|
هل صليت على النبي اليوم؟
عبد المجيد إسماعيل الشهاوي
الحوار المتمدن-العدد: 4486 - 2014 / 6 / 18 - 17:44
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هل صليت على النبي اليوم؟
أولاً، ماذا تعني ’الصلاة‘، وما المقصود بمسمى ’النبي‘؟ الصلاة تعادل الطاعة، والنبي يرمز إلى السلطة، سواء الدينية أو السياسية أو كليهما معاً. إذن المقصود الاجتماعي-السياسي من عبارة الصلاة على النبي هو تركيز لاوعي الرعية على الثقة في سلطة ما قائمة بما يضمن كلما دعت الضرورة اصطفاف هذه الرعية بسهولة ويسر من وراء أي سلطة مهما كانت تستطيع أن تتبوأ مقعد النبي. بهذا المعنى يمكن إعادة قراءة التاريخ العربي بعد الإسلام وفق معادلة الصلاة على النبي، أو علاقة الطاعة الإيمانية السلبية من الرعية تجاه السلطة الحاكمة أياً ما كانت.
هل يعني ذلك أن الصلاة (فريضة وسنة) والنبوة (حقيقية ورمزية) هي في جوهرها أدوات سياسية في الصراع على النفوذ والحكم أكثر من كونها فرائض وشعائر وأركان دينية تستطيع أن تحافظ على استقلاليتها وتبقي على مسافة معقولة بينها وبين أصحاب النفوذ والحكم؟ في الحقيقة هذا سؤال صعب، إذ بدون قدر من هذه المسافة بين السلطة والدين ما كان ممكناً أو منطقياً من الأصل الحديث عن أي علاقة أو مدى من التداخل بين الحيزين؛ وفي المقابل لو كانت ثمة استقلالية معقولة بين الاثنين ما كانت قد نشأت أصلاً ظاهرة الإسلام السياسي الحالية ولكانت العلاقة بين الخلفاء والفقهاء على مدار التاريخ الإسلامي خلاف ما كانت عليه بالفعل إلى حد كبير، وما كان محمد بن عبد الله هو نفسه النبي والسلطان في آن. إذن، من ناحية، ثمة قدر لا ينكر من التمايز والاستقلال بين كل من الدين والسياسة، وثمة قدر كبر أو صغر من التداخل والتكامل والتبعية والمنفعة المتبادلة بين المجالين من الناحية الأخرى.
كما يؤرخ التاريخ العربي تحت الإسلام، في الغالب الأعم كانت السياسة تلج الدين عبر منفذ التداخل والتكامل والتبعية والمنفعة المشتركة وتعمل على ترويضه وإحكام سيطرتها عليه تحقيقاً لطموحاتها وأغراضها السياسية في المقام الأول؛ أو، بمعنى آخر، قد دأب الحكام العرب المسلمين على أن يرتدوا- مع الفقهاء- نفس رداء النبوة ومن ثم تتحول منافع الصلاة- الطاعة- لتصب في مصلحتهم السياسية في نهاية المطاف. في قول آخر، بعد وفاة النبي مباشرة أصبح الصراع على ’رداء النبي‘ معادلاً للصراع على السلطة؛ الشخص الأقرب- نسباً أو علماً- إلى النبي هو الأحق بمقعد السلطة. هكذا تحول شخص النبي ذاته إلى مجرد أداة مهمة وحاسمة من أدوات الصراع على السلطة بين المتنافسين والمتخاصمين المسلمين على غنائم هذا المنصب السياسي الأعلى.
هذا التداخل الهائل بين الديني والسياسي واستغلال شخصية ورمزية النبي ذاته عقب وفاته مباشرة كأداة من أدوات الصراع على السلطة يمثل مكوناً جوهرياً في الإسلام. وقد وصل هذا التداخل أقصاه مؤخراً بعد رفع حرف العطف "الواو" من بين الكيانين حتى يذوبا وينصهرا معاً في كيان واحد- ’الإسلام السياسي‘. هذا المسمى الأخير بدون حرف العطف يدل رمزياً إلى مدى التداخل والتكامل التام بين حيزين كانت تفصل بينهما فيما مضى مسافة ما وقدراً من الاستقلالية مهما صغرت. فإذا صح الافتراض أن الإسلام السياسي ينتمي في الأساس إلى الحيز الديني أكثر من انتمائه إلى السياسة العلمانية كما ظلت مهيمنة منذ خلافة معاوية بن أبي سفيان حتى اليوم، إذن يمكن الاستنتاج بسهولة أن هذا التيار- عكس الوجهة الرئيسية السائدة طوال التاريخ الإسلامي إلا سنوات معدودة أيام النبي والخلفاء الراشدين- يسعى إلى احتكار ’رداء النبي‘ لنفسه؛ أو، في قول آخر، أن هذا التيار يريد إزاحة معاوية من مقعد خلافة النبي واسترداد رداء النبوة إلى صاحب الحق الشرعي علي بن أبي طالب، الأقرب نسباً وعلماً إلى النبي محمد الذي تجسدت فيه النبوة والسلطة في آن.
الإسلام السياسي، من مدلول العبارة نفسها، يريد توحيد الدين والسياسة تحت رداء واحد؛ وبما أن محمد بن عبد الله هو المجسد الأبرز وربما الوحيد عبر التاريخ الإسلامي لهذه الوحدانية التامة بين السياسي والديني، لذلك يشغل مسمى ’النبي‘ مساحة خاصة في دعاية وجهد الإسلام السياسي. في النهاية يمكن بسهولة عند اللزوم أن تتحول الصلاة على النبي إلى ما يعادل الصلاة (الطاعة) على الإسلام السياسي- بحكم كونه الأقرب (علماً إن لم يكن نسباً) إلى رداء النبي.
وفق هذا التحليل، لو أصاب شيئاً من الصواب، يمكن أن تشكل عبارة "هل صليت على النبي اليوم؟" فائدة عظيمة لتيار الإسلام السياسي عموماً، وخطراً عظيماً في الوقت نفسه على جميع الساسة والحكام العلمانيين الحاليين ورثة التقليد الأموي. ومكمن الخطورة على الحكام المسلمين العلمانيين من شاكلة معاوية بن أبي سفيان هو أن الفقهاء أنفسهم هم المنافسين والمخاصمين في الصراع على السلطة. لولا هذه المزاحمة على السلطة من قبل تيار الإسلام السياسي في هذه الآونة تحديداً لكانت عبارة الصلاة على النبي، كما الحال طوال التاريخ الإسلامي، ستصب لصالح تجميع طاعة الرعية للحكام القائمين ولا تشكل أي خطر عليهم.
#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المرأة والأقليات العربية بين التحرير والتمكين
-
ديمقراطية التوحيد الإسلامية
-
جدلية الوحي والتاريخ (10)
-
جدلية الوحي والتاريخ (9)
-
جدلية الوحي والتاريخ (8)
-
جدلية الوحي والتاريخ (7)
-
جدلية الوحي والتاريخ (6)
-
جدلية الوحي والتاريخ (5)
-
جدلية الوحي والتاريخ (4)
-
جدلية الوحي والتاريخ (3)
-
جدلية الوحي والتاريخ (2)
-
جدلية الوحي والتاريخ (1)
-
العقل الفقهي وتنصيص الواقع
-
العقل الفقهي والسلطة
-
ابن رشد ضالع في الإرهاب
-
سحر الفقه
-
ابن رشد: فيلسوف أصيل أم فقيه مستنير؟
-
فيلسوف وفقيه وإرهابي (3)
-
فيلسوف وفقيه وإرهابي (2)
-
فيلسوف وفقيه وإرهابي (1)
المزيد.....
-
ترامب: لا ناجين في حادث اصطدام الطائرة بالمروحية فوق نهر بوت
...
-
مغنية راب سودانية.. صوت يصدح أملا في زمن الحرب
-
غزة تشهد إطلاق سراح رهائن إسرائيليين جدد من أمام منزل يحيى ا
...
-
سلوان موميكا.. مقتل حارق القرآن في بث مباشر على تيك توك في ا
...
-
هل تمكّنت إسرائيل من إضعاف حماس عسكرياً؟
-
كيف استطاع أحمد الشرع أن يصل إلى رئاسة سوريا؟
-
من دمشق.. أمير قطر يدعو لحكومة -تمثل جميع الأطياف- في سوريا
...
-
ترامب: ليس هناك ناجون في حادثة تحطم الطائرتين فوق مطار ريغان
...
-
بن غفير: إطلاق سراح الرشق والزبيدي شهادة على الاستسلام ويجب
...
-
حافلات تقل سجناء فلسطينيين أفرج عنهم تغادر سجن عوفر الإسرائي
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|