|
فريد الأطرش.. أمير النغم الجميل والطرب الأصيل
مصطفى القرة داغي
الحوار المتمدن-العدد: 4519 - 2014 / 7 / 21 - 08:54
المحور:
الادب والفن
كلما تمَعّن المَرء أكثر في التراث الفني للموسيقار فريد الأطرش يتأكد مِن حقيقة أن الفنان الراحل لم يَكن أميراً لآل الأطرش فقط، بل وأيضاً للأنغام الموسيقية التي كانت تطيعه وتنصاع لنوتاته التي يكتبها بقلمه ويَصوغها بعَبقريته، ليسَ خوفاً منه، بل حُباً بفنه وتناغُماً مَع أحاسيسه التي كانت المَنبَع الأساس لكل ما أبدَع مِن أعمال. فقد عُرف فريد بإمتلاكه لمَقدِرة إعجازية ليسَ على التوزيع الأوركسترالي فحَسب، بل وعلى دَمج الألحان الشرقية والغربية مَعاً وتطويعها لتتناغَم مَع بَعضها البعض، وهي مَقدِرة مُزدوجة نادِرة تكشِفها الكثير مِن الألحان والمُقدّمات الموسيقية التي وضعَها لأغانيه. ورَغم ان فريد لم يَترك لنا كثيراً مِن المُقدمات الموسيقية الطويلة مَع أغانيه، إلا أن لا أحد يستطيع أن يَنكر بأنه كان خلاقاً ورائداً ومتفوقاً على أقرانه في مَجالها، وبأنه كان يوليها جزئاً كبيراً مِن إهتمامه، ولم تكن بالنسبة له مُجرّد كَم مِن الجُمَل اللحنية وإستعراضاً لقابيلياته بالتوزيع الموسيقي. ففي أغاني فريد وموسيقاه هنالك دائِماً عِلاقة بَين المُقدمة الموسيقية للأغنية وبَين بنائها الموسيقي العام، فموسيقى المُقدمة وروحها تبقـى حاضِرة ومُحّلقة في سَماء الأغنية وﻻ-;- تغادِرها بإنتهاء المُقدمة، وهو تكنيك شَبيه بطريقة التأليف الأوركسترالي الكلاسيكي يمتاز به فريد عن مُعاصريه مِن الموسيقيين، الذين غالباً ما تتألف الحان أغانيهُم مِن جُمَل موسيقية مُتتابعة ﻻ-;- عِلاقة لبَعضها ببَعض. فالجُمل اللحنية عِند فريد مُترابطة ضِمن إطار إيقاعي يَتخِذ أشكاﻻ-;-ً مُختلفة خلال الأغنية، ما جَعل موسيقاه أكثر طواعية مِن غيرها للعَزف أوركسترالياً، وجَعل أغانيه بجُملها اللحنية أكثر قبولاً لتحويلها إلى عَمل أوركسترالي، وهو الأمر الذي قام به فعلاً موسيقيين غربيين معروفين مثل(فرانك بورسيل) و(رود غورين) و(أندريه ريدر) الذين أعادوا توزيع مَجموعة مِن أعمال فريد الموسيقية، وخصوصاً المُقدمات الموسيقية لبَعض أغانيه بأسلوب أوركسترالي، كان أبرَزها مُقدمة بنادي عليك، وحكاية غرامي، وحَبيب العُمر. إن مُقدمة أغنية(بنادي عليك) هي بحَق تُحفة فنية وقطعة موسيقية رائعـة مَشغولة بأستاذية فريدة كفريد الأطرش، وبحِرفية ربما لا يُتقِنها سِواه، فهي تبدأ بلحن أوركسترالي كلاسيكي يَجمَع القـوة والرومانسية، يَتحَول بَعد قليل الى لحِن تخِت شَرقي عاطفي طَرَبي، ثم يَتحَول بَعدها الى لحِن فالس راقِص، يُصاحبه أخيراً كورال تَختتم أصواته الأوبرالية هذه التُحفة بمُصاحَبة الأوركسترا، وطبعاً كل هذه النقلات والقفزات الخطِرة بَين السَلالم الموسيقية تجري بخفة وإنسِياب نغَمي تشدوا له الأذن وتطرب. أما مقدمة أغنية(حكاية غرامي) فهي تحدّي كبير تصَدّى له الموسيقار فريد ونجَح فيه بإمتياز، فقد