|
ثقافتان استئصاليتان
عبدالله خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 4459 - 2014 / 5 / 21 - 09:00
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مع تراجع الثقافة الديمقراطية في مصر وسوريا والعراق، وعجز الأنظمة الرأسمالية الوطنية العسكرية عن تطوير مهام الثورة الوطنية الديمقراطية، وتفجر الثروة النفطية في الجزيرة العربية وإيران، أخذت المنطقتان الصحراويتان تهيمنان على مسرح الشرق الأوسط الديني، وتُصعدان ثقافةَ الخرافة. كان المنورون الإيرانيون يتوهمون أنهم بتصعيدهم للثقافة الدينية سوف يواجهون الهيمنة الغربية ويُحدثون الثورة الديمقراطية التنويرية، فهم يظنون أن هذه الثقافة هي وجه إيران وجذورها، مثلما أن دينيين في الجزيرة العربية توهموا أنهم بصراعهم مع ثقافة القومية العربية والتنوير والإسلام العقلاني سيجعلون الجزيرة العربية خالية من (رجس الغرب). تلتقي هذه الثقافة مع عدم المحاسبة للطبقات العليا في إداراتها المطلقة لشئون الناس، مثلما أدارتها سابقاً على مر القرون وكرستْ ثقافةَ الخرافة وقوى الإقطاع والعسكر، وصارعتْ الثقافة العقلانية وأوقفت تطور المهن والمدن، وكرستْ معلمي الحِرف الجامدين، بدلاً من أن تبحثَ في كيفية تطوير الحرف وتنشئة الصناعة، وأوقفتْ تطورَ رأس المال بمحاربتِها للفائدة وتركتْ الذهبَ والفضة يتسربان من عالم المسلمين، وبالتالي فإن أميي الأرياف والبلدات الصحراوية بدأوا يتدفقون على المدن الإسلامية المُجهَّضة من الثورة الاجتماعية والثورة العلمية، وينشرون ثقافةَ السحر ورفضَ السببية، وإنكار قوانين المادة، وهي كلها سحابة غبار كبرى توضع فوق العقول، وتسمح للقبائل الفقيرة مادة وعقلاً أن تستبيح المدن. وهو ما حدث في مدن النفط الخليجية والإيرانية ولكن بأشكال معاصرة، عبر سيطرة الريفيين على المدن الإيرانية، وانتشار البداوة في مدن الجزيرة العربية، ولكن هنا عبر الثراء، عبر تضخم الأجهزة الحكومية بموظفي العطالة، وجلب العمالة الأمية من الهند وباكستان وبنغلاديش ومن الأرياف العربية، ونشرها لخرافاتها، وجعل الصناعات جُزراً لا تغير من المحيط البدوي، وتنتجُ فائضاً يزيدُ من البذخ والكسل العقلي. وبهذا فإن كل ثقافة مذهبية تقوم بنشر المادة السحرية التي تتصور بكونها الأصل والجذر للأمة الدينية الشيعية والسنية المزيفة وهماً. فهذه الثقافة أخرجت الدواب والكائنات الخرافية لتحدد معالم العالم كيف يبدأ وكيف ينتهي، تقول إحدى الموروثات المستعادة، حول دابة تخرج فتكتبُ نهايةَ العالم: (إذا خرجتْ هذه الدابةُ العظيمة، فإنها تسمُ المؤمنَ والكافر، فأما المؤمن، فإنها تسمُ جبينَهُ فيضيء، ويكون ذلك علامة على إيمانه، وأما الكافر فإنها تسمهُ على أنفهِ فيظلم، علامة على كفره). حين يغدو العالم عبر الكرة الأرضية الهائلة والوجود بمجراته مُسيطراً عليه من قبل دابة، سحرية، مثل أن الأرض التي تقف على قرن ثور، فإن المجتمع غير ممكن اكتشافه أو تغييره عبر سببياته بل هو مرتبط بالمجهول الغيبي، مثلما أن الدابة تحدد الإيمان والكفر عبر قدرتها الإعجازية، وليس أن القيمَ مرتبطة بإنتاج الأعمال، وأن الخير تراكم نضالي في سبيل تطوير حكم الأغلبية الشعبية، والشر عكس ذلك، وبالتالي فإن سحر الدابة يوقف إرادتنا عن النضال المشترك بين العرب والمسلمين بمختلف مذاهبهم للتقدم. لكن ثقافة الدواب هذه تُنشر بين هذا الجمهور الذي فقد قدراته على فهم الرأسمالية الحكومية المتلاعبة بالفوائض النقدية، وحَولها سحبٌ كثيفةٌ من هذه المواد المختلفة، المُدخلة في تاريخ مقدس ملتبس، يُصور على أنه تاريخ الفرد المسلم، وعليه أن يندمج في ضبابه الكثيف المجهول، ويُعطى أسلحةٌ داخله. وتقوم الثقافةُ الدينيةُ السحريةُ هذه بتخديرِ الجماهير ليس في موضوع المستقبل الذي تحول إلى فيلم سريالي، بل في الماضي والحاضر، فالمذهبان الدينيان المختلفان في إيران والجزيرة العربية، لا تُبحث جذورهما، ولا يُكتشف تاريخهما، فهذا الجمهور الكثيف الذي سُحب عبر فتات المال لكي تُغسل أدمغته بهذه الثقافة، مطلوب منه أن يَتعصب ويحارب المسلم الآخر، ويُحارب مصادر الثقافة الإنسانية العقلانية أينما ظهرت. من الممكن أن تنشأ هنا مستويات معرفية من نخب صغيرة تدمج بين الدين وبعض أفكار الحداثة، لكن هذه النخب الصغيرة لا تقوم بتطوير العقلانية الدينية وهي مهمة مستحيلة في هذا الزمن القصير، بل من مهمات أجيال وأجيال، كما أن تدفق العامة الفقيرة والمتوسطة يلتهمُ الموادَ الخرافية بنهم، وهي تتحرك عبرها لتصارع بقية المسلمين المختلفين معها في المذهبية، وتصارع بقية البشر لحداثتهم أو لتباين عقائدهم، ويشتدُ ذلك في الخط الفاصل بين الأمتين الإيرانية والعربية وسمعنا مسئولين إيرانيين في وقت سابق يتحدثون عن ضرورة إبادة العرب لتخلفهم. وكان يُفترض أن يبحث هؤلاء المسئولين أسباب تباين الأنظمة وصراعها، ولماذا يتجه النظام الإيراني والأنظمة المحافظة العربية لمعاكسة تطور البشرية الراهن المتوجه للحداثة والديمقراطية والعلمانية، وأسباب تغييبها للثقافة العقلانية، وأخطار تصعيدها لهذه الثقافة على الشعوب وعلى العلاقة الأخوية المشتركة بين الإيرانيين والعرب؟
#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
غصصُ الشبابِ الخليجي
-
وثيقةُ المنامةِ: زبالةٌ!
-
حال أمة الشعراء
-
قوة الكلمة
-
تطورٌ حديثٌ حقيقي
-
الانتهازيون والفوضويون
-
العقلانية والتراكم الديمقراطي
-
الانتهازيون والحقيقة
-
ذكرياتٌ سياسية (2)
-
كوابيس الثقافة الأمريكية
-
مشكلات عمال القطاع الخاص
-
حروبٌ طائفية
-
الحزبُ الديني يرفضُ فهمَ العصر
-
مهدي عامل والوعي بالتاريخ
-
مسائل اقتصادية واجتماعية
-
الإصلاحيون الإيرانيون(3)
-
عيدٌ بأية بلوى عدتَ يا عيدُ
-
بداياتُ الديمقراطيةِ وتصحيحها
-
الإنتاجُ الفكري وضياعُهُ
-
إنتاجُ وعيٍ نفعي مُسيَّس
المزيد.....
-
تحليل للفيديو.. هذا ما تكشفه اللقطات التي تظهر اللحظة التي س
...
-
كينيا.. عودة التيار الكهربائي لمعظم أنحاء البلاد بعد ساعات م
...
-
أخطار عظيمة جدا: وزير الدفاع الروسي يتحدث عن حرب مع الناتو
-
ساليفان: أوكرانيا ستكون في موقف ضعف في المفاوضات مع روسيا دو
...
-
ترامب يقاضي صحيفة وشركة لاستطلاعات الرأي لأنها توقعت فوز هار
...
-
بسبب المرض.. محكمة سويسرية قد تلغي محاكمة رفعت الأسد
-
-من دعاة الحرب وداعم لأوكرانيا-.. كارلسون يعيق فرص بومبيو في
...
-
مجلة فرنسية تكشف تفاصيل الانفصال بين ثلاثي الساحل و-إيكواس-
...
-
حديث إسرائيلي عن -تقدم كبير- بمفاوضات غزة واتفاق محتمل خلال
...
-
فعاليات اليوم الوطني القطري أكثر من مجرد احتفالات
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|