أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دينا وادي - باب الشمس :حينما تتحول المأساة الفلسطينية الى سينما















المزيد.....

باب الشمس :حينما تتحول المأساة الفلسطينية الى سينما


دينا وادي

الحوار المتمدن-العدد: 1265 - 2005 / 7 / 24 - 02:24
المحور: الادب والفن
    


يبدأ المشهد الافتتاحي للفيلم بدعوة من يونس البطل الرئيسي لخليل ليأكلا معا بعضا من برتقال فلسطين, وتتحرك الكاميرا بين فميهما وتسلط عدستها الى zoom لتسجيل مشهد الجوع الدائم والنهم ولعابهما الذي يسيل بينما تستمر حالة المضغ في دلالة للحنين والشوق الدائم للارض والوطن ويختتم المشهد الاول بتصوير كومة من قشر برتقال فلسطين.
هكذا يبدأ الفيلم الملحمي " باب الشمس" للمخرج المصري يسري نصر الله, والذي يطرح إشكالية هامة وهي أن يعيش الفلسطيني كهوية وبشكل طبيعي وليس فقط كمشكلة أو ضحية أو أحد الجناه في عصر ضاعت جميع ملامحه ولم يتبق منها شيئا وهي الفكرة التي طرحها الياس خوري في روايته التي حملت نفس الاسم وعاد نصر الله ليؤكد عليها من جديد في فيلم من بطولة عدد من الفنانين العرب من كل من لبنان وسورية والاردن ومصر وبفريق عمل فني مصري وفي اطول واول فيلم عربي من جزئين متصلين , العودة والرحيل.
"يونس إبراهيم الاسدي" أو أبو صالح أو عدة اسماء اخرى هو الشخصية الرئيسية في رواية "خوري" ذات الـ500 صفحة واكثر وقام بتجسيدها في فيلم "نصر الله" الاردني "عروة النيربية" وهو الذي بدأ المشهد الافتتاحي عام1994 وقت عودة الفلسطينيين بعد اتفاقية أوسلو وهو يدعو "د. خليل" الشخصية المحورية الثانية في الفيلم لاسيما في الجزء الثاني منه ليأكلا من برتقال فلسطين ويقول له "تعال نأكل فلسطين قبل ان تأكلنا" وهي الجملة التي تطرح دلالة مقاومة الانسان الفلسطيني لمعاناته التي تجسدت ليس فقط بالاحتلال الاسرائيلي انما بإحتلال القضية الفلسطينية له وتصويره اما في صورة الملاك والضحية أو في صورة المذنب الذي باع ارضه كما روجت الصهيونية وصدقها البعض ومحاولة مقاومته في اثبات انه كباقي البشر يحب ويعيش ويعمل ليثبت هويته على هذه الارض وهي العدو الحقيقي للصهوينية التي تحاول محوها في كل وقت وفي نفس الوقت له قضية يكافح من اجلها وإن يستدعي الامر كفاحا مسلحا وهو ما لم يسلط الفيلم الضوء عليه أي الانتفاضة الفلسطينية خاصة الاولى والتي حدثت قبل اتفاقية أوسلو التي توقفت عندها احداث الفيلم بساعاته الاربع وجزئية "الرحيل" و"العودة".
وركز الفيلم على تحولات الانسان الفلسطيني بدءا بعام 1943 تحديدا في احدى قرى مدينة الجليل وإنتهاء بعام 1994 بعودة الفلسطينيين لاراضيهم ودخول يونس أو القائد أبو صالح والذي يشير بوضوح الى المقاومة الفلسطينية المسلحة في حالة موت سريري (كوما) طوال الجزء الثاني من الفيلم في حين يحاول د. خليل الابن الروحي ليونس والذي يجسد جيلا اخر من الفلسطينيون ويقوم بدوره السوري" باسل خياط" محاولات فاشلة لافاقته وبطريقة "الفلاش باك" يسرد له قصة معاناته وكفاحه ولحظات سعادته ولقائه الاول بـ"نهيلة" زوجته وحبيبته وشريكة كفاحة والتي تقوم بدورها التونسية "ريم التركي" والتي ترمز للمرأة التي تمتزج مع الارض في خصوبتها وصلابتها وتمردها احيانا.
وتبدأ الأحداث الاولى عام 1943 في قرية عين الزيتون احدى قرى مدينة الجليل من خلال اسرة "يونس" الصغيرة والفقيرة المكونة من الأم المتمردة على وضعها والغير راضية عليه والاب ذلك الشيخ الكفيف الذي يمتلك بصيرة نافذة ويريد ان يزوج ولده الوحيد يونس وعمره 16 عاما ليحيا حياة طبيعية الى جانب روتينه اليومي وهو كفاحه ضد المحتل الانجليزي مع رفاقه في جبال فلسطين وتكون " نهيلة " الفتاة ذات الـ 12 ربيعا والاخت الصغرى لفتاتين تكبرهما وأم تعمل خادمة لدى احدى الوجهاء العثمانيين في ذلك الوقت نصيب "يونس" ويتزوجا في مشهد يؤرشف للاعراس الفلسطينية بتقاليدها الموروثة لتبدأ في نفس اللحظة قصة حب وكفاح "يونس" و"نهيلة" خاصة بعد "الرحيل" وانجاب ولدهما الاول الذي كان لايزال رضيعا وقت احداث النكبة عام 1948 في مشهد جسد التهجير دون اللجوء لأي افلام وثائقية وليكون الكومبارس في هذا المشهد هم الابطال الحقيقيين للفيلم دون انفعالات صارخة وشعارات ليس لها علاقة بالانسان الفلسطيني البسيط.
