|
ألتحرش هو منتوج جانبي (باي – برودكت) للثقافة :ألخوف الإجتماعي
قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا
الحوار المتمدن-العدد: 4483 - 2014 / 6 / 15 - 16:12
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ألتحرش هو منتوج جانبي (باي – برودكت) للثقافة :ألخوف الإجتماعي جمعتني ظهيرة هذا اليوم ، ألسبت ، جلسة ظُرف مع زملاء أعزاء ، وأحدهم بمثابة ومنزلة أخي الأكبر سنا ومقاما ، تشعب بنا الحديث ودار حول مواضيع متعددة ، منها السياسية ، الشخصية والإجتماعية . تحدث "كبيرنا " عن غضبه على أخيه الأصغر ، لأن هذا الأخ إتحذ قرارا بشأن خاص دون أن يحسب حساب موقف المُجتمع ، الأقرباء وأهل البلد . ومع أن هذا القرار هو شأن شخصي للأخ سالف الذكر ، إلا أنه ترك جرحا غائرا وداميا في نفس صديقنا ، وكل هذا لماذا ؟ لأن الناس يعايرون صديقنا ، بهذا القرار الشخصي لأخيه و الذي لم يضر أحدا ، بل أدخل البهجة والسرور على حياة شخصين شابين عاشقين ، وجمع بينهما في رباط زوجي ، لكن هذا الرباط غير مرضي عنه إجتماعيا لأنه غير متكافيء في نظر أعضاء المجتمع ، وخصوصا وأنه والد البنت .. - لقد فضحنا بفعلته هذه ..!! وسوّد وجوهنا داخل العائلة والبلد .. هذا ما ردده صديقي بأسى ممزوج بغضب ، علما بأن هذا الصديق شيوعي سابق ، كانت له صولات وجولات ضد الظلم السلطوي والتخلف المُجتمعي ولكن .... فالخوف من الفضيحة ، هو "فيروس " يسبب شللا فكريا وعبودية لقيم حتى ولو كانت متناقضة مع العقل، ألمنظومة الفكرية والقيمية للفرد ، وتتعارض مع المنطق بل والقانون نفسه . سيما وأن "الفضيحة " ألمُفتعلة والموهومة في الغالب ، بحد ذاتها هي شأن شخصي للفرد ، وليس لأحد الحق ، في فرض رأيه عند إختيار شريك-ة الحياة، أو إتخاذ أي قرار شخصي حياتي . وبداية أُريد التمييز بين مصطلحين قد يبدوان متشابهين ، الأول هو :الخُواف الإجتماعي والذي يظهر على شكل خوف شديد للمُصاب به إذا ما حاول إلقاء كلمة أمام الجمهور أو أن يتداخل في علاقات إجتماعية ، إذ يصاحب هذا الخوف ، عوارض جسدية ، كالتعرق ، الإحمرار ، تهدج الصوت وزيادة في دقات القلب وإلى ذلك من عوارض ، تحول بين الإنسان والإندماج أو التفاعل في الحياة الإجتماعية ، و"يُشخص " المجتمع هذا الشخص على أنه خجول ، لكن الحقيقة غير ذلك ، ولن نخوض في الأسباب في سياقنا هذا . لكن ليست هذه هي الحالة التي أود التحدث عنها . والخوف من المجتمع المقصود في مقالتنا هذه ، هو الإنصياع التام وألخضوع لقيم وسلوكيات مجتمعية رغما عن إرادة الفرد ، ولو كانت تتعارض مع العقل ، المنظومة الفكرية للفرد ، تُجافي المنطق وتتجاوز القانون !! لأن المجتمع "بقيمه ومواقفه " الدكتاتورية القامعة يملك سلاحا فعالا ، سلاح النبذ والعقاب الإجتماعي الشديد ، كالإقصاء من "حياة " المجتمع ، ووصم ألفرد والعائلة ، بوصمة عار تُلاحقه وتُلاحق نسله لأجيال !! فكل خطوة يقرر العربي أو المسلم أن يخطوها ، "يزينها " بميزان "ماذا سيقول الناس ؟ " ، وليس بميزان المصلحة العامة أو الفائدة المرجوة للفرد والمجتمع ، بل يتسائل قبلها عن ، "ما هو موقف الثقافة المجتمعية " من هذه الخطوة أو هذا القرار ، ليسير على هديه ، مُتجنبا "الألغام " ألثقافية ، لكي لا تنفجر به. وأكثر ما يُخيف الفرد العربي "ثقافيا " هو أن تلتصق به أو بعائلته تهمة عدم الانصياع للمنظومة "الأخلاقية" لثقافة هذا "المجتمع " . ووضعت كلمة المجتمع بين قوسين صغيرين عمدا ، لأن ثقافة هذا المجتمع، والمجتمع بذاته يعانيان مرضا شديدا مزمنا .