أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حازم شحادة - أنا لا أنسى أصدقائي














المزيد.....

أنا لا أنسى أصدقائي


حازم شحادة
كاتب سوري


الحوار المتمدن-العدد: 4570 - 2014 / 9 / 10 - 10:00
المحور: الادب والفن
    


لم أكن هنا يوماً.. أرجو عدم الإزعاج.. كتبت فوق اللافتة البيضاء هذه العبارة وعلقتها على باب الغرفة المهترئ.. باب غرفتي حكاية بحد ذاته فهو مصنوع من الخشب العتيق.. أسفله تشقق جراء الرطوبة والمياه وفعل الزمن، أما قبضته الحديدية فقد أكلها الصدأ.. القفل لا يعمل جيداً لذا كنت قد اضطررت خلال فترة سابقة أن أضع له واحداً داخلياً يتم سحبه لليسار عند الرغبة بفتح الباب الذي كتبت على خشبه قبل زمن طويل كلمات كان محمود درويش قد كتبها قبل زمن أطول..( يكون الصمت فأساً.. أو براويز نجوم أو مناخاً لمخاض الشجرة.. إنني أرتشف القبلة من حد السكاكين).
بعد أن فرغت من تعليق اللافتة تذكرت أنني قد قطعت صلتي بأصدقائي وأقربائي وأسرتي ومعارفي فما حاجتي لهذه اللافتة؟ عدت أدراجي ونزعتها ثم أغلقت الباب (وبواب بواب.. شي غرب شي صحاب.. شي مسكّر وناطر ليرجعوا الغيّاب) كانت فيروز تغني لي وحدي عصراً، والعصر..عندما تتحول أشعة الشمس إلى اللون البرتقالي ممزوجاً ببقايا خمرية.. وقت يشبه الغوص في محيط من الفكر واللون والجنون والخيال.. العصر رحلة قصيرة بين القصيدة والنشوة يتوه القلب في ولائه خلالها أكان للجسد أم للروح... ( وفي باب غرقان بريحة الياسمين).
أشعلت سيجارة بعد أن حاولت لنصف ساعة أن أكمل قصيدة كتبت مطلعها منذ أسبوع (بَلَد..أو بقايا بَلَد..آهِ يا جُرحَنا كَم كبِرتَ.. وكَم هذهِ الروحُ أتعبَها سَفَرُ الدّم.. كَم ضاقَ عندَ اتساعِ الجنونِ فضاءُ الحكايةِ .. ثمّ استحالَ الفضاءُ.. بَدَد.. يُطلُّ الإلهُ علينا ويذهبُ مثلَ الغريبِ..كأنا أتينا هنا من زَبَد.. لدينا الحنينُ على موقدِ الريحِ يغلي ويغلي..لدينا انكساراتُ بوحِ النداءِ.. يشقُّ السماءَ كشهبٍ قتيلٍ.. وبعضُ الأحاديثِ تُروى بليلٍ طويلِ.. عنِ الوهمِ في أحجياتِ المَسَد).
لم أكمل القصيدة، تمنعت بعد أن خلعت نصف ثيابها ثم أشعلت نيران دمي وغادرت دون أن تسمح بارتوائي منها..لم أقابل في حياتي أنثى أكثر لؤماً من القصيدة.. لا تقبل إلا أن أنصاع لأمرها.. لا ترضى إلا بأن أكون خادماً لها.. يستهويها أن تجدني مؤرقاً .. تنتقم لبنات جنسها.. كل الأمور اللئيمة التي فعلتها مع النساء تردها القصيدة بطريقتها أضعافاً.. في الآونة الأخيرة لم تعد تزرني إلا فيما ندر.. أغضبتها ربما بالنثر وهي لا ترضى إلا أن تكون واحدة لا شريك لها.. يحق لها.
صرفت النظر عن محاولة إتمام القصيدة في الوقت الراهن.. الكلمات غير راغبة بي فلماذا إجبارها.. طعم الكتابة رغماً عن اللغة أقرف من طعم الجنس مع امرأة غير راغبة... سأمشي قليلاً.. هذه الشوارع حفظتها عن ظهر قلب لكن لا رغبة لي بالذهاب أبعد منها.. استوقفني شاب ثلاثيني تبدو أمارات الإرهاق على ملامحه وسألني عن منطقة أعلم أنها بعيدة جداً عن مكان وقوفنا.. عاد ليسألني كم يستغرق الذهاب إليها مشياً.. لست خبير لهجات لكنني خمنت أنه سوري من إحدى المحافظات الشرقية.. أيضاً لا أريد أن أتعرف عليه.. أخرجت من جيبي بعض النقود وطلبت منه أن يستقل سيارة إلى هناك.. أصاب الشاب الخجل لكنني أصريت عليه أن يأخذ المبلغ التافه فهو أفضل من المشي تلك المسافة الطويلة على كل الأحول.

