|
اللون الأصفر
ليديا يؤانس
الحوار المتمدن-العدد: 4546 - 2014 / 8 / 17 - 10:26
المحور:
الادب والفن
قد لا يكون الأصفر لونك المُفضل .. ولكن ربما يكون له تأثير قوي في حياتك! الأصفر ليس لوني المُفضل ولكنه واحداً من الألوان المُبهجه التي أحبها وأعشقها، حيث أنها تُضفي رونقاً ولمسة بهاء علي وجهي فأنال الإعجاب والإطراء.
ولكن الآن جئت إلي قيمة اللون الأصفر من خلال قصة رسام عالمي مشهور.
قد تكون سمعت أو شاهدت أو قرأت عن هذه اللوحات الفنية الرائعة، "عباد الشمس" و "زهرة الخشخاش" و "الليلة المليانه نجوم" وغيرهم من إبداعات هذا الرسام العالمي – ما يُميز هذه اللوحات الجميله هو غلبة اللون الأصفر علي اللوحات. هذه اللوحات بعض من حوالي 2000 لوحه للرسام الهولندي العالمي المشهور فينسنت فان جوخ الذي ولد في 30 مارس 1853 في جروت زندرت بهولندا، ومات عن عمر 37 عاماً في 29 يوليو 1895.
تتميز لوحات فان جوخ بصدق المشاعر والجمال والألوان البارزه الزاهيه، وإن كان في بداية حياته الفنيه كان يغلب علي أعماله اللون الغامق الكئيب إلي أن تقابل بالرسامين الفرنسيين فبدأ يقتبس منهم الألوان الزاهيه وخاصة اللون الأصفر.
فان جوخ ترك دراسته في سن الخامسة عشر وكانت عائلته لفترة طويلة مرتبطة بعالم الفن، فقد كان أعمامه تجار فنيين، ولذا ظل فان جوخ لفترة ناجحاً نسبياً كتاجر فني يعمل لدي مؤسسة "جووبيل وسى "Goupil & Cie" وهي شركة لتجارة الفن في لاهاي.
في بداية العشرينات من عمره بدأ في زيارة المعارض والإهتمام بالأعمال الفنية العظيمة، بالإضافة إلي عمله كمعلم للأولاد. في سنة 1876 كرس حياته للكنيسة بجدية وبدأ في دراسة التوراة والإنجيل، ثم تحول من مُعلم إلي رجل دين إلا أن وعظاته الدينيه كانت باهتة وغير حيوية، ولكنه كان مُستعداً أن يهب نفسه للناس ويشاركهم حياتهم القاسيه، لقد كرس نفسه ليعطي للناس الأمل في الحياة وتذكيرهم بمراحم السماء، فأعتبروه الكهنة خارجاً علي تعاليم الكنيسة، وتم فصله كواعظ في المناجم من الكنيسة. بعد فصله كواعظ ساوره إحساس، بأنه خرج من ظلام المناجم مُتعطشاً إلي النور يبحث عن وسيلة أخري للنجاح، وخصوصاً بعد فشله في بعض العلاقات الإنسانية والعاطفية، ولذا أصبح الرسم هو الوسيلة التي تُمكنه من التعبير عن آراءه وأفكاره وأيضاً للتواصل مع الناس.
فان جوخ يُعتبر من أشهر فنانين ورسامين القرن العشرين، وتُعتبر لوحاته من أغلي اللوحات في العالم، والجدير بالذكر أنه بعد مماته مُباشرة تم بيع لوحة "بورتريه الدكتور غاشيه" "Portrait of Dr. Gachet" بمبلغ 82 مليون دولار أمريكي. في حين أنه علي مدي حياته كلها لم يتمكن من بيع إلا لوحة واحدة فقط هي "الكرم الأحمر" "The red vineyard" مُقابل 400 فرنك سويسري أي ما يعادل ألف دولار أمريكي.
أكبر مجموعة من لوحات الفنان فينسنت فان جوخ موجودة بمتحف يحمل إسمه في أمستردام بهولندا يقع بمنطقة ميدان المتاحف "Museumplein".
