سعادة عودة أبو عراق
الحوار المتمدن-العدد: 4477 - 2014 / 6 / 9 - 22:26
المحور:
الادب والفن
إنارة على القصة القصيرة جدا
اعتقد أن القصة القصيرة جدا هي إحدى تجليات القصة القصيرة التقليدية ، كما لو أنها نبتت على أطراف مستنبت القصة ، كما تنبت كثير من الحشائش التي لا تعتبر مقصدا في ذاتها كالخبيزة والزعتر وغيرها ، وغدت فيما بعد نوعا زراعيا يستنبت ويسوق كإحدى النباتات الأساسية
ولو قمنا نستقصي وجودها في موروثاتنا الأدبية لوجدناها متناثرة في كثير من المناحي ،كالأقصوصة والطرفة والحكاية الوعظية والفكاهية حيث يكون لزومها ضروريا في اقتضاب الحديث وسرعة الوصول إلى الذهن والتأثير فيه . والاقتضاب أو الإيجاز هما من أساليب علم المعاني البلاغية المستخدمة في التعبير الدلالي, وسنجد من القصص ذات الإيجاز المكثف والفكرة الواضحة في الأحاديث النبوية والحكايات والشعر القصصي وكتاب المستطرف وغيرها قديما وحديثا
ونستطيع أن نفلسف نشوء هذا النوع من القصص ، بأن كاتب القصة لا يفكر بطول القصة حينما يشرع بكتابتها ، إنما يترك لذهنه أن يمتد على الورق خلف فكرته يرسمها بالكلمات بلا حدود ، لذلك لا غرابة أن يجد الكاتب فكرته قد تمت في السطر الخامس أو العاشر ، ولا داعي لأن يثرثر أكثر ما دام قد أوضح صورته القصصية بجلاء.
ومن ناحية أخرى نجد أن الفنانين والأدباء المتمكنين من موهبتهم ، يعمدون إلى أشكال جديدة ،تعبيرا عن مقدرتهم الفنية كالخطاط الذي يكتب سورة الفاتحة على حبة أرز، والصانع الذي يصنع ساعة صغيرة جدا مدللا بذلك على تقنيته العالية ، ولا ريب أن كتاب القصة يحاولون من باب التجريب أن تكون لديهم قصص قصيرة جدا نابعة من مهارتهم الفائقة وقدرتهم على تكثيف الصورة واللغة وإبراز الفكرة بشكل مفاجئ ساطع.
إذن فالقصة القصيرة جدا أخذت مشروعيتها من الكتاب المحترفين الذين استطاعوا أن يوجهوا ملكاتهم لإنتاج قصص ذات نوعية تتميز بالقصر والتكثيف والإدهاش والوضوح .
وأما القول بان طبيعة الحياة المتسارعة اقتضت قصصا قصيرة سريعة كالسانويشات، فإني لا أحسبه مصيبا ، ذلك أن القارئ الجيد يستطيع أن يجد الوقت الكافي لأن يقرأ ما يريد ، كما أن هاوي الرياضة يجد الوقت الكافي للوقوف على المدرجا ت الرياضية والتصفيق والصراخ بكل قوته ، بينما يعتذر بقلة الوقت الكافي لزيارة صديقه أو قريبه.
ويبدو أن مشكلة تذوق هذا الفن, نشأت معه، ذلك أن كثيرا من الكتاب الذين لا يملكون الموهبة القصصية والحدس الفني الذي يلتقط به الموضاعات القصصية الجيدة ، والتعبير عنها بحرفية علية ولغة مكثفة بحيث تصبح متعتها مكثفة أيضا والتصاقها بالذهن أقوى ، مما جعل هذا الفن به من الرداءة ما نستطيع أن نحكم على هذا المنتج بأنه رديء بمجمله.
ومع هذا الدفق الكبير من إنتاج هذا النوع من القص كان لا بد من تقعيد لهذا الفن الجديد ، ووضع الشروط الواجب إتباعها من قبل القاص ، لتصبح قصته مقبولة. ولذ أثمر هذا الاتجاه إلى إنشاء نوادي القصة القصيرة جدا في كل بلد كما في المغرب والعراق وسوريا ومصر والكويت والسعودية وتونس واليمن و الأردن
واسمحوا لي أن اسرد على مسامعكم شروط هذا الفن وأساسياته لعلنا نكون على وعي ونحن نستمع أو نقرأ أو نكتب، ومبنيا على أسس قد تم التوافق عليها بين كل الكتاب والنقاد والدارسين لهذا المجال.
