عبد الصمد السويلم
الحوار المتمدن-العدد: 4469 - 2014 / 5 / 31 - 02:43
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بلغني عن طريق احد الأصدقاء ان احد الوزراء منتهي الصلاحية في العراق قد اشتكى عليه احد المحافظين في احدى محافظات العراق نتيجة لمعاقبة المحافظ المذكور احد المدراء العامين التابعة للوزير المذكور مما دفع الوزير المنتهي الصلاحية الى تعطيل كل المشاريع الخاصة بالمحافظة ملحقا ضررا بخدمات مواطني المحافظة انتقاما من الوزير المذكور ضد المحافظ كنحو من العقاب الجماعي. والواقع يؤكد ان العراق كله منتهي الصلاحية وليس الحكومة والبرلمان فقط بل حتى القيم السامية أصبحت غير صالحة للاستهلاك او على نحو الدقة غير صالحة للقبول والتبني مثل القيم الوطنية والسلام والثورة واصبح التغيير هو تغيير اشخاص فقط او تغيير عناوين لأحزاب كارتونية او تلميع شخصيات. في العراق لم يعد مقبولا ان تتكلم بصدق تام ودقيق عن كل شيء ،ولا شيء يقبل منك الا ان تتحدث عن البعض دون البعض الاخر .لكي تعيش لا بد لك من انتماء كي تحافظ على حياتك وعلى عملك وهي يعني ان تكون الة لسلطة مصغرة وبالتأكيد ليس هي سلطة الوطن . في عراق منتهي الصلاحية الحديث عن التغيير الثوري اصبح خيانة وجنون . في عراق منتهي الصلاحية لا شيء غير المكابرة ووهم الكذب على النفس والضحك على الذقون. في العراق اليوم المثقف لديه احساسي بالغبن والغدر عال جدا . يجد ان ما يقوله لا يعدو كونه مجرد كلام نظري فقط لاواقع يجده نفسه مصابا بالعجز عن القرار او التغيير حيث لا فرص امامه بسبب من غدر اصحاب القرار اي اصحاب النفوذ من قادة المجتمع.هنا في العراق على الانسان على الاعم الاغلب ان لا يكون له لرأي ثوري ولا موقف ثوري متمرد راديكالي مستقل ومخالف ومغاير واضح محدد لديه يمكن ان يهدد صناع القرار وعليه فقط ان يكون بياع كلام ، اما لو تحول الى قائد سياسي او زعيم مليشيات او احد ابواق الزعماء او احد ابرز المرتزقة من مافيا القتل او اللصوص فانه يشكل رقما واسما وعنوانا يحسب له الف حساب ويشكل خطرا وتهديدا في حالة تمرده ضد صناع القرار، في عراق منتهي الصلاحية لا يستطيع الانسان بل ولا يحق له حسم اي أمر من امور حياته المعتادة او حياة مجتمعه في العراق الانسان باهت ساذج جاهل ومهمش ومصدوم مذهول وساذج واقع تحت تأثير الأساطير ووهم امل الاكاذيب والوعود الزائفة . في عراق منتهي الصلاحية الانسان هنا (لا قرار له ولا فهم له ولا فعل له ) كالماء فاقد لأي خصائص من حيث انه (لا لون ولا طعم ولا رائحه) له، ورغم كل خصائص ذلك الانسان الباهت الذي لا رأي ولا تأثير ولا قرار له و وزن و لا قيمة له بتاتا يتهمه الاخرون من القادة وذيول ابواق ومرتزقة القادة باتهامات كاذبة وباطلة، بالخيانة والجهل وهم من تسبب في ان يكون صفرا على اليسار وهم من سلب منه القرار ومنع من ان يكون عالما بحقائق الامور .بل ومنعه ليس من حقه في الدفاع عن مصلحته الشخصية البحتة بل منع حتى من معرفة كيف له ان يدافع عن حقه في عراق الغابة الذي (يأكل) القوي فيه الضعيف بلا رحمة . في عراق منتهي الصلاحية يتم وصف البسطاء من الناس من المسحوقين البؤساء ويوصف من يحلم بالثورة بالجاهل والمجنون . في حين يتم وصف القوي اللص والقاتل من اتباع أصحاب القرار ممن خان دوره ووظيفته الإنسانية بالواقعي. عند المثقف الحالم القضية الوطنية ليست في التعاطف مع أبناء الشعب او التغافل عن الكثير من السلبيات حرصا على وحدة الوطن. في عراق منتهي الصلاحية (الوطن لا يوجد في الحياة اليومية والعادية في الشوارع بل يوجد في العقل الباطن لكل واحد منا ) . راي المثقف في العراق هو تعبير عن شريحة مجتمع معينة للأسف وليس هو صوت الشعب كله و ليس على شخصية محددة ف حيث فشل في ان يجد نفسه او يكون له كيان خاص به له وزن في مجتمع يعيش تطورا عجيب متسارع للأحداث . في العراق المثقف بل والمواطن العادي انسان بدون ماض مهم و لا مستقبل مهم يعيش حياته دون هدف سام او بمعنى اخر دون البحث عن هدف او يعيش اخفاقا في تحقيق أهدافه حيث الخوف يحتويه والملل يعترضه كل حين من خوف الفشل