|
سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء13(ل):
بشاراه أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 4507 - 2014 / 7 / 9 - 07:45
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
فواتح السور (الحروف المقطعة)، آيات الله البينات المحكمات IX:
ألآن،، سنواصل عرض فصول "السرقة الكبرى" بالرد على إفتراءات ذلك الباحث، الشاذ الذي عكس صورة مأساوية بغيضة للتجني على الآخرين بدم بارد.
حقيقةً،، ليست غايتنا من متابعة وتفنيد هذه الجريمة بقصد التشهير بالأخوة النصارى أو غيرهم، وإنما الغاية الأساسية هي توصيل حقيقة الحقائق، وظلامة وكآبة المكائد والإعتداءات الموغلة في الإستخفاف والتطاول الخسيس على البشر، الذي يصدر من أولئك المعتدين، من ذوي النفوس المريضة والقلوب الخاوية من المشاعر الإنسانية وإحترام الذات والمعتقد الذي ينتمون إليه ويقدسونه (إن كانوا صادقين في ذلك)، والذي أول المتضررين من شرهم والمتبرئين من سفههم هذا، هم الذين يشاركونهم الملة والمعتقد. الآن سنواصل تعقبنا وتفنيدنا ثم ردنا على إفتراءات ذلك الباحث المعندي وزمرته، الذين ظلموا أنفسهم وفضحوا جهلهم معه، وقد وقفنا في موضوعنا السابق IX (سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء13«ي»)، على مشارف مجموع الباحث (السادسة) المفتراة، حيث نستأنف بها التحليل الآن، ليرى القاريء بنفسه حجم المكائد والإفتراءات التي تمت عبرها هذه السرقة الكبرى المخزية لأصحابها ومروجيها والمدافعين عنها على حد سواء.
يقول الباحث عن مجموعته السادسة هذه ما يلي: ((... المجموعة السادسة: مجموعة الحروف ذات الحرفين والتى لم تتكرر وهى ( يس – طس - طه وهى تعتبر مجموعة واحدة : يس = 70 ، طس = 69 ، طه = 14) بجملة عددية = 153 وهذه القيمة تمثل علاقة المسيح الأبن مع الآب وهى 97 + 37 + 19 = 153 كلاهما إلهاً واحد أى أن الآب والأبن هما إلهاً واحداً وليسوا إلهين ...)). لا جديد، ولا إضافات، بل مزيد من النصوص المكررة والتي تدور حول نفسها، وعلى ما يبدوا أن الباحث نفسه غير مقتنع بما يفتري، لذا فهو يلف ويدور ويردد ويكرر نفس العبارات التي يحاول بها إلحاق المسيح بالله إبناً وإلاهاً وشريكاً،، وهذا التكرار المخزي يؤكد ريبته لعلمه بأن ما يفتريه غير قابل للتصديق من أحد لأنه هو نفسه لم يصل به إلى حد هذه القناعة، وسنثبت ذلك عملياً كما أثبتناه في كل مواضيعنا السابقة ذات العلاقة بهذا البحث،، على أية حال: نرد على هذه المجموعة الغريبة الضحلة الساذجة هذه بإختصار.
ولكن قبل ذلك نقول للباحث: (هل عبارة « كلاهما إلهاً واحد » هذه يشترك فيها كتابه المقدس أم هي من إختراعاته الشخصية؟؟؟)، فإن كانت كانت من الكتاب المقدس ففي أي سفر أو إصحاح يمكننا الحصول عليها وبأي عدد؟؟؟. فإن لم يكن لها وجود هناك "في الأصل"، فما تبريره للإتيان بشيء من عنده نفسه ووفق هواك ثم ينسبه إلى كتاب من المفترض أن يكون مقدساً، بعيداً عن الإضافات والحذف والتغيير؟ وما تبرير المعنيين بالأمر لسكوتهم على هذا التصرف الخطير دون التصدي له أو تكذيبه،، ألا يعتبر هذا تحريف مباشر في دينهم الذي يحاولون مستميتين نفي التحريف عنه ومن بينهم الباحث نفسه؟؟؟ نحن في إنتظار رأيهم في ذلك، والآن فلنرد على الفرية المركبة فنقول وبالله التوفيق: أولاً: لو نظرنا إلى هذا النص: (كِلَاهُمَا إلهَاً واحدٌ)،، سنلاحظ الكثير من المآخذ المتنوعة، ولكن أهمها الآتي:
1. الجملة إسمية،، مكونة من مبتدإٍ لخبرٍ موصوف،، فالصحيح "لغوياً" قوله (كِلاهُمَا إلهٌ واحدٌ)، ولكن في هذه الحالة لم يجد المُحَرِّفُ بُدَّاً مِن أنْ يأخذ الحرف (أ=1) في الإعتبار إذا فكر في مسألة تفادي الركاكته اللغوية المعيبة لمخالفته للقواعد النحوية إذ أن المجموع 153 حينئذ: (أ): سينقص بقيمة الحرف (أ) إذا رفع "المسند" مع "المسند إليه"، هكذا: ((كِلاهُمَا إلهٌ واحدٌ)، فيصبح المجموع 152، (ب): أو أن يزيده بقيمة هذا الحرف (أ) إذا نصب الصفة مع موصوفها هكذا: ((كِلاهُمَا إلاً واحداً)،) فيصبح المجموع 154، لذا فإن أي من الخيارين سيكون كارثياً على مهمة "التحريف"، الذي هو بصددها، لأنه بذلك سيفقد (الرابط الوحيد) الذي يحاول ألإدعاء من خلاله بعلاقة هذا النص التعس بمجموع الآيات البينات (يس + طس + طه = 153). فتضيع عليه الغنيمة،
2. فما دام أن (الغاية تبرر الوسيلة) في شريعة التحريف والتوليف،، فلا مناص من الإبقاء على النص معيباً هكذا: (كِلَاهُمَا إلهَاً واحدٌ) وعلى المتضرر اللجوء إلى القضاء. ومن ثم رأى الباحث أن الإحتفاظ بالرقم يبرر (التحريف للكلم من بعد مواضعه)، ولا غضاضة في ذلك، فهو منهج معمول به كثيراً منذ مئات السنين، وقد إستساغه وسكت عنه المسلمون الغافلون طويلاً, وحتى لو جاءت العبارة مشوهة نحوياً وبيانياً لأن البسطاء والسذج لن يكتشفوا هذا العبث البين فأستبدلت عبارة (كلاهما إلهٌ واحدٌ) المقبولة من حيث التركيب لا المدلول، بالعبارة (كلاهما إلهاً واحدٌ) غير المقبولة أيضاً لا من ناحية التركيب ولا من ناحية المدلول، ولا من ناحية السياق، وكله عند العرب صابون، كما يقولون.
ثانياً: الملاحظة الأهم من التركيب، هي أن هذه العبارة التعسة المحرفة إنما تشير "صراحةً" إلى كيانين مبهمين ليس هناك أي إشارة بهذا النص تدلل على هذين الكيانين المقصودين وبالتالي لن يقبل أحد بهذا الطرح ولا حتى من سفه نفسه وأوبقها، لأنه إن كان المقصود بضمير "الإثنين" (الأب والإبن كلاهما إله واحد)، من حيث التركيب لا المدلول فلماذا الإبهام وعدم ذكر النص الكامل صراحةً لإزالة هذا الغموض؟ إن لم يكن تحكم شرط (التحريف) فقط هو الضاغط، لأن مجموع هذه العبارة سيعطي الرقم (276) ،، وهو يعتبر رقم كارثي لإبتعاده كثيراً عن الهدف، الذي هو: (يس + طس + طه = 153).
ثالثاً: في محاول الباحث المستميتة لضبط عبارته مع أحرف عبارة (نص حكيم)، لعله لم يفطن إلى أنه قد إبتعد عنه تماماً من جهة أخرى لأنه قد أخل بالشرط الثاني أيضاً وأضاف حروفاً ليست منه هي الحرف (و), و الحرف (د)، فطاش سهمه أيضاً هذه المرة وخاب فأله. وقد أبعده الله تعالى عن آياته البينات فأذاقه مرارة الخزلان.
