|
موجز تاريخ المحنة - 7 -
عماد عبد اللطيف سالم
كاتب وباحث
(Imad A.salim)
الحوار المتمدن-العدد: 4485 - 2014 / 6 / 17 - 17:45
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
موجز تاريخ المحنة - 7 -
( 1 )
عدّد سكان العراق 36.4 مليون نسمة . 30 مليون نسمة منهم ( على الأقل ) يعملون 12 ساعة يوميّاً ( على الأقل ) ، من اجل العيش بكرامة .. يوماً بعد يوم ، و أحياناً .. وجبةً بعد وجبَةْ . يسكن معظمهم بيوتا بالأيجار .. و تُداهمهم الحَسْرةُ تِلوَ الحَسْرة ، وهُم يدفعون التزاماتهم آخر الشهر ، للمؤجِّرِ ، والبقالِ ، و صاحب " المولدّة " . لا يمتلكون شبرا من أرض بلدهم ، ولا ديناراً في البيتِ ، و لا فلساً في المصرف . بعضهم يخرج ليلتقطَ رزقهُ فجراً .. فلا يعودُ مساءاً .. وأسبابُ الغيابِ كثيرة . وبعضهم يعودُ الى بيتهِ مساءاً .. و هو لا يحمِلُ غير " علاّكةِ " البصل و" البتيتة " والطماطة .. فيستعرضها امام عيون أطفالهِ التي تشّعُ بالضوء .. وعيونَ أمّهم المُطفأةِ .. ويدخلُ إلى غرفتهِ ، وحيداً .. لــ يبكي . إلى أين يذهبُ هؤلاءِ الـ 30 مليوناً ( على الأقلّ ) .. فيما لو قرّرَ بضعةُ أفرادٍ مجانين .. أنّ العراقَ لمْ يَعُدْ يعني شيئاً .. بالنسبةِ لهُم طبعاً .
( 2 )
نحنُ أهلُ بغداد .. و بالذات اولئك الذين كانت السلطة " القديمة " لا تتعامل معهم كـ " سّنّة " قبل العام 2003 .. لأنّهُم لم يكونوا " بعثيين " .. في حينه . و بعد العام 2003 .. أكتشفنا ان عدم كوننا بعثيين قبل العام 2003 ، لن يشفع لنا لدى السلطة " الجديدة " .. لأنّنا لسنا " شيعةً " .. الآن !!! تصورّوا .. كيف يمكنُ ان يكون عليه الحال ، عندما لا تكون بعثياً قبل العام 2003 .. و أنْ لا تكون شيعيّاً بعده .. و كيف ينبغي عليك ان تدفع الثمن مُضاعَفاً في " العهدين " المُباركين !!! لذا .. نحنُ الذين لايمكن تصنيفنا كـ " أصدقاء " و " شركاء " في وطنٍ واحدٍ وفق معايير " السلطة الجديدة " .. لم يعُد أمامنا غير ان نحبسُ أنفسنا في بيوتنا .. و يأكلنا الخوف .. وننتظر . واسوأ ما في الأمر ، هو عندما يتم حفر الخنادق المذهبيّة بحماسٍ منقطع النظير .. ويكون التحشيد الطائفيّ ، هو معيار الفرز الوحيد بين الصديق والعدو . والمؤمن والكافر ، والروافض والنواصب ، و معاوية وعليّ .. ويزيد والحسين .. وأخيراً " الداعشيّون " .. وآل البيت . فاذا كنت سنيّا بـ " الصدفة " .. فانت ، على الأقل ، داعشيّ بـ " الضرورة " . و داعش تهدّد باحتلال بغداد .. وكربلاء والنجف .. وذبح " الصفويين " . ورجال الدين ، والسياسيين ( من الطائفتين ) .. حوّلوك إلى " عدو " ، يجلسُ في وسط ساحة المعركة الموتورة هذه ، وهو لا يعرف حتّى السبب وراء اطلاق الرصاص بكلّ هذه الكثافة بين الطرفين المتحاربين . فاذا كنت شيعيا .. فان داعش ستأتي الى بغداد .. وتذبحك .. لذا فأن على الحكومة ان تقوم بتسليحك لتدافع عن نفسك ، وعرضك ، ومقدّساتك . واذا كنت سنيّا ، فان الحكومة لن تقوم بتسليحك .. لأن داعش لا تهدّد بذبحك .. وهي عندما ستدخل الى بغداد ، فأنّ من المؤكّد انها ستقوم " هي " بتسليحك ؟؟ طبعا لا أحد يسأل لماذا لا تذهب داعش الى ايران وتذبح الصفويين هناك .. وليس في العراق !!!! ولا أحد يسأل ماذا يفعل أمثالي وابنائهم من المسالمين العزّل ، الذين لا يشترون المذاهب كلها .. بفلسين . و الأسوأ هو ان الحكومة تقوم بتوزيع السلاح على المواطنين " الشيعة " حصراً .. وتترك الكثير من " سنّة " بغداد ، وغيرها من المدن المختلطة الكبرى ، المليئةِ بـ " المدينيين - العلمانيين " من امثالي ، مع مئات الآلآف من الناس البسطاء ، ليأكلهم الخوف من المليشيات " الشيعية " المسلحة ، ومن المليشيات " السنيّة " المسلحة ، على حد سواء . شباب صغار ..