أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - الديانة العبرية وأساطير الشعوب القديمة (2)















المزيد.....

الديانة العبرية وأساطير الشعوب القديمة (2)


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4473 - 2014 / 6 / 5 - 22:13
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



ورد ذكر نوح والطوفان فى التوراة ، ثم ورد فى القرآن . فالتوراة جاء بها أنّ الله قال لنوح ((اصنع لنفسك فلكــًا من خشب... فها أنا آتٍ بطوفان الماء على الأرض لأهلك كل جسد فيه روح.. كل ما فى الأرض يموت. ولكن أقيم عهدى معك . فتدخل الفلك أنت وبنوك وامرأتك ونساء بنيك معك . ومن كل حى من كل ذى جسد اثنين ذكرًا وأنثى... لإنى بعد سبعة أيام أمطر على الأرض أربعين يومًا وأربعين ليلة وأمحو عن وجه الأرض كل قائم عملته.. فمحا الله كل قائم كان على وجه الأرض . الناس والبهائم والدبابات وطيور السماء فانمحتْ من الأرض . وتبقى نوح والذين معه فى الفلك فقط)) (تكوين- الإصحاحيْن السادس والسابع)
ووردتْ القصة فى القرآن مع الاختلاف فى بعض التفاصيل فقال ((لقد أرسلنا نوحًا إلى قومه. فقال يا قوم اعبدوا الله... فكذبوه فأنجيناه والذين معه فى الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا)) (الأعراف من 59- 64) وتكرّرتْ فى سورة يونس من 71- 73. وتكرّرتْ فى سورة هود وفيها التأكيد على ما ورد فى التوراة على أنْ يحمل نوح فى الفلك ((من كل زوجيْن اثنين)) (هود من 25- 48) وتكرّرتْ فى سورة إبراهيم/ 9. وتكرّرتْ الإشارة فى سورة الإسراء/3. وفى سورة مريم/ 58. وسورة الأنبياء/ 76، 77. وسورة المؤمنون من 23- 28. وسورة الفرقان/37. والشعراء/105. وسورة الصافات من 75- 82. وسورة نوح بالكامل. وفى التوراة فإنّ نوح مات وعمره 950سنة (الإصحاح التاسع) وهو ما أكده القرآن (العنكبوت/ 14)
يجهل كثيرون من المؤمنين بالديانة العبرية أنّ حكاية الطوفان وردتْ فى أساطير العديد من الشعوب السابقة على التوراة والقرآن . ومن بين الأساطير لدى الشعوب القديمة ، أسطورة تقول أنّ الآلهة خلقتْ الإنسان مُـنعمًا سعيدًا ، لكنه أذنب وارتكب الخطايا بإرادته الحرة ، فأرسل الإله عليه طوفانـًا عقابًا له على فعله. فأهلك الناس كافة ولم ينج إلاّ رجل واحد اسمه (تجتوج الحائك) وأنّ تجتوج هذا خسر الحياة الخالدة لأنه أكل فاكهة شجرة مُحرّمة (ول ديورانت- قصة الحضارة- المجلد الأول- ج2- ص 31) وذكر علماء كثيرون التشابه الكبير الموجود فى قصة الطوفان فى الديانة العبرية ونفس القصة فى تراث بابل وسومر. ومن العلماء الذين توسعوا فى نقل تفاصيل قصة الطوفان لدى بعض الشعوب ، العالم الكبير جيمس فريزر فى كتابه الضخم (الفولكلور فى العهد القديم – الجزء الأول) فذكر أنّ ماء جاء فى العهد القديم عن قصة الطوفان به تشابه ملحوظ بين عادات الأجناس البشرية المختلفة. وأنّ العديد من أوجه التشابه يمكن أنْ تـُفسر بأنها نشأتْ مستقلة نتيجة لتماثل حركة التفكير فى العقل البشرى . وأنّ أساطير الطوفان عُـثر عليها منتشرة بين شعوب مختلفة تعيش فى بقاع نائية على وجه الأرض.
من بين تلك الأساطير ما ورد فى التراث البابلى الذى يحكى عن الطوفان الذى حدث فى عهد (اكسيسوثروس) الملك العاشر الذى حكم بابل . حيث ظهر الإله (كرونوس) للملك وحذره من أنّ طوفانـًا سيغمر الأرض ويهلك الناس جميعًا. وطلب منه أنْ يبنى فلكــًا يأوى إليه هو وأقرباؤه . ويأخذ معه الكائنات الحية من الحيوانات والطيور. وقد حالف الحظ المُستكشفين الإنجليز الذين قاموا بعمليات الحفائر فى (نينوى) فى القرن 19ب.م فعثروا على بقايا هائلة من مكتبة الملك (آشور بانيبال) الذى حكم من عام 668- 626ق.م ومن بين كتب تلك المكتبة تمّ العثور على نقوش الكتابة المسمارية على ألواح من الطين. وقد استطاع (جورج سميث) الذى كان يعمل فى المتحف البريطانى أنْ يجمع القطع المتناثرة بعضها إلى بعض فاستعاد شكل ملحمة جلجامش مكتوبة فى 12لوحًا ومحتوية على حكاية الطوفان فى اللوح رقم11.
وتدور الملحمة حول جلجامش الذى فقد صديقه (أنجيدو) فحزن على فراقه. وفى رحلة البحث عن جده (أوتنابشتيم) وبعد أنْ عثر عليه حكى له الجد حكاية الطوفان . وأنّ مجمع الآلهة كان يضم (آنو) و(انليل) وكانت توجد مدينة اسمها (شوريباك) على شاطىء الفرات . فقالت الآلهة لحاكمها (أبارا- توتو) اهدم بيتك وابنى سفينة. واهجر ممتلكاتك وانقذ حياتك . فانج بنفسك وخذ معك فى السفينة كل نوع من أنواع الحبوب . فصنع هيكل السفينة. ولما هبّـتْ العاصفة عرف أنّ البداية قد حانت . وعندئذ صرختْ عشتروت وقالت ((اللعنة على ذلك اليوم الذى أمرتُ فيه مجمع الآلهة أنْ يحل الشر بالبشر. فسكن البحر وهبطتْ مياهه. وأنّ الإله (أيا) قال للإله انليل ((أنت رئيس الآلهة ولكنك لم تستشر الآلهة فى موضوع الطوفان . فلتعمل الآن على ما يحول دون إفناء الجنس البشرى . ولتكف عن إحلال اللعنة بكل شىء . هذا ملخص للقصة التى ترجع إلى عصر آشور بانيبال (القرن 7ق.م) وذكر فريزر أنه ((يُمكننا أنْ نتصوّر أنّ هذه الروايات ترجع إلى رواية أصلية أكثر قِدمًا من الرواية العبرية ومنقولة عنها. وأنّ الشواهد القاطعة للآثار القديمة الهائلة لأسطورة الطوفان البابلية تؤيدها الكتابات المُدوّنة على لوح مُهشّم اكتشف فى مدينة (أبو حبة) فى مدينة (سيبار) القديمة أثناء عمليات الحفر التى قامت بها تركيا.
