انتحار التاريخ حين يكون السلف ماركسي متنور والخلف ظلامي متشدد

جاسم محمد كاظم

الحوار المتمدن-العدد: 4564 - 2014 / 9 / 4 - 20:18
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

انتحار التاريخ حين يكون السلف ماركسي متنور والخلف ظلامي متشدد
وأخيرا قرر أبو علي التخلي عن مكتبته الماركسية الهائلة وإهدائها إلي بكل ما تحتوي من كتبها السياسية والاقتصاد بقرار ربما يكون من الصعوبة حين يتنازل الإنسان عن روحة لان الكتب تمثل لقارئها الروح الداخلي وملكية مقدسة لا يمكن التنازل عنها بسهولة .
لكن أبو علي كما عرفته قبل 25 سنة كتلة من الهدوء والإيثار الرائع وطيبة نفس قل نظيرها مابين بني البشر أكثر من 13 سنة لم يكشف عن نفسه ولحظات بقيت منسية في دهاليز الأمن والسجون تحت الأرض .
لا يقبل أبو علي بلعن الواقع بل تتحرك شفاهة بهدوء بنفس ماركسي بربط التطور بنهوض قوى الإنتاج ويضرب الأمثال بالقول لا يمكن المقارنة على المستوى الاجتماعي والسياسي مابين السويد والعراق لاختلاف الواقع الاجتماعي المأخوذ من قوى الإنتاج إنتاجنا المتخلف سيجعل منا على الدوام قبائل همجية يقودها الشيخ والسيد .
حتى معرفتنا بالأشياء أنها معرفة سطحية بالقراءة والنقل وليس بالممارسة والفعل .
ويسترسل الماركسية ليست أحاديث مقاهي أنها ممارسة عمل مابين الصفوف والتنظيم هناك تجد كل شي ينمو أنها تنظيم وعمل صدام مع واقع آخر للإحلال محلة وتغييره من خلال الممارسة مع التنظيم .
العمل بالأفكار ينتج ثقافة ورق وكلمات بينما العمل في التنظيم المتمرس ينتج واقع معاش .
ينظر أبو إلى المكان المتغير في زمن اختل وذكرى تعود إلى 40 عام بزحام كبير حول توزيع جريدة الحزب الشيوعي لان أعدادها لا تكفي لمن يريد أن يقرئ بينما كانت جريدة الثورة توزع مجانا وتبقى مكدسة عند بائع الجرائد الذي تحولت مكتبته الصغيرة إلى دكان للجزارة اليوم .

وبرغم صعوبة الاتصال في ذلك الزمن الصعب فان معلومة أبو علي طازجة مقطوفة في يومها يأخذك العجب وأنت تشاهد توقيعه على الورقة الأولى للكتاب بتاريخ نفس تاريخ الطبعة "الوجودية نزعة إنسانية " لسارتر تاريخ الطبع بنفس زمن التوقيع 1955 " "الناس والعلم والمجتمع " 1964 وغيرها الكثير الكثير .

ويسترسل أبو علي بسرد أيامه الجميلة ويتوقف كثيرا عند محطة "أسبوع الفلم السوفيتي " وكيف ضجت السينما بإعداد غفيرة وجلست الأكثرية على الأرض بطالبات وطلاب الكليات والمعاهد وبلغ من إصرار البعض وتمرده على الواقع بلبسه القميص الأحمر نكاية بالغير لتقول الألوان كلمتها بدل اللسان .

وأكثر ما في الذكريات من روعة يكمن الإصرار عند هؤلاء الشيوعيين كلما تنفست السلطات الخطر قامت بتغيير أماكن عملهم ونقلهم لاماكن جديدة لكن هذه السلطات تعجز عن إيقاف المد الأحمر من الانتشار لان هؤلاء يصنعون خلايا التنظيم أينما حلوا وارتحلوا .
يحكي لي أبو سماهر هو معلمي في الابتدائية كيف كان العمل الشيوعي و سرية الخلية والتنظيم ويروي لي طرفة رائعة بان جهاز الأمن البعثي اكتشف في احد الأيام خلية شيوعية وان منظمها أبو سماهر فطوق بيته لإلقاء القبض علية لكنهم تفاجئوا حين وجدوه أسيرا عند إيران .

أيام تبخرت ولم نعد نسمع بها إلا ذكرى حين تهاوى كل شي للزوال وبرزت من كهوف التاريخ لعنة القدر ليذهب كل شي مع الريح .
أبو علي لم يورث فكرة للأبناء والخلف لان الأفكار لا تورث مثل الأشياء التي تنالها طائلة الإرث وقرر أخيرا إهداء أرثة الفكري ليرى نفسه وأيامه من جديد بعدما تقهقر خط التاريخ الاجتماعي وعاد إلى ماقبل النقطة التي انطلق منها وطغت على العقول ثقافة منغولية يريد منظروها إعطائها شكل الحقيقة .
يضحك ويقول وهو يتناول الكتب واحدا بعد الآخر أتعلم بأنني اليوم قد صنعت خلية ماركسية أخرى .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

جاسم محمد كاظم

#جاسم_محمد_كاظم (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات