سعد محمد موسى
الحوار المتمدن-العدد: 4460 - 2014 / 5 / 22 - 20:23
المحور:
الادب والفن
مثل أفراخ البط كنا نتعقب قوافل أمهاتنا العابرات نحو مراقد القديسيين والائمة
وهن محملات بالنذور الى شبابيك الاضرحة والابواب المقدسة ويتضرعن لطلب الحوائج من الغيب.
أو كنا نتبع أيضا ونجر باذيال عبايات أمهاتنا في مناسبات أخرى حيث القداس الربيعي (الدخول) أو احتفالات الاعياد. وأرواحنا كانت تهفو مابين أعذاق النخيل ومابين انحناءات أكتاف الامومة الرحيمة..
حتى يحط بنا الرحال بين البساتين فتتسارع أقدامنا الصغيرة كي تعدو خلف الفراشات واليعاسيب والارانب البرية
وأيضاً كنا نتعقب ونقلد قفزات الجراد الهارب وكأننا كناغر صغيرة تتقافز في البرية.
أو نباغت دعاسيق (غزلان البر) الغافية في سباتها القصيرة.. فنصطاد تلك الخنافس الصغيرة والملونة بقبضات أكفنا. ثم نرفعها عالياً بأيدينا نحو الشمس. ونحن نرتل بانشودة نحفز بها تلك الدعاسيق كي تحلق عالياً (يغزيل البر طير .. طير.. طارت عنك الغزلان).
حتى تستيقظ وتطير في الفضاء وكأنها تحمل أحلامنا وفرحنا وتتوارى بعيداً خلف الشمس.
ثم نعود لنتسلق أشجار السدر والتوت مرة أخرى لقطف ثمار النبق والتكي. أو نبحث عن حشائش (سميسمالله) في فضاءات الله الخضراء
...
وكانت تلك الاعياد الزاهية تسحرنا كثيراً لاسيما حلقات الراقصين وقارعي الطبول ونافخيّ المزامير . حيث النسوة والاطفال وهم يلتفون بفرح والفة حول حلقة الراقصين الذين يؤدون دبكات (الجوبي)
وكنا نرافق عوائلنا أيضاً الى رحلات السحر حيث الاهوار القريبة والبعيدة من ضفاف مدن الجنوب هناك.
لفراديس السومريين وقداس الجمال وسكينة معابد الماء بعد أن يحج المحتفين الى طواف دهشة الشروق حين يتوضأ الضوء في المياه أويطوف حول كعبة البردي ساعياً وراء قوافل المشاحيف.
ثم نذهب الى بائعات (الخريط) المستخلص من رحيق قصب البردي كي نشتري من النسوة الجالسات امام اكواخهن القصبية . وهن يمنحن لنا تلك الحلوى الصفراء باكف معفرة بالطيبة وموشومة بالحناء.
لم نغادر مملكة الاهوار الى المدينة حتى نرى سحر غروب الشمس وهو يأفل وراء القصب ومن أقاصي الاهوار.
تمر سحابة الطفولة هذة الليلة وكأني أرتق باحام الطفولة القديمة
فلاشيء عاد يواسينا اليوم من الضفاف البعيدة غير نشوة السرقات من فوق رفوف الذاكرة البعيدة.
#سعد_محمد_موسى (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