وهناك رواية أخرى لأسطورة الطوفان تمّ اكتشافها فى (نيبور) أثناء عمليات الحفر التى قامت بها جامعة بنسيلفانيا . ومُدوّنة على كسرة من الفخار. وورد فى هذه الرواية أنّ الإله ظهر ليُـذيع نبأ حدوث طوفان سيكتسح الجنس البشرى . وحذر من هذا الطوفان وطلب بناء سفينة كبيرة وعليها الحيوانات الأليفة والطيور. وهناك رواية أخرى مكتوبة باللغة السومرية. ومعنى هذا أنها دُوّنتْ بلغة غير سامية كان يتكلم بها الشعب الذى يبدو أنه كان يعيش فى بابل قبل الساميين . ويبدو من طابع الكتابة أنها كـُـتبتْ فيما يقرب من عصر حمورابى ملك بابل حوالىْ 2100ق.م ومن الطريف ملاحظة أنّ الرواية السومرية لقصة الطوفان تكون تكملة لحكاية عن خلق الإنسان . ووفقــًا لها خلقتْ الآلهة الإنسان قبل الحيوان. ومن ثمّ فإنّ الحكاية السومرية تتفق مع الحكاية العبرية فى سفر التكوين . كما أنّ قصة الطوفان السومرية تتفق فى ملامحها الأساسية مع قصة الطوفان فى ملحمة جلجامش . ففى القصتيْن هلاك الجنس البشرى عن طريق إغراق الأرض بالأمطار. مع ملاحظة أنّ قصة الخلق وقصة الطوفان اللتيْن وردتا فى العهد القديم ، لم تنشآ عن الساميين ، بل استمدهما الساميون من الذين سبقوهم فى الحضارة. وقد أجمع نـُقاد العهد القديم على أنّ أسطورة الطوفان فى سِفر التكوين جمعتْ بين قصتيْن متيزتيْن فى أصلهما ومتناقضتيْن تناقضًا جزئيًا . ومع ذلك فقد جمع مؤلف سِفر التكوين بينهما بطريقة فجة حيث التكرار والتناقض . وأنّ قادة بنى إسرائيل كانوا يبحثون عن سلوى وتعويض لأمنهم فى مقابل المذلة التى كانت إسرئيل تعانيها فى حياتها الدنيوية. فاحتكروا الرحمة الإلهية لتصبح صهيون مدينة مقدسة ومركزًا لمملكة الرب فى الأرض . أما الجانب العميق من الدين (العبرى) فقلــّما ينظر إلى الجوانب الأخلاقية والروحية لهذا الدين . ولم تكن عملية الخلق بالنسبة للرب سوى تمهيد ليوم الراحة (السبت) عند اليهود . وأنّ الطوفان الذى قضى على الجنس البشرى لم يكن سوى مناسبة خلقها الرب النادم ليُـقيم عهدًا بينه وبين الأحياء البؤساء الذين نجوا من الطوفان.
ولأنّ المؤرخ الكهنوتى كان محاميًا بقدر ما كان كاهنـًا ، لذا بذل جهدًا مُـضنيًا لإثبات أنّ علاقة المحبة بين الرب وشعبه ترتكز على أسس شرعية. كذلك هو لا يمل من ذكر صكوك التمليك الإسرائيلية المُلائمة لمزاجه. وتصويره لموسى الذى خصّه بأكبر قدر من عنايته ((وأنّ صورة هذا القائد الكبير لا تفوق صورة التمثال الأصم إلاّ فى قليل))
وربما كانت المقارنة السطحية بين حكايتىْ الطوفان العبرية والبابلية كافية لتؤكد أنّ إحداها اعتمدتْ على الأخرى . وتتعدّد وجوه الاتفاق بين الحكايتيْن حتى تشمل التفاصيل الجزئية بحيث – كما ذكر فريزر- لا يمكن إرجاع هذا إلى الصدفة. ففى الحكايتيْن قرّرتْ القوى الإلهية القضاء على الجنس البشرى بواسطة الطوفان . وفى الحكايتيْن أفشى الإله بالسر إلى رجل (مرضى عنه) قبل حدوث الطوفان. وينصحه ببناء الفلك لينقذ نفسه وأسرته. ويأخذ معه الطيور والحيوانات. وليس من قبيل الصدفة أنْ يكون البطل الذى تمّ إنقاذه فى الحكاية البابلية هو ملك بابل العاشر. وأنْ يكون نوح فى الحكاية العبرية هو الرجل العاشر فى نسل آدم . وفى الحكايتيْن هطلتْ الأمطار الغزيرة. وفيهما غرق الجنس البشرى عدا البطل وأسرته. وفيهما أرسل الرجل الذى تمّ إنقاذه طائريْن (غرابًا وحمامة) ليرى عن طريقهما ما إذا كانت مياه الطوفان انحسرتْ عن الأرض. وفيهما أنّ الحمامة عادتْ إلى السفينة ولم تجد مكانـًا تستقر فيه. أما الغراب فلم يعد فى الحكايتيْن . وفيهما أنّ السفينة رستْ على جبل . وفيهما أنّ الآلهة شمّتْ رائحة الشواء فسكن غضبها. وفيهما ولعٌ بالرقم (سبعة) فكان التشابه مُـتطابقــًا. فإذا كانت الحكايتان العبرية والبابلية عن الطوفان تتشابهان إلى هذا الحد ، فكيف يمكن تفسير هذا التشابه ؟ رغم الفارق الزمنى الذى يصل إلى 11قرنـًا. فضلا عن أنّ حدوث الفيضان فى بابل ، يقطع بأنّ الحكاية نشأتْ فى بابل ثم انتقلتْ بعد ذلك إلى فلسطين . وقد افترض البعض أنّ اليهود عرفوا هذه الحكاية فى فترة أسرهم فى بابل . ومن المحتمل أنهم تعرّفوا على التراث البابلى . وقد لعب الخيال اليهودى فى العصور المُـتأخرة بحكاية الطوفان فأضاف إليها تفاصيل جديدة تميل إلى المغالاة بقصد إشباع شغف العبريين فى عصر انحطاطهم . وأنّ الرب هدّدهم بالطوفان . وأخذ نوح يعظهم طيلة 120سنة. ثم منحهم الربُ مهلة لمدة أسبوع آخر. ولكنهم على العكس يسخرون من نوح ويستهزئون به عندما وجوده يبنى الفلك ، أى السفينة.
