بعد كلّ الذي جرى من الثورات و آلمعارك و آلغزوات و الأنتفاضات و آلأحتلال و آلتحرير و النهب و السلب و التفجير و القتل و المفخّخات و التي سبّبتْ تيارات كبيرة من الشهداء و المعوقين و آليتامى و الأرامل و المضى العصابيين؛ بعد كلّ هذا لا يزال عموم هذا الشعب و معه الأمة العربيّة الخائبة لا يعرفون حقيقة الأسلام المحمدي الأصيل .. فلا يزال هؤلاء المساكين يتصورون بأنّه عبارة عن هذا الفقه المنتشر ألمتحجر عبر الرسائل العملية و الأحكام العبادية الشخصية, بحسب فتوى الأعلم(الأعلمية)(2), و حتى الطبقة الحركية(الأحزاب الدينية المثقفة) هي الأخرى تتصور بأن التحزب و التنظيم بشقيه الاسلامي أو العلماني هي وسيلة للوصول إلى آلحكم و سرقة حقوق الناس و التكبر عليهم بكلّ الوسائل و القوانين الممكنة, و إذا كان حال مثقفي العراق و الأمة بهذا المستوى فلك أن تتصور حال بقية الناس فيه!
إنّ ذلك الفهم الخاطئ الخطير للدِّين من قبل الأمة ومرجعياتها التقليدية؛ لم يكن بإرادتهم و إختيارهم, بل كانت لعوامل عديدة تمتد جذورها خارج البلاد, لكن يبقى ما بثتتهُ المرجعية التقليدية من مفاهيم عن خط آل البيت(ع) و حقيقة و غاية الفقه الأسلامي و القرآن الكريم بآلخطأ و بحسب فهمها المحدود و المتحجر؛ هم السبب في تسطيح ثقافة و عقيدة الأمة و بآلتالي تسلط الأستكبار العالمي والأحزاب الوضعية الدينية و الغير الدينية .. ليستمر إنتشار الجهل الذي بدأ الناس يقدسونه حتّى تحولوا إلى قطعان من الأغنام تسير و لا تدري إلى أين المسير!
لا تستغربوا أيها الأخوة لو قلتُ لكم بأنّ الذين يُسمّيهم العراقيون وغيرهم بـ (مراجع الدِّين) حتّى هذه اللحظة لا يعرف أكثرهم فلسفة الأسلام و غاية الأحكام الفقهيّة و مسألة التوحيد العملي التي بينها المراجع الحقيقيون العرفاء كالصّدر الأول و الأمام الخميني و السيد الخامنئي و السيد الآملي و صاحب تفسير الميزان قدس الله أسرارهم و أدام نهجهم!
و السبب لأنهم – أّلتقليديون - لا يعرفون حقيقة الله و هدفية و غاية رسالة الأنبياء ثم أنفسهم أساساً و قبل كل شيئ, هذا بجانب النظام و الوسائل و البرامج التي تحقق تلك الهدفية و الغاية التي بيّناها سابقاً!
حيث يتطلب التّديّن الحقّ لأن يعرف الأنسان ربّه أولاً ثم حُبّهُ و عشقه بحسب تقرير الصدر الأول للعرفان و بيانات الشيخ الأنصاري و العطار النيشابوري .. هذا بعد معرفة الأنسان لنفسه و بعدها تفعيل تلك المعرفة في الوجود عملياً وعلى أرض الواقع عبر الأنتاج و الإبداع و الأبتكار!
بإختصار شديد يحتاج السالك لهذا الطريق إلى عبور محطات المدن السبعة التالية:
الطلب – العشق – المعرفة – التوحيد – الإستغناء – الحيرة – الفقر والفناء(3).
و تلك المحطات هي الحلقة المفقودة في أوساط الشعب العراقي بما فيهم المثقفون و السياسيون و الفقهاء, و التي بسببها فقد الناس كل شيئ للأسف الشديد!