ولكن!!! أليس من حق القراء معرفة حقيقة هذه الآيات البينات المبينات التي قد إفترى عليها هذا "المحرف"، ليروا إن كانت حقيقةً مجرد أرقام جوفاء يمكن لكل أفاك العبث فيها والتلاعب بها متى أراد أن يجرب قدراته في التصنيع والترقيع والتحريف بحساب الجمل وفرية (أبجد هوز)؟؟؟
إذاً،، آن لنا، بل و "حق علينا"، أن نقدم للقراء الكرام قبساً من ذلك البيان المعجز الذي أودعه الله تعالى هذه الحروف المضيئة النيرة، ولنبدأ بأي من هذه الآيات الثلاث،، وليكن ذلك بالآية التي بدأ بها هذا المفتري على الله الكذب، فنقول وبالله التوفيق:
سنقوم بالرد على الأسئلة البديهية والمنطقية التالية من خلال هذا الموضوع والمواضيع التالية له، حيث سنختصر بقدر المستطاع ونأتي بالقدر اليسير منها الذي يضع الأمور في نصابها الصحيح، وسنترك الإستزادة من خلال مواضيع أخرى نتوقع أن مسار الدراسة سيتعرض لمقتضيات التوسع أكثر بما يمن به الله علينا من خلال تدبر آياته البينات المحكمات والمفصلات تفصيلاً، فنقول:
أولاً: ما هي الآية "يس"؟ هل حقاً هي مجرد قيمة عددية (نصرانية) تساوي 70، دسها ربهم المفترى "بحيرا الراهب"، بالقرآن الكريم دون أن يعلم بها (الله، ولا جبريل، ولا النبي محمد، ولا الصحابة ولا المسلمين،،،) كما تقول الأسطورة الهزلية التي يروج لها زكريا بطرس؟ أم أنها غير ذلك، وأن غايتها ومدلولها لم يخطر على بال أحد؟
ثانياً: وما هي الآية الكريمة "طس"؟؟،، هل حقاً كما تقول إسطورة هذا الدجال الأشر، وأنها عبارة عن طلسم من حرفين لا يعنيان أكثر من مجموع رقمي يساوي 69، أم أن لها غايةً ساميةً قد أبهمها الله تعالى مع وضوحها وبيانها المفصل، ليكشف سرها في الوقت المناسب "بذاته"، ليكون وقعها "مدوياً" وبيانها مزلزلاً ومغيراً لمفاهيم وإفتراءات صبر الله تعالى عليها كثيراً ولا غرو فهو "الصبور".
ثالثاً: أيضاً، ما هي الآية الكريمة "طه"؟ هل هي ذات علاقة بفرية الدجال الأشر، أبي جهل الألفية الثانية،، لا تساوي أكثر من قيمة حرفين مجموعها العددي وفق جدول أبجد هوز التعس وحساب الجمل الفاشل 14 فقط؟ أم أنها آية كريمة بينة محكمة؟ وما سر إبهامها أو حتى بعضه الذي يمكن أن يصل إليه المتدبر بتوفيق الله تعالى وإذنه؟؟
رابعاً: ما علاقة هذين الحرفين "يس"، برسالة النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم،، وما علاقة الحرفين الكريمين "طس"، بنبي الله سليمان بن داود، وكيف سترد على الأشقياء التعساء الذي إتهموه بما لا يليق به حتى أن الله تعالى دافع عنه بقوله (وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا)، أيضاً ما علاقة الحرفين الكريمين (طه)، بنبي الله موسى بن عمران، برسالته للطاغية "فرعون" وما هو البيان الذي يمكن أن ندركه من كنوزها عبر التدبر والتوفيق من الله تعالى الذي قال عن القرآن وقوله الحق: (... فإذا قرأناه فالتبع قرآنه،،، ثم إنَّ علينا بيانه)؟
في موضوعنا السابق، عند ردنا على تعليقات بعض القراًء "تحديداً" على الأخ وليد، قلنا إنَّ "السورة" في القرآن الكريم هي عبارة عن "سور خاص" لأنها تمثل وحدة موضوعية ومنطقية كاملة البيان والإبيان لما جاءت من أجله وبالتالي لا بد من أخذ أياتها مرتبطة بها وبمحيطها وبيئتها كوحدة مترابطة. ولتوضيح هذه الحقيقة، يمكننا أخذ أي سورة وتتبع آياتها فنجد هذه الحقيقة مجسدة، فلنأخذ على سبيل المثال سورة "الشمس"، التي قال الله تعالى فيها "مقسماً":
أولاً: قال: (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا 1)، فلفت النظر إلى عظمة المقسوم به وهو "الشمس"، التي تدل على عظمة وقدرة وعلم، وبديع صنع، وقهر خالقها لمخلوقاته، ولأنها ظاهرة طبيعية يراها كل مخلوق ويعرف عنها القليل بكل حواسه المعلومة له والمجهولة والخفية عنه، الذي يبهره، ويتزايد علمه بالجديد عندها على مر الأيام والسنون والعصور،، ولكنها ليست آية واحدة فقط كما يظن العامة والخاصة،، بل هي تتضمن آيات ونعم لا حصر لها ولا يعرف مداها إلَّا الله تعالى، فأقسم الله تعالى في هذه السورة ببعض آياتها الظاهرة والواضحة وفي مقدور العالم والجاهل، فتتبع حركتها (شروقاً، وضحاً، وغروباً، فليل، وقمر، وظللام ، ونهار مرة أخرى) كدورة كاملة فيها كل متطلبات وضروريات الحياة والوجود كله. 1. فتلفت هذه الآية العميقة إلى الشمس منذ شروقها وحتى وقت الضحى، وما يطرأ على الكون ومكوناته من تغيير متصاعد بتصاعد كل ما تحمله من معطيات لكل كائن على حدة، 2. الشمس عند بلوغها وقت الضحى، تختلف تماماً عنها في وقت الشروق، فكأنما يلفت الله تعالى إلى علم يجب أن يقف الإنسان عنده والبحث عن أسراره في كل مرحلة من مراحل الشمس، لأن العطاء في كل مرحلة يختلف عنه من حيث القيم والتأثير يختلف تماماً عنه في ما سبق أو لحق من .راحل، ولكن لا تقف الشمس عند مرحلة الضحى فحسب بل تواصل إلى مرحلة تالية وهي تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم، 3. فما هي النعم والعطاءات والتغيرات التي تقدمها الشمس من "مرحلة الضحى" وهي تتناقص درجات عطاءها من ضوء وحرارة وتغيير وقت وتمهيد لمرحلة أو مراحل أخرى بعد غيابها تماماً إيذاناً بدخول الليل؟
ثانياً: قال: (وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا 2)، فهذه ملحلة رابعة، لخلفة الليل والنهار، ولكن الآية المؤثرة فيها هي "القمر"، الذي يكون تأثيره بحركته في مداره خلال شهر كامل، مكوناً أقماراً وأهلة،، والمقصود هنا فقط منازله وهو قمر بحيث أن ضوءه يؤثر في ظلام اليل فيبدده بنوره، بدلاً عن الشمس ولكن ليس بنفس القدر، ولكنه لن يدوم دويلاً حتى إن إستمر طوال الليل، لأن بقاءه مرهونا بشروق الشمس مرة أخرى معلناً بنهار جديد ودورة جديدة.
ثالثاً: قال: (وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا 3)، لأن القمر ينجلي ويختفي عن الأنظار (مع وجوده)، لشدة ضوء النهار الذي يبدأ بشروق الشمس، مروراً بالضحى، ثم مغيب الشمس بدخول الليل مرة أخرى.
رابعاً: قال: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا 4)،، إذاً هذا إعجاز في وصف تقلب الليل والنهار خلفةً بأربع آيات قصار مكونة من ثمانية كلمات وظرف واحد أقسم الله تعالى بكل ما يعلق بالأرض وأسباب ومقتضيات ومتطلبات الحياة فيها لكل الكائنات.
خامساً: جاء الآن دور السماء، فأقسم الله تعالى بها وبما بناها بها من مادة لا مجال للإنسان أن يعرفها أو حتى يتصورها لأنه جعلها غيباً وإستأثر بنفسه بها، قال: (وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا 5), ذلك البنيان الذي لا يعرف الإنسان عنه سوى ظواهر في السماء الدنيا لا يدرك أغلبها بالنظر بالعين المجردة، وتعتبر في أغلبها "غيب" عنه لا يعرف إلَّا ما أخبر خالقها عنها، وهو قليل. فما بالك بالسموات الست الأخرى وهي طباقاً؟
سادساً: لفت الله تعالى النظر إلى ظاهرة كونية أخرى متعلقة بالأرض نفسها، فإن عرف الإنسان الكثير عن مكونا ومادة بناءها، فهو يجهل تماماً "ما طحاها" رغم أنها كروية الجرم، قال: (وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا 6). ثم ماذا بعد؟ سابعاً: لفت النظر إلى الأنفس بصفة عامة والنفس البشرية بصفة خاصة، وبالقليل الذي يعرفه الإنسان عنها من علم وتشريح وتحليل،،، الخ وبالكثير الذي يجهله عنها ولا يعلمه إلَّا الله تعالى وحده كالروح مثلاً، والأجل، والمصير،،، الخ, لذا أقسم بكل ذلك قال: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا 7)،
ثامناً: بين تعالى أنه قد هدى الله الإنسان النجدين وخيره بينهما، وقد ألهم نفسه مقتضيان كل نجد، فإما أن يزكي الشخص نفسه فيختار ما ألهمه الله من مقتضيات ذلك النجد، من الأعمال الصالحات الطيبات، أو أن يدسها، بتحريك مقتضيات وإلهامات النجد الآخر من ضلال وفسوق وعصيان، بالسعي وراء المفاسد والمهالك، بكامل إرادته وحريته وإختياره، قال في ذلك: (فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا 8).
