الخليل علاء الطائي
الحوار المتمدن-العدد: 4539 - 2014 / 8 / 10 - 00:04
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يتردد في الخطاب الأمريكي الرسمي هذا التعبير الشرطي( حكومة لاتُقصي أحداً) الموجه الى العراق, مجسدا العلاقات غير المتكافئة بين طرفين عضوين في الأمم المتحدة وخاضعين لمبادئها في الإلتزام بقوانين العلاقات بين الدول. وغالباً ما يتصل هذا الشرط بالدعم الأمريكي مدفوع الثمن مقدماً, كما في صفقات بيع الأسلحة الى العراق, ويناقض مضمون الإتفاقية الموقعة بين البلدين عام 2008 والمجمّدة حالياً بموجب هذا الشرط. ويمكن القول أنه غامض وتعجيزي وطوباوي بعيد عن الواقعية في السياسة وأنظمة الحكم وبشكل محدد في الدول حديثة العهد بالديمقراطية, من وجهة نظر العراقيين كما سنبين في أدناه.. إضافةً الى ذلك فإن شرطاً كهذا لابد أن يضع القرار الأمريكي في موضع الشك وإنعدام الثقة, وهو يعبر عن السياسة الرسمية للولايات المتحدة الآمريكية, مُجسداً مفهوم القطب الواحد عالمياً, وبالتالي مشاريعها حول الشرق الأوسط والعراق كدولة مستقلة. آخر الدعوات أطلقها الرئيس الأمريكي ووزير خارجيتهِ فيما يتعلق بتوجيه ضربات جويه لمواقع داعش ( المقتربة من أربيل) وإن هذه الضربات ستكون محدودة مالم نلمس تغييراً في الموقف السياسي العراقي الرسمي وبإنتظار مايقرره التكليف القادم لرئيس الوزراء. يتضح منه المطلوب تشكيل حكومة (لاتُقصي أحداً!)
هذا المقال يتحرى عن هذا الواحد الأحد الذي أقصته العملية السياسية وحكومة المالكي.إذا كان المقصود طائفة السنَّة فالحديث يطول عن مشاركات ممثليها في العملية السياسية والوزارات وتقاسم المراكز والمناصب على وفق المقاس الأمريكي المسمى ( المحاصصة) وحيث توجد مؤسسات دستورية يتم تعيين افرادها من قبل الشعب بإنتخابات إعترف العالم بنزاهتها وشفافيتها واهمها مجلس البرلمان برئاسة نائب سني حسب التوافقات بين الكتل السياسية, ومجلس رئاسة يرأسه رئيس جمهورية كوردي وتجري العملية بشكل مُعلن ودستوري وديمقراطي و يجري الآن التحضير لتكليف رئيس الوزراء لتشكيل الحكومة وحسب الإستحقاقات الدستورية. هناك الميزانيات للمحافظات وحسب النسبة السكانية وبدون تمييز في التخصيصات والمشاريع على أساس طائفي. العرب والكورد والتركمان والشبك والإيزيديين ممثلون في البرلمان وفي الحكومة. الأديان بكافة طوائفها ومذاهبها ممثلة وحسب النسبة السكانية في أماكن وجودها وتعبر عن مغتقداتها بكل حرية وإحترام من قبل الطوائف الأخرى.. هذا هو وضع العراق التعددي الديمقراطي الجديد.
أين الإقصاء وأين التهميش؟
تشير النوايا في الخطاب الأمريكي الى ضرورة إستبدال رئيس الوزراء نوري المالكي وعدم تجديد ولايتهِ تنفيذاً لمطالب طائفية بعثية وداعشية داخلية وخارجية سعودية قطرية تركية. نظراً لمواقفه الثابتة في مواجهة مشروع التقسيم ونجاح سياسته في تحقيق الأمن وتثبيت مؤسسات الدولة المركزية التي راهن المتآمرون على تفكيكها من الداخل وأرادوها حاضنةً للإرهابيين وحصان طروادة في العملية السياسية. ونظراً لمواقفهِ في عدم جعل الأرض العراقية قاعدةً للعدوان على سوريا أو إيران. كما تصدى المالكي لمحاولات حكومة الإقليم في تهريب النفط العراقي وتخريب الإقتصاد في عقود خارج معرفة الحكومة الإتحادية. يُتهم المالكي بأنه أعاد البعثيين الى الجيش والقوات المسلحة, وتحت مظلة ( المصالحة) وإستجابةً لمطالب المحافظات السنيّة, وهي مطالب مدروسة بعناية لتخدم التصعيد الطائفي نحو إسقاط العملية السياسية الأمر الذي تطلّب التصدي لها. وقد إنكشفت رؤوسها التآمرية في التمهيد للإرهاب وتمرير العمليات الإرهابية فيما أصبحت المحافظات( المنتفضة) حواضن أساسية لدخول داعش الى المدن العراقية وتحت تسمية ( ثوار العشائر).
هناك من يعتقد بأن المالكي لم يستجب لمطالب ( أهل السنة والجماعة) وإن ذلك تسبب في تطور الأوضاع الى ما وصلت إليه. ومن هؤلاء أصوات يسارية تردد المقولات الجامدة والتعميمات البعيدة عن أرض الواقع ومعاناة الشعب العراقي في ظل الدكتاتورية البعثية وتتجاهل المخاطر التي تهدد العراق وفي مقدمتها محاولات البعثيين في العودة الى الحكم. في وقت كانت الإعتصامات توجه من خارج العراق ومن وكلاء الدول الصانعة للإرهاب الطائفي, والذين جمعتهم مرجعياتهم التكفيرية البعثية في عمّان أواسط تموز الماضي.
