|
فشل في غزة
فضيلة يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 4568 - 2014 / 9 / 8 - 22:16
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أصبح الصراع الإسرائيلي الفلسطيني منذ فترة طويلة مباراة في الصراخ على التفوق الأخلاقي. ومع قتل سبعين من الإسرائيليين و أكثر من ألفي فلسطيني، معظمهم من المدنيين في أحدث جولة من أعمال العنف في غزة ، يتم تحليلها ومناقشتها على أسس أخلاقية أيضاً . ولكن مع انتهاء القتال ، فإن الإدانة الأخلاقية لن تفعل شيئاً يذكر لمنع الجولة المقبلة على الأرجح . كيف وصلنا إلى هذه النقطة ، والأهم من ذلك، كيف يمكننا تجاوز ذلك ؟ كل ذلك يدعو لدراسة الأحداث السياسية التي أدت إلى العملية و السياق السياسي الذي وقعت فيه . 1 يتجاهل الجدل اللانهائي على غزة في إسرائيل سؤالاً واحداً : كيف وصلنا إلى هنا في المقام الأول؟ لماذا، بعد فترة طويلة من الهدوء النسبي ، لم تطلق حماس الصواريخ على إسرائيل؟ قبل بدء العملية الحالية، كانت حماس في أدنى مستوى لها في تاريخها. ضعف تحالفها مع سوريا وإيران، وهما من المصادر الرئيسية لدعمها.تحول تقارب حماس الأيديولوجي والسياسي مع جماعة الإخوان المسلمين إلى عبء ، مع سقوط الإخوان في مصر وصعود خصمهم الشرس ، الجنرال عبد الفتاح السيسي . قوض إغلاق مصر لمعبر رفح والأنفاق على حدودها مع قطاع غزة البنية التحتية الاقتصادية لحماس. في هذه الظروف، وافقت حماس في نيسان الماضي على المصالحة مع خصمها السياسي حركة فتح ، استناداً إلى شروط فتح. على سبيل المثال، دعا الاتفاق لتشكيل حكومة من التكنوقراط تحت سيطرة السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس إلى حد كبير. ولكن بنيامين نتنياهو نظر إلى المصالحة باعتبارها تهديداً له بدلاً من فرصة . إن فصل غزة عن الضفة الغربية قد لا يخدم مصلحة إسرائيل ، لكنه يفيد سياسة نتنياهو في رفض الحلول التي من شأنها أن تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة. وسرق اتفاق المصالحة إدعاءه أنه بغياب سيادة فعلية على غزة ، لا يمكن التوصل الى اتفاق مع عباس. ومن المفارقات أن نتنياهو نفسه دفع عباس للمصالحة مع حماس.بعد فشل مفاوضات السلام في الشرق الاوسط بقيادة وزير الخارجية الامريكية جون كيري في عام 2013 و بداية 2014 حيث لم يبق خيارات سياسية لعباس. تعثرت المحادثات بسبب زيادة النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية وانهارت في نهاية المطاف عندما تراجع نتنياهو عن التزامه باطلاق سراح سجناء فلسطينيين . وإذ أدرك عباس أن المحادثات فشلت، وقع خمسة عشر من الاتفاقيات الدولية كرئيس للدولة الفلسطينية وعقد اتفاق المصالحة مع حماس. رأى نتنياهو في المصالحة مع حماس فرصة لانتقاد الرئيس الفلسطيني ، ووفقاً لأحد الدبلوماسيين الأميركيين المشاركين في محادثات السلام ، قال مساعدو نتنياهو أن " استراتيجية عباس أظهرت أنه لا يوجد فرق بينه وبين الإرهابيين ". وعندما تم الإعلان عن المصالحة ، أطلق نتنياهو