أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرحيم التوراني - زفزاف.. البوهيمي المفترى عليه















المزيد.....

زفزاف.. البوهيمي المفترى عليه


عبد الرحيم التوراني
صحفي وكاتب

(Abderrahim Tourani)


الحوار المتمدن-العدد: 4511 - 2014 / 7 / 13 - 21:44
المحور: الادب والفن
    


بحلول يوم الأحد 13 يوليوز 2014 تكون قد مرت ثلاثة عشر عاما على رحيل الكاتب المغربي محمد زفزاف.

لم يكن محمد زفزاف كاتبا بوهيميا.
لا يمكن إطلاقا وصفه بهذا المعنى فقط لكون بعض أعماله في الرواية والقصة تحكي عن حياة الهيبيين والبوهميين في جنوب أوروبا باسبانيا، مثل ما فعل في روايته "المرأة والوردة"، أو في الصويرة بجنوب المغرب، في روايته "الثعلب الذي يظهر ويختفي".
كيف يكون زفزاف بوهيميا وهو الموظف بوزارة التربية الوطنية، يدرس بإحدى ثانويات الدار البيضاء اللغة العربية. وكان حريصا على أناقة هندامه وعلى علاقاته الاجتماعية مع محيطه من الجيران والأصدقاء والطلبة والناس الذين يأتون إليهم معجبين بكتاباته وبشخصيته الودودة .
كان يشاهد جالسا في حاناته المفضلة "لابريس" و "ماجستيك" و"الكون" و"الحانة الصغيرة البيضاء" بحي المعاريف، أو ماشيا في الشارع. تراه يتأبط الصحف والمجلات والكتب عائدا من مكتب بريد المعاريف بشارع بئر أنزران، حيث كان له صندوق بريدي خاص يتلقى عبره الرسائل والمطبوعات. يمشي بوقار وثقة وتأن.
في صباحات نهاية الأسبوع يجلس على رصيف مقهى "الفسحة" أو مقهى "الصحراء" بشارع ابراهيم الروداني يدخن التبغ الأسود (سجائر "أولمبيك" الحمراء)، وأمامه فنجان قهوة سوداء أو شاي "لبتون"، وغالبا ما يكون وحيدا. ينقل عينيه الشديدتي السواد ما بين الجريدة وحركة الشارع الصاخبة متأملا. يلفت إليه الأنظار بشكله المتميز. وجه وسيم تؤطره لحية غير مشذبة وشعر ٍرأس غزير كث. أضاف إلى هذا "اللوك" في أخريات عمره أن أصبح يسدل فوق كتفيه الكوفية الفلسطينية بالأبيض والأسود، كرمز لثقافة المقاومة.
بعضهم ممن يرونه لأول مرة كان يظنه ممثلا مسرحيا،أو أحد أعضاء فرقة موسيقية غيوانية، وقد كان له دور في تشجيع النجم بوجميع على تأسيس المجموعة الغنائية الأسطورة "ناس الغيوان" لما كان يصادفه في نهاية الستينيات من القرن الماضي بمقهى "لاكوميدي" المواجهة للبناية التاريخية للمسرح البلدي بشارع باريس.قبل هدمها.
كما كانت لزفزاف علاقات مع بعض الفنانين والسينمائيين والتشكيليين، وكان يحضر حفلات افتتاح معارض الرسامين من أصدقائه، وكتب مقدمات للبعض منهم في "كتالوغاتهم" الخاصة.
أما أطفال الجيران فقد كانوا يحبونه وينادونه ب"عمو زفزاف" إذ كان بشوشا عطوفا معهم.
كانت لزفزاف كاريزما من نوع خاص يمارس بها جاذبيته على الناس الذين يلتقون به. حتى من غير قرائه، وسمعت بعضهم من العامة يتكلمون عن زفزاف ويتهامسون في إعجاب مومئين إليه "ها هو الشاعر" أو "ها هو الفيلسوف".
نادرا ما شاهدت زفزاف في حالة غضب. الهدوء والرصانة من طباعه. وخلال معاناته مع المرض الخبيث أبان عن قوة صبر نادرة، ذكرتني بقوة شخصية وصبر الصديق الكاتب الفرنكفوني المبدع محمد خير الدين،الذي توفي أيضا بنفس الداء الذي أصاب زفزاف، سرطان الفك.
