داود روفائيل خشبة
الحوار المتمدن-العدد: 4558 - 2014 / 8 / 29 - 17:01
المحور:
الادب والفن
الحقيقة يحسبها الجاهل ملك يديه وينفق الحكيم العمر يتلمّس الطريق إليها ويدرك أنه لا يدركها. فلا غرو فى أن تكون كلمة "الحقيقة" بعيدة العور، متشعبة المسالك. وإذا كان هذا شأن كلمة "الحقيقة" فى كل لغة، فإنها فى لغتنا العربية تكتنفها صعوبات حاصة. فإننا نستخدم هذه الكلمة الواحدة للدلالة على عدة مفاهيم متباينة تعبّر اللغة الإنجليزية مثلا عن بعضها بكلمات متباينة اهمها: reality – truth – fact ، وحين شرغت فى أن أترجم إلى العربية كتبى الفلسفية المنشورة أصلا باللغة الإنجليزية لقيت عناء كبيرا فى التمييز بالعربية بين هذه المفاهيم المتباينة.
إلى جانب الصعوبة اللغوية فى التمييز بين مختلف المعانى والمفاهيم التى ترتبط بكلمة الحقيقة هناك صعةبة لا تنفرد بها اللغة العربية إذ تتعلق بجوهر معنى الحقيقة.
كل هذا الذى يحيط بنا من ظواهر الطبيعة والكون وكل ما نلقاه فى حياتنا العملية وفى تعاملنا مع الأشياء ومع الأسخاص، كل هذا رآه الحكماء يتحوّل ويتبدّل ولا ثبات له على حال، وله إلى زوال. ورأى أفلاطون مثلا أن كل متاع الدنيا وما يتكالب الجهلاء عليه ويحبون أنه الحقيقة كل الحقيقة لا يرى فيه الحكيم غير ظلال زائفة، ورأى أن ما هو جدير حقا بأن يعدّه الحكيم حقيقة هو مفاهيم الحق والخير والجمال وهو المثل العليا التى التى بها نحيا حياة روحية ثريّة هى عين الحقيقة.
هذان المفهومان للخقيقة، الحقيقة من وجهة نظر غامّة الناس ويعنون بها حقيقة هذا العالم الذى نصارعه ونصارع بعضنا بعضا فى سبيله، من ناخية، وحقيقة عالم العقل والمثل والقيم الأخلاقية، من ناحية أخلاى، هذان المفهومان يلزمنا التمييز نينهما فى وضوح إذا أردنا للإنسانية أن تعرف الطريق إلى حياة جديرة بكائنات تزعم أنها تتميّز بالعقل.
هذا التمييز الضرورى بين المفهوم الدنيوى والمفهوم المثالى للحقيقة لعل الجنس البشرى أشدّ حاجة إليه الآن مما كان فى أى وقت مضى. فى آخر كتابين لى كنت مهموما على نحو خاص بالتوكيد على هذا المعنى. فى "البحث عن الحقيقة" (1) الذى صدر العام الماضى حاولت تتبع بحث الإنسان عن الحقيقة عبر الزمانـ وف "الحقيقة المتافيزيقية (2) الذى صدر مؤخرا عدت للتوكيد على أهمية هذا التمييز.
الفاهرة، 29 أغسطس 2014
(1) Khashaba, D.R. Quest of Reality (2013)
(2) Khashaba, D. R., Metaphysical Reality (2014)
#داود_روفائيل_خشبة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