|
حتى نفهم التطرف السلفي المسلح
حسن محسن رمضان
الحوار المتمدن-العدد: 4491 - 2014 / 6 / 23 - 23:04
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تُعتبر السلفيات الإسلامية المتطرفة والجهادية خطر يهدد مجتمعات متعددة من الداخل فضلاً عن أن لديها قدرة واضحة جداً لاستقطاب منتسبيها من الخارج ليقاتلوا على أرض غريبة، ولذلك فإن الجميع، وبحق، يستشعر بخطر داهم. وتكمن صعوبة القدرة على القضاء نهائياً على تلك المناهج العقائدية في حقيقة أن المحرك الحقيقي لتلك الجماعات هو ليس فقط، كما يدعي البعض لأسباب متعددة، فقه سلفي ذو نصوص يجري تفسيرها ضمن سياق متشدد متطرف محدد، ولكن أيضاً سلسلة من المتغيرات الظرفية والمكانية والتاريخية. فمثلاً، وكما كتبت في كتابي (تشريح الفكر السلفي المتطرف): "لا يمكننا إطلاقـاً إنكار الدور المهم والجوهري الذي لعبته الدول الغربية ذات المصالح الإستعمارية بشقيها السياسي والاقتصادي في المنطقة في بروز وتفاقم الفكر المتطرف والتي اكتوت هي بناره لاحقـاً. فهي في وقت من الأوقات قد دعمت الجماعات السلفية المتطرفة بالمال والسلاح كما حدث في المواجهة غير المباشرة بين الكتلتين العظميين المتصارعتين حينها عند الإحتلال السوفييتي لأفغانستان. ولا يمكننا أيضاً أن ننكر دور الديكتاتوريات والنزعات الرسمية التسلطية والقمع وكبت الحريات والمعتقلات وانعدام الوسائل السلمية للمعارضة في الدول العربية والإسلامية في بروز هذه الحالة. ولا يمكننا أن ننكر دور حالة الفقر وانعدام فرص العمل والتباين الشديد بين الأقلية الثرية المتسلطة والأغلبية الفقيرة المسحوقة. ولا يمكننا أن ننكر دور حالة الإغتراب على المستوى الإسلامي الحضاري وبروز تهديد حقيقي لتميّز الهوّية الإسلامية في ظل ظروف التخلف وانعدام التنمية الحقيقية. ولا يمكننا أن ننكر دور حالة الهزائم السياسية والعسكرية التي عانت منها الدول العربية والإسلامية، ولا تزال، على مدى الستين سنة الماضية تحت راية الدول القومية والعلمانية والإشتراكية في بروز حالة من الرفض الواعي لهذه الشعارات والحنين إلى انتصارات الماضي "السلفي" الإسلامي. ولا يمكننا أن ننكر الدور الكارثي الذي لعبته إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش في إدارة الصراع ضد الإرهاب بمحاوره العسكرية والسياسية والقانونية، وحتى على مستوى حقوق الإنسان والتي كانت تستخدمه هي كورقة ضغط ضد بعض الدول. كما لا يمكننا أن ننكر دور حالة الفصام التي تميزت به الدول العربية على الخصوص فيما يتعلق بأنظمتها السياسية من جهة، ووصفها لمجتمعاتها التي تحكمها من جهة ثانية. فالأمر في حالة الفصام هذه لا يعدو أحد أمرين، إما أنظمة تدعي الحكم بالشريعة الإسلامية وتطبيقها في مجتمعاتها بينما ينخرط رؤساؤها وحكوماتها في ممارسات هي أبعد ما تكون عن أبسط مبادئ الدين من حيث الإنسانية والعدالة والمساواة والأمانة والنزاهة في الذمة المالية أو الخُلقية، أو أنظمة متسلطة علمانية بدرجة أو بأخرى وتكرر على مسامع مجتمعاتها، ليلاً نهاراً، بأنها مجتمعات مسلمة، محافظة، ويلعب فيها رجل الدين دوراً ما بدرجة أو بأخرى. فالحالة الأولى أفرزت متطرفين من كل شكل ولون، ولكن الحالة الثانية أفرزت متطرفين قبل الحالة الأولى وبسنوات طويلة وليكونوا قدوة ورموزاً لمن أتى بعدهم في الحالة الأولى".
