عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4564 - 2014 / 9 / 4 - 02:48
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
هذا الخلق المكون بقانون تقديري وقدرتي ليس محدثا من عدم ولا من فراغ بمعنى خلو الحيز من مكون أولي فالله تعالى يقول{إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }الأعراف54,فلله الخلق يشير إلى كونية الحدوث هي باليد المطلقة لله وبأمره دون أن يكون هذا الأمر مجهول الشكلية لنا, ولنقرأ النصوص التالية:.
-;- {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }الأنعام79,فالله الذي فطر الخلق لابد من وجود ما فطر منه قبل أن يفطره الله, هناك شيء مفطور وشيء فطر منه المفطور ,وهذا المفطور بالنسبة لنا مؤكد عقلا ومنطقا وعلما ونقلا. وما فطر من المنفطر قبل أن يكون شيئا كان لا شيء بالوصف الخماسي السابق.
-;- {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ... وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } الأنعام101,فهذا الإبداع الذي وصفه الله بالعلمي نسبة لعلمه لا يمكن أن يكون إلا من شيء, لأن الإبداع هو غاية المهارة في الصنع, ولكل مصنوع لابد من مما صنع منه, فهو أبتدعه وجعله شيء ولابد أنه كان غير مبتدع ولا شيء قبل خلق الله له .
-;- {أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ .. فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} الأعراف 185,النص هنا يشير إلى أن كل مخلوق هو شيء وباعتبار أن الأرض والسموات شيء كبقية الأشياء لأنها بالوصف كذلك, فلابد أن تكون قبل ما تكون شيء كانت لا شيء ويعاضد هذا النص نص أخر{قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ .. قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ }الرعد16.
-;- {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ اللّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ}الإسراء99,فالذي خلق الخلق قادر أن يعيد الكرة بنفس الأسباب أو بغيرها وهذا يعني منطقا أن الله تعالى لم يخلق الخلق الأول أو أوجده بغير قانون حقيقي قابل لأن يحدث نفس الأثر في كل مرة أشاء القادر أن يحدثه وبالتالي فلا بد أن تكون هناك شيئية حاضرة في كل مرة تنتج نفس النتائج وبنفس القانون, هي شيئية موصوفة عند الله ولكنها عندنا غير موصوفة فتكون لا شيء عندنا {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ }يس81.
-;- {مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً}الكهف51,هنا النص ينفي حدوث الشهادة لمخلوق حين خلق الله السموات والأرض ولكن لا ينفي النص أن عملية الخلق تمت بالشكل الذي حدث, ولكن يؤكد على أن أمكانية حدوث الشهادة موجودة كما في قصة خلق آدم عليه السلام عندما كان الملائكة شهودا عليها ,والشاهد لابد أن يحضر المشهد ويدركه ويحسه بما يمكن أن يدرك به أو يحسه, وهذه العملية لا بد من حدوث فعل تكويني ليشهدوه وإن لم يكن هناك فعل محدث فعلى ما يشهدون.
-;- {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ}الأنبياء30,هذا النص دليل على أن الخلق ومنهما السموات والأرض كانتا شيئا ما قبل أن يكونا شيء, والدليل قوله تعالى((كَانَتَا)),فهناك كينونة سماها النص (الرتق),أذن فهناك عملية تحويل شيئي كينوني قبل كينونتهما الشيئية التي هما عليها الآن بعد الخلق.
وفي النص بيان للكيفية التحولية الكينونية بواسطة (الفتق), هذه العملية تمت على موجودات في عالم غيبي لا شيئي بالنسبة لنا ولكن للخالق كانت شيئا موصوفا.
{أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }النمل64.يشير النص إلى حالة قياس حقيقية وهي البداية, أي أن الخلق ابتدأ من نقطة قياس هذه النقطة أما أن تكون مادية بمعنى أن الخلق المادي قد كان في نقطة أفترق عندها مما كان عليه ليكون مادة موصوفة أي شيء كما في النص التالي{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ }المؤمنون12,فالإنسان ابتدأ كشيء موصوف من طين وإن كان بالشكل التكويني اللاحق من غيره ولكن البداية كانت الطين.
