فتح الستارة عن حجاب المراة

وليد يوسف عطو

الحوار المتمدن-العدد: 4508 - 2014 / 7 / 10 - 16:34
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    

يؤكد المفكر الصادق النيهوم في كتابه (الاسلام في الاسر : من سرق الجامع واين ذهب يوم الجمعة ؟) – ط4 – 2000 – دار الريس – بيروت – لبنان ,ان حجاب المراة مثل ختان الذكر , فكرة محلية جدا ,لم يعرفها سوى سكان الصحراء في العالم القديم . وهي ليست فريضة دينية ,بل اجراء وقائي لمكافحة العدوى , لجات اليه شعوب الصحراء بسبب ندرة المياه . وقد تحدد هذا الاجراء في ختان الذكور لمنع تلوث الغرلة , وعزل المراة في الحجر الصحي , خلال فترات الطمث والولادة . وهو اجراء طبي سليم , بحسب الباحث النيهوم ,ادى الى حصر امراض تناسلية فتاكة .لكنه ليس اجراءا دينيا ولم يصبح فريضة دينية الا على يد اليهود .الاان كاتب المقال يعتقد ان اليهود اخذوا هذه الشعائر من الزرادشتيين,المجوس بحسب التعبير القراني ,حيث حمل الكاتب والكاهن عزرا شريعة مدنية – دينية من كورش اسماها شريعة الملك والرب الى سكان مقاطعة يهود حيث عاد من السبي البابلي بقايا سبي يهوذا ومجموعات اثنية عديدة وحدتها هذه الشريعة الجديدة تماما رغم ان التوراة وسفري عزرا ونحميا تسميها بشريعة موسى لكنها تحتلف عن شريعة موسى تماما ( فراس السواح – تاريخ اورشليم والبحث عن مملكة اليهود )و (الاسطورة والمعنى ).
حيث انتقل الشعب العبراني من الصحراء الى المدينة , وقام بتدوين تراثه العبراني وتراث الجماعات الاثنية التي رافقته عند عودة مسبيي يهوذا من بابل الى اورشليم في مقاطعة يهود . حيث تحول عزل المراة خلال فترات الطمث والولادة من فكرة بدوية الى وصية سماوية في كتاب مقدس .

تامر شريعة التوراة بعزل المراة اربعين يوما اذا انجبت ولدا ذكرا ,لكنها تضاعف مدة العزل عند ولادة الانثى في نظرة منحازة للذكر ضد الفتاة .في نهاية المطاف كانت التوراة قد جعلت الحجر الصحي وصية دينية مقدسة .

بعد انقضاء عقوبة العزل كان على المراة ان تقدم قربانا الى الكاهن لكي تستكمل طهارتها . ويتم ذلك بتقديم ذبيحة خطيئة وهو خروف او فرخ حمامة او يمامة هذه الوصية بذبيحة الخطيئة لم يكن هدفها اجراءا طبيا بل كانت خطة تربوية هدفها تعليم المراة والر جل معا ان الطمث ليس ظاهرة طبيعية ,بل لعنة ربانية احاطت بالمراة .

اسطورة تهميش المراة في التوراة

اكدت التوراة على تهميش المراة باسطورتين :
اولا :اسطورة ان المراة مجرد مخلوق جانبي او فضلة من ادم حيث صنعها الرب من ضلع آدم .
ثانيا : اسطورة تعلن ان حواء هي التي اعطت آدم ثمرة محرمة وتسببت في طردهما من الجنة . من هاتين الاسطورتين استمدت التوراة نظريتها الشهيرة عن (المراة الملعونة ربانيا). وبذلك خرج موضوع الطمث من خانة التلوث والمرض الى خانة النجاسة واللعنة .لقد نسي الكهنة ان المراة التي لعنهاالرب تولد اولا طفلة بريئة وتموت بعد ذلك عجوزا بريئة , وان الرب لايلعن الاطفال والعجائز من النساء ولا يوصي بعزلهن ,ولا يقول ان اجسادهن غير طاهرة ,مما اربك نظرية لعنة المراة من اساسها ,وجعل شريعة العزل قاصرة فقط على المر اة التي تحبل وتلد .لهذا السبب لم يصبح الحجاب فريضة على الطفلة والعجوز ,بل اقتصر على المراة التي تعيش سنوات الطمث .
خلال وقت قصير كان عزل المراة قد احالها الى (حرم )مسحور , وبالعراقي يكني الزوج زوجته ب ( حرمة – حرمتي ) , واصبح لاير ى المراة سوى اقاربها . وتعلم اليهود ان مجرد النظر الى جسد المراة يمثل خطيئة كبيرة في عين الرب . وقد فرض الكهنة والرجال على المر اة البقاء في المنزل ولا تخرج الى الناس الا داخل ( خيمة )تغطي جسدها من الراس الى القدم .
فعزل المراة فكرة ذكورية لاتدخل لغة الدين الا في مجتمع يتكلم لغة التوراة ,ويؤمن شرعا بان الله قد لعن المراة بالحمل والولادة , وجعل طمثها نجاسة واوصى بعزلها في الاصحاح الثاني عشر من سفر اللاويين .اما من دون التوراة فان احدا لايستطيع ان يفسر للمراة دينيا لماذا يريدها الله ان تلبس العباءة .