تاسعاً بعد كل هذا القسم المغلظ بالسماوات والأرض وما بينهما وما فوقهما، وبالأرض والنفس وإلهامها،، الخ بين المقسم عليه، وعاقبة إختيار النفس ما بين التسوية والدس،، قال: 1. (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا 9)، 2. (وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا 10), فهذا هو ملخص وغاية القسم الذي أقسمه الله بكل هذه الآيات البينات، فالنتيجة الحتمية لسلوك الإنسان هو إما (تزكية نفس ففلاح)، وإما (دسها، فخيبة).
أما بقية السورة فهي بمثابة دراسة حالة حقيقية وقريبة عهد ومكان من المبلغين والمنذرين وهم قوم التبي محمد صلى الله عليه وسلم، لعلها تكون رادعاً لمن إستهان بالعاقبة بصفة عامة، وإستبعد عاقبة الآخرة، فسوف يرى بنفسه كيف كانت عاقبة وعقاب الدنيا للمكذبين مثله قبل الآخر. فحكى لهم قصة (ثمود) قوم صالح عليه السلام، وكيف كان هلاكهم.
فالحالة عموماً هي أن قوم "ثمود" قد عصوا أمر ربهم ولم يستمعوا إلى نصح نبيهم صالح، الذي أكد لهم أن الله تعالى قد ابتلاهم بناقة أرسلها لهم وقد خصص لها يوماً لشربها ويوماً آخر لشربهم، وحذرهم من عاقبة و مغبة تعرضهم لناقة الله بسوء أو منعها من الشرب في يومها أو مزاحمتها فيه، ، قال تعالى في ذلك: (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا 11)، (إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا 12)، وقد حذرهم صالح عليه السلام مراراً وتكراراً من أن الله سينزل عليهم العذاب إن لم يستجيبوا لأمره وتعرضوا للناقة، قال: (فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا 13)، ولكنهم لم يقفوا عند التكذيب فحسب، بل قتلوها "عقراً"، فغضب الله تعالى عليهم وأمهلهم ثلاثاً، قال: (فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا 14)، فكان العذاب، ريحاً فيها نار وعذاب، إستمرت عليهم سبع ليالٍ وثمانية أيام حسوماً، إنتهت بأن سوى الله تعالى بهم وبدورهم الأرض، جزاءاً وفاقاً، وكذلك الله إذا أخذ القرى وهي ظالمةٌ إن أخذه أليم شديد، وهو لا يخاف أي عاقبة على ما يفعل،، قال: (وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا 15). ****************************** ( أ ) *****************************
الآن سنبدأ ردنا على الباحث أولاً بالآية الكريمة "يس"،، فنقول وبالله التوفيق وعليه السداد:
لقد ورطت نفسك بأن إعتمدت على فرية حساب الجمل فإختزلت هذه الآية الكريمة في قيمة عددية قدرها (70)، لأنك ستصعق عندما تعرف أنها أكبر مما قد يطرأ على مخيلتك أو يطوف بفكرك، خاصة عندما تعرف أنها توثيق إلهي معجر على صدق رسالة نبيه الكريم محمد بن عبد الله، وبما لا يدع مجالاً للشك، بل سيتد أن هناك "تحدٍ" معجز وأزلي ومفتوح لكل الخلق بإنسه وجنه، لأن كل حرف منهما يدلل على (آية كونية غاية في الإحكام).
يقول الله تعالى إنهما معجزتان تثبتان بأن محمد رسول من عنده، وأن القرآن كلامه أرسله به ليبلغ الناس أمور دينهم ونظم حياتهم ومعاملاتهم معه ومع الخلق بأنواعه وألوانه، فلا ولن يستطيع أي مخلوق بمفرده أو أو مجتمعاً مع غيره من الإنس والجن، أن يغير أي آية منهما،، وقد تحداهم بذلك وكأنما قال للكل: (من إستطاع أن يغيرهما أو يغير آية منهما يكون قد أكد بأن محمد ليس من المرسلين)، أما إن لم يستطيعوا ذلك بل (ولن يستطيعوا ذلك إلى يوم القيامة) يكون محمد حقاً وصدقاً من المرسلين شاء من شاء وأبى من أبى، أما تفصيل ذلك نسوقه إليكم فيما يلي:
أولاً: هذه السورة الكريمة أيضاً من السور التي تبدأ بحروف متقطعة، تحديداً من حرفين يمثلان آية كاملة، هما (أحد أصوت الحرف "ي")، و (إسم الحرف "سين")، وقد أسلفنا بأن هذه الحروف هي آيات بينات غاية في الإحكام والوضوح وكثافة المعنى وجلاء البيان. وهي تشير إلى إحكام بليغ متناهي في الدقة لذلك وردت في مطلع السور ليظل الذهن متيقظاً أثناء تدبر أيات السور التي وردت فيها، ومترقباً بشغف إلى ما ترمز إليه بداخلها من آيات معجزات تدل على إحكام سور وآيات هذا الكتاب المبين، الذي "فيه آيات بينات هن أم الكتاب وأخر متشابهات".
وقد رأينا ذلك في سور كثيرة من هذا النوع من المتشابهات، أولها سورة "البقرة" التي تعرفنا فيما سبق على بعض ما رمزت إليه أحرف الآية الكريمة "ألم ..." تلك التي تتكون من ثلاث حروف بأسمائها فقط دون أصواتها هي: ("ألِفْ" ، "لآمْ" ، "مِيْمْ"), وقد رأينا كيف أنها كانت بمثابة الروح لتلك السورة بكاملها. وكيف أنها كانت إمتداداً طبيعياً ومنطقياً لسورة "الفاتحة"، وكيف أن الله تعالى قد فصلها تفصيلاً دقيقاً معجزاً في واحدٍ وعشرين آية صنف البشر فيها إلى ثلاث أصناف في عشرين آية منها، ثم جمعهم في الخطاب جميعاً بالآية الحادية والعشرين حيث قال لهم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ 21).
تليها سورة آل عمران التي هي الاخرى تبدأ بنفس الحروف المقطعة ذاتها ("ألِفْ" ، "لآمْ" ، "مِيْمْ") على الرغم من أنها قد بدأت بها سورة البقرة، غير أن لها مدلولات مختلفة تماماً عن تلك التي لسورة البقرة (لانها متشابهة معها من حيث الشكل والتركيب، ولكنها ليست مشتبهة بها)، ولا تَقِلُّ عنها إعجازاً وإحكاماً عظيمين، وقد تحدثنا عن بعض مدلولاتها أيضاً فيما سبق من مقالات لنا سلفت، وسوف نعيدها كرةً أخرى كاملةً، متبوعةً بفاتحة سورة مريم المكونة من صوتين لحرفين مع ثلاثة أسماء حروف أخرى هكذا: ("كآف" ، "هـَ" ، "يَ" ، "عَيْنْ" ، "صَآدْ")، وأن هناك علاقة وثيقة معجزة تربط بين السورتين، سنقف عندها في حينها إن شاء الله تعالى.
ثانياً: الهدف الأساسي لهذه السورة: لعل الله تعالى يريد بهذه السورة الكريمة أن يقدم نبيه الكريم محمد رسولاً بتأكيد من عنده لا يقبل النفي ولا النقض، تكون دليلاً مادياً معجزاً يشهد بما لا يدع مجالاً للشك أو المراوغة بأن نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم هو أحد (رسله الكرام)، وذلك تكذيباً وإفحاماً وتحدياً لمن أنكر عليه ذلك.
فيقول سبحانه وتعالى مستشهداً بثلاث آيام بينات تأكيداً لهذه الغاية جعل أوسطها حاضناً لهذا الإعجاز وبالتالي لفت إنتباه عباده المتدبرين للقرآن إلى مكان تلك الآيات مرمزاً لها بالحرفين الكريمين "يَ" ، "سِيْنْ" . ولأن الإعجاز والتحدي الذي تشير إليه هذه الحروف قطعي الدلالة والإعجاز وتشهد للخالق بأنه هو الذي أوجد هذا الإعجاز ووضع ذلك التحدي وبالتالي هو وحده الذي أعلمهم به "دون غيره"، وبالتالي ستكون هذه بمثابة شهادة ضمنية قطعية "يا محمد" بأنك من المرسلين، ليس ذلك فحسب،، بل وعلى سراط مستقيم، لأن السورة والآيات التي جأت فيه إنما هي "تنزيل العزيز الرحيم" لغاية أساسية هي، برنامج دعوتك التي أرسلت بها ألا وهي: "لتنذر قوماً ما أنذر أباؤهم فهم غافلون"، وهم الأميون الذين أنت منهم.