وكما كان صاحب "بيوت واطئة" ينتصر للمهمشين وللطبقات السفلى في كتاباته، كذلك كان في ممارسته الحياتية.. يكلم جميع الناس الذين يقصدونه، سواء من الفضوليين أو من قراء أعماله أو من الطلبة الباحثين، وقد أنجزت عن أعماله عدة بحوث وأطروحات جامعية في المغرب وخارجه. وكانت أحب الجلسات إليه هي لما يجالس الشباب ممن يهتمون بكتابة القصة والشعر ومن المولعين بالأدب، يناقشهم ويقرأ نصوصهم ويصححها معهم ويساعدهم على النشر. ويقوم بتقديم توجيهات إليهم من دون أن يحسسهم بأنه ناصح أوكاتب كبير. رغم أن صديقه الكاتب محمد شكري أطلق عليه لقب "الكاتب الكبير" لينفرد هو بلقب "الكاتب العالمي" وسندرك لاحقا أن صاحب "الخبز الحافي" لم يكن يفعل ذلك في إطار التندر والتسلي، إذ سيوصي بأن تكتب عبارة "هنا يرقد الكاتب العالمي محمد شكري" على شاهدة قبره.
أما ثالث الثلاثة صديقهما اللدود الكاتب إدريس الخوري فقد كان شكري يمنحه رتبة"الكاتب المحلي"، وهو ما كان يستقبله إدريس الخوري بقهقهته المجلجلة، ويعقب عليه زفزاف بالقول: "إن العالمية من غير المحلية لا تكون".
كان محمد زفزاف يتمتع بروح النكتة والدعابة، خاصة عندما يكون وسط أصدقائه الحميمين، وأذكر أنه كان يقلد لنا بطريقة ساخرة بعض مواقف البدويين المهاجرين الجدد إلى الدار البيضاء من مناطق الشاوية وعبدة ودكالة، فيشيع بذلك بين جلاسه جوا من البسمة والمرح.
في السبعينيات ومستهل الثمانييات انتسب محمد زفزاف إلى الحزب اليساري المعارض الاتحاد الوطني (الاشتراكي) للقوات الشعبية، ومؤسسه هو الزعيم المهدي بنبركة الذي سيختطف ويقتل في باريس سنة 1965 وكان زفزاف ضمن خلية حزبية بفرع درب غلف من أعضائها الشاعر والإعلامي المعروف أحمد صبري.وعامل بناء هو والد الصحفي اليساري عمر الزغاري. وعبد الرحيم التوراني. و ساهم زفزاف في بعض الأنشطة الثقافية الحزبية. وأذكر كلمته التي ألقاها في حفل أربعينية تأبين القائد اليساري المغتال عمر بنجلون في ديسمبر 1975، في مقر الكتابة الإقليمية للحزب بطريق مديونة. كما كان يحرص على نشر قصصه ومقالاته في الملحق الثقافي لصحف الاتحاد (يومتي "المحرر" و"الاتحاد الاشتراكي"). ويكتب متطوعا زاوية أسبوعية بعنوان "كلمة". لكنه فيما بعد سيضع مسافة بينه وبين الالتزام السياسي الحزبي، محافظا على تعاطفه مع القوى التقدمية.
بيت زفزاف كان مفتوحا للأصدقاء في كل وقت. وقد كان محج العديد من المثقفين والأدباء العرب والأجانب الذين كانوا يزورون المغرب. وقد ذاع الوصف الذي أطلقه الكاتب اللبناني إلياس خوري في جريدة "السفير"البيروتية في السبعينيات، متحدثا عن لقائه بزفزاف في شقته المتواضعة بالمعاريف، إذ لم يتردد في القول إنه وجد الكاتب محمد زفزاف يعيش في "بيت مهجور"، وهو ما لم يعجب محمد زفزاف وحز في نفسه بعض الشيء، وظل يردد: "إن كان هذا البيت كما وصفه إلياس خوري فإن الكثير من المبدعين العرب الكبار وغيرهم عمروه بزياراتهم لي واستقبلتهم تحت سقفه ".
وكانت شقة زفزاف تقع بالطابق الأول من عمارة قديمة بالرقم 52 من زنقة "ليستيريل" المطلة على شارع إبراهيم الروداني.
ولم تتحقق رغبة أصدقاء الكاتب الراحل زفزاف بتحويل شقته إلى متحف يضم كتبه وأشياءه الخاصة، إذ تم إفراغها في نفس الشهر الذي توفي فيه، ليسكنها ثلاثة شبان وصلوا إلى الدار البيضاء من هوامشها للعمل في مهن وأعمال لا صلة لها بالكتابة والإبداع.