هجوماً شاملاً ضد الوحدة الفلسطينية وطالب المجتمع الدولي بمعارضتها. ولم تنجح جهوده،فقد وافق أصدقاء إسرائيل في أوروبا على الاتفاق بين حماس وفتح. وحتى الولايات المتحدة اعلنت عزمها على التعاون مع حكومة الوحدة ، مما سبب الكثير من الإحباط لنتنياهو. كان على نتنياهو اختيار مسار مختلف يكمن في استخدام المصالحة لتعزيز موقف عباس وزيادة زعزعة استقرار حماس ، كان عليه الاعتراف بالاتفاق، وتشجيع مصر على فتح حدودها مع غزة لإظهار أن السلطة الفلسطينية تقدم حياة أفضل من حماس لأهل غزة. بدلاً من ذلك، منعت إسرائيل تحويل الرواتب إلى 43000 من موظفي حماس في غزة ، وأرسل رسالة واضحة لغزة أن إسرائيل لن تتعامل بشكل مختلف في ظل حكومة التكنوقراط المعتدلة. أعطى اختطاف ثلاثة شبان اسرائيليين في الضفة الغربية في 12 حزيران نتنياهو فرصة أخرى لتقويض المصالحة. أو هكذا كان يعتقد . على الرغم من تصريح خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحماس ، أن القيادة السياسية لحماس لا تعرف من خطط لتنفيذ عملية الخطف ، أسرع نتنياهو في لوم حماس ، معلناً أن إسرائيل لديها "دليل قاطع " على أن حماس شاركت في عملية الاختطاف. وحتى الآن ، لم تقدم السلطات الإسرائيلية هذا الدليل ولم يتضح بعد هل قامت حماس بهذه العملية. في حين يرتبط أفراد يشتبه بأنهم قاموا بعملية الاختطاف مع حماس ، وبعض الأدلة تشير إلى أنهم ربما تصرفوا من تلقاء أنفسهم وليس بتوجيه من القيادة المركزية لحماس. بغض النظر عن هذا ،كانت استجابة نتنياهو المدفوعة بهدف غير حكيم هو تقويض المصالحة الفلسطينية تهوراً. عزم نتنياهو على تحقيق ما فشل في تحقيقه من خلال الدبلوماسية بالقوة ، لم يلق نتنياهو اللوم على حماس فقط ، ولكنه ربط عملية الاختطاف بالمصالحة الفلسطينية ، وكأن الحدثين بطريقة أو بأخرى بينهما صلة سببية . قال :" للأسف، هذا الحادث يوضح ما كنا نقوله منذ شهور ، "أن التحالف مع حماس له عواقب وخيمة للغاية. كان في حوزة قوات الأمن الإسرائيلية أدلة تشير بقوة لموت المراهقين ، ولكنه حجب هذه المعلومات عن الجمهور حتى 1 تموز، ربما من أجل إتاحة الوقت لمواصلة الحملة ضد حماس. داهمت قوات الجيش الإسرائيلي بناء على أوامر رئيس الوزراء ، مكاتب الشؤون المدنية لحركة حماس في مختلف أنحاء الضفة الغربية و اعتقلت المئات من قادة حماس وناشطيها . لم تساعد الاعتقالات على تحديد موقع الخاطفين أو أسراهم . ومن بين المعتقلين ثمانية وخمسون من الفلسطينيين تم الإفراج عنهم في اطار صفقة عودة الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط ، الذي كان أسيرا عند حركة حماس منذ عام 2006. وكجزء من هذه العملية غير المدروسة ضد حماس ، شنت إسرائيل غارات جوية على منشآت حماس في غزة. ويبدو أن حماس لم تلعب دوراً نشطاً في إطلاق الصواريخ لأكثر من أسبوعين ، ولم تمنع الفصائل الأخرى في غزة من إطلاق الصواريخ .أعادت حماس تشغيل القصف الصاروخي للأراضي الإسرائيلية فقط يوم 29 حزيران أو 30 ، ولم تطلق حماس الصواريخ على اسرائيل منذ عام 2012.