محمد خضر خزعلي
الحوار المتمدن-العدد: 4494 - 2014 / 6 / 26 - 17:36
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كم كنت مثاليا في اواسط عام 2012 عندما اعتقدت في مشروع تخرجي في البكالوريوس ان الحسم في الثورات العربية وقلب الوضع الراهن مرهون بعدة خيارات , كان الخيار الاول وهو الخيار المثالي : تنحي النخب الحاكمة عن السلطة بملئ ارادتها لصوت مؤسسة الشارع العربي المطالب بالتغير , مما يؤدي الى تجنب اراقة هذا الكم من الدماء , ولكن التقاليد العربية في هذا الخيار لا تقدم اي دعم له بتاتا.
اما الخيار الثاني فقد كان مرهونا بموقف الجيش لطرف ضد اخر , فيكون له القدرة على الحسم , فبظغط الجيش المصري تنحى مبارك لا سيما ان يداه لم تتلطخ بدماء المصرين الشرفاء ولم يبدي للسلطة اي ومضة لقبوله الانحياز لها ضد الشعب , فكان انحيازه للوطن , وادى الى رحيل مبارك كما موقف الجيش التونسي في ثورة الياسمين , و بناءا على موقف الجيش تتضح معالم الخيار الثالث وجودا او عدما.
الخيار الثالث هو القيام بتدخل خارجي لإجبار النخب الحاكمة على التنحي , أذا ما وقف الجيش مع السلطة واستمرت الانظمة في ردها السلبي , الامر الذي يعني استعمال القوة ضد المتظاهرين مما يؤدي الى التدخل الخارجي بغض النظر عن مسماه اكان تحت غطاء انساني او تحالف دولي للقضاء على الارهاب او باسم الاستقرار.
اذا ما استثنينا الخيار الاول المثالي , يبقى لدينا الخياران السابقين , ويبدو منهما ان الجيش هو الذي يملك الحسم بنسبة كبيرة وحسب الظروف المختلفة , وذلك حسب موقفه من الثورة او الازمة , فموقف كل من الجيش المصري والتونسي حسم الامر لصالح الشعب المطالب بإسقاط النظام , ذلك عندما لم يهاجم الشعب او يصطف لجانب السلطة ضد الشعب.
وهنا لم يكن اي مبرر لإيجاد تدخل خارجي , اما الجيش السوري فأنه اصطف لجانب النظام ولا شك ان ردودهما كانت سلبية فاستعمال القوة كان واضحا وجليا للعيان من خلال مشاهداتنا اليومية ومن خلال كم النازحين والمهاجرين السوريين.
لكن الامر هنا لم يؤدي الى حسم النزاع بين المتظاهرين والنظام , وموقف الجيش على الرغم من انه مع السلطة فأنه لم يقدر حتى الان على انهاء الازمة .
حيث ان تصور الخيارات السابقة كان تستند الى ان الثورة سلمية وحدود التدخل الخارجي غير المباشر سري وليس علنيا ولا يتعدى الدعم السياسي والدبلوماسي ولا يزيد عن الانساني.
لكن الامور جرت على خلاف ذلك
اذا هناك اطراف اخرى ويجب نقل التحليل الى مستوى اخر:
وقوف الجيش مع النظام لم يحسم المعركة , مما يعني ضرورة اللجوء الى الخيار الثالث بسبب موقف الجيش من وقوفه مع السلطة ,لكن هل هناك حدوى منه في الازمة السورية؟
تشهد العلاقات الدولية تغيرات دولية عميقة منها , ان الدولة العظمى الولايات المتحدة لا تريد التدخل المباشر للتأثير وحل النزاع مخافة استنزاف مواردها كما حصل معها في المستنقعين , العراق وافغانستان , ثم قول الباحثين بأنها تتجه الى شرق اسيا بعلاقاتها , ثم معاناتها من الازمة الاقتصادية , والتراجع التدريجي في مكانتها الدولية , وهنا فأن الاستناد يتجه نحو اوروبا والتي ليست افضل حالا من سابقتها نظرا لتكاليف التدخل المباشر اذا ما ادركنا ان سوريا ليست كما ليبيا تمتلك نفط نظيفا , او كما العراق التي تمتلك مخزونا كبيرا من النفط قد يغطي تكاليفها , ثم يعطيها مزايا جيواستراتيجية في المنطقة وللتضيق على ايران او روسيا , هذا من ناحية , اما الناحية الثانية فأن استمرار النزاع يدل على وجود تدخل غير مباشر بشكل كبير , والذي يكمن في ان هناك اطراف دولية تدعم طرفي النزاع كما نفهم بالنسبة للمعارضة التي تمسكت بالغرب راجية تدخلها المباشر لكنه لم يرقى الى تزويدها في السلاح والصوت الاعلامي من الخليج وتركيا , ودعم غربي في النطاق الطبي والاستخباراتي والمعونات , ودعم دبلوماسي امريكي وبشد خناق العقوبات الاقتصادية على النظام , ودعم ديني في الفتاوى وتقديم الرجال المجاهدين من الحركات الاسلامية.
اما من ناحية ثالثة فأن هناك اطرافا تدعم النظام ,فروسيا تقدم دعم مادي ومعنوي للنظام السوري لتحتفظ لنفسها بموطأ قدم في بحر طرطوس وللحفاظ على سوق اسلحتها السورية ولدوافع اخرى تعكس توجهاتها العالمية للمشاركة في صنع القرار بعدما عرفنا ذاك التراجع الامريكي في المنطقة , فالدعم الروسي من باب ملئ الفراغ الامريكي , ثم ان الدعم الصيني للنظام تجلى في فيتو مجلس الامن اذا ما شعرت بالقرار سؤدي الى تدخل مباشر , اما ايران وحزب الله فأنها تقدم دعم مادي ومعنوي للنظام كلٌ لمصالحه واطماعه المعروفة .
