أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فواد الكنجي - الجحيم هو الاخرون.. سارتر و الفلسفة الوجودي















المزيد.....


الجحيم هو الاخرون.. سارتر و الفلسفة الوجودي


فواد الكنجي

الحوار المتمدن-العدد: 4465 - 2014 / 5 / 27 - 08:22
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الفلسفة الوجودية كما يطرحها جان بول سارتر1905 ـ 1980 ، الذي الف عدد هائلا من المؤلفات والتي بمجملها تتناول بحوثة في الفلسفة الوجودية التي طرحها عبر كتبه الفكرية اوالقصصية او المسرحية او مقالات في الصحف والمجلات ، وهنا نختار اهم مؤلَّفاته وهي : الوجود و العدم و الكتاب المختصر الوجودية مذهب إنسانى أو نقد العقل الجدلي و الثلاثية دروب الحرية و الذباب و الجلسة السرية و العاهرة الفاضلة و الشيطان و الله الصالح و الذباب (دراما من ثلاثة فصول) و موتى بلا قبور و الحائط و الغثيان و المومس الفاضلة و الأيدي القذرة و سجناء التونا و ما الادب و ماركسية ووجودية. و تمت اللعبة ، المادية والثورة و الفوضى والعبقرية و نظرية الانفعال ، لقد أصدر ايضا دراسات عن سير العديد من الكتاب مثل تينتوريتو و مالارميه و شارل بودلير و جان جينيه ...، هي فلسفة التي تتناول في بحوثها عن معنى الوجود، و عن الإنسان الفرد الذي ترى ان وجوده هو أهم صفاته ، وانه غاية بذاته، ولا أهداف ماورائية لوجوده، بل هو الذي يحدد أهدافه بنفسه وفي نطاق حريته المطلقة والتي لا حدود لها. وفي هذه الحدود فان وجود الانسان يسبق الماهية بكون وجوده هو الاول ثم يتعرف على ماهيته ومن بعد ذلك يحتك بالعالم الخارجي فتكون له صفاته فيختار لنفسه اشياء هي التي تحدده ، فإذا لم يكن للانسان في بداية حياته صفات محددة ، فذلك لانه قد بدأ من الصفر ، بدأ ولم يكن شيئاً ، وهو لن يكون شيئاً الا بعد ذلك ، ولن يكون سوى ما قدره لنفسه اي إن الإنسان يوجد أولاً، ثم يظل يخلق ماهيته، بما يختار لنفسه من شعور، فليس الإنسان إلا ما يختاره لنفسه أن يكون، لأن وجود الإنسان لا يخضع لماهية أو طبيعة محددة، بل هو إمكان مستمر وعلى الإنسان أن يحققه، فليس هناك طبيعة بشرية فرضت من الأزل، وليس هناك تعريف ثابت للإنسان كيف ينبغي أن يكون، ومن هنا يقول سارتر: (( إن الإنسان حر)) وهي عبارة مرادفة لقوله: ((إن الله غير موجود)) ، وحينما تنفي الوجودية وجود ( الله) ، فذلك لا يعني بان الوجودية هي ملحدة ، فسارتر يوضح هذا المفهوم ويوكد القول: ((بان الوجودية ليست إلحادا بالله)) ففي كتابه ( الوجودية مذهب إنساني ) ، فيقول : " إن ما يوجه إلينا من اعتراضات ليس حقا. فالوجودية ليست إلحادا بمعنى استنفادها لنفسها في استعراض من أوجه عدم وجود الله، وهي تعلن أنه حتى لو كان الله موجودا فالنتيجة بالنسبة لها سواء. وليس المهم أننا لا نؤمن بوجود الله، ولكن المهم بالنسبة لنا، أو ما نظنه المشكلة الحقيقية، ليس مشكلة وجوده، بل المهم هو أن الإنسان محتاج لأن يجد نفسه من جديد، ولأن يفهم أن لا شيء يمكن أن ينقذه من نفسه، ولا لو برهن على أن الله موجود " . ، فيكون الانسان في الوجودية هو الوجود الوجود الذي يتصوره ووجوده هو مجموع ما حققه وهو نفسه ليس إلا مجموع أفعاله ، ومجموع أفعاله هي حياته ، فهو مجموع أفعاله ، وهو حياته ومن هذا المنطلق انكر سارتر الخالق وجرد الانسان عن اية مسؤولية تجاهه، وأنكر أيضا الضمير الذاتي المثالي، لأن وجوديته تقرر أن الواقع يكون أولا، ثم تكون الفكرة عنه، لا أن الفكر يكون أولاً بالحكم على ما يمكن أن يكون، ثم يكون الواقع، اذ هو لا يعترف بشيء من الفرضيات الذهنية السابقة للوجود على أنها ذات تأثير في الوجود، وأما المجتمع فلا دخل له، ما دام الإنسان بمفرده هو الذي يضع مقاييس الحق والخير والجمال .
