عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4555 - 2014 / 8 / 26 - 16:05
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
النفعية
وهذه الصفة هي الأخرى تطيح بكل ما رسمه الرب لنبيه إبراهيم من أن يكون أبا لكل الموحدين المؤمنين ولا تتلاءم أصلا مع مفهوم الحكمة والطهارة والبركة((نفّذت ساراي طلب أبرام، ولما شاهدها كبار الموظفين المصريين دهشوا لجمالها، وأخبروا فرعون مصر بذلك، فأمر بنقلها إلى قصره، ويُفهم من السياق أنه اتخذها زوجة له، وأنعم على أَبرام بكثير من المال " وَصَارَ لَهُ غَنَمٌ وَبَقَرٌ وَحَمِيرٌ وَعَبِيدٌ وَإِمَاءٌ وَأُتُنٌ وَجِمَالٌ " )), هذا النبي الكريم الذي بما منحه الله من عقل وإرادة أستدل بذاته على معنى التوحيد متجاوز لكل عقليات البيئة والمجتمع المحيط به ليصل لليقين من خلال استنطاق واقعه يبيع مبادئه لأجل مال الدنيا ,هكذا هي صورة النبي الكريم في الفكر التوراتي.
عدم الحياء
لم تبقى معرة لم يلصقها التوارتيون إلا وألصقوها بجدهم الأكبر الذي لولا كرامته عند الله وبركات الله عليهم لم يكونوا إلا مجرد خلق من خلق الله قد لا يوفقهم الحظ حتى أن يعرفوا ما الله وما الحكمة وما النبوة,(( زعم إبراهيم مرة أخرى أن سارة هي أخته، فأخذ (أَبِيمالِك) مَلِك جَرار سارَة، وفي الليل، وقبل أن يتزوّج أبيمالك منها، جاءه الله في الحُلم، وأخبره بأن سارة هي زوجة إبراهيم، وأمره بأن يردّها إلى زوجها، وإلا فإن مصيره الموت, ومع الصباح استقدم أَبِيمالك إبراهيم، واعتذر له، وعاتبه على إخفاء حقيقة سارة عنه، وهنا اعترف بالحقيقة، إِنِّي قُلْتُ: لَيْسَ فِي هذَا الْمَوْضِعِ خَوْفُ اللهِ الْبَتَّةَ، فَيَقْتُلُونَنِي لأَجْلِ امْرَأَتِي)) ,هو لا يستحي في كل مرة تسلب منه زوجته لتذهب لرجل أخر ولما يكشف أمره لا يستح أن يعتذر بخوفه على حياته , أي رجل هذا يفاخرون به.
ضعف الشخصية
الرجل الذي واجه الموت بشجاعة بالنار والتحريق ووقف في وجه قومه مسفها احلامهم ومحطم دينهم لأجل إعلاء كلمة الله تصوره الرواية التوراتية بالرجل الضعيف الشخصية الساعي وراء رغباته وحوفه وجبنه وذلته وليس ذاك الطود الذي واجه الطغيان لوحده((فبعد عشر سنوات من عودة أبرام بأسرته من مصر، أهدت ساراي إليه جاريتها المصرية هاجَر، وسمح له بالزواج منها، ولمّا حَبِلت هاجر صارت تفتخر وتستعلي على سيّدتها ساراي، فغضبت ساراي، وعاتبت أبرام، فردّ أبرام لها جاريتها هاجر لتفعل بها ما تشاء، فأذلّتها ساراي، ولم تر هاجَر بدّاً من الهرب جنوباً نحو شمالي صحراء سِيناء)), كانت شخصية هذا الرجل تتضاءل أمام شخصية سارة التي أساء لها التوارتيون في كثير مما كتب عنها كما أساءوا من قبل لإبراهيم إلا أنهم يظهروها بموقف المتسلطة الجبارة التي لا يمكن ان يصدها أو يرد لها طلب سيدنا إبراهيم.