الحكايات الإغريقية عن الطوفان :
فى الأدب الإغريقى حكايات عن طوفان سيُبيد الجنس البشرى ، ومنها حكاية رواها (أبولو دوروس) جامع الأساطير. ومُـلخصها أنّ (دويكاليون) كان ابنـًا ل (بروميثيوس) وكان يحكم بوصفه ملكــًا. ومتزوجًا من (بيرها) ابنة (باندورا) أول امرأة خلقتها الآلهة. وشاء الإله زيوس أنْ يهلك الناس ، فصنع دويكاليون سفينة. وبعد أنْ جمع كل ما يلزمه ، أسقط زيوس مطرًا غزيرًا من السماء أغرق جزءًا من البلاد. ولما توقف المطر نزل من السفينة وقدّم أضحية للإله. كما ذكر أفلاطون فى القرن الرابع قبل الميلاد حكاية عن الطوفان . وكتب أفلاطون أنّ الكهنة المصريين كانوا يسخرون من الإغريق الذين كانوا يعتقدون أنه لم يحدث سوى فيضان واحد ، فى حين أنّ الطوفان أغرق الأرض أكثر من مرة.
الحكايات الهندية القديمة عن الطوفان :
فى الأدب السانسكريتى حكاية عن الطوفان حوالىْ القرن السادس قبل الميلاد . ومُـلخص الحكاية أنّ الإله (مانو) كان يغسل يديه بماء النهر، فأمسك سمكة. السمكة قالت له : سوف أنقذك فسألها من أى شىء سوف تنقذيننى ؟ قالت : سوف يأتى طوفان يحمل معه كل المخلوقات... وبعد تفاصيل كثيرة قالت له : إنّ الطوفان سيحدث سنة كذا وعند ذاك تحضر إلىّ راكبًا سفينة تعدها لهذا الغرض.
حكايات هندية حديثة عن الطوفان :
تحكى قبيلة (بهيل) التى تسكن أحراش الهند الوسطى أنه كان فى الزمن القديم رجل ورع اسمه (ذوبى) اعتاد أنْ يغسل ملابسه فى النهر. فحذرته سمكة من قرب حدوث طوفان . وأنها جاءتْ لتـُحذره وطلبتْ منه أنْ يبنى سفينة ليهرب من الطوفان. مكافأة له لأنه كان يُطعم السمك.