فالكائن البشري عن سارتر هو الذي وحده من يعي وجود نفسه كما يعي وجود الأشياء الأخرى، ويتمسك سارتر برأيه في أن الجمادات ببساطة هي أشياء جامدة، غير أن بني البشر ليسوا كذلك، لأن لهم الخيار في أن يصبحوا الشيء الذي يختارونه هم بأنفسهم، ويقول سارتر:" إن الإنسان ليس جمادا، ومثال ذلك أن الطاولة هي طاولة فقط ولا شيء غير ذلك، بينما الإنسان بعكس الطاولة يصبح جمادا باختياره هو. فالطاولة، او هذا هذا التمثال، فهم يبلغون الوجود الحقيقي، في نظري، حين يوجودن لأجلي، فوجودهم إذن متوقف علي، رهين بوعي، وهم مدينون لي بالوجود في عالم أراه عالمي الحقيقي.
ولكن سارتر يعود فيمجد الأنسان فيقول : " إذ الأنسان يوجد دائما خارج ذاته، بأن يصمم ويحقق خارج نفسه إمكانيات وغايات، وليس ثم عالم غير العالم الإنساني، عالم الذاتية الأنسانية، ويعلو الانسان على نفسه بخروجه عن ذاته لتحقيق إمكانيات خارج نطاقها..."، ويستطرد سارتر قائلا: " ..إن الإنسان، على عكس الطاولة، لا يملك سمة مميزة أو جوهرا ثابتا محددا أو مخصصا له. ومبدئيا فإن الناس يوجدون كمخلوقات عليهم أن يختاروا طبائعهم وسماتهم بأنفسهم .." ومن هنا فان الفلسفة الوجودية تكون قد ميزت بين نوعين من الوجود ، هما الوجود لذاته ، والوجود في ذاته ، وبذلك تكون الوجودية قد نقلت الفلسفة من طورها المثالي النظري ، إلى طور التطبيق وسبر أغوار النفس البشرية .كي تنتقل من كونها نفسا موجودة وجودا زائدا على اللزوم ، إلى نفس لها دور فاعل في تغيير مجريات العالم ، سعيا وراء تحقيق وعي الإنسان للوجود ، ذلك الوعي الذي قوامه امتلاك (الإرادة الحرة) وليست فقط( الحرة ) بل والقادرة على ممارسة الفعل (الحر )، وفعل (الحر) عند سارتر اتي من( الحرية )، و(الحرية) هنا لا تكتفي أبدا بنفسها، ولكنها تبين عن نفسها فيما تنتجه، وتتمثل في القدرة على الالتزام بالعمل الحاضر لبناء المستقبل، ولا يتحقق المستقبل إلا عن فهم الحاضر وطلب تغييره، وهكذا يتعلم الإنسان طريق حريته عن طريق فهمه للأشياء، ولكنه أبعد ما يكون عن أن يكون شيئاً من الأشياء بمعنى ان الحرية لا تبين عن نفسها إلا بالعمل، وهي تؤلف وحدة مع العمل، وهي أساس العلاقات والتأثيرات المتبادلة التي تكون مقومات العمل الذاتية، يقول سارتر : "...للإنسان حرية الفعل ولكن عليه أن يختار طيلة الوقت ، فحتى الامتناع صورة من صور الاختيار ، والإنسان من خلال اختياراته المتعاقبة يلتزم حتما ، وهذا الالتزام يحد من حريته المقبلة ، وفي الوقت نفسه لا توجد معايير مطلقة تملي عليه اختياراته، ففيما يخص الإنسان يسبق الوجود الماهية ولذلك فليس هناك (مثل قبلي ) يقود الإنسان في اختياره ولا سلطة أو قاعدة تفرض عليه سلوكه..." ، يمكننا القول أن قوام الفلسفة الوجودية هو الحرية ، ولكنها ليست الحرية العبثية وإنما الحرية المقرونة بروح المسؤولية والالتزام ، لأن سارتر حين يقرر أن الإنسان حر هو يقرر في الوقت ذاته بأنه مسئول عن حريته ، وفي الوقت نفسه فإن هذه الحرية لا تتحقق – كما يرى سارتر – سوى بقدرتها على أن تكون فاعلة ومؤثرة ، وهذا لا يتحقق سوى بأن يمتلك الإنسان إرادة حرة وبالتالي قدرة حرة أيضا على اختيار أفعاله .
والحرية من حيث هي تعريف بالإنسان لا تتوقف على حرية الآخرين، ولكني عندما ألتزم، أطلبها لنفسي كما أطلبها للآخرين، وأجعلها غايتي، وأدمج في تلك الغاية حرية الآخرين، والحرية كما اوضحها في كتابه (الوجود والعدم) ماطرة بقيدين ، الأول( واقعة وجودي نفسها)، على إعتبار أن وجودي لا يتوقف علي، وأنني لست حرا في ألا أكون حرا. وأما القيد الثاني فهو (واقعة وجود الآخر)، على إعتبار أن من شأن الآخر أن يحد من درجة حريتي، ومن ثم فأنا عندما أعترف(عن حق من حقوق) بأن الإنسان هو الكائن الذي يسبق وجوده ماهيته، وأنه لذلك حر، ولا يستطيع إلا أن يريد حريته في مختلف الظروف، ومن ثم فلا يستطيع إلا أن يريد حرية الآخرين، فإنني باسم إرادة الحرية، التي هي جزء من الحرية ذاتها، أستطيع تكوين أحكام أصدرها على كل من تحدثه نفسه على أن يتخلى عن مسئولية وجوده وطمس معالم حريته ، وحينما يقول سارتر : "...إن الإنسان حر فإنه يعني بذلك أن الإنسان قد قذف به إلى هذا العالم، دون أن يكون في وسعه أن يتخلص من هذا الوضع الذي يجد نفسه فيه. فالإنسان قد ترك لنفسه، ووجوده قد أودع بين يديه، وما حريته سوى تلك المقدرة الذاتية على تكوين نفسه واختيار أسلوبه في الحياة وإذن فإن الحياة الإنسانية ليست سوى اختيار للذات، في كل لحظة من لحظات وجودنا. وليس ثمة رجاء في أن يتخلص الإنسان في هذه الضرورة التي قد فرضت عليه فرضا، لأن الإنسان ليس حرا في أن يتخلى عن حريته. وعلى ذلك فإن قولي "أنا موجود" مرادف تماما لقولي "أنا حر" لأن الحرية هي الشعور بالوجود نفسه.." . ويقول سارتر وكما جاء في كتابه (الوجود والعدم) "....إن الإنسان هو الكائن الذي به جميع القيم، وتضطرب حريته وتتألم إذ ترى أنها الأساس الذي لا أساس له لهذه القيم..". إن كل خيارات الإنسان تظهر ذات قيمة، لأن الإنسان هو القيمة المطلقة بوصفه حرية.‏
وعن حرية الفرد وعلاقتها بالآخر، يقول سارتر : " ...وهذا القول ينفي عن الوجوديين تهمة الذاتية التي يلصقها البعض بالمذهب الوجودي ، فالوجودية لا تتحقق سوى بوجود الآخر ؛ حيث أن وجود الآخر كما يقول سارتر :".... وجود محقق أمام وجودنا ، فهو كوجودنا ، فالآخر ليس فقط شرطا لوجودي ، بل هو شرط المعرفة التي أكونها عن ذاتي حقا أن الإنسان قد يخدع نفسه فيوهم ذاته بأنه أسير للضرورة، وعندئذ نراه يعمد إلى التخلي عن أسلوبه في الحياة، لكي يحيا حياة الأشياء، ولكن الإنسان نفسه في هذه الحالة هو الذي يتخذ لنفسه هذا المسلك، وهومسلك الذي يعتقد الناس