صفاء الدين الاسدي
الحوار المتمدن-العدد: 4487 - 2014 / 6 / 19 - 14:16
المحور:
الادب والفن
أول من بدأ بمفهوم العلامة هي سيماء المسرح في براغ , ولكن مفهوم هذه المدرسة قد تطور بفعل عدد من الحالات منها ( الشاعرية الشكلانية الروسية , ولسانية سوسير البنيوية ) وقد أنتج هذا التطور ليصل إلى مشروع تحليل سلوك الإنسان الدلالي والاتصالي المبني على أسس عمل السيماء المسرحية العامة والتي تحدد العلامة التي تعمل بوجهين أو أكثر بكونها تربط حامل المادة أو الدال بالتصور الذهني أو المدلول.
الطبيعة الدلالية للعلامة المسرحية في المسرح تكتسب الأشياء التي تقوم بدور العلامات المسرحية مقومات خاصة وخصائص نوعية وصفات لا تملكها في الحياة الواقعية, بمعنى أن كل ما يكون في المسرح هو علامات ذات وظيفة دلالية, لأن التجلي الحقيقي والواقعي للظواهر على خشبة المسرح يفقدها وظيفتها العملية التي تسعى لتوضيح دور الرمز الدلالي .
ففي الوقت الذي يكون في العرض موضوع ما في الحياة اليومية أهمية تفوق دلالتها, يفقد العرض حينها بنية مهمة من بنى العرض المسرحي وهو الدلالة الرمزية التي ارتكزت عليها البنية الرمزية الدلالة بالتضمن
تتميز العلامات المسرحية بطبيعة خاصة وهي قدرتها على إنتاج دلالات متضمنة, وهذا التضمن يأتي ضمن سياق ثقافي أو اجتماعي أو أخلاقي يخص البنى الخاصة بالعرض المسرحي من ممثلين ومتفرجين , حيث تحدد الدلالة وفق اتفاق ضمني بين العرض ومستقبليه . في هذا السياق يمكن أن يعبر الديكور – مثلا – على مستوى اجتماعي أو ثقافي معين . ويمكن أن تعبر الأزياء عن سمة من سمات الشخصيات كسمات أخلاقية واجتماعية أيضا .
فبالإضافة إلى الدلالات الحقيقية لكل علامة , هناك دلالات متضمنة ناتجة عن اتفاق ثقافي مضمر حول دلالة علامة ما , وهذا يؤدي إلى فهم التعددية الدلالية للعلامات في المسرح , بحيث يمكن لعلامة واحدة أن تؤدي عدة دلالات. اي" إن كل مايقدم الى المتفرج في الاطار المسرحي هو علامة "
وتتميز العلامة المسرحية بدينامكية عالية وكبيرة لأنها تؤدي إلى تبادل العناصر المسرحية فيما بينها , وذلك يؤدي إلى الاستبدال المتبادل لأنساق العلامة المسرحية, ففي العرض يمكن لعلامة معينة تنتمي إلى أكثر من نسق معين, ويكون الممثل هو العنصر الرئيسي بتوليد الدلالات " فأن الممثل يجعل المعاني تتمركز حوله, وقد يفعل ذلك الى حد انه بأفعاله يمكن ان يحل محل كل حوامل العلامات"
وقد ضهرت تلك المفاهيم والطروحات عندما لعبت البنيوية دور الحاضنة الرئيسية لكل تأسيس جديد للنظرية السيميائية, ما اتاح للباحثين تطبيق العلاقة بين الدال والمدلول على شتى اجناس الادب والمظاهر الاجتماعية والفنية, ومنها المسرح, وكان من اهم المنظرين للعلامات هما العالم السويسري (فرديناند دو سوسير1857- 1913) والعالم الامريكي (شارل ساندرس بورس1889-1915) فالعالم سوسير لم يشير الى مسرح في كتابه الذي نشر بعد وفاته (دروس في اللسانيات العامة 1916) او الى الفن بشكل عام الا انه تنبأ بولادة علم يدرس الاشارات والروموز والدلالات المتداولة في المجتمع "وان مدخل سوسير الثنائي الى السمات البنيوية للغة حدد الفارق بين اللغة والكلام وهي ثنائية ظلت محورية بالنسبة للمداخل البنيوية وتم تبسيطها الى فهم اللغة, في المجرد اي بوصفها نظاما او نسقا, والكلام بوصفه تلفظا محسوسا ماديا وأدى عمل سوسير الى اعتبار اللغة نظاما من نظم العلامات صورت فيه العلاقة اللغوية بدورها على اساس ثنائي كدال ومدلول"(
اما العالم الامريكي (بورس) فقد كان الامر مختلفا, "فلقد كان معجبا بالفن المسرحي, حيث شاهد الكثير من الاعمال المسرحية, في بيت ابيه, او في قاعات المدينة كذلك فأن زوجته الثاني من اصل فرنسي, كانت ممثلة(...) وقد استفاد المسرح من تصنيفات بورس للعلامة التي تجاوزت الستين" وانه وضع تصنيفه لوظائف العلامة هو اهم ارث في مجال العلامات والاكثر شيوعاً وتتكون ثلاثيته التي وضعها للعلامات(
1. الايقونة:- وهي علامة ترتبط بوضوعها عن طريق التماثل مثل صورة فوتوغرافية .
