|
المسرح في المستشفى
فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن-العدد: 4548 - 2014 / 8 / 19 - 08:43
المحور:
الادب والفن
يذهبُ الجمهورُ إلى المسرح. ولا يذهبُ المسرحُ إلى الجمهور. لا، بل يذهب. إذا ما تعذّر ذهابُ الجمهور إلى المسرح. أين؟ فقط في الدول المتحضرة. ينتخبُ المسرحُ من بين جمهوره مَن يستحقُّون أن يتكبّدَ هو، المسرحُ، مشاقَّ الترحال بكل ملكوته وديكوره وكواليسه وستائره وملابسه وموسيقاه وعازفيه وآلاته وممثليه وشعرائه وجَوقته، ليحطَّ رحالَه في أعشاش العصافير التي لا تقدر أن تطير إلى المسرح. في الغرب، يذهب الأوركسترا والباليه والأوبرا والفرقُ المسرحية الكبرى إلى المدارس ودور المسنين والأيتام والملاجئ والمستشفيات، فتُشفى العصافيرُ من عِلّتها. ليس العصافير المسالمة وحسب، بل يذهب المسرحُ كذلك إلى الطيور الجارحة والضواري والوحوش داخل زنازين السجون والمعتقلات ليقدم عروضه. لأن الغرب المتقدم أدرك أن ذلك الفن العريق الراقي، مثلما يشفي الأجسادَ الواهنة، قادرٌ أيضًا على علاج الأرواح المصدوعة وإبرائها من أسقامها. فالأرواح تُغسَل بالموسيقى والشعر والرقص والفكرة والعبرة، كما تُغسَلُ بالصلاة ومناجاة السماء. هل تفعلُ مصرُ ما تفعله دولُ الغرب التي تحترم الإنسانَ، وتحترم الفنون؟ نعم تفعل، أليست مصرُ أمَّ الحضارة والفنون، وأمَّ الإنسان والتاريخ؟! هذا ما قرّره الفنان المثقف د. ناصر عبد المنعم، رئيس "المهرجان القومي للمسرح المصري" الذي انطلق الأسبوع الماضي، فشكرًا له على هذه البادرة الحضارية. بدءًا من اليوم، الاثنين، في تمام الحادية عشر صباحًا، وعلى مدى أسبوع، ستبني فرقتا مسرح العرائس، والمسرح القومي للطفل، خشبة العروض داخل مستشفى أبو الريش للأطفال، ومعهد الأورام، ومستشفى 57357، لتقدما عروضهما لأطفالنا هناك. أطفالنا المرضى، الملائكة النحيلة، الذين قلوبُهم مشبوكةٌ بالسماء بخيوط من حرير، سيضحكون ويغنون هذا الصباح مع عرائس ماريونيت خشبية صاخبة، مشبوكة أطرافُها بخيوط معقودة في أصابع رجال طيبين قرروا إدخال البهجة على القلوب الواهنة، ورسم الابتسامة على وجوه أمهاتهم اللواتي نسين الفرحَ منذ سنين. اليومَ، تبدأ مصرُ في الخطو نحو الحضارة من جديد. تستعيد مجدَها الذي أذهل التاريخَ منذ فجره بما شيّدته قبل عشرات القرون بالفنون والعلوم والقانون والتدوين، وظلَّ المجدُ صُنوَها حتى أخمدته خيامُ الظلام التي حطّت على أرضنا المشرقة منذ نصف قرن. يبقى أن أناشد التليفزيون المصري أن يسجّل لنا عروض المهرجان القومي للمسرح، لكيلا تغيب عن ذاكرة مصر كما ضاعت نفائسُ عديدة من قبل. فالمسرحُ مُعلّم ومُهذّبٌ منذ عرفه أرسطو قبل خمسة وعشرين قرنًا، وحتى نهاية الزمان. وصدق ستان سلافسكي حين قال: “أعطني خبزًا ومسرحًا، أعطكَ شعبًا مثقفًا.” المسرح بوجه خاص، والفنون الراقية بوجه عام، قادرةٌ على غسل المجتمع من أدرانه المتجزرة في خلاياه. شكرًا لكل من أضاء مشعلًا من مشاعل التنوير في بلادي.
#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجهل، الحصان الرابح
-
داعش أم دولة الإسلام أم عمعيص؟
-
اقتلوهما كما قتلتم ابن رشد
-
من أرض مشروع القناة
-
من ينقذ كردستان الجميلة؟
-
تكبيرات داعش
-
دافنينو سوا تحت الوصايا السبع
-
الخوف من جائزة جبران
-
انتفضوا للأقرع، وباركوا داعش!
-
باليرينا في سجن النساء
-
تكفيريون في ثوب الميري
-
القتل أرحم فظاعات داعش
-
هل ندرس عملية الفرافرة؟
-
سجينات الفقر
-
أيها الشيطان، قرّ عينًا
-
الدراما، آمرةٌ أمّارةٌ، أم مرآة؟
-
ميرفت التلاوي، جبلُ الكريستال
-
أستاذية العالم الداعشية
-
لما كنا صغيرين
-
سرقوا التلاجة يا محمد
المزيد.....
-
تراث عربي عريق.. النجف موطن صناعة العقال العراقي
-
الاحتفاء بذكرى أم كلثوم الـ50 في مهرجاني نوتردام وأسوان لسين
...
-
رجع أيام زمان.. استقبل قناة روتانا سينما 2024 وعيش فن زمان ا
...
-
الرواية الصهيونية وتداعيات كذب الإحتلال باغتيال-محمد الضيف-
...
-
الجزائر.. تحرك سريع بعد ضجة كبرى على واقعة نشر عمل روائي -إب
...
-
كيف تناول الشعراء أحداث الهجرة النبوية في قصائدهم؟
-
افتتاح التدريب العملي لطلاب الجامعات الروسية الدارسين باللغة
...
-
“فنان” في ألمانيا عمره عامين فقط.. يبيع لوحاته بأكثر من 7500
...
-
-جرأة وفجور- .. فنانة مصرية تهدد بمقاضاة صفحة موثقة على -إكس
...
-
RT العربية توقع مذكرة تعاون في مجال التفاعل الإعلامي مع جمهو
...
المزيد.....
-
الرفيق أبو خمرة والشيخ ابو نهدة
/ محمد الهلالي
-
أسواق الحقيقة
/ محمد الهلالي
-
نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح
...
/ روباش عليمة
-
خواطر الشيطان
/ عدنان رضوان
-
إتقان الذات
/ عدنان رضوان
-
الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد
...
/ الويزة جبابلية
-
تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً
/ عبدالستار عبد ثابت البيضاني
-
الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم
...
/ محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
-
سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان
/ ريتا عودة
-
أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة
/ ريتا عودة
المزيد.....
|