|
اخترنا الديمقراطية لأننا مواطنات ومواطنين
سامر أبوالقاسم
الحوار المتمدن-العدد: 4457 - 2014 / 5 / 19 - 21:28
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هناك انتقادات كثيرة من جهات مختلفة بخصوص حصيلة الحكومة، سواء على مستوى طريقة تدبيرها للشأن العام، أو على مستوى ضعف أدائها، أو على مستوى عدم الوفاء بالتزاماتها المتضمنة في البرنامج الحكومي. وبدل الانكباب على أوجه الضعف والقصور، وعوض العمل على التخطيط للمراحل المقبلة، يتم اللجوء إلى أسلوب التهجم على الملاحظين والمنتقدين. فما أجمل أن نتجرد من الخوف، الكامن في عمق موروثنا، المتسلط منه والمتدين، وأن نتخلص من الإذعان لثقافة الخنوع والاستسلام، الرابضة وراء العادات والتقاليد البالية، وأن نعيد للإنسان مكانته ومحوريته في هذا الوجود. وما أروع أن نتمكن من تحميل الإنسان مسؤولية أقواله وأفعاله، وأن نتجاوز صعاب الإكراهات المهددة لوجودنا كبشر وحضارة، وألا نستسلم لمصير ردود الأفعال العنيفة والعشوائية، التي بإمكانها أن تتحول إلى نيران تعبث بنا جميعا لتحولنا إلى ذكرى أليمة في التاريخ. وما أعقل أن نتحمل كبشر مسؤولياتنا كاملة غير منقوصة، وندرك أنفسنا كمواطنين ومواطنات في إطار عيش مشترك داخل مجتمع واحد قبل أي شيء آخر. فالتواجد في قلب فريق يقود العمل الحكومي بأي بلد غير محكوم فقط بهواجس الطموح الشخصي والحزبي، ولا حتى بالدوافع التدبيرية المؤقتة المنحنية لعاصفة ما، وإن كانت أمور المجتمعات كلها لا تُخْرِج هذه الاعتبارات ـ المشروعة حينا والضيقة أحيانا أخرى ـ من الحساب. بقدر ما هو محكوم بقواعد وضوابط عمل متزن، يروم في نهاية المطاف خدمة الصالح العام على قاعدة الاستحقاق وتكافؤ الفرص. وللخروج من دائرة الضيق والحرج، وحتى لا يُحَمَّل هذا الكلام أكثر مما يمكن أن يحتمل من معاني ودلالات في سياق حقلنا السياسي المغربي الحالي، وتفاديا للانغلاق في زاوية من زوايا الفعل السياسي القائم اليوم، لابد من التأكيد على أن هذا الكلام موجه للفاعلة والفاعل السياسيين، أيا كان موقعهما، في الأغلبية أو في المعارضة. فمن خلال استقراء بسيط لمجريات الأحداث والوقائع السياسية ببلادنا، خلال هذه المرحلة الأخيرة، يتبين أن هناك فقرا من حيث إدراك وفهم الأبعاد الحقيقية للأدوار المنوطة بمن يتحمل مسؤولية قيادة العمل الحكومي، سواء على مستوى الترسيخ المؤسساتي لمفهوم المواطنة، أو على مستوى تجسير العلاقة بين الرؤية والتطبيق فيما يخص إعطاء مضمون أو محتوى لمفهوم المواطنة من خلال الأداء الحكومي. ويبدو أن آفة هذا الفقر الفكري والسياسي، آخذ في التعاظم مع الفريق الحكومي الأخير، بغض النظر عن "شعبيته" التي طوقته مسؤولية إدارة الشأن العام من خلال هذا الموقع الحساس، الذي يتطلب الكثير من النضج والحكمة، كما يفرض نوعا من التجربة والخبرة والتبصر. كما يبدو أنه سيتفاقم أكثر وأكثر في القادم من الأيام والسنوات، إن لم يتم التدارك في أقرب الأوقات. فأن تكون الحكومة المغربية على سكة قيادة التحولات الهامة الجارية والمرتقبة في وضعنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي الحالي، معناه ـ على مستوى الرؤية ـ أن تكون قادرة على لعب أدوار ذات أهمية كبيرة في هذه المرحلة من حيث ترسيخ وتقوية مفهوم المواطنة أساسا، ومن حيث استحضار سياقات الاهتمام البشري بهذا المفهوم، وقواعد التفكير في بلورته، ونقط الارتكاز في عملية تجسيد معانيه. خاصة وأن المواطنة هي مجمل العلاقات والتعاقدات الجارية بمجتمعنا، والتي تربط الفرد / المواطن والمواطنة بمؤسسات الدولة، حقوقا والتزامات، باعتباره شخصية قانونية، تساهم في تدبير الشأن العام، وتستفيد من ثمار هذا التدبير في نهاية المطاف. والمواطنة بهذا المعنى لم تُبْنَ في التاريخ البشري من فراغ، بل تبلورت في سياق الاهتمام بالإنسان ذاته، سواء من حيث تنامي الاهتمام بالبعد الإنساني وبشروط تواجده السياسي داخل المجتمع، أو من حيث الاهتمام بمفهوم التاريخ ومسارات تطوره، وما يتعلق بالرغبة في صياغة قواعد قانونية ناظمة لعلاقات الأفراد والجماعات والمؤسسات، أو من حيث الاهتمام الكبير