أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم عبد مهلهل - وخزة دبوس














المزيد.....

وخزة دبوس


نعيم عبد مهلهل

الحوار المتمدن-العدد: 1275 - 2005 / 8 / 3 - 07:28
المحور: الادب والفن
    


في طفولتي كانت أحلامي تتدلى من جذوع سقف غرفتي .كبرت . بقيت أحلامي ذاتها ولكنها اليوم تتدلى من رموش عينيك .
يفترض بي بعد هذا السفر الطويل في متاهات الحياة ، الدراسة ، الحرب ، انتظار الوظيفة ، نظرت الحسد ليافطات الأطباء من رفاق الصف وعناوين مكاتب المهندسين منهم وآخرون مثلي بين كيس البطاطا وقصيدة شعر . يفترض بي أن أدرك أن نعمة الحب في هذا العصر ينبغي أن تجاورها نعمة الدينار . أني أقف أمام نافذتك . أراقب غزل عصفورين في قفص هما طيرا أبيك القاسي ولكنهما أشد سعادة ، ربما لأنهما يأكلان أربع وجبات في اليوم وأنا لم أتناول سوى نظرات الإشفاق من عينيك وكلمات المتأسف تلك التي يطلقها السادة المديرون العامون وأنا اطرق أبوابهم طلبا للوظيفة .
عموما سأعود إلى عينيك فهما بديل الخبز بالنسبة لي . ولي مع العيون قصة تعرفها الحرب ، فعينيك أيام زمان كانتا خندقي الشقي وكلما لذت بهما كمن يلوذ بأحضان أمه وقت اشتداد الأزمات . ستقولين : كفاك ، كفاك من الحرب !
سأقول لك : كفاك من الخوف وقولي لهم أريده . وستجدين قلبي بيتاً مؤثثاً وفيه أيضاً مبردة ورثتها من عفش أمي بعد قسمته مع أخي الذي أختار صندوقها المنجم بما فيه ، وربما فيه كنز . لا أدري ؟
ولكنني عندما اخترت المبردة تذكرت حر الصيف ورطوبته على بحيرة الأسماك يوم رمتني الحرب بجحيمها وعندما تحولت عيناك إلى قطعة ثلج وذابتا بين شفتي . وقتها رحل جميع رفاق الفصيل إلى فردوس الحلم وبقيت وحدي أمسح دمعتي لأجلهم فيما أبقيت دمعة واحدة أراك فيها عندما أعود وقد اجتزت حاجزاً لاينتهي . الحب . تلك الأبدية التي اكتشفتها بفطرة طفولية وطورتها في فترات لاحقة وما تبقى الآن هو تراث هائل من الرسائل والقبلات وتقادم العمر . شيبة مضيئة في رأسي أكسبتني حزناً وانحناءة ظهر وشيبة في رأسك منحتك بريقاً ودلالاً ، وهذا هو الفرق بين شيبة الرجل وشيبة المرأة !
في الحب توزن الأشياء هواجسها حد الشعرة فتبان التناقضات . أنا نفسي تعرضت إلى مثل هذا ، أني لا أصلح لأكون روميو حقيقياً ، أنما مجرد عاشق من الدرجه ـ ب ـ . وهكذا حملت حزني واشتياقي إلى أمراة تعرفت أليها في حافلة وما أن جمع السائق الأجرة حتى صارت عرافتي .
قالت سارة : نحن نفكر بالرجل على أنه قسوة أولاً ، ثم قلب .
قلت : نحن نبعد فكرة أن تكون المرأة قاسية . في تفكيري بها أجدها أكثر نعومة من مرآة .
ـ ولأجل هذا تتوجهون ألينا بالوردة التي تحوي الكثير من الشوك لأنكم تعلمون أن نعومتنا تحتاج إلى وخز وينبغي أن تعلم المرأة أنها لن تكون أقوى من الرجل مهما تغيرت طبائع البشر !
ـ ولكنها قاسية معي ، لاتفتح سوى نافذة وأبوها قال : أنها لا تبالي بك .
ـ ما يقوله ليس حقيقياً . ليس هناك أب لسان حال أبنته العاشقة ! وهي مقصرة أيضاً . من تفتح نافذتها لرجل ، ينبغي أن تفتح قلبها.
توقفت الحافلة بعد أن أشعلت العبارة الأخيرة حريقاً هائلاً . احترقت الكراسي . احترقت رؤوس الركاب . وحدي أتأمل تلك النار الزرقاء لأرى فيها الحرب بذات مساء وأيضاً شعرت أصابعي بذات الرجفة التي لازمتني يوم كتبت أليها أول رسالة حب .
قالت سارة ومازالت الحافلة تحترق : في الحب ليس هناك ألم . الحب وحده من يسيطر على هواجسنا .
تحولت النيران إلى بنفسج تسلق صدري وأوجعني بحرارة الذكريات . كانت الحرب مزاجاً برتقالياً والمرأة فيه تشبه الرصاصة تماماً . دائماً مكانها القلب .
ـ وغير ذلك ؟
ـ ينبغي أن نؤمن بأقدارنا وأن نديم الصلة بالغيب ، فالآتي هو من يدفع أيك من تريد .
قلت : حتى هي ؟
ـ نعم عندما تمتنع عن الوقوف أمام النافذة ولكنك ستراها في لحظة ما تتمدد مسترخية على سريرك .
ـ آواه .. برغم النيران صدري يرتجف ؟
أطفأت سارة عينيها ، وعيناي اشتعلتا برغبة مثلما تمنت لي سارة . والحرب ؟
مرة أخرى { أيها الناي أطلق مداك على الربايا ، فليس سوى الجنوب من يجلب النساء إلى هذا الشمال البارد }
هزتها كلماتي حتى أنقطع واحد من أزرار قميصها . الركاب لم ينتبهوا . إذ كانوا يحترقون . وحدي استجمعت قوتي وفتحت حقيبتي لأخرج الإبرة والخيط وأقول لها وكأنها أمي : هاك أعيدي الأزرار إلى مكانها .
وبغضب وسخرية أخذت الإبرة والخيط وقالت : أذن لماذا جعلت كل شئ في الحافلة يحترق .
الحرب علمتني تفسير الأشياء من أول نظرة ، ولكني كنت مشغولاً بنافذة تلك الجنوبية المعجونة بأوراق صفصاف ذابل . هذا وصف أعاد أليها الكلمات وتساءلت ؟
ـ لماذا الصفصاف الذابل ؟
ـ لأنه الخريف . والخريف وحده من دون الفصول من يجعل المرأة أكثر احتراقاً من الرجل .
ابتسمت وقالت : أني أسحب سخريتي ؟
قلت : أعيدي ألي الخيط ودعِ الإبرة معكِ؟
ـ لماذا ؟
ـ حتى توخزي منطقة ما في جسدك كلما تتذكريني .
قالت وكأنها تشتهي حرق كل حافلات الطريق :
ـ نعم سأتذكرك ولن أوخز سوى صدري .
توقفت الحافلة .وصلنا الناصرية ، ومازال كل من في الحافلة يحترق .



