|
الأقليات العراقية والمشاركة الوزارية
سلام ناصر الخدادي
الحوار المتمدن-العدد: 4547 - 2014 / 8 / 18 - 08:11
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ تأسيس الدولة العراقية ، وسن قوانينها وتشريع دساتيرها وما جرى من تعديلات عليها تبعا للمتغيرات السياسية التي مر بها البلد ، عانت الأقليات العراقية من التهميش والاقصاء والحرمان الشيء الكثير ، رغم انها تشكل المكونات الاساسية لشعب وادي الرافدين. فقد عاشت وترعرعت منذ الأزل ، واندمجت وتفاعلت مع المجتمع بكل الوان طيفه وعلى مر العصور .. واعطت وساهمت برسم التقدم الفكري والفني والادبي للعراق ، واثبتت جدارتها وكفاءتها بشتى المجالات السياسية والعلمية المختلفة . وبعد التغيير في عام 2003 ومع الفيض العارم من الوعود المعسولة والشعارات الرنانة التي ملأت الشوارع وشغلت الناس ، كالحرية والديمقراطية والتعددية و.... و...الخ .. استبشرت الأقليات خيراً ، حالها حال البقية ، بان هذا الزمن سينصفها ويرفع الحيف عنها ، وتسترد بعضاً من حقوقها . ولكن .. أفرزت الممارسات الفعلية (وليس الشعارات) وخلال السنوات المنصرمة من استحواذٍ كاملٍ وهيمنة مطلقة للأكثرية ، دون اعطاء ولو بصيص أمل أو فسحة صغيرة لعمل واحد لهذه المكونات . بل اكتفى المشرع العراقي والمكلفون بتشكيل الحكومات جميعا ،بما منحوه بمادة دستورية لهم، وهي حصتهم ، في التمثيل البرلماني !.. ان نسبة التمثيل لكل مكوّن مقعداً واحداً امام 325 مقعدا في البرلمان ، تشكل ما نسبته 0,3% !.. فأي دور يستطيع تأديته ممثلهم ؟ وأي مقترح أو فكرة يستطيع ايصالها امام هذا الجمع الكبير ؟.. ان سياسة الاحزاب الدينية الكبيرة ، والكتل الطائفية ذات النفوذ الواسع ، قد تفردّت برسم الخارطة السياسية للبلد ، وكانت كلمتها هي النافذة والمسموعة بصنع القرار دون مشاركة الآخرين ، ودون النظر الى باقي المكونات وما يحملون بين ظهرانيهم من علماء واطباء ومهندسين وخبراء أكفاء في شتى المجالات ، ويشكلون ثروة وطنية كبيرة لايمكن الاستهانة بها او ابعادها . لقد عانت المكونات العراقية الاصيلة الأمرين قبل التغيير وبعده ، بل والحق يقال ، كنا نجد مدراء عامون ورؤساء دوائر وأقسام من هذه المكونات قبل التغيير ولمختلف الانظمة السابقة ، في عهديها الملكي والجمهوري .. لكن الأنكى والأمّر ما حصل لها بعد التغيير ، وما جرى من استبعادهم من كافة الدوائر والمؤسسات والوزارات من اي منصب يذكر .. بل لم تجد منهم حتى مدير مدرسة ابتدائية !!.. هذه الممارسات وغيرها ، جعلت الأقليات تعيد النظر بكل حساباتها وصبّت جل اهتمامها حول التمثيل النسبي في مجلس النواب (الكوتا) .. لتضمن ، على الأقل حصولها على مقعد بعد أن يأست من المنافسة مع الكبار ليقينها المسبق باستحالة حصولها عليه . وطيلة السنوات المنصرمة وما رافقتها من تشكيلات وزارية متعاقبة ، لم نجد اي وزير او وكيل وزارة من الأقليات على سبيل ذر الرماد في العيون !.. ورغم الترهل الواضح والكبير في هذه الوزارت ، بحيث تم استحداث وزارة للناطق بأسم الحكومة !!.. وهذه الظاهرة تحدث لاول مرة في العراق .. الا اننا لم نلحظ التفاتة واحدة تعيد بعض الحق اليهم . ان حالة الفوضى التي يمر بها العراق ، وما تشهده الساحة من انفلات أمني وتسيّد الميليشيات الطائفية والمذهبية ، وحالات القتل والتهجير والسبي بشكل كبير وغير مسبوق ، لم يشهدها المجتمع العراقي سابقاً ، أدت بنتائجها السلبية على هذه المكونات لأنهم ، وكما هو معروف الحلقة الأضعف في المجتمع، وبدأت بهجرة جماعية تبحث عن ملاذ آمن بعد باتت غريبة في وطنها ، يستهدفها كل من حمل سلاحاً ، أو يستند الى حزب ذو نفوذ سلطوي أو ميلشياوي . ان هجرة هذه العقول والكفاءات والايدي الماهرة التي تشكل ثروة كبيرة للبلاد ، وركنا اقتصاديا مهماً (أطباء ، مهندسون ، كتاب ، صاغة ...الخ) ، تعتبر خسارة للعراق اضافة الى ما يعانيه من خسائر بشرية واقتصادية نتيجة القتل والتصفيات الجسدية والتفجيرات والاعمال الارهابية الاخرى التي طالت الدولة بالكامل . ان ظاهرة الولاء الديني او القومي المطلق قد غلب على باقي الحسابات والثوابت الوطنية الاخرى ، بل أبعدت عن الذهنية العراقية عبارات مثل (الكفاءة ، النزاهة ، الاخلاص) وكادت تكون من مخلفات الماضي البغيض !!.. فأين تجد الأقليات نفسها في خضم تلاطم الامواج هذه ؟ ونرى علناً .. ما أن يكلف رئيس الوزراء بتشكيل الحكومة ، حتى يبدأ بمشاوراته مع (الكتل الكبيرة) لتوزيع الحقائب الوزارية عليها من اجل (ارضاء) الجميع ، متناسيا ومتجاهلا تماماً ان هناك في العراق اناسا قدموا الشيء الكثير علما وأدبا وفنا .. وقدموا كوكبة من خيرة ابنائهم شهداءا للوطن .. وامتزجت دمائهم بتربة وطنهم .. ليصبحوا مشردين مبعدين لاجئين فداءاً لمحاصصة طائفية مقيتة بغيضة .. ولأجل ارضاء قادة كتل ومعممين همّهم الاول والأخير مصالحهم الذاتية فقط ، ضاربين بعرض الحائط اصول شعبٍ يعتبر الأرث الحقيقي المتبقي لوادي الرافدين .
#سلام_ناصر_الخدادي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
همسات دافئة
-
الأقليات بين الحقوق والدموع !!...
-
وددتُ أن أقول
-
التوافق .. والفساد السياسي
-
غربة الجسد
-
لِمَ الصمتُ ؟
-
أحبك اكثر
-
من بذرة ... إلى شجرة للخوف !!
-
طفلي المجنون
-
انتظار
-
عزف خارج الصوت
-
لحظة شوق
-
حارة كلمن ايده اله !!
-
جرح في مهب الريح
-
الحراك المدني العراقي .. آراء وملاحظات
-
حقوقنا بين الأدعية والنذور !!...
-
القادة الجدد والصناديق الفارغة
-
المندائيون .. وقانون انتخابات الأكثرية !!
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|