قام بإعادة توزيع الحَركة الثانية مِن كونشرتو الغيتار للموسيقار الاسباني البينيز، وطوّع انغامَها للتلائم مَع العود بَدَلاً مِن الغيتار بمُصاحَبة الاوركسترا، وجَعَلها كأساس لموسيقى للمُقدمة التي تبدأ بلحن إفتتاحي درامي يَعقبه دخول بعود فريد للحن البينيز المُعاد توزيعه وفق رُبع التون تمَهّد له الوتريات، ثم يتكرّر نفس اللحن ولكن هذه المَرّة بالبيانو والأوركسترا، لتعود أنامِل فريد لعَزفه مُنفردة على العود، ثم بحِوار مَع الأوركسترا ليختِما مَعاً المُقدمة بصُعود درامي يَسحَر الألباب، تبدأ بَعدَه الأغنية التي تأخذنا في رحلة مع حكاية غرام يكون مِسك خِتامها لحن ألبينيز الذي أبدَع فريد وكان خلاقاً في تطويعه ليُناسِب جَو الأغنية وكلماتها. أما في (حَبيب العُمر) و(نجوم الليل) فاللحن شرقي مِن بدايته حتى نهايته، ولكنه موزع أوركسترالياً بأسلوب غربي، بحيث لا يَستطيع المُستمِع تحديد إذا كان ما يَسمَعه شرقياً أو غربياً، لأنه يسَتمِع الى قطعة موسيقية مُتكامِلة تذكِرنا بموسيقى سويت شهرزاد للموسيقار الروسي كورساكوف. قد لا يكون الراحل فريد الأطرش أول المساهمين بتطوير الموسيقى الشرقية ومقاماتها اللحنية، الا أنه كان مِن أبرَزهم تجديداً وأكثرهم تأثيراً على المَدى البعيد. إذ بإمكاننا القول أن فريد الأطرش هو أول مَن أدخل التوزيع الأوركسترالي الى الموسيقى الشرقية، وهو لم يَقم بذلك عِبر إقتباس جُمل موسيقية غربية وإدخالها الى الموسيقى الشرقية كما فعل البعض، بل بإبتكار جُملِه الموسيقية الفريدة مثله، التي تجمع بَين هارموني الغرب وروح الشرق، والطيّعة التوزيع أوركسرالياً والعَذبة السَماع طربياً وشرقياً، وهو قد أقدم على هذه المُجازفة ونجح فيها في مَرحلة مُبكرة مِن مَسيرته الموسيقية، وذلك في أوبريت فلم إنتصار الشباب الذي شاركته بطولته أخته المطربة أسمهان، التي وظف صوتها أوبراليا بأحد مقاطع الأوبريت ليَبدو للمُستمعين كأنه آلة موسيقية. ثم أنطلق بعد ذلك الى فضائات وتجارب موسيقية أرحَب، جَمع فيها بَين الألحان الشرقية والغربية بتناغم فريد وكونتراست سَلس لا يَخدش آذان المُستمعين، بل يُمتعها ويُطربها ولا يُشعِرها إطلاقاً بإختلاف سَلالِمِها وجُمَلها الموسيقية، كما حَدث مَع مُحاولات أغلب أقرانِه مِن كبار الموسيقيين العَرب، وهو تحَدّ لم ينجح به أحد سِواه الى هذه اللحظة تقريباً، حَتى بات ماركة مُسجلة له كان يَستحق عليها بَراءة إختراع، كما في أغانيه (يازهرة في خيالي، على بالي، قلبي ومفتاحه، أنا واللي بحبه، وياك). هذا المَقال ليس للحديث عَن الموسيقار الخالد فريد الأطرش الذي لن تتسِع للحَديث عَن عَبقريته مُجَلدات، بل هو لتسليط الضَوء على جانِب مُهم مِن هذه العَبقرية، والمُتعلق بأسلوبه في التأليف والتوزيع الموسيقي، والذي كان له دور مُهم بالوقع والحُضور الذي أمتازت به أغانيه وموسيقاه لدى كل مَن يستمع اليها عُموماً ولدى عُشاقه ومُحِبّيه تحديداً ومِنهم كاتِب هذه السطور.
