أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أنطونيوس نبيل - اللسان المبتور














المزيد.....

اللسان المبتور


أنطونيوس نبيل

الحوار المتمدن-العدد: 4498 - 2014 / 6 / 30 - 11:33
المحور: الادب والفن
    


أخبروكم قديماً بأن اللُّغةَ وعاءٌ للحكمةِ، ومصائدُ لا محيص عنها في اصطيادِ هوائمِ الأحلامِ.. أما أنا فأراكم قد اقتحبتم إثماً جليلاً، حين اعتقدتم فيما قِيلَ لكم..

لقد جعلتم مِن ألسنتِكُم سدًّا منيعاً، بينكم وبين أرواحِكُم.. ها أنذا بما تبقَّى مِن أسناني النَخِرة أجتثُّ لساني من جُذورِه الواتدةِ، وأبصقُهُ في وجوهِكُم الثرثارةِ، علَّني أغدو ثُغْرةً في ذاك السدِّ..

لقد دغدغتُ بأقدامي كلَّ أرجاءِ المسكونةِ وعَفَّرتُ بأنفاسي ثوبَ الريحِ الموشى بالبرقِ والزيوفِ.. لقد دثَّرتُ بظلِّي الثرى أينما وُجِدَ، الأوديةُ، الهضابُ، الميادينُ، القُرى، الجبالُ، أرحامُ الأنهارِ، الأحراشُ، الصحاري، كانت جميعُها كتباً مقدسةً: مَحَصْتُها بعنايةٍ بالغة والتَهَمْتُ في سبيلِها سِنِي غُربتي، تفرستُها بخطواتي وانكببتُ عليها مرتحلاً إلى أن وهنتْ عظامي وغَدَتْ وابلاً من العَرَقِ ينصابُ على صفحةِ روحي المُغَضَّنة.. كل هذا ولم أفقهُ شيئاً يُذْكَر..

كفاكم هتافاً.. ليس بجعبتي من الوصايا ما يُشْنِفُ صِماخَ قلوبِكُم الصلدة.. صوتي نزيفٌ لا جُرحَ له.. الحق الحق أقول لكم: لن تتطهروا من رجسِكُم، إن لم تؤمنوا بأن اللُّغةَ ما هي إلا برصُ الذاكرة..

(يَتفُلُ المسيحُ لسانَهُ بعد أن بترَهُ بأسنانِهِ، ينحني إلى الأرضِ، والدمُ المتقاطرُ من فيِهِ ينبسطُ قبالته بركةً ضئيلةً: بركةً لا يُزعِجُ سطحَها الصقيلَ إلا رفيفُ فراشةٍ تترنح، بركةً تَعْكِسُ شذراتٍ مُضبَّبةً من وجهِ غضبتِهِ الأليمة، يلتقطُ قُرمةَ اللسانِ بيسراه، يُخرجُ بيمناه من جيبِ قميصِهِ وشاحَ رهاف العابقَ بثُمالةِ عطرِها اللاهبِ والذي كانت بِهِ تُخفي فِرْدَوسَ وجهِهِا، يغمسُ مُضغةَ اللحمِ في البركةِ ثم يرقمُ على الوشاحِ حروفاً قانيةً حتى تجِفُّ المضغةُ فيعودُ ليغمسَها)

بينكم وبين الكلمةِ قُبلةٌ مبيرةٌ، ومداعبةٌ شعواءُ، وحِضنٌ ضَروسٌ.. بينكم وبين الكلمةِ زفراتٌ دَبِقةٌ: مِن صَلصَال أنينِها يصوغُ الأرقُ قبوراً لأحلامِكُم، ومِن مَعْدِنِ رعشتِها أسياخاً مُجمَّرةً تُسْمَلُ بها عيونُ أبطالِكُم الملاعين.. بينكم وبين الكلمةِ سدائلُ مخشوشنةٌ: سَدَاها من مطرٍ يتقمَّصُ القيحُ بين أناملِهِ هيئةَ الأقاحي، ولُحمتُها من ظمإٍ لا يُنهنِهُ غليلَ الظِّلالِ سوى أقداحٍ مُترعةٍ بخمرِ دمِهِ ممزوجاً بلذوعةِ الخَلِّ.. بينكم وبين الكلمةِ مرايا مُسْحَنكِكَةٌ: على متونِها تُصْلَبُ المسافاتُ ليصيرَ للوصولِ نكهةُ الجُرح وللمعانقةِ رائحةُ الغياب، وأحشاؤها النَوافِرُ تتقيَّأُ طُيوفَ الشاخصين تقزُّزاً فإذ بوجوهِهم أقنعةٌ كِسْوَتُها الجُذامُ وحِشْوَتُها النَغَفُ.. بينكم وبين الكلمةِ أسوارٌ سامقةٌ مِن خَرَسٍ ثخينٍ لا فُرْجَةَ فيها لبَخورِ صلواتِكُم الفاترة.. وما كلُّ هذي إلا انا