ردت اسرائيل بغارات انتقامية ضد حماس في غزة وبدأت الحلقة المفرغة . فقد نتنياهو السيطرة على التصعيد الذي أشعله. وبسوء تقديره ولهفته الخاطئة في إلقاء اللوم على عباس و معاقبته على المصالحة مع حماس ، حول نتنياهو هجوماً إرهابياً محلياً إلى أزمة متفاقمة . 2 استمرت الصواريخ وقذائف الهاون تطلق من غزة على إسرائيل في الأسبوع الأول من شهر تموز . ولا تزال حماس تنفي أي تورط في عملية الاختطاف وأعلنت التزامها بالتفاهمات التي تم التوصل إليها في تشرين ثاني 2012، في أعقاب العملية الاسرائيلية التي استمرت ثمانية أيام في غزة ، وقد وافقت حماس على وقف اطلاق الصواريخ على اسرائيل مقابل موافقة إسرائيل على إعادة فتح المعابر الحدودية والسماح باستيراد السلع . هذه المرة ، كانت إسرائيل -بعد العملية الأولى ضد حماس -تسعى بشكل واضح لوقف إطلاق النار ، ولكنها رفضت الشروط التي وضعتها حماس : الإفراج عن الفلسطينيين الذين أعيد القبض عليهم من صفقة شاليط وتخفيف القيود المفروضة على غزة منذ عام 2007. بدلاً من ذلك، اعتقدت إسرائيل أنها قد تجبر حماس على قبول اتفاق بوساطة مصرية لوقف إطلاق النار الفوري في 4 تموز. استند هذا الافتراض على تقييم غير دقيق لموقف حماس ، ومصالحها، وقدراتها ، واستمر إطلاق النار المتبادل. شنت إسرائيل رسمياً في 8 تموز ، عملية "الجرف الصامد" بدأت بالضربات الجوية على غزة. ذكرت وسائل الاعلام الاسرائيلية أن أحد المشاركين في اجتماع لمجلس الوزراء الأمني الذي اتخذ القرار حذر أن " حماس تحاول جر اسرائيل الى عمل عسكري أوسع". "ان العملية تخدمهم . حماس تسجل "نقاط " عند ضربها " هذه الملاحظات تطرح سؤالاً حول أهداف العملية : ما هو الغرض من ضرب منظمة تستفيد من تعرضها للهجوم ؟ هاجم نتنياهو "كان زعيماً للمعارضة" رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود أولمرت لضعفه في عام 2009وأعلن أن رئيس الوزراء عليه اسقاط حماس . وكثيراً ما أدلى ببيانات مماثلة عدد من أعضاء الائتلاف الذي شكله في وقت لاحق وتفاخروا بذلك ولم تؤد سياسة نتنياهو خلال السنوات الخمس التي قضاها في منصبه إلى اسقاط حماس ، بل عززت في الواقع المنظمة إلى حد كبير عن طريق الإفراج عن أكثر من ألف سجين في صفقة شاليط . وفي الوقت نفسه ، بذلت حكومة نتنياهو كل ما في وسعها لإضعاف الخصم السياسي لحماس وهو حركة فتح بقيادة عباس . لم يكن اسقاط حماس من بين أهداف العملية المعلنة حتى بدئها وبدلاً من ذلك، عرض نتنياهو هدفاً مبهماً هو" استعادة الهدوء " في جنوب إسرائيل ، في حين صرح وزير الدفاع موشيه يعلون أن " الهدف من ذلك هو منع إطلاق الصواريخ. " وفي وقت لاحق ، تحدث نتنياهو عن توجيه "ضربة قاسية لحماس " لاستعادة الردع ، في حين تحدث بعض وزرائه عن تجريد غزة من السلاح وهو الهدف الذي اعتمد أخيراً من رئيس الوزراء بعد ثلاثة أسابيع من بدء العملية. قال عضو مجلس الوزراء نفتالي بينيت الذي يعارض قيام دولة فلسطينية ، أن الهدف يجب أن