أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مرح البقاعي - مَجْدة والوحش: في الصراع على سوريا















المزيد.....


مَجْدة والوحش: في الصراع على سوريا


مرح البقاعي

الحوار المتمدن-العدد: 4461 - 2014 / 5 / 23 - 07:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


"في أواخر القرن التاسع عشر، هبط ذات يوم مصارع تركي مجهول الهوية من قرية من قرى جبال سوريا الشمالية الغربية، وبصوت راح صداه يرن في أرجاء القرية، عرض أن يتحدّى كل القادمين". تجمهر القرويون حوله للتفرج والتمتع، لكنهم ما لبثوا أن أخذوا يتأوهون وهم يشاهدون أقرانهم يتساقطون الواحد تلو الآخر أمام التركي الذي بدا أنه لا يقهر. وفجأة برز من بين الصفوف رجل قوي البنية في الأربعينات من عمره، وأمسك به من وسطه ورفعه في الهواء ثم طرحه أرضاً. فصاح القرويون معجبين: (يا له من وحش! إنه وحش(. كان اسم بطلهم هذا سليمان ولكنه منذ ذلك الحين أصبح يعرف باسم (سليمان الوحش). وظل (الوحش) لقبه العائلي حتى العشرينات. كان هذا الرجل هو جدّ حافظ الأسد".

هكذا قدّم الصحافي والكاتب السياسي الراحل، باتريك سييل، الذي غادر عالمنا الأرضي يوم 12 من شهر نيسان/أبريل الجاري، لكتابه الشهير: الأسد.. الصراع على سوريا، الصادر في العام 1988، والذي جاءت نسخته العربية بعنوان : الأسد .. الصراع على الشرق الأوسط بعد أن قرّر الكاتب تعديل عنوان كتابه.

ولأن التاريخ عادة ما تكتبه السلطة المتربّعة على كرسيها، وتختار كبار القوم من الكتّاب لتبث لهم تفاصيله كونهم سيضيفون باسمهم مصداقية بحثية وعلمية على ذاكرة السلطة الأحادية، جاء الكتاب الذي وصل ليديّ منذ صدوره بنسخته الأصلية، غير المنقّحة، وكنت عندها لم أغادر دمشق بعد، جاء أشبه بالـ "ميموار" أو المذكرات الشخصية لحافظ الأسد الذي ربطته وعائلته بالمؤلف "سييل" من صداقة في ذلك الوقت أتاحت للأخير الاطلاع على معلومات لها علاقة بالصراعات الداخلية على السلطة في سوريا وكان أكثرها بأساً وتهديداً لحافظ الأسد العملية الانقلابية التي قادها أخوه رفعت الأسد للإطاحة به في العام 1984، والتي انتهت باحتوائها قبل اندلاعهاعسكرياً، وبإبعاد رفعت الأسد عن سوريا بعد حلّ مجموعته العسكرية (سرايا الدفاع) محمّلاً بـ "مكرمة" مالية أغدقها الأسد الحاكم على أخيه الانقلابي، والتي خرجت من البنك المركزي السوري وأدّت إلى انهيار كامل لليرة مقابل الدولار في ذلك الوقت، الانهيارات التي استمرت دون توقف حتى تاريخ كتابة هذه السطور.

مشكلة باتريك سييل تكمن في انحيازه الشديد لحافظ الأسد لاسيما في قضايا النزاع الداخلي، حيث بدا الأخير في سطور سييل "مدافعاً" عن اللحمة الوطنية والسيادة، لا دكتاتوراً ماكيافيلياً اختار لغة الرصاص لإخماد كل صوت معارض أو مطالب بالإصلاح والحريات العامة والمشاركة السياسية. وقد جنح سييل في كتابه في وصف انتفاضة مدينة حماة في العام 1982 بـ "الإرهاب" ووصف الإخوان المسلمين بالإرهابيين مستبقاً بعقود التهمة التي وجّهت إليهم حديثاً في مصر، ومتنازلاً عن الدور المفترض أن يكون حيادياً لكاتب فصول التاريخ.

ولأن "التأريخ" هو فعل طبيعي تحفظه ذاكرة الشعوب ولا يلغيه "تاريخ" يسطره المستبدّ بأقلام يسخّرها في حينها بهدف تلميع صورته أو تخليصها من كدر بصمات الجريمة، فقد قام أحد حملة هذه الذاكرة مؤخّراً، وهو جندي من الوحدات الخاصة التي اشتركت في مجزرة مدينة حماة، بنشر رسالة اعتراف عن طبيعة أعمال الإبادة الجماعية التي أمر بها حافظ الأسد في ذلك الوقت من أجل إنهاء ثورة المدينة ووئدها وأهلها تحت أنقاض حجارتها. والرواية هي مشهد واحد من مئات مشاهد القتل الكيدي والعمد الذي مارسته قوات الأسد على المدنيين دونما تمييز في مجزرة هي الأفظع والأكثر دموية، والتي غدت راسماً ودليلاً لسيرة المجازر المتنقّلة بين المدن السورية التي يمارسها اليوم وريث عرش الجماجم: بشار الأسد.