1- طول القصة، يجب أن لا تعدى طول القصة 100 كلمة ، أي نصف صفحة هذه الكلمات المائة لابد أن تجبر الكاتب كي يجعل كل شيء في القصة مكثفا ابتداء من الشخصية فالوصف والحدث والاقتضاب بما يلمح أكثر مما يفصح يمكن أن تكون علامات الترقيم والتنصيص والحذف والاستعاضة بالنقط ، أسلوبا لإعطاء عبارات الانفعال مداها والكلمات المحذوفة سحرها المختفي ، والتقطيع لكي يعطي للكلمة طولا معبرا
2- أن تكون القصة القصيرة جدا مبنية على واقعة حكائية. وإلا خرجت عن كونها قصة وتحولت إلى خاطرة أو وجهة نظر أو فكرة انطباعية أو نثرية شعرية
3- والاقتضاب واجب جدا لكي لا يصرف كلماته المائة على الاستطرادات التي لا تكون أساسية , بل ينتقي الكلمات الشفافة لتقول ما لم يقله صراحة كما في قصة تسريح
4- يصبح التركيز طريقا للترميز ، وطرح التساؤلات التي تدعوا للتفكير واستلهام الأفكار، أو السخرية والتنكيت
5- الاشتباك هع القارئ بمعنى الإمساك بذهنية القارئ من خلال ، الإدهاش، والإبهار ، والإرباك، والمفاجأة، والحيرة الدلالية
6- المفاجأة أي إيقاعه في شرك الحيرة والتعجب اندهاشا وإرباكا وسحرا
7- الإدهاش أي خلخلة ميثاق التلقي، وإرباك القارئ على مستوى، تقبل النص واصطناع لغة المفارقة ، والعلامات الملتبسة المحيرة الإضمار والغموض والحذف والتخييلالجملة الشعرية تسمو بالنص
8- كلما كانت القصة القصيرة جدا مبنية على الجمل البسيطة ذات المحمول الواحد، كانت القصة أكثر تركيزا واقتضابا واختزالا، وانبهارا للقارئ
9- الجمل الفعلية تسهم في تفعيل الحبكة، وتأزيمها توترا وتعقيدا ودرامية، وعلي المبدع أيضا أن يبتعد قدر الإمكان عن المقدمات الإنشائية المستهلكة أو المجترة ، مثل: ذات يوم، وفي يوم من الأيام ويستخدم البدايات الشاعرية
10- الجسد القصصي يجب أن يكون واضحا ومفهوما والعناصر متواجدة أو يمكن تصورها
11- لابد أن يجيد الكاتب خاتمته، ويستحسن أن تكون مفاجئة وصادمة ومخيبة لأفق الانتظار عند القارئ، وأن تكون واخزة ومحيرة ومدهشة ومربكة والابتعاد عن النهاية الكلاسيكية مثل وأخيرا... وفي النهاية...
12- يجب ان يكون الحدث متحركا ناميا لأنه هو الذي يعطي للقصة حيوتها وامتدادها ، فحركة الحدث يمكن أن تكون دائرية أي إرجاع البطل إلى نقطة بدايته ، أو تكون صاعدة في الزمان إلى مستويات غير متوقعة والحركة النازلة نحو التذكر والفلاش باك.
13- القصة القصير هي رؤية لا تتوقف عندها العين طويلا، ويجب أن تكون مدهشة لتلصق بالذاكرة والخيال ليتمكن العقل من تأملها كما في ويستعمل كثير من الكتاب المفارقات القائمة على التناقض وتنافر الظواهر والأشياء، وذلك في ثنائيات متعاكسة ، والاعتماد على التعرية الكاريكاتورية وتشويه الشخصيات والعوالم الموصوفة وذلك بريشة كوميدية
14- وأخيرا السخرية ضرورية للقصة كموقف تهكمي من الحياة هي نابعة من المفارقات السالفة الذكر، والسخرية تكون إما مضحكة أو مبكية
#سعادة_عودة_أبو_عراق (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