أو تكون البداية القياسية مكانية أي ابتدأ خلق الخلق في زمان أولي هو البداية وإن لم يكن عليه الآن كما في النص التالي{فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ}الحجر29,هذا الزمان في غيب الله تعالى ولكنه زمان البداية ويتكرر النص عن الله تعالى ليشير للزمن فقط{فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ }ص72.فهو مشروط بالتماميه وهذه التماميه تحتاج للزمن هنا.
أو تكون البداية في المكان الذي بدأ الخلق فيه وهو متعلق أيضا بالمحدد الأول المادة ولكن التحديد متوفر هنا وإن لم تكن النصوص تشير صراحة بالمكان ولكن المتيقن هو قبل الإسكان في الجنة {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ }البقرة35, فهذا الإسكان تم بعد تماميه الخلق والتزويج ولا بد أن يكون خارج مكان الجنة حتما والدليل لو كان في داخلها لما قال النص أسكن أي أجعل منه سكنا ومسكنا {وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ}الأعراف19.
وفي كل الأحوال لا بد من بداية جعلت من الخلق شيء وما يكن قبلها لابد أن يكون شيء أخر لا ينتمي لصفات الشيء المخلوق بلحظة البداية.
في مجمل النصوص السابقة تبين لنا منها وفيها أن الله خلق الخلق وجعل المخلوقات أشياء موصوفة من عالم موجود وإن كان قبلي يملكه الله وهو تحت أمره طائع مخلوق أيضا له وهو شيئي له ولا شيئي لنا لأنا لم نطلع على أوصافه ولكننا نعلمه من خلال النقل المقدس ومتيقنين بوجوده يسميه الله تعالى (ملكوت) ليشير به إلى المبالغة بالمالكية والتملك المتفرد له دون شريك فيه{الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً }الفرقان2.
كل ما خلق الله من خلق فهي من ملكوته ومن ذاك العالم الوجودي الغيبي كان كل شيء قبل الخلق لا شيء, فأنظر للنصوص التالية:.
1. {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ }الأنعام75,
2. {أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ }الأعراف185.
3. {قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }المؤمنون88.
4. {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }يس83.
وما من مخلوق إلا كان في ملكوت الله في وقت ما وأخرجه ليكون شيئا بإذنه بقوله تعالى كن أي تحول من كائن وجودي لكائن وجودي أخر بما شاء الله{إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ }النحل40, هذه الإستجابة لا تعني أبدا أن الله يخلق بقوله كن الشيء من العدم والدليل قوله( كن ) فهو يخاطب مكنون وليس معدوم ولا يصح مخاطبة المعدوم لأنها عبث ولا يجوز وصف العبث إلى الله تعالى{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ }المؤمنون115.
هذا اللا شيء في ملكوت الله لا بد له من عالم يحتويه ومنه يخرج فالملكوت صفة للملك ولا بد للملك من مجال يشغله فهو غير مستقل بذاته بل له حيز يشغله في مكان ما ,يسميه النص القرآني بالخزائن:,
أ- {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} الحجر21.
ب- {أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ }الطور37.
ت- {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ } المنافقون7.
كلا من الملكوت والخزائن شيء من خلق الله في عالم غيبه الذي لم يطلع عليه أحدا من خلقه لا في حاله ولا وصفه ولا في كيفيته ولكنه أخبر بأنه عالم حقيقي وموجود ومن خلقه أيضا لينهي الله بذلك سلسلة المعلولات والمسببات ويحتفظ بأمره وكينونته لأنه سماه عالم الغيب {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً }الجن26.
هذه الخزائن محكومة بنفس القانون السابق الذي خلق به الخلق وهو القدر والتقدير ولا يخرج مخلوق من لا شيئيته إلى عالم الشيئية بإذن الله إلا بالمقدار الذي قدره الله بعلمه{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}القمر49 وقوله السابق {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } الحجر21.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