حيدر الكعبي
الحوار المتمدن-العدد: 4524 - 2014 / 7 / 26 - 09:33
المحور:
الادب والفن
حين قرر محمد الحياني نقل سكان الصرائف الى خارج المدينة، أصرت أم غاوية على البقاء. وراحتِ الصرائف تختفي تباعاً من حولها حتى أصبح خُصُّها وحيداً كجزيرة في أرض بلقع. وتلاشى اللغط الحميم الذي كان يحيط بها. وأقفر الزقاق الترابي ومسطحات السّـبَخ من الصبية اللاعبين. ولم يعد لديها جارات تقرضهن أو تقترض منهن دُهناً، أو ثِقاباً، أو ملحاً، أو خميرةً للعجين. وراحت تغني لنفسها: "باتي عدنا الليلة، أهلچ مسافة طويلة." صار الليل أطول وأكثر وحشة، وأصبحت تَحِنُّ الى المشادات الكلامية التي كانت تأتيها عبر خصاص الصرائف. وبَعُدَ نباحُ الكلاب. ولم تعد تسمع طبلاً يُدقّ ولا صدراً يُلطم. فالأعراس، كالمآتم، ذهبت الى الحيانية. وراح عمود الكهرباء الشاخصُ أمام كوخها يلقي ضوءه الأصفر على أرضٍ خلاء مخددة وعارية إلا من بقايا أوتاد خشبية، وبركٍ مائية ضحلة، وأشياء وأوعية وقطع أثاث منزلية مهملة ومتنافرة — غلاية ماء مخسّفة، فردة حذاء متحجرة، نصف حصير لاصق بالأرض، جناح طائر، مقبض سكين، زجاجة مصباح نفطي مفطّرة ومكسوة بالسخام، أشلاء وأجداث أشياء كانت لها فائدة ذات يوم. وأم غاوية مازالت تدب حافية بين سوق الدجاج في الخضّارة والرباط الصغير، لتبيع زوجين من الدجاج لحساب أحد تجار الدواجن، وتشتري بعمولتها الضئيلة حُقَّة من الطحين، وصاعاً من الدُّهن، وملحاً، ونفطاً من صاحب عربة يجرها حمار، تملأ به (البُطْل) ذا الفتيل المتوج بعجينة التمر والذي هو مصباحها في الليل.
#حيدر_الكعبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