عموما وليس الانسان الفرد .." ، سارتر يعتقد أن الناس أحرار تماما، إلا أنهم يخشون الاعتراف بهذه الحرية وتحمل المسؤولية الكاملة تجاه سلوكهم المنطوي على هذه الحرية، ولذلك فإن الناس يميلون إلى خداع أنفسهم عن موقفهم الحقيقي، قام سارتر باختيار وتحليل الأشكال المختلفة والدقيقة عن الخداع النفسي في جميع أعماله الفلسفية والأدبية، وقد انتقد سارتر نظرية سيجموند فرويد في التحليل النفسي للسلوك البشري، ووضع نظريته الخاصة في التحليل النفسي والوجودي، ويقول سارتر: "... إن الدافع الأساسي للسلوك البشري هو الرغبة في تحقيق إرضاء الذات بصورة كاملة، وذلك بمحاولة أن يصبح الإنسان السبب في وجود نفسه.." وقال سارتر :"...إن هذا الهدف مناقض لنفسه، ومن المحال تحقيقه. ولذلك فهو يعد النشاط البشري كله لا طائل من ورائه".. كما قال سارتر أيضا :.." إن الإنسان عاطفة لا فائدة منها". ويعرف فكرة الكائنات ذات القناعة الذاتية التامة والتي هي السبب في وجود أنفسها بأنها الفكرة التقليدية عن الإله وحسب مايقول سارتر :"....فإن كل فرد منا يريد أن يصبح الله وأن الله لا يمكن أن يكون موجودا، إذ إن الإنسان في بدء وجوده لم يكن شيئاً، وفيما بعد رتب وجوده بناء على حريته، وبذلك فإن وجود الإنسان مرتبط بحريته.." . فسارتر يربط بين الوجود الإنساني وبين الحرية من حيث إن الحرية هي في صميم الوجود وتسبق الماهية الإنسانية، فغدد الحرية في فلسفة سارتر مرتبطة بمسالة العدم من حيث هي شرط لازم لظهوره، فالكائن البشري الذي يفرز عدمه الخاص فيستبعد ماضيه وكذلك مستقبله ربما يحاول سارتر لفت انتباهنا الى مبدأ (الثنائية ) فكما أن الوجود يدلنا على وجود العدم إذ فلولا الوجود لما تعرفنا على العدم هذه الثنائية والجدلية هي التي تفرز ثنائية الحرية والوجود الإنساني،
ومن هنا فإن سارتر يرى أن الحرية حكم فُرض على الإنسان، وعلى الفلسفات أن تصبح فلسفة للحرية،
فالحرية هي الإنسان في قلب الإنسان. "...أنا الكائن الذي بصفته كائنا يضع كيانه موضع التساؤل... ". هذا هو تحديد الإنسان عند "سارتر " الذي يضيف قائلا "...إننا لا نفصل عن الأشياء سوى بالحرية ...". الإنسان هو وحده حامل الحرية في الكون "... بلا حرية لا وجود للإنسان وبلا إنسان لا وجود للحرية في الطبيعة.." ، و يذهب "سارتر أبعد من هذا حيث يقول : ".. إن الإنسان محكوم عليه بأن يكون حرا، إنه يحمل ثقل العالم كله على كتفه، إنه مسؤول عن العالم وعن نفسه بصفته نوعا متميزا على أنواع الكيان الأخرى.."