#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفهارس في تصوف الأطالس أو رحلة السعيد الى القبرالبعيد
- رومانس لايعطله حزن امرأة او ذوبان وردة الثلج
- من جلب الشيشان الى سوق البزازين ؟ شيء من تسمية القماش وتأريخ ...
- حوار مع السيد عبد الهادي مرهون نائب رئيس مجلس النواب البحرين ...
- الشعر وأنكيدو ومفاتن صاحبة الحانة
- الشعر والمتغير الحضاري ..غيمة في بنطلون لمايكوفسكي إنموذجا..
- غيوم حمر لوطن أزرق وعيون خضر
- مزامير ومسامير وقلوب كاهنات وموسيقى
- هايكو بالعسل ..وهايكو بالخل ..وهايكو بالقبلات
- ماركس ليس فلسفة فقط ..أنه رغيف مقسوم بالتساوي
- هل يكفي أن تقول لأمراة أنت رائعة ..ثم تذهب بعيداً؟
- حوار مع الكاتبة السعودية وجيهه الحويدر ..أمراة دأبت على أشعا ...
- قصائد للعلم الأحمر والرغيف الأحمر والخد الأحمر .. قلبي قوس ق ...
- من أجل صديقي عبد الله الريامي ..رسالة الى السلطان ..ليكن مرس ...
- المثقف وأيام الآن العراقي
- يوتيبيا خضراء ..وجفن أمراة ترتدي قمراً بلون المقصلة
- حكم مأخوذة من متن كتاب الحياة
- دمعة لندن ومنديل مفتي الديار الأسلامية
- سيناريوهات لرعاة المطر ورعاة البقر ورعاة الأفيال السومرية
- قضاءالجبايش العراقي وبطة شنغهاي


المزيد.....




- حكاية الشتاء.. خريف عمر الروائي بول أوستر
- فنان عراقي هاجر وطنه المسرح وجد وطنه في مسرح ستوكهولم
- بالسينمات.. فيلم ولاد رزق 3 القاضية بطولة أحمد رزق وآسر ياسي ...
- فعالية أيام الثقافة الإماراتية تقام في العاصمة الروسية موسكو
- الدورة الـ19 من مهرجان موازين.. نجوم الغناء يتألقون بالمغرب ...
- ألف مبروك: خطوات الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2024 في ...
- توقيع ديوان - رفيق الروح - للشاعرة أفنان جولاني في القدس
- من -سقط الزند- إلى -اللزوميات-.. أبو العلاء المعري فيلسوف ال ...
- “احــداث قوية” مسلسل صلاح الدين الجزء الثاني الحلقات كاملة م ...
- فيلم -ثلاثة عمالقة- يتصدر إيرادات شباك التذاكر الروسي


المزيد.....

- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم عبد مهلهل - وخزة دبوس