ثالثاً: ما هي حيثيات الشهادة المعجزة التي تشهد برسالة محمد؟ تدل السورة في مطلعها إلى أن كل من الآيتين (يس 1)، أيضاً (وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ 2)، تشهدان لك يا محمد يقيناً قائلةً ومؤكدةً بالدليل المادي والتحدي المعجز: (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ 3)،، ليس ذلك فحسب بل وإنك بلا أدنى شك: (عَلَىٰ-;- صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ 4)، يضم صدق ذلك ويؤكده هذا الكتاب بصفة عامة وهذه السورة بصفة خاصة، لأن هذا القرآن ليس من قول البشر وإنما هو: (تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ 5)، وقد أنزله الله تعالى إليك لغاية محددة وقطعية الدلالة، ليس ترفاً أو تسلية أو لهواً كما قد يظن المكذبون، وإنما لغاية سامية وقصد عميق ألا وهو: (لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ 6).
رابعاً: ولكن،، ما الحكمة من وراء إخفاء هذه الشهادة وتأخيرها ثم الترميز إليها بحرفين؟ سياق الآيات وتتابعها المنطقي الموضوعي الواضح للعيان، (بالنسبة للمتدبر والمتعمق) يدل على أنه يتجه إلى غاية محددة لا يمكن أن تدرك إلَّا عبر هذا النسق الرائع الجميل المعجز لتسلسل الأحداث بتسلسل الآيات عبر السورة كما سنرى معاً.
أرسل الله تعالى نبياً أمياً يعرفه قومه حق المعرفة. لم يكن ملكاً ولا أميراً ولا غنياً،، بل يتيماً عُرف بينهم منذ نعومة أظافره بكمال الرجولة والإنسانية والصدق والأمانة والنخوة حتى لقب "بالصادق الأمين"، ولكن،، هل هذا التميز والتفرد المجمع عليه من قومه يمكن أن يكون كافياً "بذاته" ليُصَدَّقَ صاحبه بأنه مرسل من عند الله تعالى، يحمل منهجاً مناقضاً تماماً لما هم عليه تأسياً بآبائهم الأولين؟ خاصة وأن هؤلاء الذين أُرسِلَ إليهم أبعد ما يكونون عن قبول النذارة التي لا يعرفونها، بل حتى آباءهم لم يعرفوها لذا فهم غافلون من غافلين لا يؤمنون بيوم الدين ولا يعرفونه، ومع هذا وذاك تكيفت حياتهم الإجتماعية والإقتصادية والثقافية على البداوة وغيبة الوازع الديني و الخلقي إلَّا من بعض الأعراف الموروثة التي تجعل لحياتهم البدائية شيئاً من التوازن ما بين الإفراط والتفريط.
إذاً،، فالمنطق يقول بأن الذي يتجرأ بالوقوف أمام مثل هؤلاء الغافلين المشركين، والأجلاف المعاندين والمتناحرين والوثنيين فيقول لهم بما لم يألفوه، خاصة وأنه يلمس لديهم أوتاراً حساسة أدناها كافياً لتحطيم أنماط حياتهم وتسفيه مواطن عزهم وفخرهم وتسفيه أحلامهم، بل ومساواتهم بعبيدهم وإيمائهم،، الخ فلابد من أن يأتي إليهم بأدلة وبراهين "مادية ملموسة" (فوق العادة)، يدركون قدرها وإعجازها مع عظم أميتهم وجهلهم بالروحانيات وإنكارهم للعقائد التي تتجاوز آلهتهم الحجرية وأوثانهم وأصنامهم.
نعم، بالنسبة له فقد علم بأنه مرسل من عند الله الذي قال له مؤكداً: (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ 3)، مقيماً على ذلك الدليل المادي،، ذلك بقوله له: (عَلَىٰ-;- صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ 4).. فهل هذا الصراط المستقيم كان مادياً مشاهداً محسوساً وموجهاً لاؤلئك ألغافلين مباشرةً ليعرفون صدق بعثته وأنه مرسل من قوة علياً قاهرة قادرة؟ أم هو قاصر عليه هو وبرهان له فقط دون سواه، ليطمئن بأنه مؤيد ممن ارسله وإنه يقف بجانبه يعضده؟؟
واضح من قول الله تعالى له: (تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ 5)، أنَّ ذلك الصراط المستقيم كان محسوساً ملموساً مشاهداً من غيره ومقدر من معارضيه أيضاً، بل وقد كان كافياً لإعطائه الثقة الكاملة في أن يقف أمام هؤلاء الغافلين المعاندين وهم يرون الآيات البينات التي تثبت صدقه، بدليل قوله تعالى له: (لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ 6).
الآن المجتمع كله أدرك تماماً بأن الذي يقف أمامهم ليس شخصاً عادياً، وإنما هو واقع جديد حتمي، وأن أمامهم أحد خيارين لا ثالث لهما، 1. فإما أن يقبلوا ما جاءهم به وبذلك "بلا شك" ستتغير أنماط حياتهم بكامل متطلباتها ومعطياتها ودواعيها ومدخلاتها ومخرجاتها،، 2. أو أن يرفضوه جملةً وتفصيلاً، بل ولا يسمحون بالخوض فيه، ويناهضوا صاحبه حتى لو أدى الأمر إلى قتله حفاظاً على ما وجدوا عليه آبائهم من آثار ضالة هم بها مقتدون، فكان الرفض والمناهضة هو الخيار الإستراتيجي للأغلبية الساحقة منهم فما لبثوا أن شرعوا في العدوان وهم يعلمون يقيناً أنه صادق أمين ولكنهم آثروا الحياة الدنيا، والإبقاء على سيرتها الأولى. ولكنهم لم يكونوا مدركين للخطر الداهم الذي يتهددهم من مغبة مشاقة الله ورسوله.
خامساً: الدعوة بين الترغيب ثم الترهيب: واضح أن إيمانهم بصدق النبي بأنه مرسل من عند الله لم يكن كافياً لإخراجهم من وهدة الشرك وظلام الجهل وسواد الظلم والفساد،، فكان لا بد من التدرج بالدعوة إلى ما يمكن أن يحرك تلك القلوب الغلف المتحجرة، التي لم تغريها مغريات الترغيب، فكان لا بد من تجربة الترهيب والتذكير بما ألمَّ بأمثالهم من مكذبي ومعاندي الأمم السابقة التي عصت أنبيائها ورسلها فأهلكهم الله تعالى بذنوبهم بعد أن فُقِدَ فيهم أمل الإصلاح. لذا بين الله تعالى له بأن غفلتهم هذه سيتوردهم المهالك وتسد عليهم المسالك، فهم في خطر داهم إن لم ينقذوا أنفسهم من عاقبة ومصير من سبقهم بفعل ما هم عليه الآن، لذا قال الله تعالى له عن تلك الأمم: ( لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَىٰ-;- أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ 7)، فكانت نتيجة تلك الغفلة، وذلك الزهد في الإيمان وخيمةً مرعبة: 1. قال له: ( إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ 8)، هكذا صار حالهم المادي، 2. ليس ذلك فحسب، بل: (وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ 9). وكذلك سيكون حال المعاندين لك إن أصروا على عنادهم وغفلتهم، لذا، مهما حاولت إنذارهم لن تفيدهم شيئاً، ولن يفضي إنذارك لهم إلى دخول الإيمان في قلوبهم، وقد بين تعالى ذلك في قوله: (وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ 10)، لأنهم إختاروا لأنفسهم تلك الغفلة والتزموها بقوة بعد كل هذه البشارة وتلك النذارة التي دعوتهم بها وإليها.
وعليه،، فلا تتعب نفسك مع أمثال هؤلاء الأشقياء، لأنك لن تستطيع الوصول إلى قلوب الغلف كتقول أولئك الذين جازى الله أصحابها بأن حرمهم البصيرة فجعل من بين إيديهم سداً ومن خلفهم سداً "إستغناءاً عنهم"، لذا، فلن تنفعهم النذارة بعد ذلك شيئاً. ولكن هناك من بينهم من يقبل نذارتك ويتطلع إليها هذا يمكن أن يستفيد منها.. إذاً عليك تعهد هؤلاء، لأنك مرسل من أجلهم،، قال تعالى: (إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَٰ-;-نَ بِالْغَيْبِ ...)، فهذا أنذره أولاً، حتى يستقيم على الحق ويستجيب لك: (... فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ 11).
سادساً: ما العائد على المستجيب للدعوة والمناهض والمعاند لها؟ لم يأمر الله تعالى أي من أنبيائه ورسله بأن يعاقب أي منهم الناس على إختيارهم لدينهم سواءاً أكان ذلك الإختيار إيماناً بالله أو كفراً أو إلحاداً به. فمن قال بغير ذلك فهو مدعٍ كاذب. فالله تعالى ليس عاجزاً عن قهر خلقه على ما يريده منهم حتى يكلف غيره بالقصاص له والإنتقام من الكافرين والمشركين به، فكل الأنبياء والرسل كانت حدود مهماتهم هي (البشارة) و (النذارة) فحسب لا غير، ما عدا الحدود التي تقام على المجرمين والمعتدين على غيرهم بالقتل أو هتك العرض أو الحرابة والتضييق، فيتولى الأنبياء والرسل ذلك حمايةً للضعفاء والمستضعفين والمهمشين،،، وذلك تنظيماً للمجتمع وفرض الأمن والسلام بين الناس، أما لجزاء على الإيمان والكفر فهذا من إختصاص الله وحده دون سواه، فلا سلطان لأحد على الآخر سوى الوالدين في فترة التربية التي تسبق البلوغ. فإذا عجز الأنبياء والرسل عن تحقيق أهداف مهمتهم، تولى الله تعالى أمر المكذبين بنفسه، فأرسل عليهم صنوف العذاب الدنيوي (إن شاء)، بالذي يستحقونه دون تدخل الأنبياء والرسل في ذلك، بل يأمرهم بأن يغادروا مكان العذاب قبل وقوعه فينجيهم وأهلهم ومن آمن معهم. هذا حالهم في الحياة الدنيا، ولكن الأمر لن ينتهي عند هذا الحد، بل هناك موعد يرجعون فيه إلى الله تعالى بعد إنقضاء الحياة الدنيا المؤقتة القصيرة وإن طالت وعظمت.