بينما التدين الشائع لدى المؤمنين و "علماء" العراق التقليديون؛ هو التمسك بظاهر الدين و الأحكام الفقهية الشخصية كهدف .. بينما الحقيقة هي أن الأحكام العبادية ما هي إلا وسيلة لأهداف سامية كبرى, و هنا إنعقد الأشكال عندما تبدل الوسيلة إلى هدف و أختلط الحابل على النابل!
فجميع الأحكام العبادية الفقهية المتحجرة المحدودة – و التي أصبحت هي المعيار للأعلمية بحسب التعريف الشائع في أوساط المنتفعين – ما هي في الحقيقة إلا مسأئل ثانوية و وسيلة لبناء ضمير الأنسان لا أكثر, و ليست غاية بحسب ما روّج و يُروّج لها المرجعيّة التقليديّة عمداً أو جهلاً لأجل منافعهم و شهواتهم و رفاه عوائلهم و أحفادهم!
لقد بدى لي بأنّ تقرير هذا الوضع الخطير سبّب إبقاء الناس أسرى الأحكام العبادية التي يكرّرها الفقهاء و يستنسخونها عبر رسالة عملية يكتبون في مقدمتها الفقيه و المجتهد الأكبر وووو غيرها من العبارات التي لا يفهمها حتّى صاحب الرّسالة نفسها, ثم يذيّلها بعبارة؛ (العامل بهذه الرسالة مُجزئ و مبرئ للذمة), بلا حياء أو علم أو فقه حقيقي!
و لعلي لا أجانب الحقيقة و الله الأعلم بأنّ المرجعيّة التقليديّة – إنّما تفعل ذلك من أجل تكريس الجّهل عمداً لإبقاء الأمّة أسيرة تلك التعاريف المبينة للأحكام و آلتعاريف الفقهية المتحجرة و التي لا يعلم هل هي وسيلة أم غاية!؟
ليبقى الشيعة كآلهمج الرعاع و بآلمقابل تضمين رفاههم و إغراضهم الدّنيوية الدنيئة المغطاة بآلورع الكاذب و الأنتساب لأهل البيت(ع) و المرجعية الدينية!
من حيث أنهم يعلمون بأن منسوب المعرفة لو إرتفعت في الأمة لكنستْ وجودهم للأبد, و لسقطت جميع تلك الأقنعة المزيفة و بآلتالي تحقق الكرامة و العزة و الأستقلال لهم بدل الخضوع للمستكبرين و السياسيين و النظريات الغربية كآلأشتراكية و الديمقراطية و الرأسمالية التي تحكم بلدنا العراق من كل جانب و مكان بلا راع أو قانون إنساني!
و من هنا لم يكن عقدتهم و معاداتهم للصدر الأول و آلأمام الخميني الكبير و من سار على نهجهم إعتباطاً .. و إنّما كان بسبب خوفهم من تعرّض دكاكينهم و مصالحهم الشّخصيّة للزوال, و إليكم القصة الحقيقيّة التالية التي شهدتها عائلة السيد عبد الجبار الموسوي رحمه الله كشاهد و دليل على ما نقول بحسب رواية أبنهم البار الأستاذ السيد أبو مصطفى الموسوي, حيث يقول:
نصّ لقاء والدي السيد عبد الجبار الموسوي رحمه الله مع الشهيد الفيلسوف محمد باقر الصدر (رض)؛
[نقل لي والدي رحمه الله كيفية لقاءه تشرفه بزيارة السيد المولى محمد باقر الصدر, أذ كان والدي و في كلّ سنة خمسية (الوقت الواجب استخراج و دفع خمس مدخوله السنوي للمرجعية) حيث يذهب هو و زوجه الى النجف الاشرف كعادته و كان ينزل ضيفاً لمدة يوم أو يومين على الذي يدفع له الخمس (بيت عالم أو مرجع ما), و كان أخي الاصغر السيد (أبو مصعب الموسوي) من الذين كانوا في الجانب آلآخر يتردّدون لزيارة الشهيد السعيد الصّدر الأول كلّما كان يزور النجف الاشرف لمعرفته بثقل و علمية هذا المفكر الفقيه خلال السبعينات, و كان أثناء تلك الزيارة برفقة والدي, و قد تفرقا بعد زيارة ضريح أميرالمؤمنين علي (ع), ليذهب أخي لزيارة مرجعه السّيد الصّدر و والدي رحمه الله لبيت مُضيّفه لدفع أموال الخمس!
