|
ملح غاندي وطائرات بن لادن
هويدا طه
الحوار المتمدن-العدد: 1276 - 2005 / 8 / 4 - 10:46
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
عندما اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية.. كانت الفضائيات العربية في أوج تواجدها إعلاميا، كانت قد بدأت تتزايد بدرجة جعلتها في تلك اللحظة.. ظاهرة جديدة مبهرة للمشاهد العربي، وكانت فضائية الجزيرة قناة حديثة تثير الجدل.. بتأسيسها أول قناة من هذا النوع في الإعلام العربي، وتحت يدها إمكانيات هائلة لتقديم تغطيات إخبارية بطريقة لم يعهدها المشاهد العربي، وكانت الانتفاضة أيضا حدثا مبهرا.. أتاح للفضائيات العربية فرصة للتنافس.. وإظهار شكل آخر للإعلام غير ذلك الشكل المألوف.. والذي كان يقدم الأخبار- كل الأخبار- باعتبارها من صنع الرئيس أو الملك أو الأمير العربي، منسوبة له باعتبارها نتاج حكمته وألمعيته! فإذا بقنوات تليفزيونية فضائية تقدم نشرة أخبار.. قد لا يأتي فيها ذكر ذلك الرئيس أو الأمير على الإطلاق، أو تأتي أخباره في ذيل نشرات الأخبار.. ودون إضافة اسمه إلى صفات الذات الرئاسية والملكية.. لا فخامة أو سيادة الرئيس.. ولا سموه المفدى أو جلالته أو حفظه الله! فجاءت تغطية الجزيرة وأبو ظبي للانتفاضة الفلسطينية- ثم بعد ذلك لحرب أمريكا على العراق- لتمس الناس وتقدم لهم الشارع وتفاعلاته.. وراحت تعرض كثيرا من الآراء المحظورة والوجوه الممنوعة على شاشات التليفزيونات العربية الحكومية الشائخة الأسيرة.. وظهر للجميع أن تلك القنوات بدأت تحرك الشعوب العربية هنا وهناك.. وخرجت عشرات الأبحاث والدراسات المختصة بمسألة (توجيه الرأي العام) تتحدث عن قدرة الفضائيات العربية- وعلى رأسها الجزيرة وشبيهاتها فيما بعد- على صنع آراء الشارع العربي بل وحركته، ثم كانت ظاهرة (شرائط بن لادن) إحدى أهم الدلائل على تأثير الفضائيات العربية على ذلك الشارع.. فالنهج اللادني في مخاطبة الجماهير عن طريق الشرائط المصورة أو الصوتية.. كان بالفعل (صناعة عربية) تعود حقوق ملكيتها الفكرية إلى تلك القنوات الفضائية! ضمن نشرات الأخبار في تلك القنوات.. تمر سريعا أخبار لم يسمع بها من قبل المشاهد العربي.. الغارق حتى أذنيه في ذاتيته العربية.. خذ مثالا على ذلك تكرار الأخبار السريعة في نهاية بعض النشرات.. عن الانفصاليين في إقليم الباسك الأسباني.. الجيش الأيرلندي الجمهوري.. حركة نمور التاميل في سريلانكا.. الألوية الحمراء.. في إيطاليا ومثلها في اليابان.. وغير ذلك من بؤر صراع أخرى في العالم.. لديها أيضا (انتفاضاتها).. لديها أيضا لادانياتها- نسبة إلى بن لادن- ولديها أيضا محاولات وقرارات للأمم المتحدة لحل نزاعاتها وتحقيق السلم بين أطرافها.. وإيقاف حمامات الدم المنسالة بسبب صراعاتهم.. فهم أيضا لديهم قضاياهم بل وعملياتهم الانتحارية أو الفدائية.. وتتشابك عندهم كذلك مصالح حكوماتهم مع مصالح الولايات المتحدة.. الممتدة كالإخطبوط في كل مكان.. متعارضة غالبا مع تطلعات شعوبهم.. لكن عرض تلك القضايا في الفضائيات العربية يأتي دائما عابرا.. بلا عمق.. تتكرر عبارات (إقليم الباسك في أسبانيا) والجيش الجمهوري الأيرلندي ونمور التاميل وغيرهم.. لكن بدون بذل جهد لكشف جميع نواحي تلك الصراعات وأساليب إدارتها.. والأهم.. مقارنتها مع القضايا العربية وعلى رأسها حاليا القضية الفلسطينية.. مضافا إليها حديثا القضية العراقية.. مناسبة التطرق لهذا الأمر هي خبر جاء في ذيل نشرات الأخبار في معظم الفضائيات العربية الأسبوع الماضي.. حول إعلان مسئولي الجيش الجمهوري الأيرلندي أنهم قرروا أخيرا التخلي عن أسلوب العمليات المسلحة.. واللجوء إلى الوسائل السلمية لتحقيق أهدافهم.. بعد صراع مسلح مع بريطانيا دام لأكثر من ثلاثين عاما.. كان الجيش الجمهوري الأيرلندي يفجر فيها قطارات وحافلات وشوارع لندن.. تحديا للحكومة البريطانية والموالين لها في أيرلندا الشمالية.. ورفضا للحكم البريطاني لإقليمهم منذ نحو ثماني قرون.. ربما ينبغي على الفضائيات العربية- وهي التي ثبت حجم تأثيرها