ولما سيتم سؤالهم في برنامج خاص للقناة الثانية المغربية حول الكاتب محمد زفزاف سيجيبون بكل براءة وكأنهم يردون تهمة ثقيلة، أنهم لا يعرفون من هذا الكاتب، ولم يخبرهم أي أحد أن البيت كان مسكنا لمثقف مغربي مهم.
بعد طلاقه من والدة ابنته الوحيدة، وكانت أستاذة للغة الفرنسية، سيجرب زفزاف الزواج مرة ثانية لفترة قصيرة من امرأة عاملة، آلت التجربة أيضا إلى الانفصال والطلاق، ليعود لحياة العزوبية من جديد مقتنعا بكونه لا يصلح أن يكون زوجا عاديا..
مرت ببيته أكثر من خادمة. وقد استنسخ زفزاف نسخا من مفتاح بيته وسلمها لبعض أصدقائه الحميميين، حتى وهو ذاهب إلى فرنسا في رحلته العلاجية الأخيرة فقد حرص على ترك مفتاح داره لأصدقائه، وهكذا بعد رحيله ستكتشف ابنته الوحيدة الدكتورة سهام زفزاف أن كثيرا من أوراق وصور ورسائل وكتب والدها قد اختفت، كما صرحت لي. بذلك في لقاء خاص بعيادتها.
بعد وفاته قررت وزارة التربية الوطنية تدريس إحدى رواياته "محاولة عيش" بمرحلة الثانوي الإعدادي، إلا أن ضجة كبيرة افتعلها بعض المحافظين من الإسلامويين من أجل إلغاء تدريسها.
وقبل هذا وقع لغط أكبر في حياته لما أصدر روايته "الثعلب الذي يظهر ويختفي".، فقد ثارت ثائرة بعض ساكنة مدينة الصويرة ضد محمد زفزاف وكتبوا عرائض احتجاج واستنكار وقاموا بتعبئة الناس للمطالبة بمصادرة الرواية التي تدور أحداثها في فضاء الصويرة وتتحدث عن بعض المباذل التي تعرفها مدينة السلطان العلوي محمد بن عبد الله...
لكن " موغادور" مدينة الرياح، التسمية السياحية لحاضرة الصويرة، ستتصالح مع زفزاف غائبا وأطلقت على إحدى مؤسساتها التعليمية اسم "ثانوية محمد زفزاف"، وهناك ثانوية أخرى باسمه في مدينة سلا المجاورة للعاصمة الرباط، وشارع كبير يحمل اسمه بمنطقة سيدي مومن بالدار البيضاء ومركب ثقافي بالحي الذي كان يسكن به (المعاريف) يحمل أيضا اسم كاتبنا الكبير.
كما سميت باسمه جوائز تقديرية أشهرها «جائزة محمد زفزاف للرواية العربية» التي تمنحها مؤسسة منتدى أصيلة، وتم إنشاء عدد من الجمعيات الأدبية باسم صاحب "محاولة عيش".
وتتم إعادة طباعة روايات ومجاميع قصص محمد زفزاف بانتظام، وتلقى إقبالا طيبا من القراء. فيما يبدو أن الناقد إدريس الناقوري لم يسعفه برنامجه ليفي بالتزامه بجمع كتابات زفزاف النقدية بصحيفة "العلم" في فترة الستينيات، تنفيذا للوصية التي قلده بها الراحل لما زاره بمصحة "المنبع" بالدار البيضاء، قبيل أيام من وفاته. وفق ما صرح به الناقوري في كلمته التي ارتجلها في حفل تأبين محمد زفزاف.
ولزفزاف قصائد شعرية بعضها منشور في مجلة "شعر" البيروتية ليوسف الخال الذي جمعته به صداقة خاصة (تشهد عليها المراسلات المنشورة التي تبادلاها) وبمجلة اتحاد كتاب المغرب "آفاق"
كما كتب زفزاف بعض النصوص المسرحية. منها مسرحية "بيت الرامود"، ومسرحية "الكلب مقتول على الرصيف"، وهذه الأخيرة مثلت في دمشق بالمسرح الجامعي. سنة 1974.
بالإضافة إلى بعض الترجمات منها ترجمة أنطولوجيا الشعر المغربي، ومقالات باللغة الفرنسية بمجلات وصحف أوروبية، مثل صحيفة "لوموند" الباريسية حول الأدب والرواية العربية في المغرب.