2. المؤشر:- وهي علامة تشير الى موضوعها او ترتبط به مثل الدخان كمؤشر الى الحريق
3. الرمز:- وهو علامة يتفق على العلاقة بينهما وبين الموضوع اتفاقاً عرفياً, ولاتوجد علاقة تشابه بين الموضوع ,مثلاًالحمامه رمز للسلام.
كما ان العرض المسرحي كاللغة له بنيته الخاصة المتجلية, في شبكة علاقات لها نسقها الخاص, وفق التحليل الالسني, بأمكاننا ان نعد اصغر وحدة, او موضوع مادي, سواء كانت هذه الوحدة سمعية ام بصرية بمثابة علامة.
وان "هذه العلامة تدخل في علاقة تركيبية اشتغالية مع علامات اخرى, وتخضع لقواعد حاصة بالمسرح, من خلال اشتغالها في العرض المسرحي زمنيا وفضائيا ناتج عن علاقة الاشتغال " وبذالك يُولد معنى او انطباعا او صورة ذهنية لدى المتفرج, فالصورة الذهنية عند سوسير, كالجملة اللفظية, ولكي تكتسب معنى محدداً, يجب ان يكون ذلك ضمن علاقة تضادية مع ما يسبقها ويليها من العلامات فـ"العناصر في المسرح حتى لو كانت بالاصل نفعية, او ايقونية, لها صفات مشتركة في الواقع, عند دخولها في علاقة جديدة مع عناصر مختلفة عنها, او متضادة معها, تفقد معناها التقليدي المتداول, وتكتسب ابعاد الكناية والمجاز التي يتميز بها النص الفني"
والعلامة في المسرح هي كل شيء حيث " إن كل مايقدم الى المتفرج في الاطار المسرحي هو علامة " فكل ما يوجد في العرض المسرحي من ممثلين والديكور, والازياء,والاكسسوارات, والموسيقى وحتى الاضائة المسرحية, كلها تعمل على ايصال العلامة الى المتلقي, فالاضائة مثلا ًتبين " الزي الذي يرتديه الممثل وقدرته المعبرة عن هوية الشخصية ومستوها الاجتماعي والوظيفي, كذلك لابد من عرض تفاصيل وجه الممثل كحالة من قدرته على الاداء والايماءات"
كذلك كاركتر الممثل هوعلامة وزيه ايضا فمن خلال الزي نعرف الشخصية الاجتماعية فزي الشرطي يختلف عن زي الملك او زي التاجر يختلف عن زي الفلاح كذلك الديكور هو ايضا يوصل العلامة الى المتفرج فكلها اشارات فأن" كل شي واقعا على خشبة المسرح نص الكاتب المسرحي تمثيل الممثل الاضائة المسرحية – كل هذه الاشياء وفي جميع الحالات ترمز الى اشياء اخرى بمعنى اخر ان العرض المسرحي هو مجموعة اشارات" فمثلا بكاء الممثل هو اشارة على الحزن والاضائة الحمراء اشارة الى مشهد قتل واصوات الخيول والسيوف اشارة الى معركة وان الطاولة التي امامها كرسيين وكرسي خلفها وفوقها جهاز كومبيوتر وعدد من الاوراق يدل على انه مكتب, اذن ان العرض المسرحي هو زخم كبير من الاشارات ومن اهمها هو الممثل فهو حامل للعلامات اي" ان شخصية الممثل هو اكثر حالات الذات شيوعاً في الدراما. وان قوام الممثل يشكل وحدة ديناميكية لمجموعة كاملة من الاشارات. وناقل كل هذه الاشارات قد يكون جسم الممثل,صوته, وحركاته"
فالممثل يقوم بحركات تعطي اشارات فمثلا يتخيل الممثل انه يمسك سيف ويقاتل فيه او يقفز فوق حواجز او يمسك هاتف ويكلم اهله, فأن الحركات الاشارية التي تم اداؤها تطلع الجمهور على طبيعة هذه الاشياء المتخيلة .
كما ان لغة الممثل على خشبة المسرح "هي نظام معقد من الاشارات (...) وان اللغة العملية هي نظام من اشارات متعددة,لايعبر المتكلم عن مضمون فكرة بما ينطق فقط, انما كلامه (لهجته, ولغته الاصطلاحية) التي تعبر عن جماعته, ومفرداتها وغيرها, هي ايضاً وفي ذات الوقت اشارة لثقافته ومرتبته الاجتماعية".
فالممثل له الدور الكبيرفي ايصال العلامات من خلال صوته, وحركاته, وايماءاته التي تلعب دورا كبير في استجلاء وتعزيز ورفع انتباه الشخص الاخر, تستطيع الايماءات ان تلمح او تضمن, او تقترح او تؤكد او تقلل او تبالغ, او انها تعكس صورة ايجابية او سلبية, فالعلامات الايمائية تعزز الفعل الدرامي فهي توصل العلامة المناسبة الى المتفرج , فمثلا ايمائة الرائس لها علامات كثير فمنها القبول اوا لاصغاء والتلويح بالسبابة تدل على التهديد والوعيد,
المصادر ..
شرجي, احمد :سيميولوجيا الممثل
عدد من المؤلفين: سيمياء براغ للمسرح, تر أدمير كورية, وزارة الثقافة, دمشق, 1997
الباهلي, رياض شهيد: سيمياء الحركة الضوئية في العرض المسرحي , مجلة الاكاديمي, ع53, جامعة بغداد- كلية الفنون الجميلة, 2010
أستون إلين , سافونا جورج : المسرح والعلامات
#صفاء_الدين_الاسدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