على الشارع العربي- أن تضع ضمن خططها الإستراتيجية (إخراج المواطن العربي من غرقه في ذاتيته العربية) وربطه بقضايا العالم الأخرى.. من خلال استقصاء (القاسم المشترك) بين قضاياه وقضايا الآخرين.. فقد آن الأوان لطرح قضية فلسطين من منظور آخر أكثر عمقا وارتباطا بقضايا العالم وصراعاته.. وتخليص (الوعي الجمعي) العربي من فكرة أن احتلال فلسطين هو مجرد قضية (تدنيس المقدسات الإسلامية)، فالمسألة تتعلق بحالة (هيمنة) عالمية من قبل الدول- أو الدولة- العظمى على أراضي وموارد الشعوب الضعيفة.. الصراع في الشرق الأوسط هو بسبب ثروة البترول.. والصراع في سيريلانكا هو بسبب ثروة حقول الشاي.. وغير ذلك من صراعات مريرة في العالم جوهرها جميعا (صراع على الموارد).. خرافة أننا مستهدفون لأننا فقط (مسلمون) ينبغي أن تشرّح بالصوت والصورة.. الكوريون أيضا مستهدفون وهم ليسوا حتى كتابيين.. الأفارقة أيضا مستهدفون وليسوا كلهم مسلمين.. ثروات أفريقيا من البترول والماس إلى الكاكاو.. وتجارة الكبار في السلاح والمخدرات جعلتهم فرائس سهلة دائمة.. لجشع الباحثين دوما عن فرص اقتناص ثروات الآخرين.. سواء كان هؤلاء الآخرون يعبدون الله أو كانوا يعبدون الشمس والرياح أو البقر أو حتى القرود! طالما تأثير هذه الفضائيات أصبح له هذا الحجم في تكوين الرأي العام.. فإن شرحا أعمق لبؤر الصراع الأخرى في العالم وربطا أكبر لقضايانا بقضاياهم من خلال التحقيقات التليفزيونية المكثفة.. لابد وأن يكون على رأس أولوياتها.. فإعلان الجيش الجمهوري الأيرلندي أنه (اكتشف) أهمية وفاعلية الكفاح السلمي (المنظم) قد يكون مدخلا لبدء تكوين رؤية عربية جديدة في أسلوب (الصمود والتصدي) اللازم.. سواء ضد احتلال وهيمنة الأمريكي والإسرائيلي على أراضينا.. ومواردنا وثرواتنا.. أو ضد شيوع الطائفية والعنصرية المقيتة في أبجديات الثقافة العربية.. ربما يستحق التأمل.. تأثير إنتاج برنامج (تحقيق تليفزيوني مقارن) بين استخدام غاندي (مسيرة الملح) كوسيلة سلمية لتحرير الهند- كبرى الأمم التي كانت محتلة من كبرى الدول الاستعمارية- واستخدام بن لادن لوسيلة (الطائرات المفجرة للأبراج) لطرد المشركين من جزيرة العرب! الهنود تحرروا من الاستعمار.. ويوشك اقتصادهم الآن أن ينافس كبرى الاقتصاديات العالمية.. بينما نحن ومنذ انفجار برجي نيويورك وواشنطن.. تتناثر أشلائنا في بغداد وشرم الشيخ وغزة وغيرهم.. بتأثير الرسائل اللادنية المصورة التي قسمت العالم إلى.. فسطاطين! وإذا كان المثل الشعبي يقول (إللي شبكنا.. يخلصنا) فقد يكون للفضائيات العربية.. إذا خططت لتوجيه الرأي العام بشكل ٍ مختلف.. دور كبير.. في إخراجنا ماديا وفكريا من ذلك الفسطاط العبثي.. فسطاط بن لادن!
#هويدا_طه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القضاة المصريون: هل يصبحون آباء مؤسسين لعهد جديد
-
النقد في مكان آخر: وداعا فضائيات
-
أفلام الرعب: مصاصو الدماء في كل مكان
-
عن تأثيرهم في معادلة التغيير المصرية(2/2): الفلاحون والجيش..
...
-
أسامة الباز وأول بيانات الإفلاس السياسي
-
سيد القمني ووضع المفكر العربي بين رصاص الإسلاميين وسكين اللي
...
-
عن تأثيرهم في معادلة التغيير المصرية: الفلاحون والجيش أرقام
...
-
عندما يكون المذبوح واحد منا
-
محمد أركون ونزعة الأنسنة في الفكر العربي
-
وراء الإرهاب الفردي وإرهاب الجيوش فتش عن غياب العدالة
-
أنس الفقي يدعو إلى إعلام الأعمال: بحبك يا ستاموني!
-
العرب بين وثائقيات استكشافية وأخرى غارقة في الماضي
-
وقت تحرك إعلاميي التليفزيون ومصريي الخارج
-
مشاريع تنتهي وأخرى تبدأ:مطلب التغيير بين هيكل والظواهري وأم
...
-
كفاية تتعولم
-
بين عدو خبيث وعدو شرس: أم مكلومة في ابنها القاتل وأخرى في اب
...
-
دعوة لتأسيس فضائية مصرية بعيدا عن فضائيات البترول
-
ختان البنات في مصر: دعونا ننقذ غدير
-
لا الفرنسية فضحت قبح نعم المصرية
-
عبد العزيز مخيون مرة أخرى: ليس أول مناضل يدفع ثمن انحيازه لل
...
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|