القران لايساند مثل هذه الدعوة , ولا يوافق على نظرية المراة الملعونة . وقد اعاد صياغة التوراة لقصة الخلق متعمدا ان يحذف منها جميع المقدمات التي وردت في الاصل العبر اني لتبرير نظرية اللعنة دينيا ,فاسقط قول التوراة ان الله خلق حواء من ضلع آدم , واسقط قولها ان المراة قد اغوت آدم بالثمرة المحرمة ,وابطل وصية القربان ,ورفض علاقة الكهنة بمفهوم الطهارة , واعاد معالجة موضوع الطمث بلغته الاصلية في مجال الطب الوقائي .
بالنسبة للطمث لم يامر القران بعزل المراة في الحجر الصحي , بل امر الر جل باعتزالها في الفراش فقط :
( فاعتزلوا النساء في المحيض , ولا تقربوهن حتى يطهرن ) سورة البقرة – آية 222
وقد الغى القران شريعة تقديم القرابين وانهى بذلك وصاية الكهنة على جسد المراة والرجل معا .فاصبحت الطهارة هي النظافة وصارت وصية عملية لالتماس الطهارة في الغسل بالماء :
( وان كنتم جنبا ,فاطهروا ) سورة المائدة – اية 6
ان القران لايعتمد وصية التوراة بعزل المراة , ولا يمكن تطويعه لاحتواء فريضة الحجاب . واذا كان الحجاب قداصبح الان فريضة اسلامية يدعو لها الوعاظ علنا باسم الاسلام ,فان هذه الدعوة ليس مصدرها النص القر اني , بل مصدرها ان الواعظ المسلم يتكلم لغة عبرانية من دون ان يدري .فمنذ مطلع القرن الهجري الاول كان الفقه الاسلامي يتلقى علومه بحماسة كبيرة في مدرسة التوراة , وكان موضوع الطمث قد اعيد الى خانة ( النجاسة ) من جديد , فتحولت المراة المسلمة خلال فترة الطمث الى امراة ( غير طاهرة ) مرة اخرى. وعمد الفقهاء الى ابطال صلاتها وصيامها طوال ايام المحيض في فتوى لاتستند الى نص قراني ,بل تستندالى قول التوراة :
( كل شيء مقدس لاتمس . والى المقدس لاتجيء) .

في ظروف الانقلاب العبراني على لغة القران يعيش عالم التوراة حيا في واقع المسلمين .فاصبح عزل المراة فريضة في اصل الشريعة .وتحولت المراة الى( حرم ) لايراه سوى الاقارب . وصار النظر الى جسدها خطيئة الى حد جعل مجرد لمس يد المراة ( نجاسة ) تنقض الوضوء .
في هذه المرة ايضا كان من الواضح ان شريعة عزل المراة لاتسري على الطفلة والعجوز,لانها ليست شريعة لعزل المراة ,بل لعزل امراض الطمث . وان المشكلة من اساسها مشكلة طبية لاعلاقة لها بالدين . لكن الواعظ المسلم لم يشا ان يلاحظ هذه الثغرة الواسعة . وقد اختار ان يتكلم باسم الله نفسه ,كما فعل معلمه العبراني القديم .
فحجاب المراة ليس شريعة بل منهجا تربويا قاعدته النظرية ان المراة مخلوق نجس , وقاعدته العملية ان يقنع المراة بقبول هذه الشخصية . وهي كارثة تحققها فكرة الحجاب ( بحسب الصادق النيهوم ) على ثلاث مراحل :
1 – في المرحلة الاولى تتعلم الطفلة ان اقوال الفقهاء نصوص مقدسة وان الطمث نجاسة لذا يلزم عزل المراة .
2- في المرحلة الثانية تكبر الطفلة لتصير شابة وتتعلم انها قد اصبحت نجسة وبات عليها ان تدخل في الحجاب .
3 – في المرحلة الثالثة تكتشف المراة المحجبة ان الحياة وراء الحجاب مجرد نوع من الموت العلني , في عالم خاص ومفرغ عمليا من معنى الحياة . وهو اكتشاف لاتستطيع المراة ان تواجه ابعاده الا اذا عبرت الخط الفاصل , وماتت سرا من دون ان تدري

مقالات ذات صلة :.

حجاب المراة في الاسلام , وعلى الرابط التالي http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=271086 :

#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات