أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد سمير عبد السلام - الشخصية الروائية، و الانحياز للحياة في رواية (أبو جلال 2000) لفوزي وهبة















المزيد.....

الشخصية الروائية، و الانحياز للحياة في رواية (أبو جلال 2000) لفوزي وهبة


محمد سمير عبد السلام

الحوار المتمدن-العدد: 4459 - 2014 / 5 / 21 - 00:55
المحور: الادب والفن
    



(أبو جلال 2000) رواية حديثة لأديب المنيا المبدع، و الروائي فوزي وهبة، و قد صدرت عن الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 2009، و يرتكز نص الرواية على تقديم الراوي للشخصية عبر مسارين رئيسيين؛ هما:
الأول: ولوج الراوي للطبيعة النفسية، و الروحية لشخصية (محمد جلال)، و مدى تجاوزه لمناخ الحقد، و الكراهية، و الانتقام، و الأطماع في بلدته القديمة؛ فهو ينحاز لبهجة الحياة، و يعانق جمال العناصر الكونية، و يتسم بالصدق في علاقته بالخال عبد الجواد، ثم بمحبوبته التي صارت زوجته / رحاب، و هو يساعد أحد أفراد خصوم عائلته حين أتى باحثا عن عمل، كما يقدر عمله تقديرا مجردا يعكس ملمحا صوفيا خفيا، يكمن في نسيج الأنساق الحتمية، و الثقافية التي ترتبط بسياق المنفعة، و التي لا يمكن أن تنفصل عن الأصالة، والتطور الروحي، و الإنساني للإنسان في النص؛ و كأن البساطة في التعاملات اليومية للعمل، تؤدي إلى الوفرة، و تجاوز النطاق المحدود لشبكة العلاقات، و المصالح اليومية؛ و قد كشف الراوي عن هذه السمات الفريدة للشخصية من خلال عالمها الداخلي الذي يبحث عن التناغم، و البهجة، و تجاوز حتمية الموت، و آلية مبدأ المنفعة معا.
و رغم ارتكاز فوزي وهبة على تقديم سيرة أدبية لشخصية من الواقع، فإن الرواية – بتقنياتها الأدبية – تعيد تقديم تاريخ الشخصية وفق رؤية تأويلية متجددة، يحاول الراوي القبض عليها من خلال عالم الشخصية الداخلي، و مسارها الفريد، و المؤثر.
الثاني: صيرورة الشخصية في السياق الواقعي للقصة الموازية لحياة البطل / محمد جلال؛ فهو يصادف الحب، و يعايشه، و يرتبط روحيا بخاله، و يعشق نبات الفول، و تفاصيل العمل، و الناس، و العمال، و يعاين لحظات البدء، و الحياة البهيجة في أبنائه، و يعاين صدمات موت الخال، و مناخ الكراهية القديم، و علمه بوفاة والديه عقب فرحته بصلح القبيلتين، ثم يجدد أثر ارتباطه ببهجة الحياة في لحظاته الأخيرة، و في وصيته التي تعكس أصالة ارتباطه الإنساني بعائلته، و بالمحيطين به؛ و صيرورة الحياة دائما ما تعكس خطوطا عديدة للحكي، و لصعود الشخصية، و هبوطها، و تناقضاتها الداخلية، و كذلك تناقض مسار الأحداث، و الأبنية الاجتماعية، و الثقافية المحيطة بها؛ فلحظة نشوء محمد جلال تتوتر فيها أنساق، و نماذج الانحياز لبهجة العناصر الكونية، و عشق الحياة المتجددة للأرض، و بنية الانتقام عند البعض، و شيوع مناخ الكراهية، و الحذر، ثم يواجه ارتباط الفرح بالحزن في أحداث لاحقة؛ مثل ولادة ابنه، ووفاة خاله معا، و علمه بوفاة والديه، و إتمام الصلح بين القبيلتين، ثم معانقته لأصالة الروح في سياق نزيف الموت، و هو وطني لا يبحث عن مكاسب سياسية، و تتجدد ذكراه في حكمة وجوده الذي يتعالى عن الأطماع، و ميكانيكية الموت.
لقد كشف الراوي عن العلاقة بين الأنساق الاجتماعية القهرية المحيطة بالشخصية، و مدى استمرار أثر العالم الروحي للبطل في الآخرين؛ و كأن قوة الجمال الداخلي تمنح الشخصية حضورا آخر، و مسارا مختلفا تزدوج فيه الإرادة، و الفاعلية المنحازة لبهجة الحياة من جهة، و إشكالية زمن الحضور، أو الوجود الشخصي بما يحويه من حكايات متقاطعة، و مسارات متداخلة لأحداث، و شخصيات، و علاقات ثقافية، و إنسانية تجسد طاقة للحياة، و تجددها في صور، و شخوص فريدة مثل جلال من جهة أخرى.
و تتسم روايات الشخصية بالتفرد كلما كشفت عن التعقيد في مسارات الشخصية، و الكشف عن حضورها الداخلي، أو تجليها كأثر متجدد في الكتابة، و الفن.
و من المقاطع التي تدل على أصالة البهجة في بنية الشخصية، و بنية المكان في النص، قول الراوي:
"و كانت الدنيا لا تسعه من الفرح عندما يرى لوزة القطن، و قد تفتحت، و اكتسى الحقل باللون الأبيض الزاهي. و غرامه بمحصول الفول حكاية تفوق الوصف، و كان يقضي الساعات الطويلة وسط هذا المحصول ...، وفي كثير من الأحايين كان يشعر أنه مثل عصفور، أو هدهد .. يجب أن ينطلق هنا، و هناك". ص 8.
و يجسد المقطع السابق انحياز الشخصية للتناغم الكوني الذي يشبه لحنا موسيقيا أصيلا، و متجددا، إذ تتكامل فيه العناصر فيما يشبه الهارموني، و التفاعل الجمالي المشبع بالسلام بين الأنا، و العلامات الكونية، و أرى أن النموذج الخيالي المهيمن على وعي الشخصية هنا هو الصفاء، و الشفافية الجمالية الكامنة في قلب الأشياء، و يدل عليها اللون الأبيض، و نموذج الهواء الذي يسبح فيه البطل مثل الطائر المتحرر، و يتفق نموذج الهواء الصافي مع تحرير البطل لذاته من حتمية الموت القديمة، و تحقيق نموذج التفاعل الجمالي المستقر في علاقاته بخاله، و عائلته، و في عالمه الجديد في المدينة.
و يكشف الراوي عن عمق شخصية البطل / محمد جلال عن طريق التأويل الاستعاري الذي يكشف عن الأصالة التكوينية الروحية التي تقع بين عالم البطل الداخلي، و أثر المكان و كينونته الفريدة.
يقول:
"يحس أنه في واقع أقرب إلى الحلم الجميل .. يتذكر الفول الأخضر، و انطلاقه في حقل أبيه وسط هذا النبات ... إنه يحب اللحظة الموجود فيها بين جدران هذا البيت، و يحب ابنة هذا التاجر من كل قلبه، و بكل ذرة في كيانه .. إن بقلبه عود حب أخضر، يثمر بداخله شعورا بالفرح". ص 56.
يربط الراوي - مرة أخرى - بين التفاعل الحدسي للبطل مع نبات الفول، و فكرة التحرر، و الحب، و الانحياز البهيج للحياة، و يبدو النبات في خضرته، و تجدده كأنه صورة تأويلية، و ثقافية للربيع، و أخيلة الخصوبة التي ترتبط بالحب في اللاوعي.
إن الراوي يستدعي الرحابة النفسية، و الكونية النابعة من اللاوعي، و المتجاوزة لآلية الموت؛ ليكشف من خلالها عن أصالة الشخصية، و تجددها في سياق التسامح، و المرح الجمالي الذي يعيد تشكيل نفسه أدبيا من حالة التفاعل المباشر مع روح الأرض إلى حالة تكرار فكرة التجدد نفسها في سياق الواقع، و المجتمع الجديد للبطل.
و قد يجسد الراوي وعي الشخصية عن طريق تقنية التبئير الداخلي الذي يقدم فيه الراوي العالم الداخلي للبطل، و يكشف عن أثر تناقضات الموت، و الحياة في الوعي؛ فبعد وفاة الخال / عبد الجواد، دخل محمد جلال شقته، و عاين روائح الأثر المتعلق بالمتوفى، و ذكرياته، فتملكته حالة ضياع، و حزن.
إن الأثر يقاوم فكرة الموت في وعي، و لا وعي البطل، و يوحي بالانحياز الخيالي للحياة المتمثلة في الطفل الجديد / عبد الجواد؛ فيبدو و كأنه تأجيل لاكتمال الموت.
و قد تتوالى الوظائف السردية الدالة على الموت، و الحياة في بعض مقاطع الرواية؛ فولادة عبد الجواد الصغير تداعت في الكتابة مع الوظائف القصصية المتعلقة بمرض عبد الجواد الكبير، و تداعى خبر وفاة الوالدين مع بهجة إمكانية عودة جلال إلى القرية القديمة؛ و هو ما يعكس تعقيد الحياة، و تعدد خطوطها المتوازية، و تجدد أثر الشخصية في الآخر، و الآخرين؛ لأنها حملت دلالة مختلفة، و جمالا ينبع من اللقاء الخفي بين الروح، و جماليات المكان، و ثقافته، و من العنصرين معا؛ خطوط الحياة المعقدة، و تفرد كينونة البطل يتشكل تاريخ البطل كما يقدمه النص الروائي لفوزي وهبة.
د. محمد سمير عبد السلام - مصر




#محمد_سمير_عبد_السلام (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأصالة المستمدة من روح المكان، و الاتصال بالثقافة العالمية ...
- حياة إبداعية ثرية للهامش في ديوان (معجم الغين) لعلاء عبد اله ...
- نحو تشكيل صوت داخلي، و زمن خاص في رواية (سفر اليقظة) لشطبي م ...
- بين النزوع الإنساني، و اتساع النظائر الجمالية للنوع ... مدخل ...
- بين النزوع الإنساني، و اتساع النظائر الجمالية للنوع ... مدخل ...
- بين المعاناة، و الإعلاء من القيمة الإنسانية للشخصية في قصة ( ...
- الهوية الجمالية، و دلالاتها الثقافية في سيرة (قلب العقرب) لم ...
- مصطفى الأسمر .. و تعدد مجالات الرؤية في رواية متتابعة الموت ...
- التجدد و التفرد و التضاعف .. قراءة في ثلاث مجموعات قصصية
- الكشف عن ثراء النصوص ، و الأفكار في نتاج عبد الغفار مكاوي
- الحكي كنغمات جمالية .. قراءة في مجموعة (الأمنية الأخيرة) لهد ...
- تجدد الذات، و تجدد العالم في قصص مصطفى الأسمر
- اللعب الجمالي، و انفتاح الرؤى التأويلية .. قراءة في ديوان سي ...
- من الآلية إلى تمرد الوعي المبدع .. قراءة في ديوان غازات ضاحك ...
- الإنتاجية الجمالية للتعدد، و الاختلاف .. قراءة في ديوان هكذا ...
- جماليات اللقطة، و التشكيل المجازي للواقع في عالم إبراهيم أصل ...
- العمل الفني ، و الجمهور النشط .. حديث لإيهاب حسن
- الولادة المتجددة للأعمال الفنية عند ثروت عكاشة
- الطاقة الإبداعية للسؤال .. قراءة في رواية اللاسؤال و اللاجوا ...
- من المعاناة إلى السلام الإبداعي .. قراءة في ديوان (من أجل ال ...


المزيد.....




- دول عربية تحظر فيلما بطلته إسرائيلية
- دول عربية تحظر فيلما بطلته الإسرائيلية
- عن -الأمالي-.. قراءة في المسار والخط!
- فلورنس بيو تُلح على السماح لها بقفزة جريئة في فيلم -Thunderb ...
- مصر.. تأييد لإلزام مطرب المهرجانات حسن شاكوش بدفع نفقة لطليق ...
- مصممة زي محمد رمضان المثير للجدل في مهرجان -كوتشيلا- ترد على ...
- مخرج فيلم عالمي شارك فيه ترامب منذ أكثر من 30 عاما يخشى ترح ...
- كرّم أحمد حلمي.. إعلان جوائز الدورة الرابعة من مهرجان -هوليو ...
- ابن حزم الأندلسي.. العالم والفقيه والشاعر الذي أُحرقت كتبه
- الكويت ولبنان يمنعان عرض فيلم لـ-ديزني- تشارك فيه ممثلة إسرا ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد سمير عبد السلام - الشخصية الروائية، و الانحياز للحياة في رواية (أبو جلال 2000) لفوزي وهبة