أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - عندما يصبح أولمرت خائنًا














المزيد.....

عندما يصبح أولمرت خائنًا


جواد بولس

الحوار المتمدن-العدد: 4454 - 2014 / 5 / 15 - 09:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


عندما يصبح أولمرت خائنًا

جواد بولس

أثار قرار قاضي المحكمة المركزية في تل أبيب، دافيدروزين، ردود فعل متضاربة داخل المجتمع الإسرائيلي، وخصوصًا في أوساط النخب وبين فقهاء في القانون ومحترفي السياسة، فتفاوتت مواقفهم بين مؤيد له جملةً وتفصيلا وبين منتقد للقرار بشقّيه؛ العقوبة القاسية والديباجة الحادة التي لم يسبق لقاض في المحاكم الاسرائيلية أن طوّعها ليبرر حكمًا في حق متهم من فصيلة أولمرت وصحبه من المتهمين الثمانية المدانين معه، وكلّهم من عِلية القوم وسادته.

فبعد أن أدان القاضي المتهم أولمرت بجرائم تلقي الرشاوى وتهم أخرى، وصف أفعاله "بالخيانة" و"بالجشع الخنازيري" وبسيل من الأوصاف التي تليق بمحاكم وقضاء العالم السفلي ومجرميه. 

لا أكتب كي أنحاز لأي من المعسكرين، فما فعلته زمرة المتهمين وأولمرت هو جريمة خطيرة، وعليهم أن يدفعوا ثمنها بسنوات سجن طويلة تكفل إبعادهم عن مراكز القوة والتأثير.
 كما أنني لا أبالي لما سيخلقه من حرج دخول أولمرت ومعه مخزون ما يعرفه من أسرار ومعلومات إلى واحدة من أخطر الساحات وأكثرها قذارة وحساسية، وهو الذي سيكون بمقربة وصحبة مجرمين، وفيهم من كل وكر "فأرة"، ولا لقساوة ما ورد من ألفاظ وأوصاف بدت غريبة على كياسة اللغة الدارجة في قرارات قضاة المحاكم، لا من أجل ذلك أكتب، بل لأثير بعض القضايا التي غابت عن أقلام كتّابنا وخطابات سياسيينا، ولأطرح أسئلة قد يكون لها أثر ومعنى على حياتنا، نحن العرب الساكنين في إسرائيل.

فهل،مثلًا، يعتبر هذا الحكم شهادة على استقلالية ونزاهة القضاء الإسرائيلي وقوة واستقامة قضاته؟
 هل بتقديم رئيس حكومة أسبق وثمانية من رجال المال الأقوياء شهادة على نزاهة أجهزة التحقيق والنيابة وشفافيتها؟
وهل تعتبر الإدانة نصرًا للحق العام من شأنه أن يعزز سلطة القانون على ما تعنيه هذه القيمة العليا في نظام حكم الدولة الحديثة، وكما كنا نريدها كمواطنين في الدولة؟
وأخيرًا، ماذا يعني تقديم هذا الكم ومن "نوعية" هؤلاء المتهمين، لا سيّما وقد سبقهم الى زنازين السجون، رئيس دولة ووزراء ورؤساء بلديات وقياديون في الجيش وقاض في محكمة مركزية وكثيرون أدينوا في السنوات القليلة الماضية؟
 هل يعتبر هذا دليلًا على نجاعة النظام ووقوفه في وجه الجريمة والمجرمين؟  

قبل سنوات قمت بتمثيل شاب فلسطيني اتهم بطعن وقتل جنديين إسرائيليين. وقف الشاب في المحكمة المركزية، وأعلن أنه لا يعترف بالمحكمة ولا يهمّه ماذا سيكون حكمها، فهو مقتنع بما فعل، وطلب إعفائي من مهمة الدفاع وأصر على موقفه.
تفاصيل القضية، على أهميتها، ليست ذات علاقة هنا، فبعد عدة جلسات حكمته المحكمة بمؤبدَين. استأنفت النيابة العامة للمحكمة العليا وطالبت أن يُحتسب الحكم تراكميًا، فقضاة المركزية لم يكتبوا ذلك في قرارهم، مما سيؤدي إلى احتساب الحكم مؤبدًا واحدًا فقط.
استدعاني قضاة العليا وطلبوا أن أقدم مرافعتي خطيًا، لأنهم اعتبروا القضية سابقةً سيعطون فيها قرارًا مبدئيًا. حاولت التملص، فالشاب لا يريد أن يتعاطى مع القضية، وهو غير مكترث لما سيقرره القضاة.
 لم أمتثل للقرار في الوقت المحدد. بعد ستة شهور هاتفني السكرتير الأول للمحكمة عاتبًا، ونقل لي "زعل" القضاة علي وطلب أن أكتب صفحةً واحدةً من أجل البروتوكول وصحة الإجراء الصوَرية!
بعثت موظفتي لتقوم بتصوير لائحة ادعاءات قدمتها النيابة العامة للمحكمة. ذهبت الموظفة، وقامت بتصوير كل ما وقع تحت يديها وعادت. فوجئت لمّا فتحت الملف، فقد كانت أمامي رزمة أوراق مكتوبة بخط  يد القاضي، وكانت عبارة عن قرار حكم كامل جاهز.
 قرأتها فذهلت. كتب القضاة قرارهم وخلال استعراضهم تطرقوا إلى لائحة ادعاءاتي التي لم تصلهم أصلًا. لقد تخيّل واجتهد  القاضي، كاتب النص، ما بوسعي أن أدعيه، فسرد ذلك بحرفية وبأدب، وفنّد، بعد ذلك، ادعاءاتي! واحدًا تلو الآخر.
أنهيت القراءة حائرًا خائرًا غير مصدق ما رأيته. رن الهاتف بجانبي، وكان صوت متهدج يخاطبني بذهول. سكرتير المحكمة يعتذر على الخلل، ويبرر كيف أعطى السكرتيرة كل الملف دون أن ينتبه لتلك الاوراق،  وأكمل شارحًا لي ما قد يصيبه جرّاء ذلك! ضحكت بملء فمي ووعدته أن لا أنشر عن هذه الحادثة إلّا في وقت لا يؤذيه نشرها، فهو في النهاية كان وراء الخطأ، والقاضي كان في البداية والنهاية الفضيحة. 