و يذكر أنّهُ كانت لزيارة أخي وقعٌ مؤلمٌ أذْ أحسّ بأنّ بيت السّيد الصدر يرثى له, حيث لا يملك حتى قوت يومه فخرج مسرعا الى والدي ليُثنيه عن أعطاء أموال الخمس لمُضيّفه – أيّ المرجع التقليدي أنذاك – و اعطاءهُ الى الشّهيد الصّدر الأوّل, فسمعَ المضيّف(ألمرجع) محاورة الأبن مع أبيه, فبادرهما قائلاً و بلكنة عربية – فارسية؛ أنّ خطّ و حركة هذا المدعو (محمد باقرصدر) سيؤدي الى أدخال السّياسة بالدّين, و هو يُريد أن يكون خميني ثان في النجف! لكن والدي اقتنع بآلذهاب الى بيت الشهيد الصّدر للوقوف بنفسه على ما رواه أخي, فاستأذنوا السيد المرجع للخروج لزيارة المشهد الشريف أمير المؤمنين عليّ (ع), لكن المضيف (المرجع) أصرّ على إرسال أحد أبناءه معهم لتلقينهما الزيارة فأصرّا – أيّ والدي و أخي – على رفض الأبن ألمُرافق مُعربين حبهم بالذهاب لوحدهم و لكن المضيف أرسل أبنه خلفهم للمراقبة!
المهم أنّ أخي نجح بالوصول الى بيت الشهيد الصدر(قدس), فرأى والدي ما رأى فأحبّ على الفور هذا العالم الرّباني من أوّل نظرة, و قدّم اليه الخمس و قد كان 200 أو 300 دينار عراقي في وقتها - تخيل أنّ شخصاً لا يملك قوت يومه وعياله ماذا يقول و يُقدّم لهُ هذا المبلغ الكبير نسبياً!؟
لقد كان جوابه هو آلرفض وعدم قبول استلام المبلغ, و قال لوالدي؛
[إعطه لمن كنت ستعطيها اصلا, فنحن و لله الحمد بخير]!
لكن والدي أصرّ على اعطاءه مبلغ الخمس ذاك بعد أن وعد الشهيد الصّدر بانهُ سيدفع لمضيفه الأول ما يُعادله من المال و لكن بعنوان الصّدقة. وأنّا لله و أنا أليه راجعون, إنتهت القصة.
و لهذا كلّه لم يُبارك الله في عمل المراجع التقليديين و الحركيين العاملين خصوصا بعد ما تعرّب حتى المُدّعين للدّعوة وأعلنوا ولائهم للأستكبار العالمي و الشيطان الأكبر في لندن و واشنطن!