هذا المشهد ايضا جسد ليس فقط معاناة الفلسطيني بل الانسان العربي على وجه العموم عن طريق جيش الانقاذ العربي الذي كان يقف احد ضباطه التي يتضح من لهجته انه عراقي فوق الجبل ينظر من خلال نظارته المعظمة على الفلاحين الفلسطينيين الذين تركوا قريتهم لليهود تحت تهديد السلاح وهو لا يستطيع فعل شيء لهم دون انتظار اوامر عليا في حين انه يعاني من عجزه عن التصدي لهذا الظلم دون فعل شيء.
اما "نهيلة" فيكون مصيرها العيش في احدى المخيمات مع اسرة زوجها وولدها بينما يعيش زوجها في الجبال مع رفاقه لمحاربة اليهود ويحاول بين الحين والاخر النزول للمخيم ليلا للاطمئنان على اسرته وبخاصة زوجته حتى تتوصل "نهيلة " الى كهف في إحدى جبال الجليل ليكون مكان لقائها مع "يونس" وتجعل منه جنة حقيقية تنثر الورد في كل مكان في الكهف وتضيئه بالشموع ويسميان هذا المكان "باب الشمس" كدلالة واضحة لتواصل الحياة والامل والقدرة على الصمود من اجل بقاء القضية لانه لو لم يكن هناك حياة بين "يونس" و"نهيلة" لمات "يونس" (رمز الفداء في الفيلم) والمقاومة وماتت معه قضيته بسرها .
اما "نهيلة " فهي المرأة التي صمدت وانجبت العديد من الاطفال وسط التساؤلات والتي تحيطها كيف يتم ذلك وزوجها غائب وارتضت لنفسها ان تلصق بنفسها أبشع التهم في سبيل حماية زوجها ورفاقه وذلك امام المخابرات الصهيونية في حين انها جمعت اهل المخيم بعد عودتها من السجن الذي لاقت فيه شتى انواع التعذيب لتنفي عن نفسها هذه التهمة وتفتخر بأنها تحيا حياة طبيعية مع زوجها وتقف بوجه المعاناة وتثبت هويتها يوما بعد يوم بانجابها طفلا بعد طفل وتنتهي احداث الجزء الاول "الرحيل" بالوصول لعام 1959 عام وحدة مصر وسورية وتعلق الفلسطينيين بالامل مرة اخرى.
ومن قصة الحب الاولى بين نهيل ويونس بأحداثها التي تنتمي الى زمن يختلف عن الزمن الذي نعيشه يواصل الجزء الثاني "العودة" من الفيلم تطور الانسان الفلسطيني وتطور شكل كفاحه من خلال قصة الحب الملتبسة الاحداث بين د. خليل وشمس والتي تقوم بدورها السورية نادرة عمران والتي لم تكلل بالنجاح أو لم يتحقق هدف خليل بأن يتزوج منها مثلما حدث مع يونس ونهيل لان شمس ستقتل وهي في طريقها لاهلها الساكنين في مخيم "الميه ميه" بالجنوب اللبناني في نفس الوقت يبدأ خليل "باسل خياط" في البحث عن ذاته وهويته وخلال رحلة البحث يقابل "سليم" ويقوم بدوره المصري "ماهر عصام" الذي اثبت براعة في الأداء وهو من أحد فلسطينيي المخيمات ويتحدث اللهجة المصرية ويحاول مساعدة خليل للعيش في المخيم والاتصال بأهله من خلال وسائل الاتصالات الحديثة الموجودة بالفعل في المخيمات الفلسطينية داخل فلسطين وخارجها كنوع من التعويض عن الحرمان بالاتصال بالآخر بكافة الوسائل وفي حوار بين خليل وسليم يسأل الاول الثاني لماذا لسانك مصري؟ ليرد عليه "سليم": "وماذا في ذلك ما أبو عمار كان يتكلم مصري وهو فلسطيني", و"سليم" هو تجسيد للإنسان الفلسطيني الذي ولد وعاش في المخيمات فلم يذق مرارة التهجير إنما ولد وعاش في الحقيقة التي تعامل معها بسخرية مفرطة عن طريق خداعه الناس ببيعه "لشامبو" يصبح لون الشعر الابيض باللون الاسود ويحاول "سليم" افاقة "يونس" من موته السريري مع د. خليل بكافة الوسائل كأن يضع اجهزة للتهوية أو يضع صوت الموسيقى حوله أو ويرقص التانجو مع احدى الممرضات, ويذكرنا هذا المشهد وشخصية "سليم" بسينما يوسف شاهين الذي يعتبر يسري نصر الله احد تلامذته ولكنه برع في اظهار قدرات الممثل المصري ماهر عصام الذي قام بأداء احد المشاهد المميزة في الفيلم عندما إستعان به رئيس الامن في المخيم الذي يرمز للعاملين في السلطة واصحاب الشعارات في شرح معاناة تهجير اهله من قريتهم للممثلة الفرنسية التي جاءت الى المخيم لتقدم مسرحية "لجان جنيه" وتقوم بدورها الممثلة الفرنسية "بيا تريس دال" وقطع "سليم" شعارات السلطة بأداء مسرحي لمشهد التهجير مما أبهر الممثلة الفرنسية في الفيلم وخرجت من مخفر الشرطة وتقول لـ د. خليل سأعتذر عن تقديم المسرحية لانها تحكي عن الموت وأنا وجدت هنا في المخيم حياة في اشارة للإنسان الفلسطيني الذي يحيا ويتعايش في حياة طبيعية غير مستغرق في معاناة تصل به الى الموت ومن ثم الى موت القضية.
وينتقد الفيلم بعض قرارات منظمة التحرير عندما وافقت على الرحيل من لبنان عام 1982 وسط حماية اميركية وبنادقهم خالية من الرصاص وذلك من خلال شخصية خليل التي عاصرت هذه الفترة وهو الجيل الثاني والذي يختلف عن جيل يونس.
وفي الجزء الثاني كان السرد التاريخي يحكي بعدة اشكال فمرة على لسان خليل والمرة الثانية عندما يرجع الفيلم فلاش باك للحدث لنرى منه التفاصيل والمرة الثالثة من خلال شخصية أم يونس التي تعود لتحكي مرة اخرى ما قام بسرده خليل وهذا عكس لغة السينما المعروفة التي تتحدث فيها الصورة ووقتها يصبح الحوار ليس بنفس قيمة الحدث ولكن من الممكن ان "نصر الله" يقصد بهذا التكرار للسرد التاريخي هو ان الاحداث في حياة الانسان الفلسطيني تعيد نفسها ولكن بشكل مختلف.
وفي احد المشاهد خلال محاولات خليل لافاقة يونس من خلال ذكر سيرة حبيبته "نهيلة" تقاطعه أم "يونس" قائلة " نهيلة ليست حبيبته إحنا فلاحين ما بنعرف الحب" هو ما يتضاد وفكرة الفيلم التي تقوم على أن حياة الانسان الفلسطيني تتماس مع الحب الذي يستمد مقاومته منه بالاضافة الى ان أهازيج واغاني الحب والغزل كلها في التراث الفلسطيني تغني بها وسجلها الفلاحين خاصة ان الفلاحين في أي مكان يعيشون وسط الخبرات التي تجعلهم يشعرون بالحب اكثر من غيرهم.
في النهاية نستطيع ان تقول ان فيلم "باب الشمس" لمخرجه يسري نصر الله وفريق العمل المصري والممثلين العرب والانتاج المشترك بين قناة "الآر تي" الفرنسية الالمانية ومؤسسة السينما المغربية وصندوق دعم الجنوب الفرنسي وعدة تليفزيونات اوروبية اخرى هو أول فيلم عربي يجسد معاناة الانسان الفلسطيني البسيط بدون شعارات رنانة مما نسمعها في وسائل الاعلام ومن خلاله يجسد معاناة الانسان العربي ايضا وعجزه امام الانظمة للدفاع عن حياته وهويته خلال اربع ساعات واكثر هي مدة اطول فيلم عربي اثار الجدل والمناقشات وايضا الاعجاب في كل بلد تم عرضه بها ليضعنا امام تساؤل هل يتحمل الجمهور المصري والعربي ان يشاهد فيلما لمدة 4 ساعات ذا لغة سينمائية مجهدة في حرفيتها على مستوى العمل من خلال التصوير والملابس والاضاءة والموسيقى وأداء الممثلين والسيناريو الذي شارك في وضعه الكاتب اللبناني " محمد سويد" بالاضافة للاديب الياس خوري مؤلف الرواية والمخرج يسري نصر الله وهو ما يجعلنا نصف الفيلم في النهاية بأنه ملحمة انسانية فلسطينية بصناعة عربية مشتركة.




#دينا_وادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفلسطيني في السينما الإسرائيلية لا يجد من يكاتبه
- الباشا :يحيي الفخراني
- السينما الفلسطينية بين مطرقة الاحتلال وسندان التمويل
- أخت القمر
- احمد زكي : اضحك الصورة تطلع حلوة


المزيد.....




- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دينا وادي - باب الشمس :حينما تتحول المأساة الفلسطينية الى سينما