قلة الوفاء
وهذه من الشيم والاخلاق التي كان عليها الكثير من أبناء بني إسرائيل من الذين حرفوا كلام الرب وقالوا عنه ما لم يقل وأدعوا دعوة لا يمكن أن تصدر عن شعب أمن بالله ويكن الأحترام لرموزه وأشخاصه التأريخية ناهيك أصلا عن احترام مهنية المؤرخ , الرواية التوراتية تشير إلى أن إبرام بعد أن عاد من مصر بما غنمه من فرعونه بعدما رضي بالمهانة والذل مستخدمة السيدة زوجته للوصول إلى ما في يد الفرعون من أموال قفل راجعا إلى أرض حوران ,هناك حدث نزاع بين رعاة غنمه ورعاة غنم لوط فكان لا بد من التخلص من لوط فأمره أن يبقى بأرض سدوم وهو يذهب ليواصل رحلته((كثرت مواشي أَبْرام ولُوط، وتقاتل رعاتهما على المراعي وموارد المياه، فرأى أبرام من المصلحة أن يفترقا، ورحل لوط بقطعانه، واستقر في أرض (سَدُوم)، شرقي نهر الأُرْدُنّ، وكانت في الأزمنة السابقة خصبة وعامرة كمصر، لكنها كانت قد صارت خراباً بعدئذ، وكان أهلها أشراراً. بعد أن تخلّص أبرام من لوط ورعاته، وبقي في أرض كنعان الخصبة، ظهر له الربّ، وقال له: " ارْفَعْ عَيْنَيْكَ وَانْظُرْ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ شِمَالاً وَجَنُوبًا وَشَرْقًا وَغَرْبًا، لأَنَّ جَمِيعَ الأَرْضِ الَّتِي أَنْتَ تَرَى لَكَ أُعْطِيهَا وَلِنَسْلِكَ إِلَى الأَبَدِ. وَأَجْعَلُ نَسْلَكَ كَتُرَابِ الأَرْضِ)) .
عدم الغيرة تهافته على المال عدم النزاهة وكثيرا من المثالب التي لا يمكن لقائد بسيط ولا لشيخ عشيرة أن يفعلها لأنها تمس كرامته أمام مجتمعه وأمام من يقودهم ,ألصقت بإبراهيم عليه السلام دون أن يخجل المؤرخ الذي يدعي العلم والانتساب للحكمة من تسطير هذه النصوص ليخرجه بالأخر كلص أو زعيم لصوص وليعطي صورة مقززة ومشوهة الهدف منها ليس إبراهيم بل تشوية صورة الرب الذي أختار هكذا شخصية لتعبر عن إرادته وتظهر ضحالة وسطحية وانحراف تفكير الرب هذا أولا ولتجعل من هذه القيم عذرا لبني إسرائيل في تعاملهم مع الأخر طالما أن النتيجة تصب في خانة أحلامهم على السيطرة والنفوذ وجني الأموال بمعزل عن قضايا العفة والطهارة واحترام الإنسان كنظير في الخلق ,المهم هنا في كل المسألة يكمن في تبرير الخروج عن الإيمان بالله سواء عن طريق دفع العقلاء للكفران بما جاء به الرسل قياسا لما في التوراة المكتوبة أو من خلال معطيات السلوك البشري المبني على أمر الرب هذا.
في هذا الجو التشهيري والتسقيطي وردت صورة سيدنا إبراهيم عليه السلام وتابع شراح الإنجيل ومؤرخيه ومؤرخي العالم من بعده بالتتابع على بسط هذه الصورة دون تمحيص وتدقيق لمجرد أنها كما يزعمون وردت في التوراة ,لم يكن العلم التأريخي حاضرا ولا المهنية الاحترافية حاضرا في ذهن المؤرخ والكاتب ولو وجد هذا المدع صوت حقيقي يقول غير ما قالت التوراة ولو كانت من الرب ذاته الذي يؤمن به لأنتفض سريعا مستنكرا لهذا القول لأن التوراة تقول أن العلم في بني إسرائيل فقط وكل ما يرد من غير هم أو عن غيرهم هو كذب من الأميين الذين وصفهم محرف التوراة عبيد وحوش همج أولاد سراري؟.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