وهي بهذا تكون فلسفة للوجود برمته، متضمناً في داخله القيم والفكر.‏ فحريته مسئولة عن ذلك الأسلوب الخاص الذي تخيرته لذاته والذي ارتضت لنفسها أن تعيش وفقا له.بكون الحرية لدى سارتر عبارة عن فعلنا للشيء او اختيارنا له ، ولا يفرق ذلك إن كان الفعل طوعا أو كرها ، لأن بكل الحالات انت من وافق واختار، فالحرية في رأيه ليست سوى حكم على الإنسان، لأن الإنسان منح الوجود رغما عنه، أو من دون إرادته، وأجبر على تقبله، ولهذا فهو مجبر على استرداد حريته ومقاومة الإجبار الإنسان السارتري الموجود والحر في أفعاله، هو المؤلف لجميع الأشياء، والمسؤول عن الأعمال التي يفعلها ولم يفعلها، لأنه يحمل عبء العالم على كتفيه يقول سارتر: "... أنا مسؤول عن كل شيء، ولكني لست مسؤولاً عن مسؤوليتي، لأنني لست أساس وجودي الأول.." وحسب سارتر: "...أنا محكوم عليَ بأن أكون حرا، ومرغم أن أكون مسؤولا... ولذلك علي أن أتحمل مسؤولية هذا العالم دون أن أستطيع الهروب من هذه المسؤولية.‏
وحتى حينما يعمد الإنسان إلى الكف عن كل اختيار، فإنه يحقق لنفسه ضربا من الاختيار، لأن عدم الاختيار هو في حد ذاته نوع من الاختيار.." كما يقول، فالوجود الإنساني كما يراه سارتر "... ليس في وسع أحد أن ينهض بممارسة حريتي عوضا عني، بل أنا مسئول عن نفسي، ولا سبيل على التماس أية أعذار للتخلي عن حريتي، لأن تلك الحرية هي وحدها التي تعبر عن وجودي باعتباري كائنا غريبا قد عزل في عالم لا سبيل له إلى أن يتحد به تمام أو أن يندمج فيه اندماجا كليا.." فيقول:".... ليس من الممكن أن تقوم علاقة جوهرية فيما بين الذوات، لأن كل ذات إنما تنزع نحو اعتبار غيرها من الذوات مجرد (موضوعات) واستخدامها كمجرد أدوات لتحقيق غاياتها الفردية. وعبثا يتحدث الفلاسفة والشعراء عن الحب و التعاطف والمشاركة الوجدانية، فإن الذات لا يمكن أن تنفذ إلى باطن غيرها من الذوات، اللهم إلا إذا أحلناها إلى مجرد موضوعات. إن الحب في صميمه هو مجرد سعي نحو امتلاك حرية (الآخر)....و يخلص سارتر إلى القول".... بأنه لا موضع للحديث عن محبة أو مشاركة أو تآزر بين الذوات، لأن حضور الذات أمام الغير هو بمثابة سقوط أصلي، ولأن الخطيئة الأولى إن هي إلا ظهوري في عالم وجد فيه الآخرون..."
إن (الذات) ليست في - نظر الوجودية – أن يحيا الفرد وحيدا بل إنه مفتوح على الآخرين ومن هنا نجد الوجوديين يهتمون بمشكلة( الوجود مع الآخر) والاتصال بالآخر ، أو ما يعرف ( بالوجود للغير ) وهو ما اصطلح عليه سارتر بمصطلح (الجحيم هو الاخرون) وهنا نقطة هامة في مذهب سارتر هيكما يقول "... الصلة بين الذات وبين الاخر والاخر هو أولا إنسان، وليس شيئاً، والأنسان كائن تنتظم حوله الأشياء التي في العالم، وهذا الانسان الآخر ينظر إلي، ولهذا كانت الرابطة الأساسية بيني وبينه هي في إمكانه أن ينظر إلي بإستمرار، أي في إمكان أن أكون بالنسبة إليه موضوعا، فأصبح موجودا للغير، وبهذا تفضى نظرة الغير إلي إلى أن تجعلني أعلو على علوي، أي تستلب مني العالم الذي أنظمه، فكل ما انا عليه يتحجر تحت نظرة الغير، فالغير بوصفه نظرة هو علو فوق علوي ومن هنا ينشأ جزعي وقلقي على نفسي، إذ أشعر تلقائيا ولفوري أن إمكانياتي مهددة من جانب الغير، إنه بنظره إلي يشلني، وأنا بدوري بنظري أليه أشله.." ، فالإنسان لن يكون إنسانا، برأي سارتر، إذا لم يكون وجوده الشخصي الخاص بعيدا عن مهزلة الحياة وأوضاعها، وهكذا فإن فلسفة سارتر تدور حول الإعلاء من مكانة الإنسان، وتبرز هنا نقطة هامة في فلسفة سارتر، وهي الصلة بين الذات والآخر، الذي هو إنسان، تنتظم حوله الأشياء."... هذا الآخر ينظر إلي باستمرار بحيث أُصبح موضوعا بنظره، مما يجعلني أعلو فوق ذاتي. وهكذا تبدو نظرة الآخر إلي هي التعالي عن علوي الخاص. ومن هنا ينشأ قلقي على نفسي، وكأن الآخر عدوي إذ إنه يهددني، ويهدد إمكاناتي. لكنني، في المقابل، عندما أنظر إليه، أشلُّه، ويصبح الآخر موضوعًا بنظري. ومن هنا كانت عبارة سارتر الشهيرة في مسرحية الجلسة المغلقة( الجحيم هو الآخرون)