فلن يستطيع أحد أن يفلت من سلطان الله تعالى فالكل سيموت وسيحييه الله تعالى بعد الموت "بعثاً"، قال تعالى: ( إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىٰ-;- ...)، حينئذ،، سيجد كل واحد منهم أن الحق سبحانه قد كتب عنه وعن آثاره كل شي كبيرهِ وصغيرهِ، عظيمِهِ وحقيرِهِ،، خيره وشره، قال سبحانه: (... وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ...﴾-;- التي أحصيناها عليهم وحفظناها عندنا مكتوبةً موثقة و "مستنسخة": ( وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ 12).
سابعاً: فهل من دليل على ما حدث للغافلين الذين قبلهم؟ أمر الله تعالى نبيه الكريم بضرب الأمثال لقومه المشركين وتذكيرهم بما حدث للأمم السابقة التي فعلت مثل أفعالهم المخالفة لتعاليم ربهم، فطلب منه أن يذكرهم بقصة أصحاب القرية حين جاءها المرسلون فكذبوهم ونكروهم، حتى يعرفوا كيف كانت النتيجة والعاقبة التي لاقوها، فيكون هذا المثل مدخلاً وتمهيداً لإنذارهم وتحذيرهم من مصير أصحاب القرية ذاته لتكذيبهم للمرسلين إليهم، وهم الآن يعيدون الكرة بتكذيبهم لرسول الله إليهم.
فقال له في ذلك: ( وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ 13)، ذلك حين أرسلنا إليهم أكثر من رسولين ومع ذلك استمروا في عنادهم ( إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ ...) من رسلنا الكرام، ( ... فَكَذَّبُوهُمَا ...)، ولم يستجيبوا لهما، فأرسلنا إليهم رسولاً ثالثاً تعزيزاً للرسولين السابقين وداعماً لهما، قال تعالى في بيان ذلك: ( ... فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ 14)، ولكن أيضاً لم يَجْدِ ذلك معهم نفعاً، بل استمروا في عنادهم منكرين عليهم إرسال الله لهم لانهم ليسوا بملائكة، هكذا كانت حجتهم: ( قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا ...) هذا أولاً ، ثانياً أنكروا رسالة الله لرسله مع أنهم جاءوهم بالبينات التي تقيم الحجة عليهم، ولكنهم قالوا لهم: ( ... وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمَٰ-;-نُ مِن شَيْءٍ ...) لا رسل من عنده ولا رسالة، وفي ظننا بل ويقيننا انكم لم تصدقونا القول: ( ... إِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ 15).
فلم تنفع معهم تأكيدات رسلهم على صدقهم، مع أنهم أشهدوا الله على صدقهم فلم يغير ذلك من موقفهم شيئاً: ( قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ 16)، وأنه ليس لنا هوى أو غاية شخصية سوى إلتزام تكليف الله لنا بالتبليغ فحسب، لذا قالوا لهم ليس لنا سلطان عليكم، (وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ 17) ، هذا كل شيء،، وقد فعلنا ذلك وبلغناكم بما أرسلنا به ولكم الخيار فيما تختارون لأنفسكم.
فكان ردهم أكثر عناداً وتكذيباً وإصراراً على موقفهم المتصلب، بل: ( قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ ...) وتشاءمنا منكم، وبدؤا يهددونهم ويتوعدونهم بالرجم أو العذاب الأليم إن لم يتخلوا عن دعوتهم تلك قائلين لهم: (... لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ 18﴾-;-، فرد عليهم رسلهم بعد أن أعيتهم الحيلة معهم بقولهم، بل طائركم وشؤمكم معكم وليس بسبب دعوتنا لكم: ( قَالُوا طَائِرُكُم مَّعَكُمْ ...)، أكُلَّ ذلك لأننا ذكرناكم بما ينتظركم من عذاب إن لم يكن عاجلاً فآجل؟: (... أَئِن ذُكِّرْتُم...﴾-;-؟، لا،، بل الأمر ليس كما تدعون: (... بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ 19).
ورغم أنهم قد وصلوا مع رسلهم إلى طريق مسدود، قيض الله لهم فرصة إضافية على يد أحد عباده الصالحين، إذ جاءهم سيدنا حبيب النجار من على البعد ليتدارك أمر قومه خوفاً عليهم من غضب الله ولعلمه أنه في مثل هذه المواقف قد ينزل على المعاندين العذاب فيدمرهم تدميراً كما فعل بأمم كثيرة قبلهم، آملاً أن يوفق في تليين موقفهم من رسل ربهم، قال تعالى مبيناً ذلك الموقف: (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ-;- ...) مسابقاً الزمن محاولاً إيجاد مخرج من هذا الموقف الذي أصبح خطيراً ومنذراً بالشر الوخيم،
فخاطب قومه مباشرة: (... قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ 20)، لا معنى لعنادكم الذي لا مبرر له، بل ليس هناك مغرم عليكم: ( اتَّبِعُوا مَن لَّا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ 21)، ولا يخشون على أنفسهم، ولا يطالبونكم بمقابل مادي أو غير ذلك. أنظروا إليَّ أنا أمامكم،، ما الذي يضيرني إن عبدت الذي خلقني وأوجدني وأوجدكم: (وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي ...) وكذلك أنتم قد فطركم وإليه معادكم في اليوم الآخر: (... وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ 22).
فهل يعقل أن أعبد غيره ؟ (أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً ...)، إفكاً، لا تستطيع أن تصد عني ضراً أراده بي الله ولا تجلب لي نفعاً منعه عنى، ولا تضمن لي شفاعةً من عندها حين ألقاه،، إذاً ما فائدة عبادتها وهي لا تضر ولا تنفع ولا تشفع؟؟؟: (... إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَٰ-;-نُ بِضُرٍّ لَّا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنقِذُونِ 23)، فما فائدتها، فإن فعلت ذلك السفه والظلم أكون مثلكم: (إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ 24)، لا،،، لن أفعل مثلكم وأؤكد لكم وأقول صادقاً: ( إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ 25).
ولكنهم فعلوا به ما قد فعلوا فأنزل الله تعالى عليه رحمته: ( قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ 26)، وليتهم يتصورن ما نلته من حظ وفير ومغفرة وسعادة وإكرام عنده سبحانه ( بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ 27).
ثامناً: ماذا كانت النتيجة الحتمية لهذا الكفر والعناد؟ بعد كل هذا القدر من العناد والجبروت لم يرد الله أن يرسل إلى قوم حبيب النجار أي جند من السماء آخرين بعد أن تأكد عدم رجوعهم ، عن غيهم وكبرهم وعنادهم وأقيمت عليهم الحجة ، فما الفائدة من إرسال رسل آخرين؟ لن يستطيعوا فعل ما عجز عنه ثلاث رسل قبلهم بالإضافة إلى الرجل الصالح الذي جاء من المدينة يسعى لينصحهم وينقذ الموقف. لذا يقول تعالى مؤكداً ذلك (وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ-;- قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ السَّمَاءِ ...) ، ولن ننزل عليهم مرة أخرى أصلاً (... وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ 28)، لعدم جدوى ذلك، فالآن جاء دور العقاب، وجاءهم العذاب والفناء من حيث لا يحتسبون صيحة واحدةً وكفى:
قال تعالى: (إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ 29)، إنَّ أمرهم وأمر غيرهم من العباد ومآلهم بسبب إستهزائهم بالرسل يحزن ويبعث الحسرة في الوجدان: (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ...)، الذين بصلفهم وعنادهم يدخلون أنفسهم في المزالق والمهالك بتكذيبهم للرسل وإستهذائهم بهم بدون مبرر ولا داعٍ: (... مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ 30) ورغم ما يرونه من عواقب هذا السلوك على اأمثالهم من ألسابقين لهم عبر القرون من عذاب وهلاك فلا يرتدعون ولا يرجعون.