كما ذكر فريزر حكايات كثيرة عن شعوب عديدة كلها تدور حول فكرة الطوفان وبناء سفينة للهرب منها وأنّ الرجل (الصالح) الذى حذرته النبوءة هو الذى سينجو هو وأسرته ويأخذ معه الحيوانات والطيور. منها حكاية (الكارميون) وهم سكان قبيلة صغيرة بمقاطعة (رايبور) فى إقليم الهند الوسطى . وانتقل لضرب الأمثلة عن حكايات الطوفان فى شرق آسيا. وحكايات عن الطوفان فى معتقدات سكان سومطره. وأنّ الخالق اسمه (ديباتا) أرسل طوفانــًا إلى الأرض ليهلك كل ما عليها من كائنات حية. فتمكن زوج وزوجته من الهروب الخ . ثم ضرب أمثلة أخرى من حكايات استرالية عن الطوفان . وحكايات من أميركا الجنوبية. كما ذكر المؤرخ الإسبانى (هيريرا) أساطير من بيرو عن الطوفان الكبير الذى غمر الأرض بالمياه وأهلك كل البشر، عدا من استطاعوا الهروب. وحكايات أخرى عن الطوفان فى أميركا الوسطى والمكسيك وأميركا الشمالية. وحكايات إفريقية عديدة وكلها تدور حول ذات الفكرة (غضب السماء من البشر، تحذير الشخص الورع ، طلب بناء سفينة ، نجاة الشخص الورع وأسرته الخ) مع الاختلاف فى التفاصيل .

000
وفى المقدمة التى كتبها د. عبد الغفار مكاوى لترجمته ملحمة جلجامش ذكر أنه جاء فى القصة الأصلية أنّ قرار الآلهة بإفناء البشر سببه إزعاجهم لهم . ثم بناء السفينة وسقوط المطر والأعاصير المُدمّرة لمدة سبعة أيام. وأشار إلى اللوح الحادى عشر فى الملحمة وتشابهه مع ما جاء فى سِفر التكوين بالعهد القديم (وتجنـّب الإشارة إلى القرآن) بجانب تأثير بعض نصوص أدب الحكمة البابلى على سِفر الجامعة أو سِفر أيوب والمزامير وتأثير شاعر الإلياذة والأوديسة.
وجاء فى اللوح الحادى عشر من ملحمة جلجامش (( كانت هذه المدينة قد شاختْ كما شاخ الإله. والآلهة العظام حثتهم قلوبهم على إرسال الطوفان)) وفى السطر رقم 76((تمّ بناء السفينة فى اليوم السابع . وبعد عدة سطور قال ((أركبتُ فى السفينة كل أهلى وعشيرتى . اركبتُ فيها حيوان البر وحيوان الحقل . ولكن الإله أرعد وفتح السدود لتنهمر المياه وانقبضتْ السماء فأحالت كل نور إلى ظلام . والآلهة أحرقتْ الأرض . وتحطمتْ الأرض كأنها آنية من فخار. وأهلكتْ البشر كأنها الحرب. أقعى الآلهة كالكلاب. صرختْ عشتار كامرأة فى المخاض. وقالت كيف طاوعتنى نفسى أنْ آمر بالشر فى مجمع الآلهة. وتسليط الحرب على أبنائى البشر لتهلكهم؟ حتى إذا أقبل اليوم السابع ، أتيتُ بحمامة وأطلقتها. طارتْ الحمامة بعيدًا ثم رجعتْ . لم تجد مكانـًا تحط فيه (؟!) أتيتُ بغراب وأطلقته. طار الغراب. ولما رأى المياه انحسرتْ أخذ يأكل ويحوّم وينعق ولم يرجع . قـدّمتُ أضحية. ليتقـدّم الآلهة إلى القربان ، إلاّ الإله انليل فليس له أنْ يقترب منه، لأنه أرسل الطوفان بغير تروٍ. كيف أحدثتَ الطوفان؟ حمّل المخطىء ذنب خطيئته. بدلا من أن تـُرسل طوفانـًا ، دعْ أسدًا ينقص عدد الناس . لتنزل بالبلاد مجاعة تفتك بها. لينهض إيرا ويخنق البشر (هامش من عندى أليست النتيجة واحدة؟)