يكون " منع حماس من الانتصار بتدمير قدراتها. وقال زميله في مجلس الوزراء، وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان أنه يجب مع نهاية العملية أن يسيطر الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة. لم يتحدث أحد عن تدمير الأنفاق كهدف . وافق مجلس الوزراء على اقتراح وقف إطلاق النار الذي وضعته مصر في 15 تموز وكان على غرار ما تم الاتفاق عليه في اتفاق وقف إطلاق النار عام 2012. رفضت حماس الاقتراح ، على أساس أنه لا يلبي شروطها : " رفع الحصار و فتح المعابر . وبعد يومين ،تسلل 13 من نشطاء حماس إلى اسرائيل عبر نفق قرب كيبوتس صوفا. وفجأة أصبح الهدف المعلن للعملية تدمير الأنفاق من غزة إلى إسرائيل. وبما أن تصريحات إسرائيل عن أهدافها كانت غامضة ومتحولة ، فإنه ليس من المستغرب بعد ثلاثة أسابيع على العملية،أن ذكرت وسائل الاعلام الاسرائيلية أن " الضباط على الأرض يشعرون بأن نتنياهو و يعلون لا يعرفون حقاً ما هو هدفهم". ونظراً لافتقار العملية لأهداف محددة بوضوح، تم جر إسرائيل مراراً لحالات يفرضها الجانب الآخر. بعد أن أخطأت في قراءة الوضع ، فشلت إسرائيل في الإعداد الكافي لاستجابتها لرد حماس على الاعتقالات والاعتداءات على مؤسساتها. بدلا من ذلك، توانت الحكومة حتى اضطرت للرد بهجوم جوي واسع النطاق. وحتى ذلك الحين، كان من الواضح أن الحكومة لا ترغب في اجتياح بري . ولهذا وافقت على وقف إطلاق النار دون حل قضية الأنفاق. وفقط بعد ان رفضت حماس الاقتراح اجتاحت اسرائيل الأجزاء الشرقية من غزة. وفي هذه المرة سيتم إحباط توقعات نتنياهو أيضاً .لم يحقق الهجوم المركز أهدافه. قال وزير الدفاع يعلون ، ان الامر سيستغرق " يومين أو ثلاثة " لتدمير الأنفاق يوم 20 تموز. ولم يكتمل بعد أسبوعين . الافتراضات الخاطئة ، الحسابات الخاطئة ، و المفاهيم البالية سرقت المبادرة من إسرائيل. بافتقارها إلى أهداف واضحة ، تم جر إسرائيل ، من خلال أفعالها ، إلى مواجهة لم تسع لها ولم تسيطر عليها. تعثرت اسرائيل بدون استراتيجية ، تطارد الأحداث بدلاُ من إملائها . ما جعل الهدف المنطوق ببساطة " ضرب حماس "، وهو ما ترجمته القوات باستخدام واسع النطاق و دون رادع للقوة. أدى هذا الاستعراض بلا هدف للقوة العسكرية في كثير من الأحيان إلى عنف غير ضروري ، على الرغم من أن حماس أطلقت صواريخاً من المراكز المدنية أحياناً ، وتحت ضغط من السياسيين ، نفذ الجيش إجراءات للانتقام فقط ، أصبح الانتقام الغرض الأساسي للساسة والجمهور الإسرائيلي. ومن الأمثلة على ذلك تفجير منازل كبار قادة حماس وهو عمل وصفه خبراء الأمن بأنه غير فعال تماماً. مثال آخر هو قصف مدارس الأمم المتحدة نتيجة الإهمال وربما يعتبر ذلك عملاً إجرامياً.