عجباً لهذا الغباء والسفه: ( أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ ...)، البائدة؟،، ويروا: (... أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ 31) بعد ذلك الهلاك المريع؟، ليس السابقين فقط ، بل ( وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ 32) يوم القيامة ليلاقوا وعدهم الذي كانوا يوعدون. فبعد هذا المثل الذي ضربته يا محمد لهولاء القوم ألذين أرسلت إليهم مؤيداً بآياتي الكريمة، فهل هناك مجال للشك في رسالتك؟
بالطبع لا،، لن يكون هناك مبرر لأحد أن يكذبك، فأنت الآن مهيأ للقيام بدورك (لتنذرم قوماً ما أنذر آباؤهم فهم غافلون) ومن ثم ستجد من يستمع إليك ومن يصدقك من بينهم. لأنني سأجعل تصديقك من خلال ثلاث آيات كونيات بينات محكمات، كل آية منها ستكون كافيةً لتصديقك وتأكد أن هذا القرآن هو (تنزيل العزيز الرحيم)، فمن أراد أن يكذبك فعليه أولاً أن يكذب هذه الآيات الكونيات إن كان من الصادقين، هذه الآيات هي: • الأولى قوله تعالى ﴿-;- وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا ... 33﴾-;-، فصلها في أربع آيات بينات، ، • والثانية قوله تعالى ﴿-;- وَآيَةٌ لَّهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ ... 37﴾-;- ، وقد فصلها أيضا في أربع آيات بينات، تضمنت إعجاز ما أشارت إليه آية ﴿-;-ي س﴾-;- في فاتحة السورة ، فهي تحتل قلب الآيات البينات الثلاثة، • والثالثة قوله تعالى ﴿-;- وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ 41﴾-;-، أيضاً فصلها الله في أربع أيىات بينات. فهذه الآيات غاية في الإعجاز والبيان الأكيد المؤكد الذي لن يقوى أحد على إنكاره أو المماراة فيه سوءاً أكان من المصدقين أو المكذبين لأنها حقائق مادية ماثلة أمام سمع وبصر ورؤوس الأشهاد، والتحدي فيها معجز.
ما هي تفاصيل الآية الأولى: تفند هذه الآية لهولاء المكذبين الغافلين كيف أن الله تعالى أنعم عليهم بأنعم لن يحصوها إن حاولوا عدها، ومع ذلك يكفي فقط ما ذكرها فيها لإثبات فضل الله تعالى وقدرته وإثبات أن صاحب هذه النعم وموجدها هو الذي قال لنبيه محمد (إنك لمن المرسلين 3)، ليس ذلك فحسب، بل وقال له إنك: (على صراط مستقيم).
تبدأ هذه الآية بقوله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم: ( وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا ...﴾-;- بعد أن كانت هامدة خامدة جرداء: (... وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ 33)، ليس فقط حباً لحفظ حياتهم وضمان معاشهم فحسب بل: ( وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ ...)، متاعاً لكم وتفكهاً تستمتعون وتتفكهون وتتنعمون بها، أيضاً: ﴿-;-... وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ 34﴾-;- ذات المياه العذبة التي هي أساس ضروريات حياتهم، وقد وفر لهم كل ذلك فضلاً منه ونعمةً ( لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ ...) طازجاً لا يحتاج منهم إلى معالجة أو تصنيع، أيضاً: (... وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ ...) من حلويات وأطعمة لذيذة تصنعونها من تلك الثمار، أليس الأجدر بكم أن تتقدموا بآيات الشكر والعرفان للذي مَنَّ عليهم بكل هذا؟ (... أَفَلَا يَشْكُرُونَ 35) له هذا الفضل عليكم؟؟؟
قال: ( سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا ...): 1. (... مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ ...)، 2. (... وَمِنْ أَنفُسِهِمْ ...)، 3. (... وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ 36). فمن الذي يستطيع أن ينكر كل هذه النعم ومن الذي يملك القدرة أو الحجة بتجاوز هذه الآية المعجزة؟ ومع ذلك هناك المزيد من الآيات البينات التي ستحاصر المكذبين والغافلين وتضعهم أمام الحقائق الماثلة لكل من له عقل أو إدراك. فمك كان يفكر في كل هذه النعم بهذا التفصيل العلمي الدقيق، إن لم يكن القائم به هو خالق تلك النعم ومبدعها بذاته؟ فمن لم تحرك وجدانه وتفجر فكره هذه الآية، هناك آية أخرى لا تقل عنها إعجازاً وغرابةً.
إذاً،، إلى رحاب الآية الثانية التي أودعها الله تعالى بيان وتأكيد ما جاء في مطلع هذه السورة في قوله تعالى﴿-;-يس 1﴾-;- وذلك بالبرهان القطعي الموجود ضمن أية (... الليل نسلخ منه النهار ...) التي نحن بصددها فيما يلي:
فما هي تفاصيل وإضاءات الآية الثانية؟ تكشف هذه الآية أعظم وأدق أسرار هذا الكون العجيب، وتُفَصِّلُ دقائق أعظم آيتين كونيتين تلازمان الخلق ليل نهار حيث جعلهما الله تعالى: ﴿-;-... خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً ﴾-;-، الا وهما آيتي الليل والنهار وتأثير كل منهما على الآخر وتأثرهما معاً على الوجود كله، وكيف أن بقاء الكون كله والحياة به تتوقف تماماً على دقة هاتين الآيتين العظيمتين التين شاء الله تعالى أن يجعلهما في "قلب" الآيات الثلاث الكونيات المعجزات، ثم أودعها برهاك صدق رسالة نبيه الخاتم محمد بن عبد الله.
فبالإضافة إلى الآية السابقة ( ... إحياء الأرض الميتتة ...)، يعطف عليها تفاصيل هذه الآية بقوله تعالى: (وأية لهم ...)، كل ما يرونه ويعرفونه من ظاهرتي الليل والنهار، حيث تخلف إحداهما الأخرى بصورة مستمرة فيأتي ظلام الليل عندما يسلخ الله تعالى منه الضوءَ (النهار)، وما يلبث أن ينقشع ظلام الليل عندما يعود الكساء للظلام مرة أخرى فيختفي اليل وظلامه ويظهر النهار بضوئه المتزايد "شروقاً" والمتناقص "غروباً"، وكذا دواليك في تعاقب مهيب ورهيب ودقيق لم يختل عبر آلاف القرون وإلى أن يشاء الله تعالى فهذه آية كونية لا يختلف فيها أثنان بغض النظر عن إيمانهم أو كفرهم أو إلحادهم.
يشير رب العباد إلى هذه الآية وأسرارها التي لا يعرفها أحد من الخلق قبل هذا القرآن، ليؤكد أن من كانت رسالته هو هذا الكتاب الذي يحكي ويصور دقائق هذه الأسرار لابد وأن يكون مرسلاً من عند الله تعالى، ليس ذلك فحسب، بل ولا بد من أن يكون على صراط مستقيم، لان ما جاء به هو "تنزيل من العزيز الرحيم" وهذه من أهم غايات هذه الآية المعجزة.
هل الإشارة هنا للسلخ والكساء تعتبر إعجاز علمي؟ الأصل في الكون هو الظلام والليل السرمدي،، أما النهار فهو كساء طاريء على ذلك الكون ومصدره "الضوء"، الذي إذا أخذنا عناصره في أبسط صورة لها نجده يتكون من ثلاث ألوان أساسية هي (الأحمر، والأخضر، والأزرق)، وعلمياً قُسِّمَ كُلُّ لون إلى 256 وحدة، وفقاً لنظام RGB، فاللون الأبيض (الضوء)، هو مركب من مزيج الألوان الثلاثة بكامل تركيزها هكذا: (256-;- 256-;- 256)RGB:. وبالطبع فإن أقوى مصدر للضوء هو الشمس بلا أدنى شك. فضوءها عبارة عن مزيج لحزمة الألوان الثلاثة بكامل تركيزها.
فإذا كان الكساء الكامل يكون بالضوء الكامل الذي يعم الكون، فإن السلخ الكامل لهذا الكساء يتم بإختفاء حزم الألوان الثلاثة من الوجود بزوال الضوء الذي تمثله القاعدة: RGB:(0-;- 0-;- 0), وعليه فإن درجة الكساء أو السلخ تكون بتدرج شدة حزمة الألوان الثلاثة المكونة للون الأبيض (الضوء)، فمثلاً التركيب الآتي: (156-;- 156-;- 156)RGB:. يمكن أن يمثل شروقاً إن كان متزايداً، فيكون الكساء جزئياً، يبلغ مداه عند منتصف النهار فيكون (256-;- 256-;- 256)RGB:. كما يمكن أن يمثل هذا التركيب (156-;- 156-;- 156)RGB: غروباً، والكساء فيه جزئي أيضاً إذا كان متناقصاً ليبلغ أدناه بالسلخ الكامل RGB:(0-;- 0-;- 0), عند الغروب وحتى منتصف الليل.