وأحياناً أطفال .. ولكنهم " شيعة " مسلحون ، يتم شحنهم بهذا الشكل .. ثم يتم نشرهم مع القوات الحكومية في كل ساحةٍ وحيٍّ وشارعٍ في بغداد .. وسيصادفون حتماً شبابا من " السنّة " في السيارات والشوارع والساحات والأحياء . ربما كان هؤلاء الشباب معاً قبل ايام قليلة .. يدرسونَ في كليّة واحدة ومدرسة واحدةٍ وصفٍّ واحدٍ ، ويلعبون البليارد في قاعة واحدة ، ويدخنّون النركَيلة في ذات المقهى .. ويلتهمون السندويتشات في مطعم واحد . ولكن .. ومع كلّ هذه الأناشيد والرايات والصور والبنادق والغضب وانعدام الثقة ، ما عليك سوى ان تتصور ما يمكن ان يحدث في مثل هذه اللحظات التي يغيب فيها العقل . وما يمكن ان يرافقها من احتكاكات .. سوف تؤدي في بداياتها الى عمليات اختطاف ، وقتل على الهوية ، ومداهمات .. ثم تنتهي سريعا إلى حرب الكلّ على الكلّ . من يحمي هؤلاء من انفسهم .. ومن يحمي الآخرين منهم ؟؟ سأبقى في بيتي .. كأيّ " لا مُنْتَمٍ " بائسٍ ، وحيد . مُنتظرا " المجهول" الذي تحملهُ " داعش " ، و مَنْ يصطفُّ معها .. و " المعلوم " الذي تُقَدّمُهُ لي سلطةٌ تفتقرُ الى الحكمة ، وحسن التدبير . و حالي حالُ الكثيرين من أمثالي ، فأنَ ما يشغلُ بالنا الآن هو شيء واحد . كما أنّ ليس لدينا في ذمة الله ، ومن يدّعونُ تمثيلهُ ،غيرُ رجاءٍ واحد .. وهو ان لا يُقتَلَ ابناؤنا قبلنا .. وان لا تُنتهك حرمة بيوتنا ، و اعراضنا ، وما تبقّى لنا من كرامةٍ بشريّة . سلاما للعراق والعراقيين .. إذا قرّروا ان يبقوا معاً . واذا قرّروا ان يحتوينا العراقُ معهم . واذا قرّروا ان يتوزعوا على " الشتات " .. ونتوزعُ معهم . سلاما لهم .. رغم انّهُم يحبّون اخطائهم .. وخطاياهم .. ويتلذّذون بتكرارها حيناً بعد حين . سلاما للأهل الذين لا نملك غيرهم . ولأمهاتنا المتشابهات في كلّ شيء . وللحزن الذي يخيّمُ علينا جميعاً .. كأنّهُ سلامنا المُمْكِنِ الوحيد .
#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)
Imad_A.salim#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يومٌ سيّء
-
حطّابُ القلوبِ القديم
-
موجز تاريخ المحنة - 6 -
-
تأخير أقرار الموازنة العامة في العراق / مقاربة أخرى للسلبيات
...
-
إبنةُ العَمِّ - مارك زوكربيرغ - العزيزة
-
لحظةُ حزنٍ .. وتَمُرّ
-
موجز تاريخ المحنة - 5 -
-
بُلبُلَ الحُلْمِ .. في - نارِنْجَةِ - أيّامي .
-
اليومَ لها .. وغداً ليسّ لي .
-
موجز تاريخ المحنة - 4 -
-
مفاهيم و مصطلحات .. و رؤى وانعكاسات
-
وضّاح العراق .. و وضّاح اليمن
-
أصابعها الطويلة .. التي تشبهُ الليل
-
حزب - الكَنَبَة - المصري .. وحزب - القَنَفَة - العراقي
-
بلدٌ مكسور .. قلبٌ مكسور .. روحٌ كسيرة
-
أنت وحيدٌ .. أنتَ وحدَك
-
موجز تاريخ المحنة - 3 -
-
بس لا هذا .. الراح يصير ؟
-
سيرة ُ - الطيّبين - القُدامى .
-
أحزانُ المصادفات السعيدة
المزيد.....
-
كان محكومًا بالسجن مدى الحياة.. لحظة لقاء فلسطيني بزوجته في
...
-
لافروف وفيدان يناقشان الوضع في سوريا والقضايا الإقليمية
-
كيف تصادمت طائرتان في أجواء واشنطن؟ تفاصيل غريبة عن حادث مطا
...
-
-نقوم بالكثير من أجلهما-...ترامب يصر على استقبال مصر والأردن
...
-
مظاهرة حاشدة لأنصار عمدة مدينة اسطنبول أثناء مثوله أمام القض
...
-
فرقة البيتلز تعود بالذكاء الاصطناعي وتترشح لنيل جائزة غرامي
...
-
الشرع رئيساً.. بداية لإرساء منطق الدولة أم خطوة نحو المجهول؟
...
-
الجيش الإسرائيلي: إطلاق صاروخ اعتراضي نحو هدف جوي في منطقة ز
...
-
هيئة الأركان العامة الأوكرانية تعترف بوضع قواتها المعقد على
...
-
شبكة -NBC- تكشف تفاصيل جديدة حول حادث تصادم الطائرتين في مطا
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|