فآلمرجعية التقليدية ركّزت بكلّ ثقها على الأنكليز و إعتبرتها و كأنها الملجأ و المأوى من كل خطر و شدّة و فقر و مرض, كما إن المدّعين لحزب الدعوة الأسلامية من أمثال أكثر الموجودين في الأئتلاف العراقي الوطني البعثي و في مقدمتهم الرئيس لم يبارك الله في دعوتهم لأنها كانت وليدة تلك التربية الثقافية التقليدية الفقيرة ألمنحطة و المتحجرة .. حيث تربّى معظم أعضائه على الأحكام التقليدية المتحجرة الجافة مع إضافة الصبغة السياسية الحركية, فعلى الرغم كانت الدعوة تدعي بأن فقيهها هو السيد محمد باقر الصدر إلا أن أكثر من 90% من الدّعاة لم يقلّدوا و لم يحترموا فكر و فقه الصّدر بل كانوا يميلون للمرجعية التقليدية في مواقفهم و أحكامهم و تعبدهم و يرفعون راية و صور و بوسترات الصدر الأول أمام الأيرانيين لكسب ودّهم و رضاهم كذباً بسبب الهجمة المضادة ألظالمة التي قادها بعض العراقيين الكربلائيين المنظمين لخط الشيرازي المريب على الدعوة بعد ما ألصقوا بها أنواع التهم و الأباطيل طمعاً بآلمال و المقام من الأيرانيين الذين سرعان ما كشفوا أمر نفاقهم و دجلهم و إرتباطاتهم المشبوهة عن طريق المقبور مهدي الهاشمي و محمد المنتظري!
لذلك فأن الامام الخميني و رجال الثورة الأسلامية المباركة لم يعرفوا و لم يقدّروا عالما عراقياً سوى الصدر الأول الذي كاتبه الأمام الخميني العظيم و بعض تلامذته الكبار من أمثال السيد محمود الهاشمي و السيد محمد باقر الحكيم و السيد الحائري!
لقد كان كلّ هدف الدّعوة – بآلطبع قديماً؛ كان هو إستلام السّلطة و نشر الأسلام, أمّا لماذا تريد إستلام السلطة و ما هو الأسلام الذي يريدون نشره!؟
فهذا ما لم نرى لها إجابة واضحة في ثقافة الدعوة الأسلامية, حيث يظهر هذا الواقع عجز المتصدين في بيان ذلك, و ما كتبه الصدر الأول و ختمه بوصيته إستخدمت من قبل المدعين للدعاية و الإستغلال .. بسبب ثقافة الدعوة السطحية الفقيرة و الفكر البالي الذي لم يقو على الصمود و مسايرة الأوضاع للحفاظ على الأقل على الهوية ألأسلامية شكلاً .. ناهيك عن المضمون!
و حتى هذه اللحظة لو تسأل أي عضو في الدعوة؛ لماذا تريدون السلطة!؟
لما إستطاع أي منهم أن يُجيبك بوضوح أو بجواب قانع, بل لا يتواني على الكذب و التلفيق و اللعب بآلكلمات, بل حتى تكذيب الواقع بكونهم يريدون تطبيق الاسلام و لو عموماً, فما فعله الدّعاة أثناء تسلطهم بعد 2003م كان أسوء مثل للوجه الشيعي في العراق و في تأريخ الحركات الأسلامية قاطبة!
لقد برهنوا عملياً بعدم وجود فارق كبير بينهم و بين أيّ علماني أو إشتراكي أو رأسمالي أو ملحد كافر وصل لسدة الحكم بعدهم أو قبلهم و في أيّ بلد من بلدان العالم!
صحيح أن مسألة إستلام السلطة هو المرحلة الثالثة من المراحل الأربعة في نظام الدّعوة و مسعاه من وراء التنظيم؛ و إن نشر الأسلام هي المرحلة ألرابعة و الأخيرة؛ لكن الخلل الكبير و الواضح الذي كشف عورتهم هو؛
أي نظام حكم و بأية صيغة يريدون!؟
ثم أي إسلام يريدون نشره و هم أنفسهم لم يفقهوا حتى أبسط تعاريف النظرية الأسلامية و فلسفتها التي نادى بها الأمام الخميني و الصدر الأوّل العظيم و طبقها النظام الأسلامي في إيران عقوداً على أرض الواقع!؟
ثمّ أين الدّعاة و كل الحركيين العراقيين من وصية الصّدر الأول الذي كان المؤسس الأول للحزب بجانب السّيد طالب الرّفاعي و السّيد مرتضى العسكريّ و الذين جميعهم تركوا التنظيم في وقت مبكر جداً!؟
أما قصة الشهيد السبيتي فهي محنة أخرى تدين جبين الدّعاة جميعاً, فآلنظام الأردني العميل هو المسؤول الأول على إغتياله .. لكننا رأينا كيف أن حكومة العراق بقيادة حزب الدعوة قد أخلصت للبدو الأردنيين بشكل أذهل الأردنيين أنفسهم رغم إن العصابات الأرهابية الزرقاوية و القاعدية و الداعشية كانت تنطلق من مدن الأردن و عاصمتها لقتل العراقيين المساكيين!