ولم يوجد دليل على وجود أسلحة لحماس في هذه المدارس في ثلاث حالات منفصلة. أدى هذا الارتباك الاستراتيجي لقول يوفال ديسكين ، الرئيس السابق لجهاز الأمن العام الإسرائيلي ، بعد ثلاثة أسابيع على العملية، أن "إسرائيل هي الآن أداة في أيدي حماس . " 3 اقترحت مصر في 26 آب" وقف إطلاق نار غير محدود ... في الوقت المناسب" وافق عليه كلا الجانبين. ولم تعرف تفاصيل الاتفاق بعد ،لكن يبدو أن أي اتفاق مستقر سيشمل تخفيفاً كبيراً للحصار ، كما طالبت حماس من البداية. وحتى الرئيس أوباما الذي أيد الهجوم الاسرائيلي طوال الوقت ، يقول الآن :يجب رفع الحصار. ولن يكون الاتفاق الذي تم التوصل اليه في نهاية المطاف مختلفاً كثيراً عن الاتفاق الذي أمكن تحقيقه من البداية.الاإنجاز الرئيس الذي تقدمه الحكومة هو تدمير الأنفاق الهجومية على اسرائيل. وهي تشكل تهديداً أمنياً حقيقياً ، والقضاء عليها بالتأكيد إنجازاً ملحوظاً. ومع ذلك، فمن الواضح أن هذا لم يكن الهدف في بداية العملية، والدرجة التي تحقق فيها هذا الهدف أمراً مشكوك فيه . مع تحول هدف العملية على الأنفاق في أعقاب تسلل الفلسطينيين من خلال واحد منهم يوم 17 تموز، ويبدو كما لو أن تهديد الأنفاق فاجأ الجميع . كانت إسرائيل مستعدة لقبول اتفاق وقف إطلاق النار قبل يومين فقط،على الرغم من أنها لم تفعل شيئاً بخصوص الأنفاق. تدرك المؤسسة الأمنية جيداً الأنفاق والتهديد الذي تشكله. كان عدد من الجنود قتلوا في عدد من الهجمات باستخدام الأنفاق في غزة قبل انسحاب إسرائيل من قطاع غزة عام 2005. وفي حزيران 2006 ، تم اختطاف جلعاد شاليط من قبل مسلحين دخلوا إسرائيل من خلال مثل هذا الأنفاق. وفي تشرين أول عام 2013، تم العثور على نفق بالقرب من مستوطنة العين الثالثة، وفي آذار من هذا العام ، تم اكتشاف نفق آخر في الأراضي الإسرائيلية ، على مقربة من الحدود مع غزة. وحذر مسؤولو وزارة الدفاع عدة مرات في السنوات الأخيرة أن خطر تسلل الأنفاق كان حقيقياً ، و قال ضابط رفيع المستوى أن " الجيش الإسرائيلي يعرف عن وجود أربعين نفقاً قبل بدء العملية ( الحالية ) . " لكن وجود الأنفاق لم ينظر إليه على أنه سبب العمليات الكبرى . ومن المفارقات ، أنه تم تجاهل أخطر تهديد لأمن إسرائيل من غزة (بعد نجاح نشر " القبة الحديدية " ) حتى تسلل 17 حزيران. عندما دخلت القوات البرية غزة ، ما وجدوه كان النسخة الفلسطينية من الأنفاق المستخدمة في فيتنام من قبل الفيتكونغ . تبنت حماس استراتيجية لها تشبه الاستراتيجيات المتبعة في حرب العصابات نتيجة محدودية عدد أفرادها ومحدودية تسليحها. جذبت حماس عدوها إلى حرب في باطن الارض حيث تم تخفيف الضعف النسبي لهاإلى حد ما. يرى بعض الخبراء العسكريين أن الأنفاق كان ينبغي معالجتها ليس من خلال غزو بري واسع النطاق ، الذي يعرض القوات للهجوم ، ولكن بعمليات كوماندوز جراحية. ويرى آخرون أن الأنفاق يجب تدميرها من نهايتها في الأراضي الإسرائيلية ، دون الحاجة إلى دخول غزة على الإطلاق. وهناك عدد قليل يرى ان كل ذلك كان ذريعة استخدمها نتنياهو و يعلون كمبرر لعملية برية محدودة من شأنها أن تسمح لهم لحفظ ماء الوجه السياسي دون الكثير من التعقيدات. كانت المعركة حول الأنفاق معقدة ومكلفة ، وتبقى نتائجها مشكوك فيها ، وإن تم تدمير العديد