(يقرأُ المسيحُ النصَّ المرقومَ على الوشاحِ متمهلاً كي لا يَغْفُلَ عن شيءٍ يستحقُ التنقيحَ، يلمحُ ثَلْماً في إحدى الكلماتِ، فيغمسُ لسانَهُ المبتورِ في بركة الدمِ فلا يَجِدَ إلا الوحلَ عالقاً بِهِ، يكتشفُ أن الأرضَ تجرَّعتْ نبيذَ شرايينهِ بنهمٍ لم يترك له رشفةً أخيرة يضعُّ بها همزةً على ألف "أنا" التي خَتَمَ بها النصَّ، يُمدِّدُ قامتَهُ النحيلةَ بحذاء البركةِ اليابسةِ ويتوسَّدُ الوشاحَ المضرَّجَ بالكلماتِ، وبينما يهمِسُ مغمغماً "رهاف"، تنطفِئُ رجفةُ جسدِهِ ويغفو مبتسماً)



#أنطونيوس_نبيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ديوجين وأنفاس رهاف
- خصية على مذبح الانتظار
- المسيح يقرر الانتحار
- وجهان للصمت
- ألغاط في تعريف الجمال
- المزامير المحذوفة
- سفر الحكمة
- الموعظة على المعبر
- ألفريد نويس: الحصن المزدوج
- فولفجانج بورشرت – تحريض
- نص السيف وخمر الهامش
- جثة منزوعة الموت
- سجناء الأيقونة: جيفارا والمعري
- مناجاة هاملت الغفاري
- حديث البذرة والأشباه
- انتحار المرايا
- لثماتٌ لا تندمل
- نحو قصيدة جنائية
- لو ترونج لو - صوت الخريف
- الصليل القاني


المزيد.....




- ثبتها الآن.. تردد قناة كراميش للأطفال 2024 على القمر الصناعي ...
- جيمس كاميرون يشتري حقوق كتاب تشارلز بيليغريمو لتصوير فيلم عن ...
- كأنها خرجت من أفلام الخيال العلمي.. ألق نظرة على مباني العصر ...
- شاهد.. مشاركون دوليون يشيدون بالنسخة الثالثة من -أيام الجزير ...
- وسط حفل موسيقي.. عضوان بفرقة غنائية يتشاجران فجأة على المسرح ...
- مجددًا.. اعتقال مغني الراب شون كومز في مانهاتن والتهم الجديد ...
- أفلام أجنبي طول اليوم .. ثبت جميع ترددات قنوات الأفلام وقضيه ...
- وعود الساسة كوميديا سوداء.. احذر سرقة أسنانك في -جورجيا البا ...
- عيون عربية تشاهد -الحسناء النائمة- في عرض مباشر من مسرح -الب ...
- موقف غير لائق في ملهى ليلي يحرج شاكيرا ويدفعها لمغادرة المسر ...


المزيد.....

- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى
- ظروف استثنائية / عبد الباقي يوسف
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل ... / رانيا سحنون - بسمة زريق
- البنية الدراميــة في مســرح الطفل مسرحية الأميرة حب الرمان ... / زوليخة بساعد - هاجر عبدي
- التحليل السردي في رواية " شط الإسكندرية يا شط الهوى / نسرين بوشناقة - آمنة خناش
- تعال معي نطور فن الكره رواية كاملة / كاظم حسن سعيد
- خصوصية الكتابة الروائية لدى السيد حافظ مسافرون بلا هوي ... / أمينة بوسيف - سعاد بن حميدة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أنطونيوس نبيل - اللسان المبتور