شهادة الجندي جاءت سرداً مطولّاً لوقائع حقيقية عن مجزرة مدينة حماة المروعة التي ارتكبت على يد آل الأسد في الفتره مابين 1980 و 1982 ضد مواطنين أبرياء مسالمين في تلك المدينة المغدورة التي طوقت وأهلها، فارتكبت بها المجازر ودكّت بالمدافع والصواريخ، وخلّفت ضحايا يعدّون بعشرات الآلاف من المدنيين العزل. بطلا تلك المجزرة كانا رأس الدولة حافظ الأسد وأخيه في القتل رفعت الأسد. الرجل الشاهد كان جندياً برتبة عريف في الجيش السوري، وكان واحداً من العديد من العسكر الذين شاركوا في تلك الجريمة، وعمره آنذاك ثلاثون عاماً. أما اليوم فهو شيخ في الستينات أرهقه الكتمان فقرر أن يبوح بالمشهد الذي تغصّ ذاكرته بدمه المسفوك:
مشهد 1
في ليل يوم السبت جاءنا أمر من قائد سريتنا بالتوجه للقبض على شابين هما أيمن مرقة (18 عاماً) وأخيه مجد مرقة (14 عاماً) بعد أن تمّ تزويدنا بعنوان منزل عائلتهما.
وصلنا وطرقنا الباب، وكان هذا أول بيت نطرق بابه بأيدينا، فقد كنا نكسر الأبواب وندخل فجأة الى البيت لإرهاب ساكنيه وإخضاعهم قبل تصفيتهم. فُتح الباب فدخلنا فوراً ووجهنا بنادقنا نحو العائلة، وكنا حوالي 12 عسكرياً وصف ضابط، ورأينا ثلاث بنات وأم وأب. سألنا الأب والأم: أين أيمن مرقة ومجد مرقة، فقال لنا الوالد أنهما عند بيت ابنته الكبرى يزوران ويدرسان من أجل الامتحانات بعد أسبوعين.
مشهد 2
أخذنا الأم وطلبنا منها أن توجهنا إلى منزل ابنتها في منطقة الحاضر، وحين وصلنا كسرنا الباب ودخلنا فوجدنا أربعة أطفال نائمين على الأسرّة، والأم والأب نائمان على الأرض. وفي الركن رأينا شاباً عمره حوالي 18 عاماً بدا هادئاً بوجهه الأبيض المنير، وكانت الكتب بين يديه يدرس في هذه الساعه المتأخره، وإلى جانبه طفلة جميلة جداً وكانت الكتب أيضا بين يديها وكانواهم الوحيدين المستيقظين.
مشهد 3
إثر اقتحامنا البيت استيقظ كل نائم، وبدأ الأطفال بالبكاء والصراخ من الخوف. سألنا الشاب: ما اسمك؟ قال: أيمن مرقة! سألنا الأم التي معنا: أين ابنك مجد؟ قالت: ليس عندي ولد اسمه مجد، عندي هذه البنت اسمها مجدة! قلت للرقيب: هناك شيء خطأ، نحن أتينا هنا لنقبض على شابين أيمن ومجد، و هذه بنت صغيرة اسمها مجدة! اتصل الرقيب ونقل الصورة للضابط: سيدي نحن وجدنا أيمن ولايوجد شاب اسمه مجد ولكن هناك بنت اسمها مجدة وهي أخت أيمن ماذا تريدني أن أفعل؟ قال له الضابط اقبض على الاثنين واعدمهما فوراً! قال الرقيب: حاضر سيدي!!

لم يصل هذا المشهد إلى مسامع باتريك سييل ليسجّله في كتابه الشاهد على سيرة حافظ الأسد حتى غاية العام 1987. وحين سأل الكاتب الأسد ما هي آخر جملة يريد أن يختم بها الكتاب فقال الأسد: "قل إن الصراع مازال مستمراً"!









#مرح_البقاعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العلويّون في الضمير الأميركي
- في الردّ على وصايا روبرت فورد السبع
- سوريا خارج مجلس الأمن
- أميركا في مقاومة جاذبية ظريف
- الدم الحار في سوريا وجليد مفاوضات جنيف2
- أوباما لا يقرأ الواشنطن بوست!
- أيها السوريّ.. كيف يحلو لك أن تموت؟!
- من سيراليون إلى سوريا.. العدالة الوطنية
- مرح البقاعي تردّ على صحّاف الشام
- ألف يوم في الهولوكوست
- هل سأكون الهدف المقبل؟
- دولتان دينيّتان.. وضابط
- ليس دفاعاً عن أميركا
- المخلب النووي
- لا تتركوا الحصان وحيداً!
- حتى لا يكون جنيف 2 -أوسلو- السوريين
- الثورة العميقة
- اللاجئون السوريّون وحقّ العودة
- المرأة والإمامة في سورية
- سوريَسْتان


المزيد.....




- هذا الهيكل الروبوتي يساعد السياح الصينيين على تسلق أصعب جبل ...
- في أمريكا.. قصة رومانسية تجمع بين بلدتين تحملان اسم -روميو- ...
- الكويت.. وزارة الداخلية تعلن ضبط مواطن ومصريين وصيني وتكشف م ...
- البطريرك الراعي: لبنان مجتمع قبل أن يكون دولة
- الدفاع الروسية: قواتنا تواصل تقدمها على جميع المحاور
- السيسي والأمير الحسين يؤكدان أهمية الإسراع في إعادة إعمار غز ...
- دراسة تكشف عن فائدة غير متوقعة للقيلولة
- ترامب يحرر شحنة ضخمة من القنابل الثقيلة لإسرائيل عطّلها بايد ...
- تسجيل هزة أرضية بقوة 5.9 درجة قبالة الكوريل الروسية
- مقتل ثلاثة من أفراد الشرطة الفلسطينية بقصف إسرائيلي لرفح


المزيد.....

- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مرح البقاعي - مَجْدة والوحش: في الصراع على سوريا