صورت الآية الكريمة هذه الظواهر الدقيقة تصويراً معجزاً لا يصل إليه إلَّا المتدبر. يقول تعالى في ذلك: ( وَآيَةٌ لَّهُمُ ...)، يشاهدونها كل يوم، ويرون كيف أن: (... اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ ...)، بغياب ضوء الشمس بسبب حركتها من المشرق إلى المغرب، فتكسوا ما هو أمامها، وتسلخ الكساء (الضوء) عما تركته خلفها وتجاوزته، فيصبح ما وراءها مظلماً مسلوخاً. وقد شبه الله تعالى هذه العملية الدائبة بعملية سلخ الشاة الذي يبدأ من مؤخرتها (شروقاً) وينتهي بمقدمتها (غروباً)، فيفقد الكون كساءه تماماً كما تفقد الشاة المسلوخة جلدها. فيعود ليلاً مظلماً لا ضياء فيه ﴿-;-... فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ 37﴾-;-.
طبعاً ليست العملية مجرد كساء وسلخ، أو ليل ونهار،، وإنما هاتين الظاهرتين تمثلان أصل الوجود وعصب الحياة، فلا حياة لكائن في ليل سرمدي لا نهار فيه، وكذلك لا وجود لحياةٍ في نهارٍ سرمدي لا ليل فيه. فعدم خلفة الليل والنهار وضبطهما بقدر معلوم دقيق تنتهي الحياة تماماً عن الأرض. فما دام أن هذا الكساء وذاك السلخ تقوم به الشمس بحركتها الظاهرية إنطلاقاً من المشرق، وجرياً إلى المغرب برتابة دقيقة لهذه الظاهرة الكونية العظيمة التي نشاهدها يومياً يصورها الله تعالى بقوله ﴿-;- وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ...﴾-;-،،، ولكن أين هذا المستقر؟؟؟.
فهي تتحرك ظاهرياً من المشرق بضوءٍ خافتٍ ضغيفٍ (كساء جزئي)، يتزايد مع الزمن "بدرجة ثابتة ودقيقة" إلى أن يبلغ ضوءها أقصى مداه قبل الزوال فيختفي الليل تماماً (كساء كامل)، ثم تواصل حركتها في إتجاه مستقرها الظاهري في المغرب فيختفي كل ضوءها هناك فينسلخ النهار تماماً عن الليل (سلخاً كاملاً - كالشاة). حيث تتم هذه الحركة بتقدير دقيق يعرفه القاصي والداني منذ ملايين السنين وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها دون تغيير إلا أن يشاء الله رب العالمين لأن: ﴿-;-... ذَٰ-;-لِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ 38﴾-;-. فلنقف هنا عند هذا الحد (في الوقت الحالي) لأن الموضوع ذو شجون والإعجاز يخلب الألباب حيث لا مجال لذلك في هذه العجالة. ولننتقل إلى ظاهرة كونية أخرى لا تقل غرابة ولا دقة في السلخ والكساء عن هذه التي للشمس.
الظاهرة الكونية الأخرى المعجزة،، لها دور كبير وفَعَّالُ في عملية الكساء والسلخ أيضاً، ولكن بآلية مختلفة وبقدر أقل،، فما دامت هذه الظاهرة هي كساء ضوئي قوي يغطي ظلمة الليل البهيم وسواده وذهاب لهذا الضوء بإنسلاخه عن الليل الذي يظهر بسواده وظلمته مرة أخرى إذاً،، لا بد من ذكر الشمس التي هي، في الأساس، تقوم بهذه المهمة خير قيام وبدقة منقطعة النظير بإعتبارها أكثر مصدر للضوء في الوجود كله.
بعد أن أصبح من المعلوم أن ضوء الشمس ليس متساوياً في شدته في كل الأوقات بل يتدرج من عدم متزايد (عند الإنسلاخ الكامل من لليل)، وقت الغروب، إلى ضعف متناقص ويقوى تدريجياً (مبتدءاً رحلة الكساء) بدأً من لحظة المشرق والشمس تتحرك وتجري نحو المغيب لتصل إلى مستقر لها فيه إلى أن يبلغ قمة مداه قبل الزوال بلحظات (فيكون الكساء كاملاً) ثم يبدأ الضوء في التناقص التدريجي (فتبدأ معه رحلة السلخ) بنفس التدريج والمقدار إلى أن يختفي الضوء تماماً (فيكون السلخ في أقصى مداه) ظلاماً دامساً.
و رغم أنَّ الشمس هي أقوى المصادر الطبيعية للضوء بهذا الكون إلَّا أنَّ هناك القمر فهو أيضاً يقوم بمهمة سلخ وكساء لليل شبيهة تماماً بتلك التي للشمس، رغم أنه يختلف عنها كثيراً ولا يرقى في تأثيره إلى ما تفعله الشمس. قال تعالى، مشيراً إلى تقديره وإعجازه في هذه الآية الكونية الكبيرة: ( وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ ...)، حيث يتزايد الضوء المنبعث منه تدريجياً (كساء قمري جزئي متزايد)، وفق موقعه في منازله في النصف الاول من الشهر حتى يبلغ أقصى مدى لضوئه عندما يصير بدراً (كساء قمري كامل)، ثم يبدأ في التناقص تدريجياً (كساء قمري جزئي متناقص)، وفق منازله خلال أيام النصف الثاني من كل شهر حتى يصبح شكله وحجمه رفيعاً يشبه عزق البلغ (العرجون) الذي أزيل عنه الرطب ومضى عليه زمنٌ طويلٌ حتى بهت لونه فأصبح أصفراً ذهبياً فاتراً، شبيه بالهلال عند مطلعه في أول الشهر وأيضاً في آخر منازله عند نهاية الشهر. فهو بهذه التدرجات في درجة الضوء ضعفاً وقوة له تأثير في عمليتي السلخ والكساء لليل.
فالشمس تغير درجة ضياءها ومقدار "سلخها" بحركتها الظاهرية من المشرق إلى المغرب، بينما القمر تتغير درجة ضيائه ومقدار "سلخه" بتغير منازله من هلال صغير في مطلع كل شهر يتزايد إلى أن يكتمل بدراً ثم يبدأ في النتاقص تدريجياً كل يوم إلى أن يصير هلالاً رقيقاً مرة أخرى، قال تعالى واصفاً إياه في هذه المنزلة بقوله: (... حَتَّىٰ-;- عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ 39).
ماذا يعني هذا التفصيل والتشبيه العلمي الدقيق؟ هناك عدة ملاحظات هامة لا بد للمتدبر أخذها بعين الإعتبار لمعرفة والوصول إلى الغاية المنشودة، وهي:
أولاً: من أدرى ذلك النبي الأمي، الذي عاش قبل أكثر من أربعة عشر قرناً في بيئة قاحلة لا حظ لها من علم ولا حضارة، بكل هذه التفاصيل الدقيقة، وبهذا النسق الجميل وهذه المنهجية الواثقة؟ وكيف بلغت كل هذه المعاني مداركه؟ ما لم يخبره بها من خلقها وأبدعها وخلق كل من الشمس والقمر بحسبان وأطلعه على ذلك الحسبان وطمأنه بأن ذلك وحي من رب السماوات والأرض رب العرش العظيم؟
ثانياً: كيف أدرك وتيقن من أن هاتين الظاهرتين لم تتغيرا منذ بدأ الخليقة حتى بلغته في عصره وأوانه، وما ومن أدراه أنها لن تتغير مستقبلاً، لدرجة أنه يرهن مصداقية نبوته ورسالته تحت هذا الشرط الذي (متى ما إختل في أي زمان دلَّ ذلك التغيير "بما لا يدع مجالاً للشك" على أنه ليس من المرسلين من عند الله تعالى)، فهل هذه مغامرة منه، أم أنها ثقة كاملة (مصدرها الوحي الإلهي) بأنهما لن يتغيرا أبداً ما دامت السماوات والأرض؟
ثالثاً: ما هو الضامن الحقيقي لعدم إختلال هذا الشرط الذي وضعته هذه الآيات الكريمة بهذه السورة بهذا القدر من التحدي للخلق كله بإستحالتها إن لم يكن واضح الشرط هذا هو خالق الشمس والقمر نفسه، وما دام أن هذا السر قد إنفرد به محمد صلى الله عليه وسلم (دون سواه من كل الأنبياء والرسل قبله)، فهذا دليل قطعي على أن ما جاء به إنما هو وحي يوحى من عند الله تعالى.
ولكن،، ما هو هذا الشرط تحديداً، وما مدى إستحالة تحقيقه؟؟؟ الشرط واضح، وصريح ومباشر،، فهو يقول بثقة إنَّ عمليتي السلخ الشمسية والقمرية حتى حد سواء، وبنفس الوصف والتفاصيل التي جاءت بهذه السورة الكريمة (لم،، ولن تتغيرا أبداً عبر رحلة الزمن ما دامت السماوات والأرض)، ولن تستطيع قوة في الأرض ولا في السماء "من دون الله" أن تفعل ذلك أبداً، لأنه إن إستطاع أحد من الخلق أو حتى كل الخلق تغيير أي من هاتين الظاهرتين الكونيتين الأساسيتين حينئذ فقط (يكون النبي محمد ليس من المرسلين) وبشهادة القرآن الكريم بصفة عامة وشهادة سورة يس هذه بصفة خاصة.
ولكن،، ما علاقة ثبات هاتين الظاهرتين بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم؟ وهنا تأتي اللحظة الحاسمة الخطيرة والإعجاز والتحدي. لأن هذه الظاهرة المتعلقة بالكساء والسلخ فالكساء مرة أخرى ،،، هي ظاهرة لا يختلف عليها أثنان ولا في دقتها فهي مؤكدة ومؤيدة بدقة الوقت المحسوم أمره منذ ملايين السنين والكل يعرف دقة تقويم كل من الشمس والقمر، ولكن ما الضمان في أن تستمر هذه الدقة إلى آلاف وملايين السنين في المستقبل؟ ومن يتحمل مسئولية الإلتزام بتأكيد ضمان هذه الدقة حتى لعشرات السنين أو لسنة واحدة ؟ .. بالطبع لن يجروء أو يلتزم ويؤكد ذلك إلا من خلقهن وضبط جري الشمس ومنازل القمر، هو وحده الذي يستطيع تأكيد ذلك، ليس ذلك فحسب بل يرمز لهذا التأكيد بحرفين في مطلع هذه السورة الكريمة يؤكدان بتحدٍ أن الذي أنزل هذا القرآن ولفت الأنظار إلى هاتين الظاهرتين الكونيتين التين لم تختل أي منهما في يوم من الإيام إلَّا أن يشاء الله هو الذي قال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ﴿-;-إنك لمن المرسلين﴾-;- بشهادة كل من ("يَ" ، "سِيْنْ" )، (والقرآن الحكيم).
فما هي إذاً (يس) هذه؟؟؟ أما "القرآن الحكيم" فقد كشف سبحانه وتعالى من خلال آياته أسرار وخفايا هاتين الظاهرتين الكونيتين بكل تفاصيلمها، وأما "يس" فقد ضمن بها الله تعالى بقاء هذه الظاهرة الكونية على حالها دون أن يطرأ عليها تغيير في المستقبل، وذلك بقوله جازماً برمز الحرف (لَا الشَّمْسُ ... « ي » يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ ...) ما دامت السموات والأرض، (... وَلَا اللَّيْلُ ... « س » سَابِقُ النَّهَارِ...) إلى أن يشاء الله تعالى، وذلك بضمان من خلقهن وسواهن، الذي قال مؤكداً ذلك: (... وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ 40).
فالحرف « ي » من كلمة «ينبغي» والحرف « س » من كلمة « سابق»، هما الحرفان المتقطعان الذان رمز بها الله سبحانه وتعالى لهتين الحقيقتين المعجزتين غاية الإعجاز، ألا تستحقان أن تُكَوِّنَا معاً آية واحدة كريمة هي (يس 1) ؟ ، أليستا بهذا العمق في الإعجاز بما يكفي لتتصدرا هذه السورة التي قال المصطفى صلى الله عليه وسلم فيها "ألا لكل شيء قلباً ، وقلب القرآن يس" أو كما قال؟
أليست أية (السلخ) هذه وحدها كافية لتشهد بأن محمد صلى الله عليه وسلم الذي جاء بهذه الآية من هذه السورة وبهذا الكتاب الكريم أن يكون (من المرسلين)، و(على صراط مستقيم)؟ .. أليس كل هذا الإحكام كافياً ليقول الله تعالى فيه إنه (تنزيل العزيز الرحيم) ؟ ومع كل ذلك أراد الله تعالى أن يحاصر هولاء المكذبين الغافلين بمزيد من الآيات البينات المعجزات ليقطع حجتهم ويقيم عليهم الدليل بأنهم يستحقون ما استحقه الكثيرين الذين حق عليهم القول من المكذبين والكافرين والمشركين والمستهذئين.
إذاً والحال كذلك،، ما هو وجه التحدي؟؟؟ وجه التحدي يقول صراحةً،، من اراد أن يكذب أو يتشكك في حقيقة أن النبي الخاتم محمد بن عبد الله أو يدعي بأنه ليس من المرسلين عليه أن يغير من شروط هذا التحدي بأحد أمرين: 1. إما أن يثبت بأن الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر، 2. أو أن يجعل الليل يسبق النهار، وعليه أن يأخذ في حسبانه إستحالة ذلك تماماً لأن خالقهما قال: (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ).
الآية الثالثة: هذه الآية تبين أصناف أخرى من النعم التي أجراها الله عليهم وذريتهم، وكيف أنه سخر لهم ركوب البحر بفلكهم قال: (وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون 41) ، (وخلقنا لهم من مثله ما يركبون 42) ، وسلمناهم من الغرق برحمتنا: (وإن نشأ نغرقهم فلا صريح لهم ولا هم ينقذون 43) ، ولكن لم نشأ إغراقهم حالياً، ولم يكن تفضلنا ذلك عليهم (إلا رحمة منا ومتاعاً إلى حين 44. .
الآن نقول للباحث الذكي عن مجموعته السادسة، أنها قد نقصت أحد أضلاعها الثلاثة وفقدت (يس) التي قال إن مجموعها = 70،، ولكنه لسؤ حظه قد أنقص مجموعه فأصبحت: 153 – 70 = 83 فقط.
و سنعالج ضلعي المثلث الآخرين هما طس = 69 و طه = 14. فما رأيك في ذلك؟؟؟
ولكن قبل ذلك، دعونا نرد على بعض التساؤلات التي تردنا كثيراً عن السبب وراء البشارة بالنبي الأمي الخاتم في التوراة والإنجيل بإسم (أحمد)، بينما جاءته الرسالة بإسم (محمد)، فالبعض يظن أن هذه الأسماء قد أشكلت عليهم بعض الشيء،، فالسؤال هو (هل محمد هي أحمد؟)، أم أن البشارة به لا بد وأن تكون (أحمداً)، ولكنه عندما بعث بالرسالة لا بد أيضا من أن يكون محمداً تصديقاً لحاله ومقامه في الحالتين.
نقول لهؤلاء وبالله التوفيق،، لو نظرنا إلى الإسمين معاً نلاحظ من الوهلة الأولى ما يلي: 1. كلاهما مادته (الحمد)، 2. وكلاهما جاء بصيغة (المبالغة)، 3. والإسمان تصريفهما نفسه في الماضي والمضارع والمصدر،، تقول (حَمِدَ)، (يَحْمَدُ)، (حَمْدَاً), ولكن، علينا ملاحظة الآتي: 1. من حمد الله تعالى، قيل عنه (فلان حمد الله)، 2. أما إن أكثر الحمد لله تعالى، قيل إن (فلاناً حامد لله)، 3. أما إذا كان هناك أحد لا يدانيه آخر مثله في الحمد، قيل (فلان أحمد الناس لله تعالى)، فكأنما كل نبي بشر بالنبي الخاتم يقول (أما حامد لله تعالى)، ولكن سيأتي نبي من بعدي هو (أحمد مني لله تعالى) أو (أحمد الخلق لله تعالى)، إذاً فالبشارة به تكون من إخوانه الأنبياء والرسل بأنه (أحمدهم لله تعالى) فهو (أحمد).
أما بالمقابل فإن محمد مبالغة في الحمد، فمثلاً: 1. إذا حمد زيدٌ عمراً قيل (حُمِدَ عمرٌ)، 2. فإذا أكثر الناس الحمد على عمرٍ قيل (عَمْرٌ مَحْمُودٌ)، 3. وإذا كان هناك من لم يُحْمَدْ مثله لا قبله ولا بعده، قيل عنه (مُحَمَّدَاً)، فكان النبي الخاتم (أحْمَدَ) بِشَارةً قبل البعث والرسالة، (ومُحَمَّدَاً)، بعد الرسالة، فقد حمده الله وأثنى عليه، كما حمده الناس، فلم يذكر أحد قبله ولا بعده كما ذكر وقد عُرف بكثرة الصلاة والسلام عليه في الساعة الواحدة بملايين المرات، بل ويتنافس المسلمون في الصلاة والسلام عليه، وقد أمر الله تعالى المؤمنين بأن (يصلوا عليه ويسلموا تسليماً). فهو أول المسلمين مع إنه بعث خاتم الأنبياء والمرسلين.
في الموضوع التالي سنناقش الآية الكريمة "طس"، من سورة النمل والآية الكريمة "طه" من سورة طه، بإذن الله تعالى ليكتمل ردها على مجموعة الإفك السادسة للباحث جيسس موابا.
تحية طيبة للقراء
بشاراه أحمد
#بشاراه_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء13(ك) رد على تعليقات بعض القر
...
-
سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء 13 (ياء):
-
حوار العقلاء2 (ردود):
-
سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء13(ط):
-
سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء13(ح):
-
حوار العقلاء:
-
سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء13(ز):
-
سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء13(و):
-
سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء13(ه):
-
سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء 13 (د):
-
سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء 13(ج):
-
سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء 13(ب):
-
سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء 13(أ):
-
سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء 12(ج):
-
سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء 12(ب):
-
سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء 12(أ):
-
سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء11:
-
سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء10(ب):
-
سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء10(أ):
-
سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء9:
المزيد.....
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح
...
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|