|
حول الشراكة الحقيقية من منظور السيد بارزاني
عبدالخالق حسين
الحوار المتمدن-العدد: 4464 - 2014 / 5 / 26 - 10:22
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم يخطر على بالي يوماً أن أكون ناقداً للسيد مسعود بارزاني، رئيس الاقليم الكردستاني، إلا إنه وللأسف الشديد هو الذي تبنى سياسة تعريض العراق الديمقراطي، وما تحقق للشعب الكردستاني من مكاسب عظيمة، إلى الخطر كما عملت قيادة الحركة الكردستانية بقيادة والده بعد ثورة تموز، خاصة وهو (السيد مسعود) انتقد هذه الحركة وتمنى لو لم تكن قد انفجرت الثورة الكردية في عهد الزعيم قاسم. إن مشكلتي هي أني لا استطيع السكوت عن الخطأ، خاصة إذا كان هذا الخطأ يهدد أمن وسلامة الشعب، فالساكت عن الحق شيطان أخرس، و"صديقك من صدقك لا من صدّقك". والنقد البناء الهادف هو أساس التقدم. فالكرد اليوم، وكغيرهم من مكونات الشعب العراقي، هم شركاء حقيقيون في هذا الوطن. والعراق تكالبت عليه جهات عديدة لإجهاض الديمقراطية وما تحقق لشعبه من مكتسبات في جميع المجالات، ووضعه مازال هشاً لا يتحمل المزيد من الصراعات والمناكفات، فعلى الجميع دعم العملية السياسية والعمل على تحسينها لا هدمها.
الملاحظ، أن الجملة المكررة في معظم تصريحات السيد مسعود بارزاني ومساعديه، هي "إما شراكة حقيقيىة أو الانفصال"، ودائماً يستشهدون بالدستور. ونحن مع هذا التوجه، ولكنه في نفس الوقت يطالب بالكونفيردرالية بدلاً من الفيديرالية التي يؤكد عليها الدستور وتم استفاء الشعب العراقي عليه بما فيه الشعب الكردستاني. على أية حال، وكمواطن عراقي عربي، أرى من حق الشعب الكردي، وكغيره من الشعوب، أن يتمتع بحق تقرير المصير، وإذا شاء الانفصال والاستقلال فبه لتحقيق حلمه في تأسيس دولته القومية، ولكن ليكن بالوسائل السلمية الديمقراطية الحضارية. فالشعب العراقي عانى أكثر مما يتحمل من الحروب العبثية والسياسات الطائشة منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 وإلى سقوط الفاشية عام 2003.
والملاحظ أيضاً، أنه كلما هبطت شعبية السيد مسعود بارزاني في الشارع الكردي، أو حصلت له مشكلة مع منافسيه في كردستان، اختلق أزمة مع "حكام بغداد"، الاسم الذي يطلقه على الحكومة المركزية الفيدرالية رغم أن الشعب الكردي يشارك فيها برئاسة الجمهورية، وخمسة وزراء، والمراكز القيادية الحساسة في الجيش وجميع مفاصل الدولة العراقية. فالأزمات يختلقها السيد رئيس الإقليم بلا انقطاع ولكن خطها البياني في صعود وهبوط. وآخر تصعيد هو قراره تصدير النفط عن طريق تركيا بدون موافقة "حكام بغداد".
يؤكد الدستور العراقي بوضوح وبدون أي تأويل، أن الثروات الطبيعية، ومنها النفطية في جميع أنحاء العراق بما فيها منطقة الإقليم، يتم استخراجها وإنتاجها وتصديرها من قبل الحكومة الاتحادية وحدها، لتقوم بدورها في توزيع ريعها على المحافظات وحسب النسب السكانية فيها وبعدالة. كذلك الدفاع عن البلاد، ونقاط الحدود والسيطرة على مداخل البلاد الدولية، والسياسة الخارجية، وتوقيع العقود مع الشركات والحكومات، كلها من صلاحيات وواجبات الحكومة الاتحادية المركزية. ولكن الذي يجري الآن هو أن الاقليم يتمتع بجيشه الخاص به (بيشمركة)، لم يكن لرئيس الحكومة الاتحادية أية علاقة به، لأنه خاضع لأوامر رئيس الإقليم فقط، ومع ذلك يطالب الحكومة الاتحادية بدفع رواتب وتكاليف تسليحه. كذلك يريد السيد بارزاني أن يتصرف بالسياسة الخارجية ويسطر على مداخل البلاد في الإقليم، ويسمح لسكان أية دولة بدخول كردستان من دون تأشيرة دخول (فيزة) من السفارات العراقية في الخارج، في الوقت الذي لا يسمح فيه بدخول العراقيين إلى الاقليم إلا بتأشيرة دخول، وتعريضهم للإذلال عند الحدود ومنع الكثير منهم من الدخول. كما ويحق للإقليم المشاركة في الحكومة المركزية ولا يحق للحكومة المركزية أن تبدي أي رأي فيما يخص الاقليم. هذه هي (الشراكة الحقيقية) والفيدرالية التي يفهمها السيد البرزاني، والتي لا يوجد لهما مثيل في أي مكان في العالم إلا في العراق. في الحقيقة هذا النوع من العلاقة لا يوجد في الانظمة الفيدرالية وإنما في الأنظمة الكونفيدرالية والتي هي نوع من الاتحاد بين الدول، وليس بين أقاليم الدولة الواحدة. فما يطالب به السيد مسعود هو أن تكون كردستان دولة مستقلة، وكما قالت الدكتورة ناهدة التميمي (كردستان دولة مستقلة مصرفها على العراق).