كثيراً ما كان يقوم الفنان جوخ بحرق بعض لوحاته ليس لأنه غير مُقتنع بإنتاجه، أو لأنها تحمل ذكريات سيئة إلي نفسه، ولكن للتدفئة بها شتاءاً حيث أن هذا الفنان الذي تُباع لوحاته الآن بملايين الدولارات كان يُعاني من الفقر الشديد، وربما كان ذلك سبباً من معاناته النفسيه أيضاً.ً
في الأيام الأخيرة من حياته قطع جزء من أذنه الشمال لكي يقدمه لحبيبته، ربما لأنه كان لا يملك أن يشتري لها هدية، وبعد ذلك بدأ يُعاني من مرض نفسي مما أدي به إلي دخول مستشفي للأمراض العقلية في سانت ريمي، وهنا رسم لوحته الأخيرة، "قيامة لعازر" "The Raising of Lazarus" عن قصة لعازر وأختاه مرثا ومريم المذكورة بالكتاب المقدس. هذه العائلة التي كان لها منزلة خاصة عند يسوع، ولذا كان كثيراً ما يذهب عندهم، هذا هو لعازر الذي أقامه يسوع من الموت بعد أربعة أيام. هذه اللوحه أيضاً يغلُب عليها اللون الأصفر!
أثناء تواجده بالمستشفي ربما إستبد به إحساس بعدم الجدوي من حياته فأنهي حياته بطلقة مسدس عام 1895، وغُطي قبره بزهور عباد الشمس الحبيبة إلي قلبه.
يا تري ما مغزي اللون الأصفر مع فينسنت فان جوخ؟
اللون الأصفر هذا اللون المُضئ الذي يستمد لونه البراق من روعة الشمس وأشعتها الذهبية، الشمس التي تتواري أمامها كل الكواكب، التي تُنير كل ما هو مُظلم وقاتم، التي تُدخل البهجة والسعادة إلي النفوس، التي تُشع دفء الحياة في كل الكائنات، والتي هي أكسير الحياة.
حياة فان جوخ وإن كانت في ظاهرها تُعلن عن حياة إنسان تعيس، يُعاني من مشاكل عديدة مما أدي به إلي إنهاء حياته بطريقة مأساويه، إلا أنه بداخله كان يملك قوة اللون الأصفر الذي كان دائماً ومن خلال لوحاته العديده يُعلن أنه يتحدي الظروف الحاضرة، وأن رجاءه في الزمن الآتي في قيامتة مع المسيح شمس البر. ولذا في لوحة قيامة لعازر لم يرسم المسيح باللوحه واكتفي باللون الأصفر ليُعلن عن وجوده حتي ولو لم يرسمه.
جوخ برغم ظروفه القاسيه كان مُستعداً لمُشاركة الآخرين مُعاناتهم والآمهم والتخفيف عنهم .. هل أنت أيضاً مُستعداً للبذل والعطاء برغم ظروفك القاسية؟ جوخ تحدي خبطات الفشل المُتواليه التي كانت تواجهه، وعدم محبة الناس له، وفشله في علاقاته الإجتماعيه والعاطفيه، وفصله من عمله الذي كان يُحبه ويُساعده مادياً علي الإستمرار في الحياة .. هل أنت أيضاً لديك القدرة علي الصمود أمام عواصف الحياة؟ جوخ بالرغم من فقره الشديد أصبح فناناً عالمياً مشهوراً .. أنت أيضاً مُمكن أن تكون كما تُحب برغم تحديات الحياة القاسيه!
أحبائي كُلنا تحت الآلام والضيقات، جانب مُظلم أو جوانب مؤلمة قاتمة في حياتنا، ولكن علي الأقل هُناك شُعاع أصفر قادراً علي أن يُضي حياتنا ويدخل البهجة إلي نفوسنا!
#ليديا_يؤانس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عار الإسلام
-
هل المسيح قال أنه هو الله؟
-
مَنْ يزدري مَنْ؟؟؟
-
تحرش حلاوة روح
-
الكُل بيُرقُص !!!
-
وحياة أبوكو حرام !!!
-
لا نُريد رئيساً!!!
-
عصفوري
-
باراباس !!! باراباس !!!
-
كاسين !!!
-
ثوك تاتي جوم
-
نسوان الإرهابية
-
ميكس X ميكس
-
حوار مع 7 جثث !!!
-
دفء المحبة وسط الثلوج
-
يُغازلون السيسي !!!
-
صفعة علي قفا ......
-
لا مكان لك عندنا !!!
-
قلب لحم
-
اعطيني حبة بطاطس
المزيد.....
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
-
القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|