فالأجدى إذن وحالتنا هذه ، أن يبحث افراد المجتمع عن علاج لأمراض مجتمعهم المزمنة ، لا أن يحنطوها ، يقدسوها ويرضخوا كارهين مُرغمين لأوامرها !! واقصى الوصمات والتي تجلب العار على العائلة ، بل وللدقة على ذكورها ، هو أن يُطعن في "شرف" أحدى فتيات العائلة ، سواء كانت تهمة "عبثها بشرف" العائلة ، حقيقية أم وهمية ، بمبادرتها أم رغما عنها ، كأن تتعرض لإغتصاب أو تحرش جنسي !! فأصعب ما يُواجه الفتاة العربية اليوم ، وفي الفضاء المفتوح وقنوات التواصل ، أن يقوم مُتخلّف خسيس بنشر بوست عنها ، يشكك في "شرفها " مثلا .. والأمثلة كثيرة على قتل فتيات لمجرد الشبهة أو الشائعة التي لا اصل لها .. والخوف من "فضيحة " ، يخلق أجواء من الشك المرضي داخل الأسرة وبين أفرادها ، فكل حركة او نأمة ، تُفسر على أنها "عملا "غير مشروع في الخفاء ، لذا تتحول البيوت رويدا رويدا ، إلى سجن إناث كبير جدا . لأن ثقافة المجتمع تُحّمل الأنثى مسؤولية ما يجري لها ويقع عليها من إعتداء ، إذا خرجت أو لبست ، ضحكت ، تبسمت أو تعلمت !! فالخوف من مواجهة المجتمع ، أدى في المحصلة إلى الخوف من المعتدي والمُتحرش ، فالعائلة تُفضل التعتيم على حادثة التحرش ، لئلا تطالها فضيحة "مُجلجلة " ، لذا لا تتوجه للسلطات ، ولا تتوجه أيضا إلى مجرد "مفاتحة " المتحرش بجريمته . الثقافة المُجتمعية ، تحمي وبشكل مباشر ، المتحرش من مجرد المسائلة ، لأن "الفضيحة " ستقع على رأس الضحية وأبناء عائلتها ، ذكورا وإناثا . ... وكان لا بد من "فضيحة " للمجتمع على شاكلة ، الكارثة في ميدان التحرير ، حتى تتحرك القوى التي ما زالت تملك عقلا وفكرا سليما لمواجهة هذه الظاهرة ، وإلزام "حُماة الوطن " ، الذين لا يحمون فتاة من الإعتداء عليها علنا ، إلزامهم القيام بواجبهم ، وإلا لن تسلم بناتهم ونسائهم أيضا من هذا المصير ..!! نعم ، الخوف على الذات ، الزوجة ، البنت والأخت ، هو الذي سيدفع الجميع إلى تحطيم سطوة الثقافة المُحنطة والميتة ، ثقافة إتهام الضحية وتمجيد المعتدي المتحرش !! لكن ، هل تكفي غضبة واحدة لتحطيم قيود هذه الثقافة البائدة ؟؟ أعتقد بأنها لا ولن تكفي ، وثورات "الربيع العربي " الغاضبة ، خلعت مستبدين واستجلبت من هم أشد إستبدادا ..وهذا خير دليل على أن غضبة لا تكفي لإحداث التغيير المنشود . الامر بحاجة إلى برنامج تدخل شامل ، وهذا هو موضوع المقالة الأخيرة في هذه السلسلة ..عن التحرش كمنتوج ثقافي ..
#قاسم_حسن_محاجنة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ألتحرش هو منتوج جانبي (باي – برودكت) للثقافة :(ألبهمنة) ( 2)
-
ألتحرش هو منتوج جانبي (باي – برودكت) للثقافة (1)
-
المثلية بين البيولوجيا والتنشئة ..
-
المثلية ، السياسة والدين ..
-
-يعيش - الإحتلال ..!!
-
ألأخلاق وألسياسة..
-
إسرائيل : ما بين -عاهرة - وقديسة - !!!
-
حزيران بين -ألمسيحية - الإسلامية و- المسيحية -اليهودية ..
-
التستوستيرون بين ألقمع ،الإباحية والترشيد ..
-
ألفقر والأخلاق ..
-
شدو الربابة بأحوال الصحابة ..ألمُعاصرين !!
-
حق تقرير ألمصير : تصادم ألطموح والواقع .
-
نساء بيدوفيليات ..؟؟
-
ألرجم للعُشاق ..!!
-
ترهل أحزاب أليسار ألعربي .
-
على هامش مقالات الزميلة ماجدة منصور : ألداروينية ألإجتماعية
...
-
ألصلاة جامعة ..!!
-
الإعتداءات الجنسية : ألتناقض بين -مصلحة- الضحية وواجب التبلي
...
-
COGNITIVE DISSONANCE ألتناذر الإدراكي- أزمة مجتمع
-
القضية : حرية تعبير أم حرية تدمير ؟!
المزيد.....
-
شهقات.. تسجيل آخر محادثة قبل لحظات من اصطدام طائرة الركاب با
...
-
متسلق جبال يستكشف -جزيرة الكنز- في السعودية من منظور فريد من
...
-
المهاتما غاندي: قصة الرجل الذي قال -إن العين بالعين لن تؤدي
...
-
الهند وكارثة الغطس المقدس: 30 قتيلا على الأقل في دافع في مهر
...
-
اتصالات اللحظات الأخيرة تكشف مكمن الخطأ في حادث اصطدام مروحي
...
-
وزير الدفاع الإسرائيلي يشكر نظيره الأمريكي على رفع الحظر عن
...
-
-روستيخ- الروسية تطلق جهازا محمولا للتنفس الاصطناعي
-
الملك الذي فقد رأسه: -أنتم جلادون ولستم قضاة-!
-
زلزال بقوة 5.8 درجة يضرب ألاسكا
-
سماعات الواقع الافتراضي في مترو الأنفاق تفتح أفقا جديدا في ع
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|