و هل هم حقّاً يُحبّون الصّدر الأول الذي أوصى بآلذوبان في الثورة الاسلاميّة و يعتبرونه فقيههم؟
أم إستخدموه للتغطية و للأستهلاك الأعلامي!؟
فأنا شخصياً و من خلال متبنياتي و قيادتي لخلايا ألدّعوة في العراق لفترة وجيزة و في قلب العاصمة و مدن العراق الأخرى لم أعرف أيّة موالاة حقيقية له من قبل الدّعاة ولا حتى خارج العراق أثناء وجودنا في إيران و غيرها .. ربما فقط بآللسان و الأعلام, بل وصل الأمر حدّاً لأن يُكذب بعض الدّعاة على الصدر الأول و على فقيه الدّعوة السيد كاظم الحائري الذي إستلم قيادة المجلس الفقهائي عام 1982م!
فبعد ما رفض الأمام الخميني وساطة السيد محمد حسين بهشتي لتفويض ممثل شرعيّ له في قيادة الحزب؛ أختيرَ آية الله السيد كاظم الحائري فقيهاً للدعوة في المؤتمر الحزبيّ العام وعضواً بالتزكية في قيادتها العامة عام 1982م!
لكن السيد الحائري و لأيمانه بولاية الفقيه و وجوب إتباع قيادة الدولة الأسلامية بحسب وصية الصّدر الأول(رض), رأي إنّ وجود قيادة فقهية .. يعني(ولي فقيه) بحسب شروط قيادة حزب الدعوة بجانب (ولاية الفقيه) الأصلية يخالف أصل الولاية و وصية الصّدر الأول و حتى موقف الامام الخميني العظيم الذي أساساً رفض هذا الشكل و آلترتيب, لذلك أوصى الدّعاة الحقيقيون الذين إنشقوا عن المحسوبين على الدعوة؛ بضرورة إتباع أوامر الدولة الأسلامية و عدم إتخاذ أية قرارات شخصية و حزبية بعيدة عن نهج و مسير الولاية النائبة للأمام الحجة(عج), و على إثر ذلك إتخذت (قيادة الدّعوة) قراراً بحذف ليس فقط الفقيه السيد كاظم الحائري من الحزب؛ بل بحذف حتى المجلس الفقهائي ليعيش الدعوة في تناقضات كبيرة و يصبح بآلتالي لا هو حزب علماني على وجه و لا هو حزب إسلامي يرتبط بولاية الفقيه كأصل أثبته الصدر الأول نظرياً و عملياً!
و لعلّ هذا الأمر كان هو السبب الرئيسي في أنحراف معظم المدعين لقيادة الدّعوة يوم ألتجؤوا للغرب ضاربين عرض الحائط أوامر ولاية الفقيه التي هي ولاية الله في زمن الغيبة الكبرى, مُعلنين الولاء المطلق للأستكبار العالمي بعد إستقرارهم في لندن و آلدول الأسكندنافية الأخرى! و إلّا لما كان يحدث في العراق ما حدث اليوم من صراعات و خلافات بينهم سبّبتْ هدر دماء الملايين من النّاس بسبب الرئاسة و السلطة, و لا حتى ما حدث في البارحة(أيام المعارضة) يوم شقّ بعض الدّعاة المنحرفين و ليس كلّهم عصا الوحدة الأسلامية في المعارضة العراقيّة خصوصا بعد تشكليل المجلس الأعلى العراقي و (قرار الحذف) ثمّ قضية قوات بدر و معسكر(غيور اصلي) التي غيّرت معادلة الصراع في القضية العراقية!