من الأنفاق ، ويبدو الآن أن بعض الأنفاق ما زالت قائمة،وأن أنفاق جديدة سيتم حفرها قال قائد سابق في الجيش الإسرائيلي ويدير شركة هندسية قتالية: " حماس ستستأنف حفر نفق حالما نغادر . فشل إسرائيل في وقف الصواريخ ومنع بناء الأنفاق يؤكد عدم جدوى الحصار الصارم على غزة منذ حزيران 2007. يؤثر الحصار المدمر على السكان المدنيين في قطاع غزة حيث تبلغ نسبة البطالة الآن 40 في المئة ويعتمد 80 في المئة من السكان المساعدات الدولية. الآن أصبح من الواضح أن الفوائد الأمنية من الحصار تكاد لا تذكر من الناحية الاستراتيجية. ومن المحتمل أن حماس سيكون لديها المزيد من القوة العسكرية لو لم يكن هناك حصار ولكن لن تصل لمستوى الجيش الإسرائيلي . ان تراكم الأسلحة والصواريخ التي أطلقت،و الأنفاق التي بنيت تحت الحصار كافية لخلق أزمة . وهكذا فإن الحصار له قيمة استراتيجية ضئيلة في منع تسليح حركة حماس ، والاستراتيجة الافضل هي تمكين السلطة الفلسطينية من السيطرة تدريجياً على قطاع غزة وشراك القوات الدولية في هذا المشروع . إن إعادة بناء اقتصاد غزة يخفف من الأزمة الإنسانية هناك، ويحفظ الأمن الإسرائيلي. 4 كانت عملية الجرف الصامد فشلاً استراتيجياً. أعطى حماس مخرجاً من العزلة ، ووفر لها فرصة إظهار قدرتها في إلحاق الضرر بالمدن الإسرائيلية ، وقتل جنود الجيش الإسرائيلي ، واغلاق مطار بن غوريون لفترة وجيزة.إن إعادة عباس إلى غزة ، الذي كان ممكناً و مرغوباً فيه في نيسان الماضي ، أصبح الآن أكثر صعوبة نتيجة للعملية. وعلى الرغم من الخسائر الفادحة في الأرواح البشرية ، لم تنجز هذه الحرب أي هدف استراتيجي. وهذا ليس خطأً غير مقصود. فقد استند سلوك إسرائيل طوال الأزمة مباشرة على فلسفة نتنياهو في " إدارة الصراع "، التي ترتكز على فرضية أساسية أن الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين لا يمكن حله ، ولكن يمكن إدارته بنجاح لفترة طويلة جداً من الزمن . إنه ليس افتراضاً خاطئاً فقط، بل أيضاً خطير ، أن تبقى اسرائيل محاصرة في الوهم الذي تحطم مراراً وتكراراً . وهم السيطرة والاستقرار الذي يتوفر بين جولات حتمية من العنف . تعني " إدارة الصراع " استمرار السيطرة الإسرائيلية على الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية ، مع منظمات و فصائل تكافح للإطاحة بتلك السيطرة. وبالتالي ، فإن إسرائيل تحت قيادة نتنياهو لم تستغل السنوات الخمس من الهدوء النسبي عقب عملية الرصاص المصبوب في غزة في تشرين ثاني 2008 في اتخاذ أي إجراء مفيد لتحسين موقفها فيما يتعلق بغزة. فشلت الحكومة في الاستفادة من ضعف حماس في ضوء التطورات السياسية في المنطقة والرغبة في ابرام اتفاق مع عباس. في هذه الظروف، لا سيما في ظل ظروف بائسة في غزة ، نتيجة العنف الدوري . يوجد نهجان بديلان الأول يروج له اليمين المتطرف الإسرائيلي ، ويفترض أن الصراع يمكن انهاؤه بالانتصار على الجانب الآخر والتحكم بالتطلعات الوطنية الفلسطينية بالقوة من جهة والمزايا من جهة أخرى. وأنصار