(1) وآخر أزمة فجرها رئيس الإقليم هو قراره بتصدير النفط بدون موافقة بغداد مما أثار حتى معارضة الإدارة الأمريكية التي دفعت الكثير من أجل تحرير العراق من الفاشية، فقد أثبتت أمريكا حرصها على نجاح العملية السياسية ووحدة العراق أرضاً وشعباً. لذلك، صرحت الناطقة باسم وزارة الخارجية الأميركية، جين ساكي، "إن موقف واشنطن منذ وقت طويل، هو عدم تأييد تصدير النفط من إقليم كردستان من دون موافقة الحكومة العراقية الاتحادية...".(2)
هذا التصريح أثار غضب حكومة إقليم كردستان التي ردت بالقول على لسان الناطق باسمها، السيد فلاح مصطفى: ((إن الأكراد إما أن يكونوا "شركاء حقيقيين" ضمن العراق الفيدرالي الاتحادي، أو أنهم "سيقررون بأنفسهم" ما يتعلق بمصلحة الإقليم وشعبه.))، وأضاف: ((يتوجب على السلطات في بغداد أن تشعر بأن الكرد يجب أن يكونوا شريكاً حقيقيا ضمن إطار الدستور، وأن يُمنحوا حقوقهم، وإلا فإنه يجب قطع العلاقة بين بغداد وأربيل")).(نفس المصدر 2)
ولم يكتفِ السيد مصطفى بهذه المطالبات، بل راح يطالب الحكومة المركزية بتعويضات تقدر بمئات المليارات دولارعن جرائم حكم البعث الصدامي بحق الشعب الكردي إذ تساءل : "لماذا لا تجيبنا بغداد بخصوص تعويض المتضررين من القصف الكيمياوي لمدينة حلبجة، ولماذا لا تجيبنا بشأن تدمير نحو 4500 قرية في إقليم كردستان، ولماذا لا تجيبنا بشأن قتل ثمانية آلاف من البارزانيين وآلاف المؤنفلين في منطقة كرميان و12 ألف كردي فيلي، ولماذا لا يحترمون القوانين والأعراف الدولية، ويقدمون شكوى بشأن تصدير الإقليم للنفط".
إن من يقرأ هذه المطالبات يعتقد كأن النظام الصدامي الساقط قد اضطهد الشعب الكردي وحده دون غيره من سكان المحافظات الوسط والجنوب حيث استخدم الغازات السامة ضد عرب الأهوار، وقتل خلال الانتفاضة الشعبانية نحوة 300 ألف من الثوار، وبلغ عدد القتلى العراقيين نتيجة حروبه الداخلية والخارجية ومضاعفاتها نحو مليونين، ولحد الآن تم اكتشاف أكثر من 400 مقبرة جماعية، ودمر الحرث والنسل في الوسط والجنوب، وتشرد من العراق نحو 4 ملايين، فمن يعوض هؤلاء؟
نعتقد أن محاولات السيد مسعود البرزاني في اختلاق الأزمات الدائمة مع "حكام بغداد" وتفسيره للدستور حسب اجتهاداته كما يشتهي، ليست بمعزل عن أجندات السعودية وقطر وتركيا، إذ كما صرح بذلك السيد عادل مراد، القيادي في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني: أن"الاجندة السعودية والتركية تحاول إبعاد الكرد من العملية السياسية في بغداد، مشددا على عدم السماح لهذه المحاولات والعمل على المشاركة في الحكومة المقبلة ايا كان الفائز فيها لضمان الأمن والاستقرار في اقليم كردستان".(3)
فتصعيد الأزمة بين بغداد وأربيل لا يخدم العراق وبالأخص الشعب الكردي، بل يصب في خدمة أعداء العراق. وقد حذر العقلاء من الكرد مثل السيد عادل مراد، والدكتور محمود عثمان حكومة الإقليم من مغبة الاندفاع ضد بغداد، والإعتماد الكلي على تركيا في تحقيق سياساته الخاطئة. فالحكومة التركية برئاسة أردوغان تتبع سياسة خبيثة في علاقاتها مع دول الجوار، فإذا أراد أردوغان تدمير دولة بدأ معها بتقوية علاقاته معها أولاً، كما حصل في علاقاته السابقة مع سوريا حيث استغلها في دعم الإرهاب ضد العراق. ثم انقلب أردوغان على بشار الأسد وراح يدعم الإرهاب ضد الشعب السوري. ويجب أن يعرف السيد بارزاني أنه ليس أذكى من أردوغان الذي يضطهد الشعب الكردي في تركيا، ويمنع عليهم حتى تسميتهم بالكرد إذ يسميهم (أتراك الجبال), فغرض أردوغان من علاقته مع بارزاني هو لتحقيق مكاسب سياسية آنية وهي إضعاف الدولة العراقية الفيدرالية، وإذا ما نجح في تحقيق هذا الغرض اللئيم، وهو مستحيل، فسينقلب على البرزاني نفسه كما انقلب على بشار الأسد من قبل ويكون الخاسر الأكبر هو الشعب العراقي والكرد بشكل خاص.
ما العمل؟ نتمنى على السيد مسعود بارزاني أن لا يعيد غلطة والده عندما انضم إلى جوقة المتآمرين على ثورة 14 تموز، فكان ما كان، وجلب المصائب على الشعب العراق وخاصة على الشعب الكردي. فاليوم توفرت للعراق فرصة ذهبية، على السيد مسعود وكل المسؤولين العراقيين عدم الافراط بها، وإلا فالتاريخ لا يرحم. أما شعار الانفصال الذي يستخدمه بارزاني لابتزاز بغداد، فهو شعار فارغ غير عملي هدفه الابتزاز فقط، فالبارزاني يريد ثروات كردستان لكردستان فقط، مع الاحتفاظ بـ 17% من ثروات العراق. كما وأشير على الحكومة الاتحادية المركزية أن لا تخضع لسياسة الابتزاز، فإما نظام فيدرالي حقيقي كما أقره الدستور وليس بمفهوم بارزاني، أو الانفصال بالمعروف وبالطرق السلمية الحضارية الديمقراطية. والسيد بارزاني يعرف جيداً نتائج انفصاله عن العراق في هذه الظروف المحلية والدولية. ـــــــــــــــــــــــــــ روابط ذات صلة 1- د. ناهدة التميمي - كردستان دولة مستقلة مصرفها على العراق http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=265929
2- إقليم كردستان في بيان غاضب: على واشنطن الحياد أو الصمت، أن الأكراد إما أن يكونوا "شركاء حقيقيين" ضمن العراق الاتحادي، أو أنهم "سيقررون بأنفسهم" ما يتعلق بمصلحتهم http://alakhbaar.org/home/2014/5/169034.html
3- -عادل مراد : الأجندة "السعودية" و "التركية" وراء ابتعاد الكرد عن العملية السياسية في بغداد http://alakhbaar.org/home/2014/5/168801.html
#عبدالخالق_حسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دلالات نتائج الانتخابات الأخيرة
-
هل ممكن تشكيل حكومة الأغلبية بجميع مكونات الشعب؟
-
محاولة لتفسير التخندق الطائفي في الانتخابات
-
نجاح الانتخابات دليل على التزام شعبنا بالديمقراطية
-
يا أعداء المالكي اتحدوا !!!
-
لماذا حكومة الأغلبية السياسية؟
-
العلمانية الديمقراطية لا تُبنى على الكذب
-
إسقاط حكم البعث في الميزان (2-2)
-
إسقاط حكم البعث في الميزان(1-2)
-
الانتخابات وهستيرية الحملات التسقيطية
-
بمناسبة مرور 11 عاماً على تحرير العراق من الفاشية
-
مشروع القانون الجعفري وُلِدَ ميتاً
-
هل السيسي أتاتورك مصر؟
-
دعوة لوقف تداعيات مقتل الشهيد محمد بديوي الشمري
-
حرية نشر البغضاء والفتن الطائفية
-
المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب، ما له وما عليه
-
ليكن الرئيس العراقي القادم مسيحياً
-
على العراق أيضاً سحب سفيره من قطر
-
مبادرة علاوي لإنقاذ داعش من الهزيمة
-
لماذا يحتاج العراق إلى الدعم الأمريكي؟
المزيد.....
-
تحليل: رسالة وراء استخدام روسيا المحتمل لصاروخ باليستي عابر
...
-
قرية في إيطاليا تعرض منازل بدولار واحد للأمريكيين الغاضبين م
...
-
ضوء أخضر أمريكي لإسرائيل لمواصلة المجازر في غزة؟
-
صحيفة الوطن : فرنسا تخسر سوق الجزائر لصادراتها من القمح اللي
...
-
غارات إسرائيلية دامية تسفر عن عشرات القتلى في قطاع غزة
-
فيديو يظهر اللحظات الأولى بعد قصف إسرائيلي على مدينة تدمر ال
...
-
-ذا ناشيونال إنترست-: مناورة -أتاكمس- لبايدن يمكن أن تنفجر ف
...
-
الكرملين: بوتين بحث هاتفيا مع رئيس الوزراء العراقي التوتر في
...
-
صور جديدة للشمس بدقة عالية
-
موسكو: قاعدة الدفاع الصاروخي الأمريكية في بولندا أصبحت على ق
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|