وهنا امام هذا الوضع يذهب الباحثين الى ان هناك توازنا بين طرفي المعادلة او النظام السوري والاطراف المعارضة الاخرى , يحول دون انهاء النزاع , مما يعني ان النزاع في هذه الحالة سيطول كثيرا لاسيما خلال تواصل استمرار الدعم من كلا الجهتين.
مما يعود بنا الى خيار موقف الجيش السوري من الازمة السورية والتأمل بوقوفه الى جانب الثوار , لكن هل الجيش السوري سيصطف مع الثوار ...؟ لابد من معرفة تكوينه اولا:
حسب بعض التقارير فأن الجيش السوري لن يترك النظام نظرا لطبيعة تكوينه الجوهرية , فقد اعتمد حافظ الاسد واستند على الاقليات في سوريا كالدروز والمسيحين بالإضافة الى الطائفة العلوية وبعض السنيون من الطبقة الوسطى , وقدم امتيازات لشركائه وعين أبناء الأقلية العلوية وحلفائهم في المواقع المركزية في الجيش وقوات الأمن , وهنا ترى هذه الاقليات بالنظام هو صمام الامان حاليا وان امنها مرهون بأمن النظام , خصوصا ان المعارضة التي تطالب بالطموحات شعبية فأن حالها يرثى لها , حيث لم يستطع معارضوا النظام والمجموعات الاسلامية وعلى مدار فترة الازمة من توحيد صفوفها ضد النظام مما يؤهلهم لحسم المعركة مع استمرار تدفق الدعم لها , خصوصا ان المعارضة تركزت في مناطق تعرفها جيدا بخلاف الجيش السوري الذي يعمل وفق الطلب من مكان الى مكان , وسياسيا فأن الخلافات ما بين اجنحة المعارضة تقلل من بريق جلب واصطفاف تلك الاقليات حولها , ومن ناحية اخرى فأنها بدأت تفقد اهمية الدعم الدبلوماسي لها نظرا لتشتت جهودها خصوصا بعد تقاتل الجيش الحر مع للحركات الاسلامية الامر الذي انعكس على عدم جدوى التدخل الغربي غير المباشر, في حين يبقى الخيار الوحيد هو الاستنزاف عنفا بكافة الجهات , الامر الذي تطمع به السعودية في حربها مع ايران على الشرق الاوسط , في حين ان النظام يجعل من خسائره مكاسب قدر الامكان , وهذا ما يظهر جليا في قضية الاسلحة الكيماوية , حيث استطاع النظام بعد ضربه الكيماوي من تحويل هذه الجريمة من اداة للتدخل الخارجي الى اداه لتثبيت شرعيته اكثر بعدما اقتنص فرصة المبادرة الروسية لتدمير هذا السلاح بشراكة امريكية اوروبية , اي انه اصبح شريكا دوليا في اتفاق دولي يعطيه مزيدا من الوقت للمناورة. مما ادى الى تراجع مكانة المعارضة لصالح النظام خصوصا بعد تزايد من يدعو لبقائه من اطراف محلية ودولية.
خلاصة : يبدو ان النزاع حسب تصوري وفهمي البسيط انه لا يسير الى الحل واعتقد انه سيستمر لمدة تتجاوز اقلها الخمس سنوات نظرا لموقف الجيش من ناحية , وموقف المتصارعين ودعمهم للأطراف من ناحية ,واعتقد ان الحل لإنهاء النزاع لا يكون الا بعدة شروط جديدة:
1-حدوث تغير عميق في بنية النظام الدولي , ورغم الاتجاه القائل بسير النظام الدولي نحو بنية جديدة تنتقل معها السلطة في هرم هذا النظام من الولايات المتحدة الى غيرها , الا ان هذه السلطة ستكون بيد عدة دول بشكل متقارب ومتساوي هذا فضلا عن طبيعة التصارع في الفترات الانتقالية بالإضافة الى حدة وطول الفترة في التنافس , مما يعني ايجاد اتفاق دولي حول الازمة السورية سيزيد لمدة لا عن عشرة سنوات او اكثر , او من خلال اتفاق دولي بين القوى المتنافسة والمتصارعة على المصالح قد تؤدي الى انهاء النزاع سواء اكان لصالح النظام ام لصالح المعارضة , من خلال التوقف عن دعم احد الاطراف لإحداث تغيرا في عملية النزاع ليحسم الازمة والنزاع طرف ضد اخر. وهنا يكون المنتصر سواءا بالمهزوم في امتثاله لشروط غيره.
2- ضرورة قيام الثوار بتوحيد جهودهم والبروز بشكل موحد يضم كافة الاجنحة , وتعمل على ديمقراطية واضحة في نظامها الاساسي لتمثل عملية جلب للأقليات المساندة للنظام مما يضعف قدرات الجيش التي تكونه لأنها ستنشق عنه , والاستفادة بقدرة اكبر من الدعم الدبلوماسي والاقتصادي والعسكري من الدول الاخرى , ومحاولة اغراء الدول الداعمة للنظام بأنها بديل محتمل عن النظام , الامر الذي قد يؤدي لإنهاء النزاع مع النظام وانتصارها عليه .هذا اذا كان صراعهم لأجل سوريا لا في سوريا وعليها.
#محمد_خضر_خزعلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