هذا النهج، بقيادة وزراء مثل بينيت وليبرمان ، يدعون لاحتلال غزة. مما لا شك فيه ، أن الجيش الإسرائيلي ، لديه القدرة العسكرية لاحتلال غزة وإسقاط حكم حماس هناك. ومع ذلك، سوف تفشل هذه الاستراتيجية فقهر حماس لن يغير واقع غزة و مظاهر القوة العسكرية لن تسحق التطلعات الفلسطينية المشروعة. نظراً للظروف اليائسة في غزة ، فإن تنظيمات أكثر تطرفاً يمكن ان تسيطر هناك بدلاً من حماس. وعلاوة على ذلك ، فإن السيطرة الفعلية على قطاع غزة بأكمله ، كما فعلت إسرائيل حتى عام 1994 ، يتطلب وجوداً مكثفاً للجيش الإسرائيلي في عمق قطاع غزة ، مما يعرض حياةالجنود الإسرائيليين للخطر. ومن المرجح أن تكون الظروف مماثلة للظروف التي كانت سائدة في جنوب لبنان قبل انسحاب الجيش الإسرائيلي : الهجمات اليوميةوالضحايا . هذه ليست استراتيجية للتخفيف من حدة العنف ، وإنما لمفاقمته. ومن المفارقات أن مطالب اليمين بالحرب تعني في نهاية المطاف أن تسهل على حماس الإضرار بالجنود الإسرائيليين. وقد أثبت التاريخ عدم جدوى هذه الاستراتيجية، سواء في فيتنام ولبنان و أفغانستان ، أو العراق. هذا هو السبب أن قليل من الإسرائيليين يرغب في عودة الجيش الإسرائيلي إلى لبنان أو غزة. عندما عرض الجيش تكاليف استراتيجية احتلال غزة، رفضت حكومة نتنياهو حتى الصقور منها ذلك تماماً. فكرة " إدارة " الصراع الاسرائيلي الفلسطيني وهمية ، وفكرة استخدام القوة لفرضها وهم خطير . الاستراتيجية المعقولة الوحيدة هي حل النزاع . 5 لن تكون حماس شريكاً للسلام طالما تستخدم الإرهاب ضد المدنيين وترفض الاعتراف بدولة إسرائيل ولكنها يمكن أن تكون شريكاً في الاتفاقات القائمة ، كما يدعي العديد من الخبراء الأكاديميين والأمنيين. وفي الواقع، وعلى الرغم من كون نتنياهو الاكثر صخباً في رفض الحوار مع المنظمات الإرهابية في غزة ، فانه هو الذي توصل إلى اتفاقيتين مع حماس : صفقة شاليط عام 2011 و اتفاق 2012 الذي أنهى عملية عمود الدخان. والسؤال الوحيد هو هل سيكون الاتفاق الأخير بين الجانبين ،الذي تم التوصل إليه في 26 آب ، محدوداً ، هشاً، وقصيرة الأجل، أو يؤدي إلى ترتيبات مستقرة من شأنها تحسين مكانة إسرائيل الاستراتيجية لفترة طويلة من الزمن . الطريقة الوحيدة المعقولة للقيام بذلك هو إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة ، وهي الدولة التي سيتم التفاوض على إقامتها مع منظمة التحرير الفلسطينية تحت قيادة عباس. كجزء من اتفاق سياسي شامل ، ومن المرجح جداً أن توافق حماس على هدنة طويلة الأمد ، كما قال ممثلوها مراراً وتكراراً. اقترح مؤسسها وزعيمها الروحي أحمد ياسين في عام 1997، هدنة لمدة ثلاثين عاماً مع إسرائيل. وفي عام 2006، اقترح أحد قادتها ، محمود الزهار ، " هدنة طويلة الأمد. " وفي وقت سابق من هذا العام ، أكد الشيخ حسن يوسف ، وهو عضو كبير في حماس في الضفة الغربية ، استعداد حماس لقبول اتفاق سلام مع اسرائيل اذا أيدت غالبية الفلسطينيين ذلك. وفي عام 2010، وفي مقابلة مع صحيفة