ولكن سارتر يعود ليعنى بالآخر:"... فنحن محتاجون إلى الآخرين لنكون شخصيتنا، كوننا في نظرهم كالأشياء، وحياتنا تقوم على أساس الصورة التي يأخذونها عنا. لذا نحن نسعى وراء الأهمية في عيون الآخرين التي هي أسهل تحصيلاً من موافقة وعينا وبهذا تبرز قيمة أخرى..". ومن هنا قال سارتر في مسرحيته (الجلسة السرية) إن" الجحيم هو الاخرون ".فنقول أن العاشق مثلاً يطمح إلى ان يرى ذات المحبوب تتلاشى في ذاته هو ولكن يوم يتحقق هذا الأندماج، يفقد العاشق شخصية من كان يحب، ويستعيد عزلة (الأنا) ثم أن كان الحب يعني رغبتنا في ان نحب، فهو يعني أيضا أن يريد الآخر حبنا له أي أن يكون في حاجة إلي، إذن فوجود العاشقين هو في تنازع دائم، كأي وجود آخر، وهكذا فالوجود الذي بدأ لنا كأنه النعيم المقيم لو لم يكن ثمة إلا وعي فردي هو أنا، يتحول على جحيم وشر، بسبب وجود الآخرين. و (وجودي علة على الآخر ) و(الآخر عالة علي )..." فيقول سارتر: "..الغير هو الآخر، الأنا الذي ليس أنا.." واعتمادا على حجة (تحليل لغوية) تتمثل في تأويل وتفسير كلمة (ليس)، يستنتج سارتر أن هناك عدم وانفصال وتباعد بين (الأنا) و(الغير)، وهو ما يجعل معرفة بعضهما للبعض غير ممكنة،".. إن إدراك الأنا للغير هو إدراك إمر اني، أي إدراك يقف عند مستوى الجسم وما هو ظاهري، يصبح معه الآخر مجرد موضوع أو شيء، وهو ما يحول دون النفوذ إلى أعماق ذاته وتحصيل معرفة بها، واعتمادا على الحجة بالمماثلة المتمثلة في تشبيه العلاقة بين الأنا والغير بالعلاقة المكانية الموجودة بين شيئين" ، ينتهي سارتر إلى "..أن العلاقة بين الأنا والآخر هي علاقة تشييئية ما دام أن كلا منهما يتعامل مع الآخر فقط كجسم أو كموضوع أو كشيء، لا تربطه به أية صلة.." ، هكذا ينتهي سارتر إلى استنتاج أساسي هو أن العلاقة بين الأنا والغير هي في أساسها علاقة خارجية وانفصالية ينعدم فيها التواصل بينهما ما دام يعامل بعضهما البعض كشيء وليس كأنا آخر، وفي آخر النص ينتهي سارتر إلى نتيجة اعتبرها ووصفها بأنها خطيرة، وهي:" إذا كانت علاقتي بالغير هي علاقة عدمية، خارجية، انفصالية وتشيئيية، فإن حضور الغير أو غيابه لا يؤثر في وجودي. .."
كما يشير سارتر في الأخير إلى أن " الأنا لا يدرك الغير كما هو في ذاته، بل يدركه كما يتبدى له ضمن حقل تجربته الخاصة، وهذا يعني أن نظرة الأنا للغير هي نظرة اختزالية وإسقاطية، فضلا على أنها نظرة سطحية ترتكز على(كثرة متنوعة من الانطباعات الحسية)، ولا تنفذ إلى أعماق الغير من خلال الاقتراب منه والتعاطف معه.."،
وفي نص آخر يقدم سارتر"... مثال( النظرة ) حينما يكون إنسان ما وحده يتصرف بعفوية وتلقائية وحرية، وما إن ينتبه إلى أن أحدا آخر يراقبه وينظر إليه، حتى تتجمد حركاته وأفعاله، وتفقد حريتها وعفويتها وتلقائيتها، ولعل هذا ما دفع سارتر إلى القول: الجحيم هم الآخرون.."، فيقول "هذا التعدد في الفرديات الواعية يؤلف الخطأ الطبيعي الذي يبهظ كواهل الناس جميعاً: سقوطي الأصلي هو وجود الأشخاص الآخرين. خطيئتي الأصلية هي مجيء إلى وجود يشغله مثلي آخرون.