#عبد_الرحيم_التوراني (هاشتاغ)       Abderrahim_Tourani#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فلسطين برازيلية لا عربية
- قتل حاخام مغربي فاشل
- -الخبز الحافي- إبداع مشترك لدييغو مارادونا ومحمد شكري
- قصة مباراة نهائية
- موعد غرام مؤجل
- فوزالدودة الضرورة
- لوح
- من أعمال سلفادور دالي غير المكتملة.. من مقتنيات متحف الجامعة ...
- ماذا يجري في حكومة هذا البلد الأمين الذي اسمه المغرب؟ بعد ضر ...
- قصة إدوارد موحا وما جرى له أو حكاية عن الجحود والغبن المخزني
- الدكتور محمد الحبابي: الزهايمر السياسي أشد خطورة وإدريس لش ...
- ميت في حانة
- لماذا اختار المخرج والممثل المغربي شفيق السحيمي المنفى الاضط ...
- المواجهة التلفزيونية بين رجل الإشهار نور الدين عيوش والمفكر ...
- مساسل -شوك السدرة- لشفيق السحيمي .. ما بين -بؤساء- الحكاية و ...
- جريمة موزونة
- مقتل إسماعيل فاي بالرباط
- حائرة
- دانييل عليكم... ( في الغصب والاغتصاب والعفو وسحب العفو والإع ...
- الفردوس للجميع


المزيد.....




- حكاية الشتاء.. خريف عمر الروائي بول أوستر
- فنان عراقي هاجر وطنه المسرح وجد وطنه في مسرح ستوكهولم
- بالسينمات.. فيلم ولاد رزق 3 القاضية بطولة أحمد رزق وآسر ياسي ...
- فعالية أيام الثقافة الإماراتية تقام في العاصمة الروسية موسكو
- الدورة الـ19 من مهرجان موازين.. نجوم الغناء يتألقون بالمغرب ...
- ألف مبروك: خطوات الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2024 في ...
- توقيع ديوان - رفيق الروح - للشاعرة أفنان جولاني في القدس
- من -سقط الزند- إلى -اللزوميات-.. أبو العلاء المعري فيلسوف ال ...
- “احــداث قوية” مسلسل صلاح الدين الجزء الثاني الحلقات كاملة م ...
- فيلم -ثلاثة عمالقة- يتصدر إيرادات شباك التذاكر الروسي


المزيد.....

- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرحيم التوراني - زفزاف.. البوهيمي المفترى عليه