بمآسي الإنسان عبر مختلف المحطات التاريخية. والمجتمع المغربي ـ بكل علاقاته وتفاعلاته سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ـ لا يمكنه الخروج على هذه القاعدة، فقد تراكمت في تجربته كل هذه المعاني، التي تجعله في قلب وصميم هذه الاهتمامات كلها، مثله في ذلك مثل كل شعوب العالم. لذلك، لا يمكن استحضار مفهوم المواطن / المواطنة سوى في بعده التعددي الاختلافي، وهو ما يستدعي شرط استحضار الأسس التراثية التي شكلت دعائم الفكر المعادي للبعد الإنساني في تنظيم العلاقات داخل مجتمعنا، والعمل على تجاوز كل السلبيات التي ارتبطت به تاريخيا. خاصة وأن الأمر أشد ارتباطا براهن ومستقبل مشتركين للأفراد والجماعات داخل هذا المجتمع الواحد، وعلى صلة قوية بآلية التواصل كأداة لتبديد الحواجز التي تنتصب عائقا أمام الأفراد والجماعات داخل نفس المجتمع، وكأساس للوحدة التي تربط بين الناس وتضمن انتماءهم ليس للمجتمع وحده بل للإنسانية بصفة عامة. كما أن الأمر مرتبط بتصور واضح لمكانة الإنسان في التاريخ، بعيدا عن منطق تعميم فكرة دينية أو عرقية أو لغوية على التاريخ، لأنه لم يكن وراء مثل هذا التعميم في التاريخ البشري سوى المآسي والويلات، ولنا كمجتمع مغربي في هذا المجال ما يكفي من الأمثلة التي تغنينا عن الشرح والتوضيح. فمن بين أهم نقاط الارتكاز في تجسيد معاني المواطنة من خلال الموقع الحكومي، يمكن الحديث عن أهمية إدراك المسؤول الحكومي / الإنسان نفسه كمواطن قبل كل شيء، وأهمية وضع المسؤول الحكومي / الإنسان شرطه السياسي نصب عينيه. فأن يسعى إلى تسيير وتدبير شأن المغاربة، ذلك يعني أنه في قلب التفكير وعلى أتم الاستعداد للعمل من أجل تحسين شروط وظروف عيش المواطن / المواطنة، والاشتغال على إنجاح الاستراتيجيات وخطط العمل ذات الصلة بتجويد شروط العمل والأداء السياسي في البلاد. وهذا يقتضي أن يكون المسؤول الحكومي مدركا لكونه على قدر كبير من الأهمية على مستوى مشاركته أمثاله من المواطنين / المواطنات بدل التعالي عليهم، تحت أي مبرر كان، لأنه بذلك ينخرط في عملية تأهيل ذاته للتفكير والمشاركة في صناعة حاضر ومستقبل بلده، ولاكتسابه صفة المواطن / المواطنة. كل هذه المعاني والدلالات التي يحملها مفهوم المواطنة، لا يمكنها أن تفيد سوى أن على الحكومة المغربية أن تكون في خدمة عمليات ترسيخ وتقوية وتعزيز مفهوم المواطنة من خلال دمجها في كل العلاقات القائمة بين مكوناتها الداخلية والفئات الاجتماعية المستهدفة بعمليتي تدبير الشأن العام وتحسين شروط العيش ليصبح كريما. الحكومة المواطنة بهذا المعنى هي المؤسسة السياسية الحاضنة لمجمل العلاقات والتعاقدات، التي تربط الفرد / المواطن والمواطنة، بمختلف الهياكل المجتمعية والمؤسساتية. وهي المساهمة في تدبير الشأن السياسي والاقتصادي والاجتماعي، سواء على مستوى البرامج وخطط العمل أو على مستوى الحياة المعيشية. وهي المسؤولة عن الإنجازات عملا لا قولا. ودون ذلك، ستبقى الأمور كلها موضوع تدبير من وراء حجاب، وستظل شأن مزايدات شخصية أو حزبية أو مؤسساتية، وهو ما يجرنا إلى مآلات كنا نعتقد أن لا رجوع إليها في المرحلة الحالية. لذلك يمكن القول: نختار الديمقراطية لأننا ببساطة مواطنين / مواطنات.
# سامر_أبوالقاسم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العثور على قط منقرض محفوظ بصقيع روسيا منذ 35 ألف عام.. كيف ب
...
-
ماذا دار خلال اجتماع ترامب وأمين عام حلف -الناتو- في فلوريدا
...
-
الإمارات.. وزارة الداخلية تحدد موعد رفع الحظر على عمليات طائ
...
-
صواريخ حزب الله تقلق إسرائيل.. -ألماس- الإيرانية المستنسخة م
...
-
كيف احتلّت إسرائيل جنوب لبنان عام 1978، ولماذا انسحبت بعد نح
...
-
باكستان ـ عشرات القتلى في أحداث عنف قبلي طائفي بين الشيعة وا
...
-
شرطة لندن تفجّر جسما مشبوها عند محطة للقطارات
-
أوستين يؤكد لنظيره الإسرائيلي التزام واشنطن بالتوصل لحل دبلو
...
-
زاخاروفا: -بريطانيا بؤرة للعفن المعادي لروسيا-
-
مصر.. الكشف عن معبد بطلمي جديد جنوبي البلاد
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|