و للأسف الشديد يأتي بعد كلّ هذا أحد المحسوبين على الدّعوة(4) محاولاً تخطئة التأريخ بحسب رأيه و عرض ما جرى بخلاف الحقيقة حين حاول تخطئة و إلقاء اللوم على السيد كاظم الحائري في مسألة إنحراف مسار الدعوة و تبرئة بعض الدّعاة الذين يُشكّ حتى في تأريخهم الجّهادي و الأيماني قائلاً:
[حدثتْ إشكاليات في الصلاحيات بينه – أيّ السّيد كاظم الحائري – و بين قيادة حزب الدّعوة؛ حيث كان الحائري يرى ضرورة ممارسة نفس صلاحيّات الإمام الخميني في قيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ فيعين له ممثلين في كل لجان الحزب ومكاتبه و فروعه؛ يكون لهم حقّ النقض الشرعي؛ و هو ما رفضته قيادة الدعوة لأسباب تقنية كثيرة, و نتج عنه خلافات على الصلاحيات و تفسير النظام الداخلي, ما تسبب في إتخاذ مؤتمر الدّعوة في عام 1984 قراراً بحدف مادة فقيه الدعوة من النظام الداخلي و إعادة صيغة المجلس الفقهي, و تسبب ذلك في خروج بعض الكوادر من الدعوة؛ و إتهموا القيادة بعدم طاعة الفقيه](5).
و لعلّ المطلع على أحداث الساحة العراقية بعد الثورة الأسلامية المباركة يتذكر جيداً؛ كيف إن المدعين للدعوة – حيث يصعب عليّ إطلاق صفة الدعاة عليهم – كيف إنهم خالفوا جلّ قرارات و مراد الدولة الأسلامية إبتداءاً بتشكيل المجلس الأعلى و مروراً بمسائل الحرب و قضية معسكر غيور أصلي ثم أخيراً تركهم لدولة الأسلام و لجوئهم في أحضان الأنكليز!
أمّأ مصداق كلامنا و مُدّعانا في إنحراف بعض المحسوبين على حزب الدّعوة و قيادته – خصوصا جماعة ألخارج و حصراً جماعة (أبو ناجي)؛ هو و كما تبيّن بوضوح و بشكل عمليّ من خلال تسلّطهم و هيمنتهم بإسم الدعوة و آلشهداء على الحكومة و البرلمان و آلأئتلاف و حتى مجس القضاء و على مدى أكثر من عشرة أعوام, فالمدّعين للقيادة و كما تجسّد في آلبرلمان و مجلس الوزراء أو الأئتلاف العراقي؛ ما زالوا حتى لحظة كتابة هذه المقالة يأكل كلّ عضو منهم شهرياً حقوق و قوت مئات العوائل العراقية الفقيرة و يعتبرونه غنيمة من أموالٍ (مجهولة المالك) بحسب إعتقادهم!