الإخوان المسلمون في الأردن ، عبرالزعيم السياسي لحماس خالد مشعل عن وجهات نظر براغماتية وأعرب عن الرغبة في التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل. وفي أواخر تموز ، قال لتشارلي روز، "نريد سلاماً لا احتلال فيه ولا مستوطنات ، دون تهويد ، ودون الحصار. " وكانت جميع هذه المقترحات تتوقف على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي و إقامة دولة فلسطينية ضمن حدود عام 1967. إنهم لم يتلقوا رداً من إسرائيل. على الرغم من أن الدولة الفلسطينية تتناقض مع أيديولوجية نتنياهو ومع مصالحه السياسية الخاصة ، فإن الدولة هي بوضوح في مصلحة إسرائيل . في الواقع، إن ربط إقامة الدولة الفلسطينية بتحقيق السلام الشامل قد يكون أكبر خطأ لدعاة السلام. لن يتم تسوية الصراع التاريخي مع الفلسطينيين من خلال اتفاق واحد . المصالحة بين الإسرائيليين والفلسطينيين بعد عقود من إراقة الدماء والكراهية تتطلب عملية طويلة من القبول والغفران تمتد سنوات وربماأكثر. ومع ذلك، يمكن بالتأكيد إنهاء الصراع المسلح. وتنتهي النزاعات المسلحة مع العديد من الدول المجاورة : مثل مصر والأردن. يمكن التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين: الشروط معروفة والثمن معروف . التوصل إلى اتفاق مسألة إرادة سياسية من جانب الزعماء الإسرائيليين والفلسطينيين . وللأسف ، فإن القيادة الإسرائيلية الحالية تفعل كل شيء لتجنب هذا الخيار، على حساب الشعبين. الحرب في غزة ليست عن أنفاق وليست ضد الصواريخ. إنها حرب على الوضع الراهن. و" إدارة الصراع " كما يراها نتنياهو هي كناية عن الحفاظ على الوضع الراهن الاستيطان و الاحتلال. وعلى المعارضة الإسرائيلية أن تنأى بنفسها عن هذا المفهوم الميؤوس منه وعلى البلدان الأخرى أن ترفضه. يجب التوصل إلى اتفاق قبل اندلاع العنف مرة أخرى ، و تصبح القوة الخيار الوحيد مرة أخرى. مترجم Assaf Sharon
#فضيلة_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اسرائيل تستخدم فيديو من 2009 لتبرير تدمير مستشفى الوفاء
-
عائلة غزاوية دمرتها القنابل الإسرائيلية
-
مجزرة ريشون لتسيون - قاتل غزة
-
توجيه هانيبال: كيف قتلت إسرائيل جنودها وذبحت الفلسطينيين لمن
...
-
ثلاثة أسئلة لحماس
-
الأساطير القاسية حول المعلمين
-
إعادة تشكيل عيد العمال
-
لماذا خان العرب غزة
-
ابن الموت - محمد ضيف-
-
نظرة تاريخية لمجزرة غزة 2014
-
عولمة غزة : كيف تقوض إسرائيل القانون الدولي من خلال -الحرب ا
...
-
لماذا لا يمنح الجيش الإسرائيلي جائزة نوبل للسلام؟
-
حماس : ليست هدف اسرائيل
-
الجانب النفسي/العسكري للبلدوزر الإسرائيلي
-
إرفعوا الحصار عن غزة يتحقق السلام
-
إرفعوا حماس من قائمة الإرهاب وتفاوضوا معها
-
الشعوب المحاصرة، مختبرات الفناء الخلفي :العلاقات التي تربط ب
...
-
حماس وجنون العظمة الاسرائيلية
-
ماذا لو كان الأطفال القتلى -الشهداء- في غزة يهوداً؟
-
كابوس غزة
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|