فريد الاطرش - مقدمة بنادي عليك https://www.youtube.com/watch?v=aB6gaH-FEbU
فريد الاطرش - مقدمة نجوم الليل - اعاد توزيع الموسيقار فرانك بورسيل https://www.youtube.com/watch?v=uIDcItOF1gk
فريدالاطرش - مقدمة حكاية غرامي https://www.youtube.com/watch?v=kHqPSapUO8w
مقدمة حبيب العمر - مقدمة حبيب العمر - اعادة توزيع الموسيقار فرانك بورسيل https://www.youtube.com/watch?v=YG080F_e2e4
فريد الاطرش - قلبي ومفتاحه https://www.youtube.com/watch?v=WpN9490_zCk
فريد الاطرش - وياك https://www.youtube.com/watch?v=w-9iRD9GEDo
فريد الاطرش - على بالي - اعادة توزيع الموسيقار اندريه ريدر https://www.youtube.com/watch?v=21SNlatREh0
مصطفى القرة داغي [email protected]
#مصطفى_القرة_داغي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الموسيقار الكوبي ارنستو ليكونا مُبدع المالاغوينا الأندلسية
-
العراق.. بلاد الواق واق
-
سِحر الطبيعة وأنغامُها في سمفونية بتهوفن السادسة
-
المُجتمع العراقي بَين رَبع ما قبل 9 نيسان 2003 ورَبع ما بَعد
...
-
قناة (mbc action) من التألق والريادة الى السطحية والإعادة!
-
نواعم شوستاكوفتش.. الموسيقار الموسوعة
-
دَولة العِراق الحَديثة وعَهد التأسيس الذي كان إعجازاً وحُلما
...
-
شارلي شابلن.. وللموسيقى مِن عَبقريّته حُصّة
-
ذهَب القائد المُناضِل الضَرورة وجائنا القادة المُجاهِدون الض
...
-
جَنّة جَنّة جَنّة .. تمَنّينا تصير يا وَطَنّا
-
جعفر باشا العسكري أبو الجيش العراقي.. سيرة عطرة
-
الموسيقى الكلاسيكية اليونانية.. نغم راقص وعَبَق مِن سِحر أفر
...
-
الإسلام السياسي وأحلام السُلطة
-
آلوندرا دي لا بارا وآرتورو ماركيز.. قيثارتان مِن بلاد السِحر
...
-
العراقيون و (جين) عبادة الفرد وتأليه الزعماء
-
الدَعوَجي والفِصام بَين شَخصيّة رَجل الدولة وشَخصيّة الرَوزخ
...
-
هل الدول العربية وشعوبها نامية أم نايمة ؟
-
أيها العِراقيون.. إن أعدتم الإعتِبار لمِلوكِكُم فحينها سَتعي
...
-
انقِلاب 14 تموز 1958 ومَحكمَته الثورية الهَزلية
-
ثورات الربيع العربي تنهش أبنائها
المزيد.....
-
ملك بريطانيا يتعاون مع -أمازون- لإنتاج فيلم وثائقي
-
مسقط.. برنامج المواسم الثقافية الروسية
-
الملك تشارلز يخرج عن التقاليد بفيلم وثائقي جديد ينقل رسالته
...
-
موسكو ومسقط توقعان بيان إطلاق مهرجان -المواسم الروسية- في سل
...
-
-أجمل كلمة في القاموس-.. -تعريفة- ترامب وتجارة الكلمات بين ل
...
-
-يا فؤادي لا تسل أين الهوى-...50 عاما على رحيل كوكب الشرق أم
...
-
تلاشي الحبر وانكسار القلم.. اندثار الكتابة اليدوية يهدد قدرا
...
-
مسلسل طائر الرفراف الحلقة92 مترجمة للعربية تردد قناة star tv
...
-
الفنانة دنيا بطمة تنهي محكوميتها في قضية -حمزة مون بيبي- وتغ
...
-
دي?يد لينتش المخرج السينمائي الأميركي.. وداعاً!
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|