بجانب هذا يمكنك و بنظرة خاطفة و سريعة أن ترى بأن جميع العلماء الحقيقيين ألمجتهدين من أمثال الآصفي و الكوراني و الحائري و الحكيم و العسكري و التسخيرى قد تركوا التنظيم بعد توصيات وتوجّهات الدّولة الأسلامية المباركة, حيث لم يبق في التنظيم حتى مجتهداً واحداً, و لك أن تتصور أخي القارئ المثقف نتائج و مواقف و أعمال تنظيمٍ إسلامي لا يوجد فيه مجتهدٌ واحد ليحدّد لهم شرعاً مواقفهم و اعمالهم التي يقومون بها, خصوصا في المسائل المتعلقة بقضايا الدم و الأموال و الحرمات والعلاقات العامة و الخارجية و غيرها(6)!؟
ممّا يُدلّل بأنّ الأسلام الدّعوي الحالي لم يكن إسلاماً حقيقياً صدرياً خمينياً علويّاً .. بل إسلامٌ لأجل مال و منال و مناصب الدنيا و سلطانها و شهواتها للأسف الشديد, و لا علاقة لهم لا من قريب و لا من بعيد بهموم الشهداء و السجناء و الدعوة الأسلامية الحقيقية التي تركوها بلا عودة للأسف الشديد بسبب موالاتهم العملية للأستكبار العالمي, و لا حول ولا قوة إلا بآلله العلي العظيم!
عزيز الخزرجي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة آل عمران/173 – 174.
(2) إستطاع الخط التقليدي المتحجر أن يزرع في عقول العوام الهمج مقولة (الأعلمية) كمعيار للمرجعية و هو أساساً لا يعرف أي معيار صحيح لتلك الأعلمية, حتى المرجع المدعي نفسه .. لا يعرف تلك المعايير, لكنه كان إسلوباً ذكياً جداً إتبعه التقليديون لأستحمار الأمة و ربطها و لجم فمها كي لا تكسر طوق الجهل المركب الذي نشره المراجع التقليديون في عقول الامة للأسف الشديد ليخيم السكون و الصمت و الجهل عليهم, و لا أنسى كيف إن جميعهم كانوا يتهمون الأمام الصدر الأول في السبعينات بشتى التهم و الكلمات التي لم أسمعها حتى من أسوء خلق الله و هم البعثيون المجرمين و حتى الملحدين الذين عرفوا قدره حتى صمموا له تمثالاً كبيراً في قلب موسكو, بينما لا زال التقليديون يعتبرون الصدر الأول متطرفا و مخطئاً في مواقفه!
(3) للمزيد من التفاصيل حول محطات المعرفة و العشق الألهي راجع مؤلفنا المكون من أربعة أجزاء بعنوان : (اسفارٌ في أسرار الوجود), و للأسف لا أتذكر آلآن في أي جزء فصّلت الكلام فيه, لكنه على العموم أسفارٌ مفيدة و قرائتها للمثقف و الأكاديمي واجبه بنظري.
(4) هو السيد علي المؤمن المقيم حالياً في النجف الأشرف بعد سقوط النظام و عودته من لندن مع جماعة لندن, له بعض المؤلفات عن تأريخ الدّعوة و التنظيم الأسلامي, يطغى على كتاباته تقرير الوقائع التأريخية للحركة الأسلامية العراقية الحديثة.
(5) راجع المقال الأخير الذي كتبه الأخ على المؤمن في صفحته على الفيس بوك بعنوان:
(متلازمة حزب الدعوة و المرجعية الدينية), في موقعه الشّخصي على الفيس بوك.
(6) بآلطبع و لأجل رفع الأشكال و التغطية على هذا الأنحراف العظيم و الكبير و لو أمام التقلييديون, صرح الناطق الرسمي للحزب – بل هكذا هم أساساً – أشاعوا حتى أيام إيران بأن كل داعية يرجع في فتاواه للمرجع الذي يقلده, و إذا خالف رأي مرجعه قراراً من قرارات الدعوة فللداعية الحق في إنتخاب ما يراه صالحاً, ولكم الحكم و التناقض في هذه الثقافة المنحطة التي أقل ما يسببه حالة التناقض و العصيان و الانحراف في وجود العضو الحركي!
و من هنا يفهم القارئ اللبيب سبب حذف المحسوبين على الدعوة الحقيقية للسيد الحائري الذي أراد لهم إرتباطاً حقيقياً و ولائياً بآلدولة الأسلامية و ليس كما أشاع بعضهم و بعكس ذلك!
#عزيز_الخزرجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