لقد غرست الأنظمة الطائفية, منذ تأسيس الدولة العراقية, إعتقاداً لدى الطائفة السنيّة بأنها خُلقت لتحكم العراق في السياسة والجيش والمال والإقتصاد والملكيات الإقطاعية الكبيرة وإن الطائفة الثانية لاتصلح لغير الخدمة والوظائف الصغيرة. وما زال هذا الإعتقاد راسخاً في رؤوس ممثلي هذه الطائفة الى اليوم. وشغلوا ما يسمى ساحات الإعتصام ( العز والكرامة) – أي السلطة الأحادية المفقودة – بالعويل على سلطة العز التي حققها لهم حكم البعث وعلى حساب إذلال بقية العراقيين من شتى الطبقات والقوميات والمذاهب والأديان.عبر عن ذلك كل من طه الدليمي والشيخ أحمد الكبيسي وعلي حاتم السلمان بأن العراق لايحكمه شيعي, فبات مطلب إعادة كبار الضباط البعثيين من الجيش السابق مع إصدار عفو عام – غير مشروط – من أولويات (الحراك وثورة العشائر) لتحقيق مشروع الإنقلاب وإعادة حكم الطائفة وتشكيل حكومة من هذا الوسط البعثي الطائفي كي يقال عنها ديمقراطية (لاتُقصي احداً) أما واقعها الحقيقي فهي طائفية متسلطة على رقاب العراقيين كما كان حكم البعث.
أثبتت غزوة الموصل وما تلاها من إمتدادات لتشمل المحافظات الغربية على أن داعش لم يكن بإستطاعتهِ الإنتشار في هذه الجغرافية الواسعة والمتنوعة التضاريس لولا وجود قوى مساندة على الأرض ولا يقتصر الأمر على الحواضن والجهد اللوجستي بل تعداه الى تمهيد الأرض والإسناد العسكري والتكتيك والخيانة والمشاركة القتالية وحرب العصابات والمدن. وقد إعترف البعثيون بهذا الدور وتبجحوا بالإنتصارات التي حققها تحالفهم مع داعش , جاء ذلك في بيان مؤتمرهم في عمّان وفي خطاب عزة الدوري, الذي خص داعش بالشكر, وتصريحات ثوار الفنادق في أربيل, وكان تبجحهم يشدد على دور ضباط الجيش السابق في هذه العمليات العسكرية في الموصل وصلاح الدين والأنبار وديالى. ففي تكريت إنتخبوا محافظ من ضباط البعث ( شقيق المجرم ماهر عبد الرشيد) وفي الموصل نسبوا المدراء العاميّن والوكلاء والمسؤلين, حتى قالوا أن داعش تحتل ثم تُسلِّم الحكم الى البعثيين. كان ذلك قبل أن يُلقي (أمير المؤمنين )خطبة الجمعة ويطلب البيعة وإلاّ فالسيف في الرقاب والحد لمن لايُطِع أمره.وكان ذلك قبل زحف داعش بإتجاه سنجار سعياً وراء التوسع في مناطق ضعيفة المقاومة وللمزيد من الغنائم والسبي والجرائم.
هؤلاء الضباط لم يظهروا صدفةً إنما كانوا يشكلون جيوشاً إرهابية لافي الموصل وحدها إنما كانوا يديرون معامل التفخيخ وصناعة الكواتم والعبوات والمتفجرات بحكم خبرات بعضهم في التصنيع العسكري وتشكيل الأفواج الإرهابية بالتنسيق مع شبكاتهم في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية والوزارات ومؤسسات الدولة والمحافظات. وأغلب هؤلاء الضباط من فصائل المخابرات وقوى الأمن وفدائيي صدام وفرق الإعدام البعثية مطلوبون للقضاء ومحكومون غيابياً بما إرتكبوه من جرائم تدخل في باب الإبادة الجماعية ولذلك لايستطيعون العودة الى وظائفهم وأماكن تواجدهم السابقة ولا المشاركة في العملية السياسية والقوات المسلحة مالم يشملهم (عفو عام وشامل وغير مشروط) الأمر المستحيل من الناحية القانونية. عليه فقد ألقوا رحلهم على كاهل العرّاب الأمريكي والمشروع الجديد , مشروع التقسيم الكفيل لا بإنقاذهم من العقاب فحسب بل لمنحهم السلطة في الإقليم السنّي المرتقب بعد فشل الحلقة الأولى من المؤامرة المتمثلة بغزوة بغداد على غرار غزوة الموصل وتكريت وغيرها...
هؤلاء هم الذين شملهم الأقصاء والتهميش وغير هؤلاء رجال دين كثرت خطبهم التحريضية على الإرهاب وتشجيع الشباب على العمليات الإنتحارية تحت مسمى الجهاد, وغيرهم أصحاب فضائيات مسمومة ورجال أعمال يمولون العمليات الإرهابية في داخل وخارج العراق...
فهل تعني الولايات المتحدة إشراك هذه الفئآت الإجرامية في الحكومة لكي نحصل على حكومة (لاتُقصي أحداً)؟
قد نقول نعم ففي السياسة مصالح دائمة..
وكل شيء ممكن.
للحديث بقية
#الخليل_علاء_الطائي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