هذا الخليط من الأحداث والظروف والتاريخ والنصوص، هي كلها، أفرزت التطرف السلفي المسلح. ولذلك، فإننا نحتاج أن (نفهم التطرف السلفي) قبل أن نقاتله. (فمن السذاجة المتناهية بمكان أن نعتقد أننا إذا حملنا السلاح فقط فإن هذا المنهج سوف يموت إلى الأبد)، إذ هذا المنهج عمره اليوم ما لا يقل عن 1150 سنة، ونتج عن تراكمات المعارك الفقهية مع المعتزلة والأشاعرة، وتراكمات المعارك السياسية العنيفة مع سلسلة من الخلفاء العباسيين (المأمون – المعتصم - الواثق)، وتراكمات وفقه المعارك الوحشية التي شنها الصليبيون على المنطقة واستباحوا كل شيء فيها [انظر على سبيل المثال فقه الانغماس وفقه التترس اللذان يستخدمان اليوم في عمليات تفجير النفس وسط جمهور مدني بريء]، والتهميش والازدراء الذي عانى منه السلفيون لمدة تزيد على إحدى عشر قرناً، إذ كانوا ولا زالوا أقلية، ولينتج عن هذا التهميش الاجتماعي والفقهي على مدى التاريخ مبدأهم الشهير (الجماعة من كان على الحق وإن كنت وحدك). بل إن التفريع على هذا المبدأ الأخير، مبدأ أقلية الجماعة إلى حدود الفرد، هو الذي يُبدي للباحث أسباب تلك الاستمرارية، إذ يقول أبو شامة [عبد الرحمن بن إسماعيل أبو القاسم المقدسي ثم الدمشقي، توفي 665 هـ]: "جاء الأمر بلزوم الجماعة، فالمراد به لزوم الحق واتِّباعه وإن كان المتمسك بالحق قليلاً والمخالف كثيراً"، وجاء في مصدر آخر: "لقد تبين لذي عينين أن الجماعة هي ما وافق الحق ولو كان وحده، وهذه الطائفة المنصورة (...) فلا جرم أن تكون هذه الطائفة المنصورة هي الجماعة، وهي السواد الأعظم، لأنها الجماعة". تلك الجماعات السلفية المتطرفة (تعتقد في نفسها أنها هي الجماعة، وأنها هي الطائفة المنصورة، وأنها هي صاحبة الحق والحقيقة). مع كل تلك الظروف، ومِنْ كل تلك الظروف، ومن خلال كل تلك التفريعات الفقهية، نشأت واستمرت السلفيات المتطرفة، (والواهم فقط) من يعتقد أنها ستموت. ولكن، (يمكننا تحجيمها إلى الوضع التي كانت عليه قبل أقل من مئة سنة ماضية)، وهو الوضع الذي كانت دائماً عليه في التاريخ الإسلامي: (أقلية عقائدية، مغلقة ومحصورة في رقع جغرافية صغيرة جداً معزولة، تبرز قوتها القتالية المتفانية إلى حدود قتل النفس في وقت الأزمات، وتتمتع بلا مركزية فقهية تهيؤها لأن تُشكل مرجعيات دينية تفاجئ حتى أكثر الأشاعرة أو المعتزلة تطرفاً). ولذلك، فإن القتال العسكري ضد هذه المجموعات، على أهميته، فإنه أيضاً يستدعي النظر في الظروف المتغيرة التي أحاطت بالأمة الإسلامية وجعلت تلك الجماعات الصغيرة ذات قدرة على الاستقطاب. فمن دون إزالة الظرف، ستبقى تلك الجماعات تقاتل وتستقطب أفراداً جدد. انظروا فقط هزيمة جماعة القاعدة العسكرية، وقتل أسامة بن لادن، وقارنوا ما يحدث الآن في سوريا والعراق، وسوف ترون أن الوضع أسوأ بكثير مما كان عليه عندما قرر الأمريكيون غزو أفغانستان.
سوف تُهزم داعش، تماماً كما هُزمت القاعدة قبلها، وتماماً كما هُزمت كل الحركات السلفية المتطرفة المشابهة على مر التاريخ [انظر على سبيل المثال فتنة الحنابلة في بغداد سنة 323 هـ، ورسالة الخليفة الراضي لهم]، إلا أن هزيمتهم لا يعني إطلاقاً موتهم. فهذا المنهج، حتى يتم احتواؤه وتقليل ضرره، لابد لنا من التطرق بالحل لكافة الظروف المتغيرة التي أدت إلى تفشيه، ومن ثم ليعودوا أقلية قليلة جداً، تنتظر ظرفاً موائماً آخراً حتى تبرز مرة أخرى وتتفشى. هذا ما يمكننا واقعياً عمله.
افهموا أعداءكم قبل أن تقاتلوهم، فكم من جاهل أودى بنفسه، وكم من عمل غير مدروس أدى لنتائج عكسية أخطر بكثير مما أراد أن يعالجه. فقط انظروا إلى السياسة الأمريكية البائسة في المنطقة وما نتج عنها من كوارث، منها بروز تلك الحركات على الساحة.
#حسن_محسن_رمضان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يسوع والمرأة السورية – 5
-
أنتم صنعتم داعش
-
يسوع والمرأة السورية – 4
-
يسوع والمرأة السورية – 3
-
يسوع والمرأة السورية – 2
-
يسوع والمرأة السورية – نموذج للمنهج السلفي
-
السلفية المسيحية
-
مقدمة في مفهوم السلفية
-
لم يكن سعيداً، ولكنني فخور به - تعقيب على الدكتور القمني
-
مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 9
-
في جريمة اختطاف الفتيات النيجيريات
-
مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 8
-
مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 7
-
مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 6
-
لماذا سلسلة مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي
-
مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 5
-
مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 4
-
ماذا يستطيع التطرف المسيحي أن يفعل
-
مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 3
-
مشكلة البيدوفيليا في الفضاء العقائدي المسيحي – 2
المزيد.....
-
عمال أجانب من مختلف دول العالم شاركوا في إعادة بناء كاتدرائي
...
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
-
في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف
...
-
ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا
...
-
فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|