دولة كوردستان ودول الشرق الأوسط

فؤاد حمه خورشيد

الحوار المتمدن-العدد: 4457 - 2014 / 5 / 19 - 20:25
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

المطالبة العلنية الكوردية بتأسيس دولة كوردية ليست حدثا انيا، ولاهي مطلب خيالي ، او محرم . فالشعب الكوردي ، شعب مستقل، عريق، ومتميز حضاريا وثقافيا ولغويا ضل محروما من هذا الحق رغم مطالباته وثوراته العديدة المسحوقة، فهذا الشعب ضل مقهورا رغم زوال عهد الامبراطوريات وتحرر العديدمن الشعوب من طغيانها وتسلطها وتأسيس كيانات سياسية قومية مستقلة لها.
اصبح الشعب الكوردي بعد زوال تلك الامبراطوريات( الفارسية والعثمانية) ضحية جديدة من ضحايا مؤتمر فرساي عام 1919، فبدلا من ان يحول الحلفاء ارض كوردستان الى دولة مستقلة باسم (دولة كوردستان) ، تم تشظية كوردستان الى اجزاء الحقت بدول جديدة انشأها الحلفاء دون الالتفات الى رغبات الامة الكوردية، وهذه الدول هي العراق وتركيا وسوريا اضافة الى الجزء الملحق، قبلا، بايران .
ورغم ان ذلك المؤتمر أقر بحق تقرير المصير للأمم والشعوب ، في ان تتصرف بمصيرها واراضيها ومواردها البشرية والطبيعية، وان تختار طريقها السياسي الخاص بتطورها، الا ان الامة الكوردية حوربت وحرمت من هذا الحق حتى يومنا هذا . وتبرز مظلومية الامة الكوردية في هذا المجال من كونها امة تستنير بالهام ماضيها كامة واحدة قاومت على مدى قرون عديدة كل الغزاة الذين اجتاحوا منطقة الشرق الاوسط ، وحافظت على بقائها في موطنها الجبلي (جبال زاجروس) دون ان يزيحها عنها اي منهم. فضلا عن لغتها الموحدة المميزة ، وتطورها التاريخي وعلاقتها الاقتصادية الداخلية والخارجية، وحضارتها ووعيها القومي .
في مؤتمر فرساي المشار اليه انفا(مؤتمر السلام بباريس) عام 1919 جرت أول محاولة جادة لتأسيس دولة كوردية وفقا لمعاهدة سيفر(10 أب 1920)تضمنت جزءا من اراضي كوردستان تركيا و كل ولاية الموصل ، وليس بالمساحة التي كان يطالب بها رئيس الوفد الكوردي ، الجنرال شريف باشا،في ذلك المؤتمر ، مع ذلك اعتبرت هذه المعاهدة اول محاولة دولية تعترف بحق الامة الكورية في انشاء دولة كوردية مستقلة ، ومع ان هذه المعاهدة لم تطبق ، بل استبدلتها بريطانيا بمعاهدة لوزان (24 تموز 1923) مع تركيا الكمالية ، التي كانت تمهيدا لصدور قرار عصبة الامم القاضي دمج ولاية الموصل بدولة العراق(ولايتي بغداد والبصرة) التي انشأتها بريطانيا في عام 1925، بعد ان كانت هذه الولاية جزءا من دولة كوردستان بموجب المادة 64 من معاهدة سيفر اعلاه .
منذ ذلك التاريخ اصبحت اية فكرة باتجاه بلورة مشروع لانشاء دولة كوردية مستقلة تلقى معارضة شديدة وفورية من قبل الدول التي حصلت على حصة من اراضي وشعب كوردستان وهي تركيا وايران والعراق وسوريا مجتمعة لشعورها ان اقامة اي كيان سياسي كوردي مستقل سيلزمها بالتخلي عن اقاليم كوردستان الملحقة بها قسريا ، والتي اصبحت اليوم تمتاز بغناها بالكنوز الطبيعية وخصوصا النفط . ولما كانت القوى الكبرى تنظر الى علاقاتها مع الدول الاخرى من زاوية مصالحها الذاتية والستراتيجية، فقد لجأت هذه القوى ، هي الأخرى ، استنادا الى ذلك الى التوقف عن ابداء أية مساعدة او تأييد للكورد في قيامهم بهذا المسعى انسجاما مع علاقاتها مع تلك الدول المحتلة لكوردستان .
مع ذلك ، قدم فريق من القوميين الكوردعام 1945مذكرة مع خارطة لكوردستان الى المؤتمر التأسيسي لهيئة الامم المتحدة الذي عقد في سان فرانسسكو الامريكية متظمنة المطالب الكوردية بتأسيس دولة كوردستان . وفي 29 تشرين الثاني عام 1948 قدمت لجنة كوردية مذكرة اخرى وخارطة اكثر دقة الى تركيف لي السكرتير العام لهيئة الأمم المتحدة في باريس حول نفس الموضوع .
يبلغ عدد سكان كوردستان ما بين 30 – 40 مليون نسمة، اما مساحة كوردستان فتقدر ب500000 كم مربع، والسبب في عدم وجود رقم دقيق لعددهم هو عدم موافقة الدول الملحق بها اجزاء ن كوردستان على اجراء اي تعداد سكاني دقيق يظهر العدد الحقيقي للكورد فيها والذي لا تريد الاعتراف به، وهم بهذا الحجم يشكلون رابع قومية في الشرق الاوسط ، وربما الأتعس حظا ، واكبر مجموعة اثنية ليست لها لحد الان دولة مستقلة خاصة بها .
ان هذا الوضع الدولي المجحف بحق الامة الكوردية لا يمكن ان يبقى هكذا الى ابد الابدين، لأن تحرير واستقلال العديد من الشعوب غالبا ما يأتي مرتبطا ومتلازما مع الأزمات الدولية والحروب الكبيرة التي غالبا ما تتمخض عن تغيرات وتطورات في خارطة العالم ودوله ، كما حدث ذلك بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية وكذلك بعد انتهاء الحرب الباردة ،وليس مستحيلا أن يحدث مثل ذلك لاقامة الدولة الكوردية طالما اصبحت كوردستان(ساحة يتصارع عليها الدوليون والاقليميون)لأهميتها الستراتيجية عبر التاريخ كمنطقة دفاعية وبسبب ثرواتها الاقتصادية الهائلة وفي طليعتها النفط والغاز.

أ.د.فؤاد حمه خورشيد

#فؤاد_حمه_خورشيد (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات