قاسم حنون
الحوار المتمدن-العدد: 4499 - 2014 / 7 / 1 - 22:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أيّ شعبٍ قيد الفجائع والآلام ...!
أيّ وطنٍ في مهبِ المخاطر والأزمات..!
قاسم حنون
فجر الثلاثاء 10 حزيران 2014 حدث ما لم يكن متوقعا ,إذ تمكنت قوى الإرهاب المؤلفة من تنظيم داعش وحلفائه من فلول البعث وضباط الجيش والأجهزة الأمنية السابقين,تمكنت من اسقاط أكبر مدينة عراقية بعد بغداد هي الموصل ..الحدث كان له وقع الإحساس بالخطر المحدق الذي يتهدد مكاسب شعبنا وآماله في الاستقرار السياسي والتنمية واشاعة الحريات وترسيخ الديمقراطية ,الإدارات الحكومية في المناطق المعنية وجدت نفسها خارج المدينة وكأن الأمر لايعنيها إذ حفظ الأمن والتصدي للإرهاب مهمة حصرية لقوات الحكومة الاتحادية وأجهزتها الاستخبارية كما يبدو أو يشاع, ثمة فجوة ظاهرة بين مجلس المحافظة ومحافظ نينوى وبين قيادات الجيش تسببت بغياب التنسيق والريبة المتبادلة , ما مدى مسؤولية القوى السياسية التي حصدت الفوز بأصوات ناخبي المحافظة في انتخابات 30 نيسان 2014 عما جرى ؟ .لسنوات مضت انغمرت القوى المتنفذة في تحصيل مكاسبها وتبوأ المناصب واهدار الثروة الوطنية على حساب التطلع المشروع لشعبنا في الحياة الحرة الكريمة وتصفية مخلفات الدكتاتورية التي جثمت على صدور العراقيين عقودا..( ممثلو السنة ) لا يملًون من إظهار السخط والشكوى من التهميش والخلل في التوازن دون أن يتعرفوا على المشكلات الحقيقية لمحافظاتهم ودون أن يسهموا في تنمية مجتمعاتهم المحلية وهم نزلاء شبه دائميين في فنادق عمان وأنقرة والإمارات حتى ( همشتهم )داعش وحلفاؤها إذ أسقطتهم في منطقة انعدام الوزن فلم يعد ثمة من يمثلونه علاوة على إنهم أظهروا ميلا فاترا في التعاطي مع تسلل القاعدة من قبل ومع سيطرة الجماعات المسلحة على مناطقهم فيما بعد, و( ممثلو الشيعة ) أوغلوا في حصاد الغنائم ولم يكترثوا لبلاد تترنح تحت معاول الإرهاب والفساد والتشرذم يستخفهم الاستحقاق الانتخابي والكتلة الأكبر وحكم الأكثرية ( المذهبية ) بينما يكون نصيب الملايين مواكب الأحزان وطقوس العزاء وسوء الخدمات والبطا لة وتنامي مؤشرات الفقر والتهميش الاجتماعي , أما الكورد فعين على دولة كردستان المنشودة وعين على الخزانة الإتحادية يلوحون بالإنفصال كلما عنً لهم ذلك أو بقصد ابتزاز المركز كأن البلاد سفينة آيلة للغرق وعليهم اخراج ما هو متاح من أمتعة وأموال ,وتجلى بوضوح اخفاق القوات الأمنية في التصدي للأرهاب ووسائله الأجرامية في النيل من المدنيين وتهديد الأمن الوطني رغم الإنفاق البذخي على تشكيلاته وتجهيزاته وتمنعت الحكومة عن تقديم كشف حساب ومراجعة لأخطاء القوى الأمنية واخفاقاتها ,ولم تتوفر قاعدة معلومات كافية لاستباق الهجمات الارهابية واجهاضها فيما اقتصرت الحلول على معالجات بوليسية أوممارسات بونابرتية تقوم على التجريب الخشن أو التوظيف النفعي المتحيز لفقرات محددة في قانون مكافحة الإرهاب بدا وكأن طائفة بعينها هي المستهدفة بتشريع وتفسير القانون , وظل الجنرالات المتخمون بموائد الفساد يمارسون أعمالهم في غرف مكيفة يدبجون التقارير عن انتصارات وهمية في تفكيك الخلايا النائمة والقاء القبض على ولاة وأمراء القاعدة وشن غارات على مواقع الارهابيين والتسابق على إحالة متهمين للقضاء, حتى صحونا على فجر مخضب بالدم والانكسار المهين لعدة ألوية وأفواج من الجيش والشرطة الإتحادية لأكثر من ثلاث فرق إضافة إلى قوات سوات ومكافحة الإرهاب وهي تترك مواقعها في المعسكرات أو على مشارف الموصل مخلفة معداتها وأسلحتها وتجهيزاتها التي تقدر بمليارات الدولارات..صار الحدث طبقا شهيا للفضائيات ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي واتخذ حزيران العراقيين مكانه في كرونولوجيا الهزائم السياسية والعسكرية ..لنتذكر حزيران 1967 وحزيران بيروت 1982 على إن الفارق في التاريخين المذكورين هو قدرات العدو القتالية وامكانياته التقنية وتوفره على دعم دولي كبير ,فما لذي كان بوسع جماعات مسلحة لايتعدى عديدها ثلاثة آلاف مقاتل أن تفعله إزاء جيش منظم وكبير يتوفر على امكانيات دولة وعقود سلاح وبرامج تدريب ودعم سياسي ومعنوي ؟ لقد داهم الحدث القوى المتنفذة وهي في سكرة حساباتها بالفوز بمغانم السلطة دون أن تكترث لمآل البلاد وهي تنزلق لمهاوي التقسيم والشعب وهو يتلظى بالتفجيرات التي تحصد يوميا العشرات من أبنائه فضلا عن سوء الخدمات وتفاقم الفساد وفشل الإدارات الحكومية ,مضت أربع سنوات من عمر الإئتلاف الحاكم كانت زاخرة بالأزمات والتجاذبات والمعارك الكلامية والاحتجاجات حتى صارمشهد البلاد وهي تتجه لإجراء الانتخابات التشريعية في 30 نيسان 2014 وكأنها تخوض حربا ضارية قوامها المطامع السلطوية والأوهام الطائفية والمصالح الضيقة, وغابت مصالح الشعب وحقوقه وآماله في لجة الاندفاع المخيف لقوى لم تتورع عن الزج بكل الامكانيات والخطط والتواطؤات من أجل الحصول على مايمكنها من الإستمرار بلعبتها المشؤومة التي كبدت الوطن خسائر باهظة ,حتى توج هذا التنافر البليد في عدم إقرار الموازنة الاتحادية لعام 2014 وصارت الوحدة الوطنية هدفا بعيد المنال تقصر دونه محاولات أمراء الطوائف الذين حولوا التعددية السياسية الى سيرك مخيف من الألعاب البهلوانية والمجازفات الخطرة تعبر عن الاستهانة بحياة الشعب ..ذهبت هدرا فعاليات الحوار على الطاولات المستديرة واجتماعات ميثاق الشرف ومؤتمرات المصالحة الزائفة التي كشفت عن عورات النظام القائم ونمط تعاطيه مع الانشطار المجتمعي الذي ترعاه وتعززه قوى متنفذة مدعومة بتوجهات اقليمية ومنظومات عقائدية راسخة بينما تلقي الأزمة السورية بظلالها الثقيلة على المشهد برمته فيما لا تدع قوى الإرهاب التكفيري وشراذم البعث الفاشي فرصة إلا اهتبلتها في الحاق الأذى بالعراقيين والافادة من المطالب العادلة لمناطق معينة واخفاق الحكومة في الاستجابة لها لتحقيق اختراقها الأمني وهي تجدد وسائلها باستمرار واستمرأت التفريط بمصالح الشعب ودمائه وآماله لغايات سلطوية وأهداف شريرة ,هكذا تحول المشروع ( القومي الوحدوي ) للبعث الى نسق ديني طائفي موبوء بسلوك عدواني يتخفى تحت عناوين ( النقشبندية ) و( الجيش الاسلامي ) و ( أهل السنة ) والأنضواء تحت راية مشروع إصولي متشدد عابر للأوطان والقوميات قوامه الفتك والتخريب والتدمير دونما خطاب سياسي يقوم على مراجعة نقدية لحقبة الدكتاتورية البعثية, وهاهي اليوم تحرز موطئ قدم ثقيلة باقتطاع مناطق واسعة ربما تتكامل مع ما أحرزته في شرق سوريا ليمثل منعطفا جيوسياسيا هو الأخطر بعد الحرب العالمية الثانية يهدد بتقسيم العراق واشعال الفتنة الطائفية وتحويله الى مستنقع سوري أوصومالي إذا لم يتدارك الفاعلون السياسيون مخاطر الأزمة ويتجنبوا تحصيل المكاسب الجزئية على حساب وحدة الوطن ومستقبله ..لقد ثبت بما لايدع مجالا للشك الأخطاء الكثيرة التي ارتكبت خلال أكثر من عشر سنوات في ادارة الدولة وفي اعادة بناء القوات المسلحة والأجهزة الأمنية ..لم تكن انتكاسة قواتنا في الموصل ثم انسحابها من تكريت وكركوك ومناطق في الأنبار انتكاسة للفريق الحاكم وحده , وهو يتحمل قسطا كبيرا منها ,فالقوات المسلحة كانت وستبقى رهان الشعب وحصنه المنيع والقوة المؤهلة لدرء المخاطر وحماية مكتسبات الشعب ومجابهة أعدائه , لذا فإن مهمة إعادة بنائها ليست مهمة السلطة التنفيذية وحدها ولا ينبغي أن تستخدم لغايات سياسية وحزبية محددة بل هي مهمة القوى والفعاليات الاجتماعية والسياسية المختلفة لاعادة بناء منظومة دفاعية تقوم على الولاء للوطن وتأمين سيادته والاستعانة بالخبرات الوطنية الكفوءة والمجرية وتبني عقيدة قتالية منسجمة مع التغيرات السياسية في العراق والعالم واعادة تجهيزه بأسلحة ومعدات و برامج تدريب حديثة ,ولا ينبغي تحويل انتكاستها الى منصة للتعريض والإساءة بقصد اسقاط هيبتها وتقويض سمعتها كمؤسسة وطنية لها تاريخها ومكانتها بين الجيوش العربية ,وتعلو فوق ذلك مهمة مراجعة ( العملية السياسية ) التي دشنها الغزو الأمبريالي بعد نيسان 2003 وهي مهمة ليست يسيرة على أية حال ولكنها تقتضي التحلي بالصبر والحكمة والاحساس بالمسؤولية الوطنية والأخلاقية ازاء مصالح الشعب و وحدة البلاد ومصائرها ,إن التغيرات السياسية والأحداث الدراماتيكية في بلدان ما أطلق عليها الربيع العربي أظهرت بجلاء قصور الأسلام السياسي حركات ومنظورا سياسيا وثقافيا عن التأسيس المنهجي والتجسيد الملموس لأواليات الدولة الحديثة وظل يدور حول آلياتها دون النفاذ الى جوهرها وتفهم اشكالياتها ففي دول تقوم على أحادية دينية ومذهبية ( تونس ,ليبيا) فشل الإسلاميون في تحقيق الوئام الاجتماعي والاستقرار السياسي والأمني وكذلك في مصر حين ألقى المجتمع المدني بأحزلبه ومنظماته ومؤسساته العريقة بمهمة تصحيح المسار على عاتق الجيش فنهض بمبادرته الخلاقة في 30 يونيو 2013 ,إن هذه التطورات لا ينبغي أن تغرب عن اهتمامنا فنتصور أنفسنا محصنين بخصوصية مفترضة بينما نخوض في برك الدم وأوحال الفساد والجريمة والفوضى والخراب ..لأكثر من عشر سنوات يتقاذف المتنفذون كرة النار لتصيب بضررها الآلاف من أبناء الشعب ,يتبادلون الاتهامات بالطائفية والتسبب في الاحتقان الطائفي والعنف المستمر ولا أحد يجرأ على مقاربة الأسباب الجوهرية لتعثر العملية السياسية وانهيارها الوشيك ولا أمل يلوح في الأفق لحل الأستعصاءات ورفع الكوابح عن مسار التحولات السياسية وبناء منظومة سياسية يتم بموجبها إرساء عقد اجتماعي جديد ..فهل بمقدور القوى الفاعلة إجراء هذا التحول الضروري والحاسم ؟
#قاسم_حنون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