رسائل الرب لا تنفك تصلني تباعاً مذكرة إياي بسوء أوضاع الكثيرين مقارنة بأوضاعي التي أعتبرها بدوري سيئة مقارنة بأوضاع الأغنياء الذين يتمتعون بالصحة والمال الوفير.. إنها دوامة كبيرة من الأفكار تلعب بي ولا قدرة لي على السيطرة عليها مدة طويلة من الزمن.. خلال مشوار المشي القصير تذكرت أن ما قرأته في حياتي من كتب كان ليكون كفيلاً بتشكيل آلية دفاعية متينة تجاه العوامل الخارجية لكني أجد نفسي دائماً في مهب العواصف الفكرية والاجتماعية والاقتصادية ثم أدرك أنني لم أستفد كثيراً من تلك الصفحات إلا فيما ندر وأحزن.. لا أسوأ من علم لا تنتفع به.. ـ قلت لنفسي ـ استسلمت لهذه الحقيقة القاسية.. إنها حقيقة تنم عن نوع من الغباء.. اعترف.
على غير المتوقع بدأت قطرات من المطر تهطل.. منذ زمن لم أشاهد المطر على ضوء إنارة الشارع.. ما الفائدة.. لن أجد فيه ما كنت أجده في اللاذقية ودمشق.. لن أحدق طويلاً سأعود أدراجي علني أتابع فيلماً جيداً وأخلد من بعدها للنوم آملاً بغد آخر أفضل.. تأخر هذا الغد الآخر الأفضل.. قرعت بابي وقلت لنفسي تفضل ثم تفضلت.. كان شباكي مفتوحاً وقطرات من المطر تتسلل داخل الغرفة..كم كان جميلاً لو كان عندي زجاجة نبيذ في هذه الأوقات.. الفودكا لا تنفع مع هذا الطقس ومن غير المنطقي أن أقطع مسافة بعيدة لأحضر النبيذ.. سأكتفي بهذه الكأس من الفودكا وأمري لله.
بينما كنت مستلقياً على سريري أداعب سيجارتي اللئيمة تذكرت معلومة كنت قد قرأتها ذات يوم في كتاب (الفيزياء المسلية) مختصرها أن مجرد وجود المرء على سطح الكوكب دون أن يقوم بأي نشاط عضلي يذكر يؤمن له رحلة سنوية في الفضاء الشاسع حول الشمس تقدر بملايين الكيلومترات دون أن يدفع ثمن تذكرة هذه الرحلة بالنقود ليرة واحدة،،، لكن المؤلف نسي القول إن المرء يدفع ثمن هذه الرحلة عاماً كاملاً من عمره،،كلما دارت الأرض مرة حول النجم القريب.. ذهب من سنيّك سنة،، فكم رحلة حول الشمس عمرك؟
(يا قريب وبعيد،،، شوقي لك بيزيد،، عندي لك مواعيد،، وأنت معايا مش داري،، فين،، فين) قال عبد الوهاب والسكر يطرق باب عين أما النعاس يطرق باب جارتها،، لا بأس بالرحيل خلف مدارك العقل بعد أربع كؤوس،،، أنت أيها الليل كن لطيفاً،، تعلم كم ألاقيك وحدي،،، ويا نجمة تشع لا تتركيني.. سأغفو قليلاً ثم أعود،، أنا لا أنسى أصدقائي.



#حازم_شحادة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا شيءَ يا صديقي،، لا شيء
- أشياء مفقودة
- عَن خَمرِ نهديكِ...
- يومٌ واحدٌ كصورةٍ لِسَنَة
- غرفةٌ نائيةٌ خلفَ حدودِ الضباب
- في الانتظار
- كَأسٌ خَاويةٌ لِغَرِيبٍ فِي المَنفَى
- اسمُهَا مَريَم
- عندما يصبحُ (الدين) مُشكلة!
- كُونِي بِلادِي
- بوحٌ لناياتِ القَصَبْ
- لَن أعضَّ شفتيكِ... كثيراً
- بُرجُ الدُّب
- العَاشِقة والسِّندِبادْ
- مَجنون
- إنَّهَا تَبتسِم
- اختلافُ لهجات
- حَورٌ عَتيق
- فيمَا يرى النائمُ
- بقايَا مِن خَيبر


المزيد.....




- مهرجان كان السينمائي يكرّم روبرت دي نيرو بالسعفة الذهبية الف ...
- صلاح الدين الأيوبي يلغي زيارة يوسف زيدان إلى أربيل
- من الطوب الفيكتوري إلى لهيب الحرب.. جامعة الخرطوم التي واجهت ...
- -النبي- الروسي يشارك في مهرجان -بكين- السينمائي الدولي
- رحيل الفنان والأكاديمي حميد صابر بعد مسيرة حافلة بالعلم والع ...
- اتحاد الأدباء يحتفي بالتجربة الأدبية للقاص والروائي يوسف أبو ...
- -ماسك وتسيلكوفسكي-.. عرض مسرحي روسي يتناول شخصيتين من عصرين ...
- المسعف الذي وثّق لحظات مقتله: فيديو يفند الرواية الإسرائيلية ...
- -فيلم ماينكرافت- يحقق إيرادات قياسية بلغت 301 مليون دولار
- فيلم -ماينكرافت- يتصدر شباك التذاكر ويحقق أقوى انطلاقة سينما ...


المزيد.....

- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حازم شحادة - أنا لا أنسى أصدقائي