في علم القانون مقولة شائعة تفيد أن القاضي هو ابن لشعبه ويعيش بينهم ومعهم، هكذا علّمنا فقهاء القانون ليؤكدوا للعامة أن القضاة لا يعيشون في أبراج عالية، وأنهم من صلب الشعب وأبنائه.

قد يكون القاضي روزين مستقيمًا وقويًا، وقد يكون عادلًا لكنه، عضو في جهاز بدأ التلف يضربه من القاعدة لرأس البرج الذي أصبح زجاجُه مستهدفًا من حجارة "تدفيع الثمن" وآبائهم. فالمجتمع الإسرائيلي يشهد تحولات سريعة وخطيرة، وفيه تتشكل منظومات قيم لن تترك للقانون سلطة ولا للاستقامة مكان. تزاوج المال الفاسد مع السياسة الفاسدة وتشكيلات اجتماعية تؤمن بغيبيات شيطانية،  ينسف ما كان قائمًا في المجتمع الإسرائيلي، ويقضي على نخب ذلك الزمن الذي عرف بعض البقايا من قيم الليبرالية الديمقراطية.

حكام ذلك الزمن صاروا مجرمين، فالنظام كلّه صار، أيّها القاضي، نظامًا خنازيريًا، وكما في الحظائر هكذا هنا، فلن يبقى على سدة الحكم إلّا "الفحل" وسلالته من الفحول. أولمرت وزمرته ومن على شاكلتهم أنهوا دورهم الاجتماعي والتاريخي ومكانهم صار وراء القضبان كما يليق بالخونة!
ويبقى السؤال أين سيكون مكاننا نحن العرب؟ فهل سيكتفي سادة النظام الجديد لنا بالسجون منازل؟ 

أعداد الفاسدين دليل على مرحلة مرّ بها النظام والمجتمع الإسرائيلي في رحلته صوب الهاوية، ملاحقة هؤلاء  ومحاكمتهم ووصفهم بالخونة وما إلى ذلك دليل على من سيكون سلطان الزمن القادم، أمّا نحن العرب فلقد كنا ضحايا ديمقراطية مهيضة كاذبة عرجاء، وهذه تسجل آخر هزائمها في "حروب اليهود"..
 والبقية قد تأتي في كتب تاريخ المستقبل.



#جواد_بولس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- توفيق زيّاد البعيد القريب
- الشعب لا يريد- دفع الثمن-
- التغيير والاصلاح في المحكمة العليا
- أحبوا بعضكم بعضًا - كانت الوصية -
- محامون تحت نارين
- في القدس، ألهوية الزرقاء إن حكت
- حين نتقاتل على السماء نخسر البلد
- أعدلٌ وناصرة عليا؟
- تاريخ أخرس
- لكُنَّ في آذار السلامة والحب
- لماذا وُلدّتَ يا عمر ؟
- ليت الفتى إمرأة
- لا للتجنيد: صرخة أو صرختان
- حق إضراب ألأسرى عن الطعام لا يمس
- بين كيري وقدسنا بندقية
- ألحريّة لمرّوان البرغوثي
- عنجهية VIP
- عند العقدة يبرع النجّار
- أمل وحرية بحجم السماء
- صمت الغنائم


المزيد.....




- بضمادة على أذنه.. شاهد أول ظهور لترامب بعد محاولة اغتياله وس ...
- بلينكن يعرب لمسؤولين إسرائيليين عن -قلق بلاده العميق- بعد غا ...
- الجيش الأمريكي: الحوثيون هاجموا سفينة تملكها إسرائيل في البح ...
- نتنياهو أمر الجيش بعدم تسجيل مناقشات جرت -تحت الأرض- في الأي ...
- فرنسا دخلت في مأزق سياسي
- القوات الجوية الأمريكية ستحصل على مقاتلات -خام-
- 7 أطعمة غنية بالألياف تعزز فقدان الوزن
- مرشح ترامب لمنصب نائب الرئيس.. كيف ينظر إلى الحرب بغزة؟
- ناسا تنشر صورة لجسم فضائي غير عادي
- الدفاع الروسية: إسقاط 13 مسيرة أوكرانية خلال 24 ساعة في عدة ...


المزيد.....

- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - عندما يصبح أولمرت خائنًا