يُلاحظ أنّ عشتار جمعتْ بين صفتيْن مُـتناقضتيْن : فهى ربة الحب وربة الحرب . وهذا التناقض أحد مظاهر الأساطير البابلية. وأنّ جلجامش (بطل الملحمة) تراكمتْ حوله مأثورات ضخمة عن طغيانه واستبداده بشعبه. وصداقته لوحش البرية (أنكيدو) وأنّ جلجامش ثلثاه إلهى والثلث الباقى بشرى. وأنه تعوّد على خطف البنات والدخول بهنّ قبل أزواجهنّ. وكان تعليق د. عبد الغفار مكاوى ((إننى أتصور جلجامش فى صورة النموذج الأول أو النمط الأصلى الكامن فى أغوار اللاوعى الجمعى للمستبد الشرقى بوجه عام والعربى – السامى – بوجه أخص)) (ملحمة جلجامش- هيئة قصور الثقافة- عام 2003- ص 68) خاصة وقد جاء فى الملحمة أنّ جلجامش ((لا يترك الابن لأبيه. ويقهر الشعب بالليل والنهار. ولا يترك العذراء لحبيبها)) ورغم ذلك يصفه كاتب الملحمة بأنه ((الخبير الحكيم)) (ص86) ثم يتناقض مع نفسه عندما كتب أنّ جلجامش (( يُجرّب قوته العاتية على الناس كالثور الوحشى)) (ص93) وأنه كان أول من يدخل على العروس فيضاجعها قبل أنْ يدخل عليها زوجها. وأنّ هذه إرادة الآلهة ومشورتهم)) (105)
وكان تعليق د. مكاوى أنّ القتال ((بين المدن السومرية كان أمرًا معروفــًا. كما أنّ بكاء شعرائها على مدنهم المُخرّبة بأيدى أبناء المدن المجاورة أو غيرهم من الشعوب والقبائل الغازية يُعد من أهم أنواع الأدب السومرى ومن أعمقها تأثيرًا على قلب القارىء العربى المعاصر الذى يشهد خراب مدنه بأيدى العرب أنفسهم)) (ص31، 32) وبالرغم من أنّ جلجامش جلس على العرش (ص116) فإنه ندم لابتعاده عن القتل ورؤية دم الضحايا فقال ((لن أموت ميتة رجل يسقط فى ساحة القتال . مباركٌ من يسقط فى المعركة. فأنا أموت الآن يُـلطخنى العار)) (ص171) وذات المعنى قاله خالد بن الوليد وهو على فراش الموت ، أى أنّ العقلية واحدة ، سواء فى الأسطورة أو فى الواقع (البابلى والعربى) وفى ملحمة جلجامش فإنّ عشتار جمعتْ حولها ((بغايا المعبد المُـقدس)) (ص157) وكان تعليق المفكر السورى الكبير فراس السوّاح فى ترجمته للملحمة أنّ ((هذه إشارة إلى طقوس اللواط المُـقدس وإلى اللوطين الذين كانت تعج بهم أطراف معبد عشتار)) (ص101) وهكذا تنتقل ملحمة جلجامش من أسطورة الطوفان التى تكرّرتْ فى الديانة العبرية ، إلى سمات وخصائص المجتمع البابلى ، سواء من حيث طغيان الآلهة أو طغيان الحاكم ، أو من حيث القيم الأخلاقية أو اللا أخلاقية فى ذاك المجتمع الذى أنتج أسطورة الطوفان.
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حق الأقليات الثقافية فى الدفاع عن خصوصياتها
- الديانة العبرية وأساطير الشعوب القديمة (1)
- معوقات الحداثة المصرية
- صناعة النجوم فى الميديا المصرية (5)
- صناعة النجوم والميديا المصرية (4)
- صناعة النجوم والميديا المصرية (3)
- صناعة النجوم والميديا المصرية (2)
- صناعة النجوم فى الميديا المصرية
- المتعلمون المصريون و(الورم) العروبى
- الزواج الثانى للمسيحيين المصريين
- الُمُتنبى بين الشعر والنفاق
- رد على الأستاذ يحيى توتى
- تحرير فلسطين وتحرير إسبانيا
- الصحابة الأثرياء : المال والسلطة
- ماذا فعل الصحابة ببعضهم البعض ؟ (3)
- ماذا فعل الصحابة ببعضهم البعض ؟ (2)
- ماذا فعل صحابة محمد ببعضهم البعض ؟
- مجابهة الأصولية الإسلامية (2)
- مجابهة الأصولية الإسلامية (1)
- شجاعة الشيخ على عبد الرازق وتناقضاته


المزيد.....




- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - الديانة العبرية وأساطير الشعوب القديمة (2)