والواقع أنه لما كان الآخر موجوداً، فعلي أن أعيش وجوده، أي أن أقاسم مشاعره وغايته. أن الذي يحس بوجود الآخرين يحس أيضاً بشبه وجود مؤلم. وذلك حين يريد معيشة حياته الخاصة وسط الآخرين. ونحن، باحتباس كل منا في وجوده الخاص، لا نستطيع ان نفهم الآخرين ولا أن يفهمنا الآخرون. ومن هنا نشأت المنازعات والأحكام الخاطئة وهي لعنة كوننا آخرين .."
ومن هذه المعطيات نستخلص القول بان سارتررفض جميع القيم القبلية التي هي ضمن الطبيعة البشرية، ويطالب بأن يخلقها الإنسان بمحض إرادته، ليدشن حضارة جديدة وليجعل من الحياة مغامرة مستمرة، غير خاضعة لأي تصورات مسبقة.فسارتر ينفي أن يكون هناك وجودا لما يعرف بالطبيعة البشرية أو ( الفطرة ) وذلك استنادا إلى أن الانسان يوجد ثم يقرر هو وجوده بنفسه ؛ يقول سارتر في كتابه ، الوجودية مذهب إنساني : " ...لا توجد طبيعة إنسانية، وهذا يعني أن كل عصر يتطور طبقا لقوانين ديالكتيكية، وأن البشر يستندون في تكوينهم إلى العصر الذي يتواجدون فيه لا إلى الطبيعة الإنسانية.." وهنا تبدو الحرية السارترية فريدة في تنصلها من كل شيء مكتسب، وقوية بتنصلها من الالتزامات الفكرية السابقة،وبكل اطروحات سارتر وبحوثه الواسعة في مجال وجود الانسان لا نجد اي تناقض في أفكار سارتر، لان الاحساس الاولى لقراءة كتب سارتر يوحي لنا بوجود تناقض بين هذه الفكر وتلك ولكن التمعن فيها نصل الى حقيقة بعدم وجود أي تناقض في افكاره الوجودية أبدا، فهو حين يرى أن الإنسان ملقى به في عالم ليس له فهو يتقبله بكل اشكاله وحتى الموت فهو كم يقول ، لا يفرض عليه ، بل إن الانسان يمجده، ويطالبه بالارتقاء بوجوده لتحقيق وجوده وتحرير إمكاناته، وهو لا يرى أن هناك مشروعا غير مشروع الإنسان وبضمنه الموت، ولن يكون برأي سارتر الإنسان إنسانا، إذا لم يخلق وجوده الشخصي الخاص، بعيدا عن مهزلة الحياة.‏



#فواد_الكنجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللامنتمي وقيمة الوجود الانساني عند كولن ولسن
- الوجود العبثي والتمرد عند البير كامو
- بواكير الفلسفة الوجودية
- الهروب ... تكتيك ام فشل ....؟
- فلسفة الفن .. بين الجمال والابداع الفني
- المواطنة و الوحدة الوطنية
- الانتخابات فرصة العراقي لتغير
- الهرولة نحو البرلمان
- اليساريون و الديمقراطية الاشتراكية
- الاخلاق و ثقافة العنف في العراق
- ديوان الشعر الحر دراسة جماليات في الشعر الحديث
- الفن التشكيلي في العراق وتحديات العصر
- واقع العمل الصحفي في العراق ما بعد 2003 بين حرية الصحافة وال ...
- المرأة بين النص الديني والقانون المدني
- قضية المرأة ، حريتها
- الصحافة العراقية في المواجهة


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فواد الكنجي - الجحيم هو الاخرون.. سارتر و الفلسفة الوجودي