الى خوف النجاح الى خوف الاستمرار الى خوف التغيير الى خوف من المجهول الى خوف حتى من المحاولة لذا تزول قناعته ورغبته بل وقدرته سريعا باي فعل او أي قرار او أي هدف لأنه يجد في ذلك كله العبث فقط ليس الا لذا تجده يعيش كئيبا مصاب بالهستيريا وعدواني الطبع و يصاب بالأرق اغلب الوقت . حتى يتحول الى ان يصبح همه الاستمرار على روتين حياتي بدون هدف هام في الحياة وهمه الوحيد هو البحث عن طريقة لتضييع و قته و حياته حتى يكون في الموت الخلاص ويتحول الموت الى امنية خاصة عندما لا يعبأ به احد في حياته الرتيبة المملة التي تخلو من اي اثارة حتى تكون (فلسفته في الحياة هي أنها . من الممكن أن تموت في أي لحظة .....المأساة ،كما يقول، هي أنه لم يمت ). يتمنى الموت بدلا من حياة خاوية خواء يبعث الحيرة و الرعب و الضحك و الاشمئزاز و الغموض في ان واحد . وحيث لا توجد وسائل هروب ناجحة ولاو سيلة ترفيه شافية فضلا عن انعدام وسائل وإداوت حقيقة لبناء الذات . لا يوجد في العراق لأي شيء مهم الا الهوة السحيقة بين الانسان وبين الغير في العراق او المجتمع العالمي المتحضر التي تتسع بمرور الزمن حتى يصير الاغتراب حقيقة وواقعا لا يمكن انكاره او الخلاص منه. وربما كانت الوسيلة الوحيدة لاكتشاف الذات في العراق الان وهي من أسباب التطرف محاولة الانسان اكتشاف ذاته من خلال تدميرها ، وتنجم هذه النزعة من كونه : " نكرة .. لا يعبأ أحد بحياته أو موته " . ومن الطبيعي لشخصية تسعى لتدمير ذاتها أنها تسعى أيضا لتدمير العالم والثقافة والنظام القائم . تدمير أي شيء لم يحصل عليه، أي هدف لم يحققه. في صراع إبادة لا رحمة فيه صراع يبدو انه من دون سبب شخصي او دافع عقلاني لأجل الشعور بالذات وتأكيد الذات ليس الا قتال مع الغير لأجل قتل الخوف القاتل . لكي يتحرر فيه الناس بالعنف من خوفهم وكراهيتهم للنظام السائد . حتى اذا جاءت لحظة الرغبة في التوقف وإيقاف هذا العنف الجنوني فإنه يجد الانسان في العراق نفسه عاجزا ، بعد أن صنعت الفوضى والإرهاب العنيف جيوشا من العصابات المستقلة العديدة واسعة الانتشار . وتكمن قوة شخصية الإنسان الجاه الفوضوي من اتباع الزعماء صناع القرار في انه يؤمن بعمق بأن الدولة كلها او بعض الأطراف السياسية فيها هي العدو الأكبر وأن إزالتها ضرورة لابد منها لتحرره ، وأن السبيل الوحيد لذلك التحرر هو إبادة الغير الخصم والغير المنافس والغير الضد والغير المخالف . ان نفسية الانسان الجاهل الطائفي العراقي الفوضوي قائمة على تبريره تدمير الذات والكون ، إنها نفسية وذهنية من يضعهم المجتمع في موضع النفي والإقصاء لانهم (مزبلة للتاريخ ) ، (مهمشين ) (جهلة) ، لا تعبأ بهم أي قيادة او زعامة وان خضعوا لها وكانوا من ادواتها القتالية في الصراع من اجل السلطة . مع وهم الانخداع بوعود القادة في عراق افضل عن طريق التدمير والخراب. انه ياس عميق لجيل عراقي معاصر يحلم حلما مجنونا دمويا بالعدالة الكذبة الأسطورة . ان قسوة الحياة في العراق جراء غياب العدالة الاجتماعية ومواجهة خطر القتل الدائم جعل المجتمع العراقي يتحلل وينهار بتسارع يوشك فيه على تدمير ذاته بل ونقل الدمار الى العالم . حيث يظهر مدى معاناة جيلنا من البطالة الحقيقية بل وحتى المقنعة منها والمملة مما جعل جلينا جيل الذين لا يملكون مبادئ للدفاع عن الحقوق في المجتمع المتكالب على المادة حيث أن الفرد العراقي يتعرض لضغوط رهيبة حتى يصل به الحال إلى أنه لا يستطيع المبادرة في الفعل او القرار بل وحتى ممارسة حياته المعتادة دون صراع بل ويعجز عن الراحة او النوم لقترات طويله و الذي يحرره من تعلقه بالأشياء الذي تستعبده ثم يحرره من خوفه من الناس. عن طريق العنف بان يكون تابعا للزعماء الاقوياء في الصراع الطائفي الذي يجذب الكثير من الأفراد المحبطين الذين يقومون لإخراج طافة غضبهم وكرههم للعالم في القتال الطائفي رغبة وهمية في ان تحريرهم يكون ماديا عن طريق تدمير ما هو من الغير لانهم يتوهمون ان زعامة الغير هي التي تؤدى إلى استعباد الناس.
#عبد_الصمد_السويلم (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